الثلاثاء، 30 يناير 2024

السينما في تونس - 4


محمد عبيدو 

 أظهرت النساء في التسعينات تأثيرا متزايدا في السينما التونسية، ففي عام 1995 عادت سلمى بكار بعد 17 سنة بفيلم روائي جديد هو " رقصة النار"

و سبق عودتها ظهور كلثوم برنازبالفيلم القصير "تونس .. بنظرة النورس " عام 1991 ، ونادية الفاني في باريس بالفيلم القصير "مناصفة حبي " عام 1992 و مفيدة تلاتلي بفيلم "صمت القصور" عام 1995 في ظل تراجع موقع المرأة العربية ومكانتها نتيجة تصاعد موجة التطرف والعنف ، اختارت المخرجة التونسية مفيدة التلالي ، في أول فيلم سينمائي طويل لها ، أن تعالج مشاكل المرأة التونسية وأوضاعها الراهنة .

وبشكل فني متميز استطاعت المخرجة أن تلفت الأنظار بقوة إلى المعاناة التي تعيشها المرأة التونسية وذلك دون أن تسقط في متاهات السينما المباشرة .

ومفيدة التلالي ، مونتيرة أصلاً ، درست السينما في معهد الايديك بفرنسا ، وتخرجت عام 1968 ... وقامت بعمل مونتاج أفلام عدة مهمة :

(( عمر قتلته الرجولة )) لمرزاق علواش ، (( نهلة )) لفاروق بلوفة ، (( ظل الأرض )) للطيب الوحيشي ، (( الذاكرة الخصبة )) لميشيل خليفي (( عبور )) لمحمود بن محمود ، (( الهائمون )) لناصر خمير ، و (( حلفاوين )) لفريد بوغدير .

وتستعيد مفيدة في (( صمت القصور )) أجواء قصور البايات القديمة وحكاية المغنية عليا (( الممثلة غالية لاكروا )) التي تؤدي وصلتها في أحد فنادق العاصمة تونس اليوم ، ليخبرها لطفي بموت (( سيدي علي )) الذي كانت أمها (( خديجة )) تعمل كخادمة له ولعائلته .

تتجول الشابة في أرجاء القصر لتستعيد مأساة والدتها وغموض أبوتها والعوامل التي تجعله يرفض البوح بالسر ويحتفظ به في (( صمت القصور )) رغم شكوكها بأن (( سيدي علي )) هو الأب الذي اعتدى على أمها ذات يوم ، في النهاية تعلن عليا قرارها الاحتفاظ بجنينها الذي نعرف أنها حامل به منذ البداية ورفض لطفي إبقاءه .

في الفيلم يتوالى (( الفلاش باك )) على ذهن عليا ... وزمن مشاهدة الفيلم ، مدة الساعتين إلا ربع الساعة ، وهو الزمن نفسه الذي تستغرقه زيارة البطلة للقصر ... وفي هذه الزيارة لا يكاد يحدث شيء ... سوى الاستماع إلى طرف من حديث السيدة العجوز ، كبيرة الخدم ، التي أضحت وحيدة ، ضريرة ، بالإضافة إلى ذكريات (( عليا )) التي قد تبدو مبعثرة ، مشوشة إلا أنها ، في مجملها ، تصنع بنية الفيلم وتستعرض حياة المغنية ، وتبين الأسباب التي أدت إلى أن تغدو (( عليا )) مغنية شهيرة محطمة الروح ...

يرسم لنا الفيلم علاقات القهر القائمة داخل القصر بين السادة والخدم .

فالقانون السائد هو الصمت إلى أن يأتي صرخة مدوية ، تصورت المخرجة أنها تأتي عن طريق الغناء لتحرر البطلة (( عليا )) التواقة للفرار من قيود القصر وصمته القاتل ، ولتبدأ مشواراً جديداً مخالفاً لمشوار أمها الخادمة التي لم تتجاوز خطواتها ونظراتها حدود القصر ، وتدور أحداث الفيلم في سنوات الخمسينات أثناء مرحلة النضال من أجل الاستقرار والحرية يترافق مع ذلك إحساس مجموعة من نساء القصر بمدى معاناتهن الخروج من هذا الوضع الذي يشبه بالضبط الاستعمار الذي يفرضه المحتل على الوطن .

(( صمت القصور )) فيلم حساس ، رقيق ، مشبع بالحزن ، يفيض بشاعرية مرهفة ... إنه صرخة حب قبل فوات الأوان

و عام 1996 انجزت المخرجة ناديا فارس فيلمها "عسل ورماد "كما انجز فريد بوغدير "صيف حلق الوادي" الذي جمع فيه نجوماً من السينما العربية والأوروبية وحلّت فيه كلوديا كاردينالي ضيفة شرف.ويبدو الفيلم كمزيج من الهواجس الشخصية التي تتيح لنا ان نصنف الفيلم في خانة السيرة الذتية , المخرج هنا يحن الى المكان الذي عرفه صغيرا فيجعلنا نحلم بمكانه الذي صنعه ...و فيلم (( السيدة )) العمل الروائي الطويل الأول للمخرج التونسي ( محمد زرن ) ، وفيه تميز خاص بلغته البصرية وموضوعه ، وتعامله الخاص مع المكان وناسه .

حي السيدة قرب العاصمة، لقاء بالمصادفة ما بين شاب متمرد اسمه نضال( قام بالدور فتى فقير من سكان الحي نفسه ) يتورط شيئا فشيئا في السرقة، بما يقوده لمحاولة الانتحار. وفنان رسام اسمه أمين ، يجتاز أزمة إبداع في

 وقت يحضر فيه لإقامة معرض . يحاول أمين أن يقنع نضالاً بأن يكون موديلاً له ، ويتبعه إلى حارته ، السيدة ، التي هي عبارة عن تجمع سكاني ناتج عن الهجرة الريفية وقد سمي باسم الزاهدة (( السيدة منوبية )) التي كانت تغزل الصوف لتطعم اليتامى والمساكين ، وبفضل نضال ، يكتشف أمين هذا العالم المطبوع بعنف الشبيبة المقتلعة من جذورها ، وتلك القسوة التي تجرح الدواخل الطبيعية المنكسرة ... نضال ، الذي يتحمل سوء معاملة والده المدمن على الكحول لأنه لا يجلب المال ، يغرق في الانحراف والجنوح . لدى عودته من منزله ، يقرر أمين ، المضطرب ، إلغاء معرضه والانتقال للإقامة في السيدة لكي يبدأ حياة جديدة ... هذا الانتقال يسبب له إشكالية عاطفية مع خطيبته (( سونيا )) التي لا تتلائم مع البيئة المغرقة بشعبيتها ، وتسعى للانتقال إلى مدينة قرطاج .

ينقل أمين هذا الجو وأحلامه من خلال الرسم ، إلى عالم من الألوان والضوء . ويحاول أمين بصورة فاشلة أن يؤثر على مصير نضال واندماجه في مجتمع الحي ....

يبتعد نضال عن أمين ويجنح إلى عالم آخر ، عالم العصابات وسرقة البيوت وهنا يحاول أمين أن يستعيد توازنه لكن نهاية نضال تقول له أن الحياة هشة يشدها خيط رقيق .

عبر كاميرا نظيفة وحبكة درامية متقنة ، نجح المخرج ( محمد زرن ) بإيصال عالم فيلمه إلى الناس الذين أعجبوا بالفيلم وبأداء ممثليه : الشاذلي بوزيان في دور نضال رغم أنه يقف أمام الكاميرا الأول مرة وأمام ممثلين كبار مثل هشام رستم في دور أمين ومريم عمرو شان وعبد الله ميمون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق