الخميس، 11 يناير 2024

مختارات شعرية لجمال الدين بن الشيخ



ترجمة: سعيد خطيبي


جمال الدين بن الشيخ (1930-2005)، أديب، ومترجم وشاعر جزائري، عُرف خصوصا بترجمته المتكاملة، بمعية جون ميكال، لكتاب /ألف ليلة وليلة/ الى اللغة الفرنسية. أستاذ محاضر بجامعة الجزائر، قسم الآداب، سنوات الستينيات، كتب في مختلف الأنماط الأدبية، الشعر خصوصا، حيث نشر عديد المجموعات، نذكر منها: الرجل القصيدة (1983)، صحارى أين كنت (1994)، حديث صاعد (1997) وغيرها. المقاطع الشعرية الموالية مستمدة من مجموعة 'غنائية للجزائر' (صادرة عن منشورات المرسى، 1997)، حيث نستشف من خلالها تأثر مخيال الشاعر بالتراث المشرقي والانغماس في التناص مع النص الديني.

هكذا تحدثت شهرزاد


اخرجي من الرمل أيتها الوجوه المحنطة! حان موعد التعري من الأقنعة. تقدمي خطوة خطوة على أوراكك الأميرية للقاء ضيائنا. ابسطي زخارفك المبيضة، أشرعتك المصبوغة بلون العاصفة، وتظاهري بالموت. تزحف مطاياك الخفية بثقة، الأبصار متجهة غربا.

أيها الخلفاء الصغار الذين سيقتلون قريبا، لتلف أجسادهم بسجاد، أيها الوزراء ذوو النظرات الصارمة، حفظة الأختام الذين تنحني لهم الأعناق، وانتم الأمراء المرفقون بحرير النبوة في الطريق الى البازلت الداجي، أيها الأمراء المتناثرون بين قرطبة

وبغداد، الممسكون بصليب القدر براحة اليد، وانتم قضاة القضاة، سادة سداد الرأي.


تقدمي يا ظلال المعجزات. واصلي صلواتك وضعي جبهتك على صمت الصوامع. دعي دمك يتغلغل الى صلب مكة المهددة. ذكرينا بأغانيك، حتى لو أننا لم نعد نؤمن بان التاريخ متمسك برخام القصور. دعينا نستلذ مرة أخرى بدوار الطفولة.


وانتم أيها الخلفاء المطوّقون بالأغلال، هبوا غضبكم للغمد. لا احد يتكلم غيري إلا أنني سأتكلم بفم مغلق. ادعوا شعراءكم لإنشاد مفاخركم القديمة. انتصاراتكم ضد الفرس أو بيزنطة وحتى انتصاراتكم ضد المغرب المنكمش. ادعوا مطربيكم لأداء رسن حيث تتناثر الكلمات المملة المبعثرة كرقص حلقي. هل قلتم بدعة؟ أبصرتموها إذا في القران. لكنها صارت بالنسبة لهم لحن قوس كمان فريد. اسألوا شعراءكم أن يَنسوا الشعب وبطولاته، أن يجدوا قافية لاسمكم لترصيع خصر قصائدهم. يتظاهرون، تحت نظرتكم المجعدة مرارة بكثرة البهتان، بالبطولات طمعا في بقاع الغفران. اطمئنوا إنهم غير مطلعين على الآيات التي يهمهم بها الشقاء هذه السنوات الهجرية حيث يعشش الإجحاف.


نعبر في قصوركم أفاريز حيث يذكر اسم الله خلف الستار. يفكر الخليفة اليافع، الممدد على عرش الحرير، في السهرات متعلقا بذكرى العناق حيث يرتجف الاحتضار. إذا، انتم، يا موسيقيي الموصل، حملة العود بنبل على الكتف المُرْهقة، اعزفوا أوتار التاريخ كي ترج ألحانكم طفولة الأرض. خذوا بيت حب عن هذا الأعمى، عن هذا الهرطقي المقتول، الذي تنبأ بجسد المرأة وسخره لنفخ الكلمات وتشكيل الجمل لأرجحة القصيد. فليبحث كل عن نغمته وليهبها لساعة الاحتضار التي صارت اقرب من عذوبة الصوت الذي كلما بلغنا سمعه صرنا نخشى النجاة.


مدوا شفاهكم قبل الغروب واتلوا بعض السور. سيحين آنذاك موعد سفك دم عذراء

وسيحن موعد صب الدم على فخذيها. لم يسبق لكم سوى مجامعة الملائكة وتجهلون لذة العاشقة الخالدة. أصغوا لمشايخكم العجاف كيف يدرسون النحو والقداسة بأصابعهم الرملية حيث تنهمر ذاكرة تاريخ لا يفنى. ذكريات تتطلع لمستقبل آخر. اعرف مشايخ من مراكش لا يزالوا يلوثون الآيات بلغة مثخنة إرهاقا.

ليت البحر ينصرف

عن نحت صخور الريف.


النجدة


لو احرقوا كتبنا لن نجد عرينا

نار على سفح الجبل حُباحِب

تسيح من سماء لأخرى

لا تجتر حرفا إلا طلباً

للنجدة

لو يقذفون كتبنا في البحر سيشِف

الماء

سيعيد البئر فتح قاعه

ستجتاز القبيلة من مخاض لآخر

عزلتها صوب مجاميع

الكلم

حيث تتدلى أناشيد النُّصب العذبة


لو يدفنون كتبنا سيرتشف

الطين صمتهم

ستخلق الأجراف صداها ستهمس

الأوراق بالضياء المنبعث

سيبتسم الحبر لوجه الشمس

لن نشهد حرثا

يتجنب قصيدنا

أَكتب احتفالا برحيلك

أيها الأعزل الممدد تحت الصباح

بوادر خطاب الرب ترتسم على عتبة

بيتك المُفدى


لم ينتكص البحر رعبا

لم يُثْنَ الطريق

كسجاد

متخليا عن المدينة البكماء

الحقيقة أن الأرض ارتشفت فائض

دم

كما أن الراديو يذيع كثير البهتان

بحثت الكلمات عبثا عن صوتك

بحثت عبثا عن يديك التي تجمعها

كقطيع متجه صوب الذاكرة

ثم ساحت

عَزَفت عن رسم جُمَلٍ

بحجارة الصمت

الحجارة المتعانقة من فجر

لآخر

لحياكة نسيجها الأحراش


تمددت على القصيد لترحل طاهراً

اختبأت تحت القصيد

صرت شاحب الوجه شفافا

كالكلم

الذي لا يجد وقتا للحديث

تحَلَق الريح حول مقلتيك

بسطت الأشجار بيأس

أوراقها صوب الضياء

عواء رضيع ندما

عن لحظة الميلاد


هتاف مجهول


دع عنك هذا إنها أجمل بلا أوراق

ليس الضياء عارياً سوى لذاته

يُحكى البياض بلا انفعال

يستعد الكون للانسلاخ

اختبئ انتظر تجنّد المساء

على قبضة يدي

تعريت من ذاتي

لا شيء يسقط بلا عدم وارسم

هاوية كهبَاء

أنا المعتوه وليد الصدفة

منتشيا بلا آية

ارفع الكريستال المشقوق ارتشف البرص

ثم ارتشف الطاعون

ترسم يداي

رئة تنزف

لا تزال هناك بعض الزرقة

بعض الكحول المعذب

الجامع لذاكرة مطموسة

ملفوفة بحرير مصنّع

كي يرتج الكفن.


23-11-2008


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق