الجمعة، 27 فبراير 2015

“كتاب العالم، عالم كتاب”.. المصور الإيطالي فرانسيسكو غاتوني للأثر: أبقى أطارد الضوء حتى أكتشفه مثل الذي يطارد المرأة الغامضة



الأكثر تميزا وإبداعا في الطبعة السابعة لمهرجان أدب وكتاب الشباب في الجزائر العاصمة هو معرض المصور الإيطالي فرانسيسكو غاتوني بعنوان “كتاب العالم، عالم كتاب” والذي يمكن مشاهدة أعماله في محطات المترو “تافوره وحديقة التجارب والمعدومين” وأيضا برياض الفتح مقر النشاط الفعلي للمهرجان الذي يعد رحلة عبر عالم الفن والأدب العالمي عبر سنوات طويلة، ابتداءً من 2003 من خلال 50 بورتريها مرفوقة بنصوص لشخصيات مختلفة.

في نص خصّصته لمعرض فرانسيسكو غاتوني، قالت صوفي ماليكسي، صحفية بجريدة “لوموند” الفرنسية، وهي تحلّل نظرة هذا المصوّر المتميّزة: “إنه رجل من الجنوب، يجعل من النور حليفه الرصين، يقبض بملامحه ويغيّره ليرسم خطوطا واضحة وآفاقا وهندسة حيث يتّخذ الكُتّاب مكانتهم في إطار يتحكّم فيه.... يكون نجاح البورتريه في هذا التبادل الحاذق بين المصوِّر والكاتب، في هذه العلاقة الغريبة للسلطة، للمقاومة، للاتفاق الصامت أو للتراخي الذي يسمح لصاحب العدسة بأنْ يمسك عند “الآخر” بشيء من السرّ. بهذه الكيفية التي يملكها فرانسيسكو غاتوني في النظر إلى البشر، فإنه ينتمي إلى نوع من القنّاصين الذين يجب حمايتهم.”
ولدغاتوني في روما عام 1956، أقام في باريس منذ 1979. بدأ اهتمامه بالتصوير في بداية الثمانينات. في 1985 أنجز أول تحقيق مصور له في النيبال وأقام معرضه الأول في باريس. في 1987 بدأ عمله المهني بجريدة “لوموند”، واشتغل معها لمدة 17 سنة وكان متخصصا في بورتريهات الكتاب، وفي 2003 عمله التصويري بإقامة معرض “كتاب العالم، عالم الكتاب” في أروقة مكتبات “لافناك” في فرنسا ثم في دول أخرى. وبالتوازي مع تصوير الكتاب، أنجز غاتوني تحقيقات في بلدان العالم من بينها مصر، النيبال، موسكو، رومانيا، سردينيا، كوبا... في 2008 نشر كتابا في فرنسا بعنوان “كوبا دروب الصدفة” مع نصوص للكاتبة الكوبية كارلا سواريس. ومن بين الأعمال المنجزة والتي نشرها في الصحافة في 1998، سلسلة صور حول المهاجرين “بلا وثائق هوية” والذين رافقهم لمدة سنة كاملة في أماكن عملهم وإقامتهم والجهود المبذولة لتسوية أوضاعهم، وفي 2009 أنجز لمؤسسة “ايمايوس” مجموعة بورتريهات للأجانب الذين يعيشون في فرنسا بهذه السلسلة المعنونة “الأوديسات الصامتة” بالتعاون مع الكاتب خوزيه مانويل فاجاردو الذي كتب النصوص ...
التقت “الجزائر نيوز” فرانسيسكو غاتوني Francesco Gattoni‎‏ في حوار أضاء عالم إبداعه في الصورة:

ما الذي يجذبك إلى الشخصية لتلتقط عدسة كاميرتك “بروفيل” لها؟

لكل شخص أشياء معينة جذبتني إليه. بعضهم على مستوى النظرة، بالنسبة لنجيب محفوظ مثلا وأنا معجب به، عندما صورته وهو مريض أعجبتني ملامحه وتواضعه. كان متواضعا ولطيفا جدا، وهذا التواضع نابع من كونه إنسانا كبيرا.

ما الذي منحه لك التجوال الواسع مع الأمكنة والوجوه؟

ربحت أشياء كثيرة على الصعيد الشخصي. هذا سمح لي بمعاشرة الكتاب والتعرف عليهم وكلهم أناس يسكنهم عشق للإبداع، وعوالمهم ثرية جدا. إلى درجة أنني أصبحت صديقا للكثير من هؤلاء الكتاب. وقد أنتجت 3 كتب بورتريهات لكتاب وكانت كلها بمشاركة الكتاب. أعمل الصور والكتاب يكتبون النصوص عليها. وأنا أعتقد أن النص والصورة يشكلان قوة البصر والكلمة. علاقة تكاملية بينهما، الصورة هي عالم الصمت بينما الكتابة ليست كذلك ولذلك يخلق هذا التكامل. وإذا بحثنا عن تقاطع بين العنصرين الكلمة والصورة نقول إن كليهما عمل الذين يعيشون الوحدة.

وكيف كان هذا التوجه نحو بورتريهات الكتاب فوتوغرافيا ونص؟

كان هذا محض صدفة بالبداية، لأنني سابقا قدمت صوري لجريدة لوموند الفرنسية وبالتالي اشتغلت مع هذه الجريدة وكانت تكلفني بإعداد بورتريهات للكتاب، انطلقت من هنا. ثم تعودت على ذلك ثم أحببته، وهذا خلق بيني وبينهم علاقات وأصبحت أتعامل معهم بشكل دائم.

كيف ترى الفرق بين الصورة الفنية والصورة الصحفية؟

بالنسبة لي ليس هناك فرق لأن مهمتي في كل الصور عمل الصورة الفنية حتى لو كان غرضها صحفيا. أنا أقوم بالتصوير الفني مهما كان الغرض سواء لمعرض أو صحافة أو لكتاب. وأغلبية الكتب التي أنجزها بالأبيض والأسود تأتي تحت الطلب وأعمل لها تصويرا فنيا لأن الصورة بالنسبة لي في كل الأوضاع صورة فنية.
وبالنسبة لي لا فرق لدي إن أصور شخصية معروفة  أو أصور الناس المنبوذين والمهمشين. الصورة بالنسبة لي هي الأهم لا تقل من قيمة الشخص الذي أصوره. أضع  الطاقة نفسها والاهتمام نفسه بغض النظر عمن تكون له هذه الصورة.

وهل تتابع الجانب التنظيري حول الصورة وجمالياتها ودورها، هناك كتاب قدموا إضافات بهذا المجال كسوزان سونتاغ ورولان بارت؟

نعم وهناك نظريات للصورة. و لكن بالنسبة لي لا يهمني الجانب التنظيري، لأن الذي يهمني هو العمل والصورة كفعل. ما يهمني أكثر هو أن أخترق قوانين الضوء في الصورة وليس أن أهتم بما قاله هذا الكاتب أو هذا المنظر عن الصورة لأن الضوء هو شيء عجيب حسب رأيى ويشكل إغراء. دائما أقول إن الضوء هو مثل المرأة الغامضة والتي يجب اكتشافها وأحب أن اخترقها واكتشفها. لكن هذا الضوء لا يمنح نفسه بشكل كامل دائما، يبقى مستعصيا. ومثل الذي يطارد المراة الغامضة أبقى أطارد الضوء حتى أكتشفه.

لأي درجة يمكن أن تكون الصورة معبرة عن الحقيقة وأن تكون مخاتلة ؟

مهمتي ليست أن أحدد أو أوضح شيئا، عندما آخذ صورا أعتمد على الحقيقة وذلك عندما يعنى الأمر بروبرتاج ما. ورغم ذلك فإنني أضيف شيئا مني على هذه الصورة، فعيني التي ترى هذه الحقيقة، وبما أنني أمنحها شيئا مني يمكن أن تفتح على قراءة أخرى. إنها تخلق حالة أو قراءة ليست بالضبط ما تعنيه تلك الصورة. بالنسبة لي الصور الناجحة إضافة للمعايير المعروفة للصورة مثل التأطير والأضواء إلى غير ذلك، هي التي تخلق حالة انفعال عند مشاهدتها. الصورة التي يكون أثرها جيدا وتحتوي كل العناصر هي صورة جميلة، لكن إذا توصلت هذه الصورة أن تخلق حالة انفعال لدى من يشاهدها لا تسمى صورة جميلة فقط، بل صورة عظيمة.

ماذا تضيف لك الصورة الملتقطة؟

حسب الاشياء التي أشاهدها وأصورها، هناك أشياء تؤثر بي أكثر من غيرها.

ما الذي تحبه أكثر الأبيض والأسود أم الألوان؟

الأسود والأبيض لأن الحقيقة المجردة لا لون لها. وهنا نعود لسؤالك السابق عن الحقيقة.

المشهد العربي، ما الذي يغريك فيه كعين مصور؟

بداية أحب الخط العربي، تشكيل الحروف حسب رأيى بالكتابة العربية فيها شيء فني كثير. مجرد ما تقع عيني على الأحرف العربية أشعر أنني دخلت عالما بعيدا جدا عن عالم الغرب. كل ما أشاهده في العالم العربي من ألوان وأشكال يجعلني أدخل في فضاء مختلف. هو عالم غامض بالنسبة لي لأنه ليس عالمي. هناك من المصورين من صوروا فقط ما حولهم، مثلا “doisneau” صور في كل عمله باريس وما حولها فقط. فخارج عوالمهم لا يستطيعون التصوير، بينما أنا أهفو دائما إلى عوالم أخرى جديدة لاكتشفها. بالنسبة لي العوالم التي أعرفها لا تغريني كثيرا. وأنا الآن مقيم بباريس ولكن قلما أحمل كامرتي وأنا أتجول فيها. وكلما اعترضني عالم غامض كلما كان توقي أكثر وكلما كانت دهشتي أكثر وكان اشتغالي عليه أكثر. وبالتالي هنا بالجزائر أشعر أن العالم مختلف وفعلا أخذت صورا أعتبر أنها جميلة. بينما في مكاني الذي أسكنه لا يمكنني أن احمل الكاميرا لأنه مكان معتاد ومألوف. وبهذا كلما سافرت إلى بلد، طوال إقامتي لا أعمل سوى أخذ الصور. وهذه الفرصة لم تتح لي كثيرا في الجزائر لأنني محكوم بمعرض وموضوع محدد.
وأنا أختار الوجهة التي أنتقل إليها بناء على ما تمنحه هذه الجهات من دهشة. زرت القصبة بالجزائر. أنا أحب كثيرا وتدهشني الأحياء القديمة الشعبية وسكانها لأنهم حسب رايي يختلفون عن سكان الأحياء الأخرى.
حوار: محمد عبيدو ترجمة: فاطمة بن شعلال
ثنائية درامية من النور والظلام تعيد اختراع قلب الصور:

في نص جميل خصّصه لعمل غاتوني، يقول الكاتب والصحفي الإسباني خوسي مانويل فاجاردو: “ولد هذا المصوِّر الرومي منذ خمسين سنة، نحيف، بوجه جاد ومُركَّز، عليه دوما ابتسامة مخفية، انتقل إلى باريس في 1979، في خضّم “سنوات الرصاص”، تلك الحلقة المأسوية للتاريخ الإيطالي المطبوع بالعنف، فطوّر عمله الصحفي في جرائد مهمة، سواء منها الفرنسية “لوموند” أو الإيطالية “لاريبوبليكا”، “لاسطامبا”، “إيلكوريير دي لاسييرا”، وأخريات. ولم يكن عمله يختصر على قبض انتهازي لصور الأحداث، وإنما استعمله كمخبر تجريبي في بحثه الدؤوب عن نظرة متعاطفة حول العالم، قادرة على الحفر تحت قشرة الواقع الصلبة. وخلال عشريتَين، شكّلت التحقيقات والبورتريهات إقليم شغله، فصقل نظرته -هذه الآلة اللامادية التي يتعلم المصوِّر كيفية قولبتها كما لو كانت قطعة طين- إلى أنْ وجَد أسلوبه الخاص الذي نتعرّف عليه بسهولة، ذلك الذي يولد من مكانه الأصلي في مواجهة العالم.
إن نظرة غاتوني نظرة تجمع بين النور والظلام، مليئة بالظلال، إلى حد الحصول على ثنائية درامية من النور والظلام تعيد اختراع ما ليس إلا قلب الصورة نفسه: النور وغيابه. أتساءل دوما كيف نجح غاتوني في التسلل بين ابتسامتين، بين طرفتَيْ عَين، بين تنفسين للشخص الذي يأخذ صورته، ليمسك بتلك اللحظة المتراخية، تلك اللحظة الاستبطانية، لحظة عزلة أو حزن تطبع كل وجود، حتى في اللحظات السعيدة، والتي تذكرنا بحدود وضعنا البشري. نظرة تذكِّر ما قاله الكاتب الأرجنتيني الكبير خوليو كُرْثازار -واحد آخر من أولئك الفنانين المتميّزين بموهبة النظرة الفريدة-: “كنت أريد التجاويف، أو لنقل، الفضاء الموجود بين كرسيَين، وليس الكرسيين”. الموقف نفسه الذي أدّى بالكاتب نحو الأدب السحري والذي أدّى بالمصوِّر نحو واقعية أساسية بدت كما لو أنها تلامس ما وراء الطبيعة.
إن الذي يدهشني أكثر عند غاتوني أنه يتمكن من قبض هذه اللحظات دون أن تتحوّل إلى شيء مثير للعواطف، للشفقة، وهو يلفها بحنان، لا يمكنني إلا أن أصفها بالورِعة، بالمعنى المدني والتضامني للكلمة. هناك حميمية عميقة ومتساوية في بورتريهات الكُتّاب المشهورين كما لدى أولئك السكان المجهولين لضواحي باريس أو في مدن كوبا، والتي تعبّر عن احترام لا محدود تجاه المصوَّر، الشيء الأساسي كي يتحوّل البورتريه إلى اكتشاف عوض الخطف. إنّ مأساوية الحياة بين النور والظلام التي يصوِّرها غاتوني مأساوية دون تورّمات ولا إضافات ولا أخلاق. إنها عقد نقي مع الحياة المجسّدة، تلك التي لا تتزيّن بالكلمات الفضفاضة ولا بالحركات المعظّمة، ولكنها تظهر نفسها عارية ومزيّنة بالجمال الرهيب الذي ينبثق مما هو حقيقي. حينما أنظر باستمرار إلى مؤلفات فرانسيسكو غاتوني، أحسّ برغبة منقذة، وفي الأخير يفرض الامتنان نفسه دوما، ذلك أنني أعرف، بفضله، أنّ ما أراه للحظة عابرة يشكِّل قلب الحياة ذاته”.

أفلام

«ما وراء خطوط العدو”: إخراج: لانتسوي سيروتي/ سيناريو: ك. لانتسو سيروت/ االبلد: جنوب إفريقيا / المدة: 85 دقيقة/ روائي. تدور أحداث القصة في جنوب إفريقيا في عهد التمييز العنصري. جوان شابة مغامرة، فضولية ومعزولة عن حقيقة ما يحدث في بلادها. وتجهل أن النضال من أجل التحرر قائم. ولكن حياتها السلمية كامرأة بيضاء تهتز عندما تكتشف أن والدها وخطيبها يعذبون ويقتلون الناشطين السود؛ وأن مربيتها السوداء تخفي ناشطا مصابا مناهضا ضد التمييز العنصري…حيث تتعلق به وتحبه هذا ما جعلها تقرر الانفصال عن حبيبها الشرطي وتقف إلى جانب السود في محنتهم وتعالج الفتى المصاب. لكن النهاية كانت باهظة الثمن.
«مارغاريدا العذراء”: إخراج: جواو فيانا/ سيناريو: ليسينيو أزيفيدو وجاك اكشوتي/ البلد: موزامبيق، البرتغال، فرنسا/ المدة: 87 دقيقة/ روائي. موزامبيق 1975 تنظف شوارع العاصمة من العاهرات وبيوت الدعارة، حيث، تم إرسالهن إلى معسكرات لإعادة التأهيل في شمال البلاد. مارغاريدا، طفلة عمرها 16 سنة، جاءت من الريف إلى المدينة لشراء جهاز عرسها، ولم تكن تحمل أوراق هويتها، مما أدى إلى اعتقالها عن طريق الخطأ. قصة لنساء قويات متحدات وثائرات…
“على طريق المدرسة”: إخراج: أوصمان ويليام مباي/ سيناريو: ماري كلر جافوي وباسكال بليسون/ البلد: فرنسا/ المدة: 77 دقيقة/ وثائقي. في أدغال كينيا، مرتفعات الأطلس المغربي، في الريف الهندي وفي هضاب الأرجنتين، يقطع الأطفال يوميا الكيلومترات، في مواجهة جميع المخاطر للالتحاق بأقسامهم والاستفادة من التعليم، مفتاح لحياة أفضل. ما هي طموحاتهم يا ترى؟ التعلم، المعرفة، ليصبح يوما قائد طائرة، طبيبا أو أستاذا. فيما أكد حسن قراب أحد أعضاء الطاقم الفني المنتج للفيلم، أن الفيلم لم يكتب نصه مسبقا، بل اعتمد على حديث الأطفال التلقائي والطبيعي الخاص بهم وعلى الصدفة في سير الأحداث، إذ يشكل هؤلاء الأطفال الشخصيات الرئيسية للعمل المشارك ضمن مهرجان الجزائر الدولي للسينما. ولم يتدخل المخرج في الحوار الذي جرى بين الأطفال، وطلب منهم فقط عدم الاهتمام بوجود الكاميرا، بقصد الكشف عن حجم المعاناة التي يتكبدها الأطفال في السير على الأقدام من أجل الالتحاق بمقاعد الدراسة، وذلك في أربع بلدان تم اختيارها لإنجاز الفيلم وهي المغرب والهند والأرجنتين وكينيا.
«نجوم” إخراج: ديانا غاي/ المدة: 88 دقيقة/ البلد: السنغال: سلطت المخرجة ديانا غاي الضوء على أخطر الظواهر الاجتماعية التي تعيشها البلدان الإفريقية والمتمثلة في الهجرة المعاصرة، من خلال فيلمها، الذي تدور وقائعه حول قصة عائلة سنغالية شتتها الأطماع الاجتماعية، “عبد الله” يترك زوجته “صوفي” ويغادر إلى إيطاليا بحثا عن فرصة عمل جيدة تدر عليه الخير الكثير، قبل أن يغادر منها باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية رفقة مجموعة سرية للهجرة غير الشرعية، والاستقرار بمدينة نيويورك. لكنه هناك سيقاسي ويلات البطالة والوحدة لولا انتشاله من قبل الجالية السنغالية، أما زوجته ذات 24 ربيعا فتشرع في رحلة بحث طويلة الأمد لينتهي بها المقام عاملة نظافة في إحدى الجامعات بتورينو.

الخميس، 26 فبراير 2015

جسد يخطو نحو نار

محمد عبيدو :
وكان جسدها ياتي الي محملا بالغمام
يجعل ايماءاتي تتفجر
يرقص مع اصابعي
يتوهج
جسدها العزف باوتاري
يخطو
نحو
نار
اظهرته اصابعي كقصيد شهواني
وشكلته عيناي كتمثال مرمر ..
اراه كقوس متوتر لاجلي
لاحد لفراغه ..
آهاته تصلني عبر الصمت
كصرخة ..
اطلقت اغنيتي
وكانت فيها عشر نساء
شكلن مرمرها
Un corps s’avançant vers un feu…

Et son corps qui venait vers moi …
Regorgeait de nuées…
Faisant rejaillir mes hochements …
Valsant avec mes doigts…
Ce corps s’embrase, flamboie…
Et flatte mes sens…
Puis s’avance…
Vers cette incandescence…
Ce corps, sous mes doigts, est tel une poésie sensuelle, une concupiscence…
Une statue d’albâtre sculptée par mes yeux et mes sens…
Je le vois…tel un arc raide qui vers moi se dresse,
et dont la vacuité n’a guère de confins…
De ce corps émanent des gémissements…
Qui me parviennent dans l’aphasie et le silence…
Puis comme dans un cri je lance,
Une chanson…
Ma chanson ! où dix femmes ont sculpté son albâtre…
الترجمة الى الفرنسية : منى بسباس السلامي - تونس


رابط " رجل مشحون بالندم "


http://syrbook.gov.sy/content/%D8%B1%D8%AC%D9%80%D9%84-%D9%85%D8%B4%D8%AD%D9%88%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%80%D8%AF%D9%85

السينما التسجيلية: بحث في الواقع والحقيقة والتزام بقضايا التحرر

محمد عبيدو 


نهض الفيلم التسجيلي على يد البريطاني(غريرسون) والهولندي(يورنس ايفنز) والروسي (فيرتوف)، وسرعان ما انتشر هذا النوع من الافلام، الذي له نكهة خاصة هي غير نكهة الفيلم الروائي. -يقول جون غريرسون الأب الروحي للسينما التسجيلية في العالم: "إن الفيلم التسجيلي هو معالجة الاحداث الواقعية الجارية باسلوب الخلق الفني… وإذا كانت السينما كالمرآة تعكس حياة المجتمع في حركة وديناميكية، فان هذا ليس كافياً, لأنني اريد ان استخدمها كمطرقة لتشكيل المجتمع. من كلام غريرسون ننطلق للقول :إن الافلام التسجيلية اكبر من طرف محايد، يبتغي الغوص بجرح أو افراح المجتمع، بل هي ايضاً فن رفيع.. واهميتها تنبع من الحاجة الى اكتشاف الواقع والتعرف اليه. وعلى الرغم من ان التعرف الى الواقع هوبشكل اوبآخر هدف لكل الفنون، الا انه يكون اكثر وضوحاً في السينما التسجيلية سواء من الناحية الموضوعية او الشكلية، فالفيلم التسجيلي قادر-في الاساس- على خلق علاقة مباشرة وغنية بالواقع بكل ايقاعه وطاقاته الشعرية الاصيلة، دون ان يستعين الفنان بصور مماثلة ومصطنعة عن الواقع ذاته. اما عملية اعادة بناء الواقع وفق تصور ذاتي تحدده معرفة معينة، فهي عملية غير مطلوبة اصلاً، انما تنوب عنها عملية مونتاج الحياة كما هي . وتقوم بتنظيم الواقع المرئي نفسه، او تقوم بتوليف العالم الفعلي وفق ادراك يتجانس مع الاسلوب الفني الفعّال، الذي يتوصل الى كشف الواقع اليومي بوسائل فنيةحسية، وعن طريق تثبيت وقائع جديدة تبقى في الحالات العادية خفيةً امام عيون الناس ولا يمكن الوصول اليها. ان السينمائي التسجيلي يرصد مواده من الواقع ليظهر وجهة نظره ويروج لموقفه الفكري تجاه العالم، اذ إن الكيفية التي ننسق فيها موادنا هي بمثابة تقديم فني يعكس الحقيقة الذاتية التي يكتشفها الفنان وتعبر عن قناعته، لكن موادنا ذاتها هي صور الواقع الموضوعي..من هنا يضاف الى وجهة نظر الفنان ذاته صوت الواقع. - هذه الخاصية الاساسيةللفيلم التسجيلي تُغني صلة السينما وصلة الفنان بالواقع…كما انها من جهة اخرى تضع امام الجماهير الواسعة تجربة الواقع المتحرك ذاته، والذي يمكن نقله على الشاشة.. ويمكن ان يتحول الى عملية معرفة للواقع ومتعة في ممارسة هذه المعرفة. عندما قرأ بازيل رايت الفيلم التسجيلي على انه الحياة في تجددها وسطوعها، كان يبحث عن دهشة مخبأة في واقع مجهول… وعندما قدم ايزنشتاين تجربته عبر" ايفان الرهيب" و"اكتوبر"كان يقدم مزيجاً خلاقاً لحياة الانسان الروسي في مطلع القرن الماضي، واما ابو الفيلم التسجيلي روبرت فلاهرتي فقدم عبر"نانوك من الشمال" قراءة خلاقة للانسان والطبيعة… وكان ذلك قبل 80 عاماً.. ولكن مازال هذا الفيلم يُدّرس في معاهد السينما، ولا يكاد يوجد سينمائي في العالم لم يشاهده، او على الاقل يقرأ تغطيات موسعة عنه . عند الحديث عن الميدان الحقيقي للسينما التسجيلية، فإننا نقارن بين نوعين من العمل السينمائي التسجيلي، الاول الذي يهتم بنقل الحدث مباشرةً، اي يهتم باللحظة تماماً.. كما تم مع احداث الانتفاضة الشعبية ضدالاحتلال الصهيوني لفلسطين، والافلام التي التقطت يومياتها وتفاصيلها… مثل هذا العمل له اهميته البالغة وهو يتعلق تماماً بالحاضر ثم بعد ذلك يتحول هذا الفيلم الى الارشيف. اما الفيلم التسجيلي الثاني فهو الذي يتخلص من تصوير اللحظة… الى عمل يقوم بالدرجة الاولى على دراسة، وعلى بحث ميداني او مسح اجتماعي شامل كامل… اي الفيلم الذي يستطيع ان يحمل وبجدارة مكان البحث في مئات الصفحات، وينفتح بشكل اساسي على عدة انواع: السياسي- الاجتماعي- الشاعري… اي الرؤية الشاعرية لشيء ما. واذا أعدنا الى الأذهان التجارب في نطاق السينما بالعالم لوجدنا ان الفن السينمائي الاصيل والعظيم والمعبر عن روح العصر ومشاكله الملحّة تطور ببدايات تسجيلية مهمة وجادة سبقت السينما الروائية وصاحبتها على طول الخط، كما ان تاريخ السينما يدلنا على ان التجربة التسجيلية الغنية مارست تأثيراً عظيماً على تطور مجموع السينما والفيلم الروائي بشكل خاص، اضافةً الى ان النقد المفعم بالحماس والمبدئي من قبل اتباع الفيلم التسجيلي تحول الى ينابيع لا نهائية لاتجاهات خلاقة في مجال الفيلم الروائي . مما جعله يستعين ويوظف وسائل وعناصر شكلية مدهشة، هي بالاساس مستعارة من الانجازات الفنية للفيلم التسجيلي . يقول المخرج ميخائيل روم: إن الحدود بين السينما التسجيلية والروائية في الوقت الحاضر تسير نحو الانمحاء، واننا نرى اكثر فاكثر عناصر الوثائقية في الافلام الروائية التمثيلية… الكاميرا المخفية.. الحياة الحقيقية بدلاً من الجموع المستأجرة، التصوير في الاماكن الطبيعية وليس في البلاتوهات، الاستغناء عن المجازية بالنسبة للضوءالسينمائي للميزانسين، نظام الارتجال عند الممثلين ، وكل ذلك من دلائل البحث عن التسجيلية والاقتراب من الحياة الحقيقية في الفيلم الروائي، الذي يحتاج بدوره الى تجديد جذري… ان عملية التداخل والتقابل الجدلية بين السينما الروائية والتسجيلية في التغيير الفني، ستغني عملية الخلق الفني ذاتها وتغني صلة الفن بالواقع. والافلام التسجيلية لا تبتغي الربح في الغالب، فهي ممولة من قبل اصحابها او عبر رعاية مؤسسات ثقافية، واكثرها يكون ممولاً من دول او منظمات، وعليه لا يلهث صنّاع هذه الافلام لارضاء الجماهير واذواقهم، كما يقتضي منطق السوق، مع ذلك تواجه الافلام التسجيلية العديد من المشاكل، منها ما هو مادي، حيث صعوبة ايجاد الجهات الممولة، ومنها ما هو اعلامي، حيث انكفاء وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة، عن تغطية ومتابعة ونقد هذا النوع من الافلام بحجة انها مادة غير جماهيرية. ومن مشاكل الافلام التسجيلية: المقدرة على ايجاد الموضوع المناسب وحسن تلخيصه في دقائق معدودة، في توليفة يغلب عليها الخطاب البصري، وفي وصف بليغ للناقد السينمائي المصري مصطفى عبد الوهاب، يشير الى ان الفيلم الطويل والرواية كالنهر الذي يبحر فيه المبدع طولاً وعرضاً وعمقاً… بينما الفيلم التسجيلي والقصة القصيرة يكونان اشبه بالبئر التي يحفرها المبدع رأسياً وفي العمق . لقد حققت الافلام التسجيلية طفرةً كبيرةً في السنوات الاخيرة باشتراكها الدائم في مسابقات المهرجانات الدولية المعترف بها دولياً…هذاغير اشتراك هذه النوعية من الافلام في كثيرمن المهرجانات المحلية لكثير من الدول… وحصلت على جوائز من هذه المهرجانات…الى جانب اثبات وجودها في المهرجانات الدولية المعترف بها خارج المسابقات الرسمية… ولكن بالمشاركة في اقسام هذه المهرجانات المختلفة…لتعلن صراحةً عن وجود هذه النوعية من الافلام …وان الافلام التسجيلية قادرة على منافسة الافلام الروائية الطويلة التي ظلت تحتل الصدارة في جميع المهرجانات الدولية…وفي المسابقة الرسمية لهذه المهرجانات، واحتكار جوائز هذه المهرجانات. وجاءت المفاجأة الاخيرة لتفجر قنبلة سينمائية تحقق للفيلم التسجيلي مكاناً كبيراًفي المسابقات الرسمية للمهرجانات العالمية. والمفاجأة ليست الاولى …ولكنها حدثت منذ اعوام بعيدة بحصول فيلم تسجيلي على جائزة السعفة الذهنية في مهرجان كان عام ،1956وهو الفيلم الفرنسي (عالم الصمت)، ومرّت السنوات منذ ذلك العام…حتى عامنا الحالي2004 اي بعد 48 عاماً… لتعود الافلام التسجيلية لتسجل اكبر اهدافها في مهرجان كان هذا العام..بفيلم (الضجة الكبيرة) بسبب موضوعه الشائك، الذي تناول حياة الرئيس الامريكي بوش.. واسرته والعلاقات المالية، واحداث 11 ايلول الذي استمد منها اسم الفيلم فهرنهايت 9/11 …وفيه يقدم مايكل مور ادانةً أخرى للسياسة الامريكية، وعلاقة رموزها بتجارة النفط والاسلحة.. وكونها السبب الرئيسي بافتعال الحرب تحت مسميات خادعة للشعب الامريكي، الذي يدفع ضرائب هذه السياسة البراغماتية،وحقق مخرجه المشاكس مايكل مور هذه المفاجأة بحصول فيلمه على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان هذا العام. وبقدر ما حققت المفاجأة نصراً كبيراً في منافسة الافلام التسجيلية لافلام احتكار الجوائز العالمية في"المهرجانات الدولية ونجومها".. وحجزت مكاناً لهذه النوعية من الافلام، فانها شجعت نجمها مور للسير قدماً بتقديم تسجيلية تحقق هذا النجاح الكبير في المسابقات الدولية وبدأ بالفعل بتصوير فيلم تسجيلي جديد… وحمل الكاميرا الخاصة به ليجول بها بين البشر… والاماكن المساعدة لأحداث فيلمه التسجيلي الجديد…ليحقق به مفاجأة اخرى… تضيف جديداً للسينما التسجيلية والتي بدأت معالمها بالظهور.. فقد بدأ المخرج الامريكي مايك وييلسون بتصوير فيلم تسجيلي جديد يرد به على فيلم مور، واطلق عليه اسم مايكل مور يكره امريكا دفاعاً عن بوش والانتقادات التي قدمها مور في فيلمه مهرنهايت 9/11…وايقظت مفاجأة مور اهمية الافلام التسجيلية واثرها القوي في ايصال أخطر الموضوعات، وكشف المساوىء التي تملأ العالم الآن من خلال نجوم من البشر الحقيقيين واحداث حقيقية في اماكن حقيقية لتصل الرسالة مباشرةً وصادقةً الى الجماهير، وهي من اهم عناصر الافلام التسجيلية. وعن بداية الفيلم التسجيلي العربي نعود الى ما لما كتبه المخرج المصري فؤاد التهامي : في يوم الجمعة 21 ايار1907 نشرت جريدة الاهرام الخبر التالي: أخذ محل عزيز ودوريس المصورين المشهورين في الثغر(الاسكندرية) وصاحبي محل الصور المتحركة في محطة الرمل مناظر زيارة الجناب العالي للمعهد العلمي في مسجد سيدي ابي العباس، ولا شك ان الاقبال على هذا المنظر الجميل سيكون عظيماً جداً. وقد قاما في شهر حزيران من العام نفسه بتصوير الاحتفالات الرياضية في مدرسة سانت كاترين، وعزيز ودوريس، هما الخواجة عزيز بندرلي والخواجة امبرتو ملافاسي دوريس… وقد قاما بالطبع والتحميض في معاملهما وسط البلد، وفي 29 تموز 1909عرضت سينما توجراف مونديال بالفجالة فيلماً تم تصويره في القاهرة هو "ملعب قصر النيل بالجزيرة"، وفي 13 آب 1909 عرضت سينما توجراف برنتانيا في القاهرة الاحتفال بجنازة مصطفى باشا كامل، وفي 4شباط 1910 عرضت السينمانفسها صوراًً متحركةً جديدة تمثل "رجوع الخديوي من مكة المكرمة والاستقبال الذي جرى له، ولم يستدل حتى الآن على من قام بتصوير هذه الافلام. وفي عام 1919 شاهد جمهور القاهرة فيلم (606) وهو الاكتشاف العبقري لعلاج مرض الزهري في ذلك الحين، كما عُرض فيلم آخر عن تكبير الميكروب10000 مرة في قرنية عين ارنب، وفي عام 1912 بدأ ديلاجارن الفرنسي بمحاولة لاستثمار اهتمام المتفرج المصري بالموضوعات التي تمس حياته اليومية وترتبط بواقعه بانتاج شريط سينمائي تحت عنوان "في شوارع الاسكندرية"، وفي عام 1915 اضاف الى فقرات شريطه السينمائي بعض اللقطات الدعائية والفقرات الاعلانية عن بعض المرافق والاشخاص.. مما اعانه على تحمل تكاليف الانتاج. ان الصور المتحركة" والتي عُرضت خلال الاثني عشر عاماً1907- 1919 هي ما نعتبره (سينما توثيقية) فقد عرضت ما يوثقه المصور على شريط السيلولويد من مظاهر الحياة الرسمية والشعبية، وكان الشعب المصري يناضل ضد الاستعمار البريطاني، وكان للحركة الوطنية المصرية زعماء محبوبون يناضلون دفاعاً عن آمال التحرر والتقدم… ومن هؤلاء مصطفى كامل وسعد زغلول ولذا لم يكن عرض الاحتفال بجنازة مصطفى كامل "في عام 1909 وكذلك ، رحلة سعد زغلول لفرنسا عام 1919 للدفاع عن القضية المصرية مجرد عرض لصور متحركة… وانما كان هذان العرضان يحملان وجهة نظر تخاطب المشاعر الوطنية المصرية التي احاطت بحبها هذين الزعيمين. ولهذا فاننا نعتبر ان هذين الفيلمين هما البداية الحقيقية للسينما التسجيلية المصريةرغم السنوات العشر، التي تفرق بينهما… يقول ارنست لندجرن في كتابة"فن المقارنة بين الجريدة السينمائية والمجلة السينمائيةوالفيلم التعليمي والفيلم التسجيلي:"اما الفيلم التسجيلي فان وحدته تكون اعمق من ذلك، لانه لا يعالج موضوعاً واحداً فحسب، بل انه يعرض ايضاً وجهة نظر معينة او يدافع عن فكرة ما"، وينطبق هذا التعريف للفيلم الوثائقي والفيلم التسجيلي عما قدمه (رشيد جلال) في سورية"زيارة الجنرال الفرنسي لدار الحكومة في دمشق" في عام 1928، وما قدمه نور الدين الرفاعي الذي حرص على تسجيل الاحداث الوطنية ،والمناسبات القومية مثل المظاهرات الشعبية ضد سلطات الانتداب الفرنسي والاحتفالات الشعبية بعودة المبعدين السياسيين عن رجال الكتلة الوطنية، وغير ذلك من الاحداث الوطنية التي مرّت بالبلاد في الثلاثينيات من هذا القرن، فكانت الرقابة الفرنسية في بيروت تقص وتحذف اكثر من نصف الفيلم احياناً، أو ليست هذه الافلام التي بدأ انتاجها وتصويرها نور الدين الرفاعي هي البداية الحقيقية للفيلم التسجيلي السوري، الذي يحمل وجهة نظر تقف في صف حركة الشعب السوري الى الامام؟ كتب بول روثا: يجب ان يعكس الفيلم التسجيلي قبل كل شيء مشاكل ووقائع الحاضر، انه لا يستطيع ان يبكي على الماضي ، ومن الخطر عليه ان يتنبأ بالمستقبل . وان كان صحيحاً ان الفيلم التسجيلي لا يستطيع ان يتنبأ بالمستقبل …الا انه يستطيع ان يشارك في صنع المستقبل بالوقوف الى جانب قضايا الشعوب المناضلة من اجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فقد واكبت السينما التسجيلية في الجزائر حرب التحرير الوطني التي بدأت عام 1954 وقدمت السينما الجزائرية اول شهداء السينما العربية، (فاضل عمر زيتوني وعثمان مرابط ومراد بن رايس وصلاح الدين السنوسي وقرذلي الغوني مختار وعبد القادر حسنية وسليمان بن سمعان وعلي جنادي). كما قدمت السينما الفلسطينية الشهيد المصور هاني جوهرية. وعندما نهض الفيلم التسجيلي في الخمسينيات والستينيات بدأت بعض المؤسسات الثقافية تنشىء صالات عرض صغيرة محدودة المشاهدين للفيلم التسجيلي والفيلم القصير، وعندما كثر كتّاب ومنتجو ونقاد الفيلم التسجيلي… واعتبر سلاحاً خطيراً يمكن ان يكشف الحقائق الموضوعية بصيغة اكثر اقناعاً من الفيلم الروائي، كون الفيلم التسجيلي هو الاداة التي تكشف الواقع عكس الفيلم الروائي الذي يعيد صياغة الواقع، فهل تستطيع هذه المفاجأة التي حققها الفيلم التسجيلي الحائز على جائزة"كان" هذا العام… ان تحرك الاهتمام بالافلام التسجيلية التي تقدمها السينما العربية، وتسعى للمشاركة بها في المسابقات الرسميةللمهرجانات الدولية بدلاً من البحث عن افلام روائية تشارك في المهرجانات الدولية حتى خارج مسابقاتها الرسمية، وتحقق هي الاخرى المفاجأة الكبرى وتكسر احتكار الافلام السينمائية الطويلة لجوائز المهرجانات العالمية المعترف بها …ترى كيف يُنظر الى الفيلم التسجيلي عربياً؟ سؤال قديم يتجدد بتجدد وسائل الاتصال السمع بصرية(وثورة) الاتصالات التي تشهد فصولها منذ اكثر من عقد من السنين . لقدعقدت ندوات عدة وحلقات دراسية لمناقشة موقع السينما التسجيلية في مجمل المنجز السينمائي العربي مشرقاً ومغربا،ً آخرها الندوة الرئيسية لمهرجان السينما العربية في باريس قبل ايام، كما يُعقد كل عام واحد من اهم مهرجانات السينما التسجيلية في الاسماعيلية في مصر.. ولكن لم يخرج حتى الآن الفيلم العربي التسجيلي الذي يسجل حضوراً عالمياً… ربما كان هذا التغييب القسري للسينما التسجيلية سبباً بغياب اثر جمهور سينمائي مهتم بهذا النوع ، فضلاً عن غياب الصحافة السينمائية التي تسلط الضوء عليه، ولهذا تعددت الاسباب التي تطوق السينما التسجيلية وتترك بينها وبين مستحدثات التجارب العالمية فاصلةً واسعة.. وفي واقع الامر ان التراكم الابداعي الذي خلقه سينمائيون عرب كثيرون مثل (يوسف شاهين وشادي عبد السلام وصلاح ابو سيف ومحمد ملص وعمر امير الاي وخيري بشارة ونبيهة لطفي وهاشم النحاس وعطيات الابنودي ميشيل خليفي ورشيد مشهراوي ومحمد شكري جميل ومحمد توفيق وقاسم حول ومفيدة التلاتلي وجان شمعون ومي المصري) وحشد آخر من مخرجي السينما العربية، كل هذا يملك قوة تأثير وفعل في القراءة الموضوعية لهذه التجربة المتنوعة. ان اهمية افلام هؤلاء المخرجين التسجيليين انها صُنعت في بيئتها الحقيقية، ومع ناسها الطبيعيين.ولقد تم التصوير بالمعايشة وبالعين السينمائية التي تلتقط الحقيقة والواقعية.. انطلاقاً من بحث دائم في الواقع اذ تقدم السينما التسجيلية العربية خلاصات مهمة لواقع حافل بالتفاصيل ،واقع اجتماعي وثقافي وحياتي، صورة اخرى لحياة يومية تتغلغل فيها آلة التصوير في المجهول الذي يجب ان يعرفه الآخر بموضوعية ويتوازن برؤية ابداعية. فالمدينة العربية ويوميات الانسان العامل، ويوميات المرأة وصولاً الى المصنع والحقل وحتىالآثاروالتراث وسرّ المبدعين وغيرها موضوعات حفل بها المنجز التسجيلي العربي.. وقدم حياةً فاعلة نابضة بالقوة والتجدد…

فيلم - تجارة - عالم مخيف لتجارة الجنس عبر الانترنيت


محمد عبيدو
قليلة هي الأفلام التي تناولت مافيا الجنس والتجارة بيع النساء والاطفال التي تغزو العالم، هوليود نفسها لم تتطرق كثيرا لهذه المشكلة التي تقدر جمعيات للامم المتحدة ضحاياها بمئات الآلف من الاطفال و النساء اللواتي يجبرن على دخول مجال الدعارة وتجارة الجنس في اماكن متفرقة من العالم الغني والفقير.مافيا الجنس تستغل الحالة الاقتصادية لمجتمعات معينة وتغرر بالكثير من الفتيات فيها بحجة العمل في بلدان غنية، قبل ان تنتهي هؤلاء الفتيات في اماكن تجارة الجنس وفي ظروف معيشية صعبة للغاية.
فيلم " Trade" (تجارة) الحائز على الجائزة الذهبية لمهرجان سان سيباستيان , والذي افتتحت به تظاهرة أفلام عيد السينما في العالمي التي اقامتها المؤسسة العامة للسينما في سينما الكندي بدمشق , بني السيناريو له أساس من مادة حول تجارة الجنس ، كانت واردة قصة غلاف في 24 كانون الثاني 2004 بمجلة صحيفة نيويورك تايمز . يتعرض لمسيرة فتاتين قادمتين من مكانين مختلفيين كثيرا ينتهي بهما الحال في امريكا وفي قلب العالم السفلي، عالم تجارة الفتيات الصغيرات بالعمر.
أدريانا ( بولينا غايتان ) تحتفل بعيد ميلادها ال 13 وهي من أسرة فقيرة في مكسيكو سيتي ، وتمضي سعيدةعلى دراجتها . شقيق خورخي (سيزار راموس) 17 عاما يعطي لها و لأمه  مالا حصل عليه بطريقة غير شريفة ، في الواقع ، خورخي يتحدث مع سائح امريكي ويوهمه ان لديه عاهرات يمكن احضارهن له ان ذهب معه الى الشوارع الهادئة في اطراف المدينة ،وبمعاونة اثنين من اصدقائه يسلب من الرجل امواله بعد تهديده بمسدسات . ونكتشف انها ليست سوى مسدسات مياه .
وفي الوقت نفسه ، فيرونيكا ( أليسيا باكليدا ) ، وهي شابة من بولندا ، تصل في المطار مع صديقة ، حيث أنها التقطت من قبل مجموعة وعدتهما بنقلهما الى لوس انجليس ، غير انهما يخطفا.. اثناء الصراع للهرب من العصابة تضرب سيارة عابرة صديقتها لتهرب العصابة مع فيرونيكا تاركينها وراءهم جثة هامدة.
الفتاة المكسيكية الصغيرة التي تختطف من قريتها تجد نفسها مع فتاة بولندية قادمة من  الطرف الآخر من العالم يتشاركان نفس المصير البائس، اخو الفتاة المكسيكية المراهق يصمم على ان انقاذ اخته من المصير الخطر جدا الذي ينتظرها . يسأل عن اخته الناس , ليعرف ان العصابة تبيع مخطوفيها ضمن تجارة الجنس على الانترنيت من خلال اتصال في نيوجرسي .
ثم يراها عندما يقوم الخاطفين بادخالها لشاحنة مع باقي المخطوفين . يسرق سيارة صديقه ويتابع الخاطفين ولكن يفقد اثرهم لنفاذ وقود سيارته . ثم اخيرا يجد البيت حيث يحتفظ الخاطفون بضحاياهم . مع وصول سيارة تحمل لوحة تكساس . يرى سائقها ( كيفين كلاين ) يجول في المنزل . ويختبئ الصبي في صندوق السيارة ليمر الحدود مع الولايات المتحدة بطريقة غير مشروعة . خورخي يكشف عن نفسه ويحكي عن عملية الخطف ، وراي ، المحقق الاتحادي في مجال احتيال التأمين ، يجلب خورخي إلى مركز الشرطة للإبلاغ عن الاختطاف . لكنه يهرب.
راي يلتقي جورج بعد ذلك ويقرر مساعدته لانقاذ شقيقته ، وشيئا فشيئا يصبحان أصدقاء. ثم نعلم ان راي ايضا يبحث عن ابنته من زواج غير شرعي كانت لدى نفس المجرمين . سافرا الى ولاية نيو جيرسي ، حيث يوجد الضحايا وحيث مزاد الانترنت سيعقد لبيع أدريانا لمن يدفع أعلى سعر. وتخدر العصابة صبي تايلاندي اخطفوه بواسطة حقنة في عنقه وثم سلموه إلى رجل مسن "اشتراه". يراه خورخي فيهاجم الرجل وياخذ منه كلمة السر لمزاد الانترنيت للتجار بالضحايا . في محطة ، أدريانا فيرونيكا يتمكنان من الهرب.. فيرونيكا ترى شرطي وتطلب من أدريانا تحذيره ، في حين أن فيرونيكا تتكلم من هاتف عام مع والديها في بولندا لتحذيرهم ، ولكن تعلم من امها ان ابنها خطف من نفس المنظمة الإجرامية. أدريانا تفشل بتحذير الشرطة ، واثناء المكالمة الهاتفية يستعيد الخاطفين الضحيتين.. في آخر توقف ، فيرونيكا تنتحر بالقفز من هاوية ، وهي تقول للخاطف انه سيدفع ثمن ما فعله.. الخاطف مع وصول أدريانا في منزل رئيسته المرأة القاسية حيث يحتفظ بمزيد من الضحايا.. تعنفه بلسان سليط لفقدانه فيرونيكا.
يلجأ راي للشرطة طلبا معونتهم لكنهم يرفضون ذلك لانهم يتابعون نشاط العصابة الكبير في كل انحاء العالم ولم تتم اللحظة المناسبة لمداهمتهم . يطلب راي من زوجته عبر الهاتف السماح له بسحب مبلغ كبير من المال من مدخراتهم . ثم بمساعدة خورخي يدخل المناقصة مقابل 32000 دولار لاطلاق سراحها . وبعد صدام مع العصابة تتدخل الشرطة لمداهمة المنزل . ويعود خورخي مع اخته الى مدينته حيث يذهب لقتل زعيم العصابة الروسي بسكين في ظهره ليتفاجا بطفل صغير يصرخ بابا لرجل العصابة وينتهي الفيلم بنظرة ذهول على وجه خورخي .
" تجارة " فيلم مشغول بحرفية وجماليات واضحة بدون تكلف او استعرضات تقنية من المخرج ماركو كريزبينتنر وهو فيلمه الطويل الأول . انه عمل مؤلم وقاس يهزنا من الداخل عن قضية حساسة هي خطف البشر الاتجار بهم بقصد الجنس والشبكات الكبيرة التي تعمل انطلاقا من الولايات المتحدة لتغطي العالم كله .

الأربعاء، 25 فبراير 2015

"محمد عبيدو".. القصيدة التي تحلّق سينمائياً

دلال عبد الله
السبت 10 تشرين الثاني 2012

يتنقل بين عوالم الشعر والسينما، ليدوّن مشاهداته البصرية عن السينما شعراً، ويسقط على مشاهداته السينمائية شعره، هو الشاعر والناقد "محمد عبيدو" الذي كان لمدونة وطن eSyria بتاريخ 12/10/2012 هذا اللقاء معه:

تكبير الصورة
* كيف ترى العلاقة ما بين الشعر والسينما؟

** يشترك الشّعرُ مع السّينما بالتّصوّر الذهني، والاستعارات والرّموز وهناك ما يوحّد بين أفق التفكير في السينما في علاقتها بالشعر والعكس، حيثُ تتقاطع في مجالات عدة آليات التفكير والتنظير الخاصة بالسينما والشعر عبر إشارات اللغة السينمائية واللغة الشعرية، وكما دخلَ الإيقاع السينمائي والتقطيع والمونتاج المكثف والحالة البصرية في بنية بعض القصائد الحديثة، يُمكن اعتبار عدة أفلام بمثابة إنجازات شعرية، ووجود الشعور الفيلمي ذاته فيه شعر. وربما تجدين في مجموعتي الشعرية الأخيرة "رجل مشحون بالندم" محاولة نسج قصيدة تحلّق سينمائياً، وتتحوّل وثيقة للسلوك البشري في ظروف القهر والعذاب النفسي، حيث نميل للشعر والصورة للتعبير عن موت معاش أو مترقب، في سعيها إلى اكتشاف اللحظات الأجمل في هذه الحياة الواقفة عند الحدّ الفاصل بين الوهم والحقيقة. 

* كتابة الشعر لديك كانت سابقة على السينما، نراكَ تعودُ دوماً إليها فهل تجد نفسك ناقداً سينمائياً أم شاعراً؟

** أجد نفسي بالتشكيل والفوتوغراف والصحافة رغم احترافي للسينما مهنياً, فالفن يشمل الحياة في وحدتها والمبدع "إنسان بالمهنة"، ومن أجل هذه المهنة يحتاج إلى المشاعر ووضوح الرؤيا والخيال والحدس وسعة الاهتمامات.

الشعر هو بداية إحساسي بالوجود على هذه الأرض وبداية العلاقة مع الإبداع, عاش وترعرع مع عالمي الداخلي وفجر فيه الحلم. وأرى النقد السينمائي نوعية خاصة من فنون الإبداع تحتاج إلى دراسات مركبة ومتعددة سواء في السينما كمجال تخصص أو في المجتمع أو في منابع الشعر والجمال وفلسفته بوجه عام, فالنقد هو إنشاء نص موازٍ للنص السينمائي المرئي يغوصُ في مساحات الصور والرموز والدلالات, وحوار مع الأفلام السينمائية 
تكبير الصورة
الناقد السينمائي والشاعر محمد عبيدو
بمخيلة خاصة, حواراً معرفياً لا يبحثُ عن الحلول والقوالب الجاهزة بل يسعى إلى الإسهام في تفهّم السينما كفن وكتكثيف للحظة تاريخية واجتماعية وسياسية، وكفضاء واسع لأسئلة تشغل الفكر العربي.

* ألفت كتاب "السينما في أمريكا اللاتينية" هل لذلك علاقة بتوجّه معظم كتاب ومثقفي جيلك إلى تلك القارة، وتذوق نتاجها جمالياً؟ 

** منذ الصغر هذه القارة جذبتنا عبر تحولاتها الاجتماعية والسياسية وعبر كتابات مبدعيها الكبار "كماركيز، وبورخيس، وأمادو، وغيرهم، ومن هذا التواصل جاءَ كتابي عن سينماها المهمة والقريبة من همومنا العربية, وهو يؤرخ للسينما في القارة الأمريكية ويرصدُ التحوّلات المميزة لصناعة السينما فيها, ويرصدُ تجاربَ مهمّة في سينما هذه الدول ومنها الفيلم التسجيلي.

* لماذا لم تكتب مؤلفاً عن السينما العربية؟

** خلال العقود الثلاثة الماضية كنت بمتابعة نقدية يومية للإنتاج السينمائي العربي، وبعودة لصفحة مدارات سينمائية التي كنت أحررها أسبوعياً لصحيفة البعث خلال السنوات العشر السابقة تجدين انشغالات وهموم السينما العربية حاضرة, وقراءة لنتاج السينمائي العربي المفتوح على شتّى الأسئلة والاحتمالات, مع حرص على البحث عن الجديد الذي بحث عن المعادل السمعي البصري العربي، الذي يحملُ بجماله الغيث للروح ويؤسس خصوصية اللغة السينمائية العربية، فتابعته عبر مهرجانات السينما العربية التي احضرها, أو عبر تواجدي بالجزائر ومتابعتي لسينما المغرب العربي وإيصالها للقارئ في سورية، ولكن لم تجمع هذه الكتابات في كتاب مطبوع وربما لكسل أو قلة تواصل مع دور وجهات الطبع، عموماً أرسلت للنشر مؤخرا كتاب "المخرجات السينمائيات العربيات" والذي يحكي عن إبداعهن خلال مئة عام.

* قمت بتعرية السينما الصهيونية وفضح أساليبها في الترويج لأفكارها، هل نعتبر ذلك من 
تكبير الصورة
غلاف كتاب السينما الصهيونية شاشة التضليل
قبيل إيمانك بفكرة الالتزام؟

** في كتابي "السينما الصهيونية– شاشة للتضليل" تحدثت عن التغلغل الصهيوني في السينما العالمية عبر ملكية شركات السينما العالمية في هوليوود والعلاقة الوثيقة بين هوليوود واليهود، كما تحدثت عن أهم ميادين الإنتاج السينمائي الصهيوني, مع عرض تاريخي لهذه السينما منذ بداياتها وتحليل لـ 300 فيلم صهيوني إنتاجاً أو فكراً.

لا يُمكن فصلُ الكتابات النقدية والإبداعية عن الالتزام بفكر وأسئلة وانشغالات تهمّ الواقع العربي وسبل تغييره وتطويره. بعد صدور كتابي "السينما الصهيونية- شاشة للتضليل" عام 2004 سألني احد الزملاء في حوار صحفي حوله, عن علامات الاستفهام عن غياب السينما العربية؟ وكيف تُواجه شاشة التضليل؟ وأجبته: هذا السؤال عليك أن تحيله إلى المتحكمين بالشأن السياسي والثقافي العربي، فعلى المؤسسات العربية المعنية مثلاً أن تعرف ما يفعله الأعداء في المساهمة في تحطيم وتشويه شخصيتنا لدى العالم، وهي لا تفعل ذلك، الأهم أن تكون أكثر جدية في إنتاج صورتنا الحقيقية الخاصة بنا ووضعها أمام صورة الأعداء النمطية المنتجة عنا.

* ما المكان الذي يوقظُ في "محمد عبيدو" الشعر، ليكتب شعراً؟

** كتابة الشعر ليست محكومة فقط بمكان, بل هي تمجيد للأمكنة الخاصة وللحب والزمن والموت والحرية, ولهذا الكون الفسيح المفتوح على تأويلات عدّة، الحياة في عبثيتها وفوضاها وقسوتها وتعهرها وجمالها الغامض فأن تكتب يعني أن تبث الورق أسرار قلبك وتطلق نفسك لذلك الشلال الذي يتدفق في الذاكرة, حاملاً بين مياهه تفاصيل أمكنة عشتها وقسمات وجوه أحببتها, وغدت مثل مرايا راحلة تعكس آخر ملامح الوطن.

تقول عنه الشاعرة والصحفية "عناية جابر": «محمد عبيدو يمتلك مشاهد قاسية بجمالها ويقينها العنيد، على الرغم 

تكبير الصورة
غلاف كتاب السينما في أمريكا اللاتينية
من اللغة الذائبة الرقيقة. ثمة هذا التبادل في الأدوار بين الصورة أو المشهد وبين اللغة المعبّرة عنها».

جدير بالذكر أن الشاعر والناقد "محمد عبيدو" من مدينة "سلمية"- محافظة حماة. يعمل بالكتابة الصحفية والنقدية السينمائية منذ عام 1983 في صحف سورية، وعربية، وله عدة كتب مطبوعة:

- شعر: "وقت يشبه الماء" 1987 - دار الشيخ

- "الغياب ظلك الآخر" 1992

- "تمارين العزلة" 1998- اتحاد الكتاب العرب

- "ارتباكات الغيم" 2004- وزارة الثقافة دمشق

- "رجل مشحون بالندم" - شعر - وزارة الثقافة- دمشق 2012

- دراسة : "السينما الصهيونية" 2004 دار كنعان- دمشق

- " السينما الاسبانية"- 2006- دمشق

- " السينما في امريكا اللاتينية"- 2009- مؤسسة السينما ووزارة الثقافة دمشق.http://www.esyria.sy/

فيلم "مقامات المسرة " عن الاستاذ صبري مدلل - اخراج محمد ملص

https://www.youtube.com/watch?v=hmGVwZZX3vo

فيلم " تراب الغرباء "

فيلم " تراب الغرباء "مشاهد من حياة عبد الرحمن الكواكبي - اخراج سمير ذكرى -بطولة بسام كوسا - ديكور الفنان التشكيلي يوسف عقيل - من رواية تراب الغرباء لفيصل خرتش ، تم تصوير الفيلم كاملا بحلب https://www.youtube.com/watch?v=XOzTIti91YQ

السينما الاسبانية

محمد عبيدو 
تعتبر السينما الإسبانية أحد اكثر السينمات الأوروبية تميزا حيث حقق بعض رموزها صيتا عالميا، بفضل مخرجين مثل بونويل وكارلوس ساورا وخوان بارديم وبيدرو المودوفار والمخرجة ببلار ميرو ومن ممثلين وممثلات مثل أنتونيو بانديراس وفرناندو جوميز وفيكتوريا أبريل وكارمن ماورا...يبدو الحديث عن السينما الاسبانية لا يمكن ان يكون سوى بالتطرق للسينما الاوروبية بشكل عام، لانها كانت ولا تزال ظاهرة متميزة داخل هذا الكم الهائل من سينما القارة، وان لم تحصل على شهرة وتميز ظواهر سينمائية اخرى مثل الفرنسية والايطالية، ولكن حدود تميزها تكمن بهذا العدد القليل من النتاجات والاسماء المعروفة عالمياً، فالحديث اولا واخيرا عن سينما القرن العشرين لابد وان يمر ولو بنماذج قليلة من السينما الاسبانية، لا يمكن ان تحيد عن سينما لويس بونويل المعروف عالمياً و كارلوس ساورا و خوان بارديم والمخرجة ببلار ميرو او مؤخراً ظاهرة افلام بيدرو المودوفار والذي حاز فيلمه (كل شيء عن امي) على اوسكار افضل فيلم اجنبي عام 2001. وأليخاندرو آمينابارالذي حاز الاوسكار عن فيلمه "البحر من الداخل" ومن ممثلين وممثلات مثل أنتونيو بانديراس وفرناندو جوميز وفيكتوريا أبريل وكارمن ماورا.و بينلوبي كروز و خافيير بارديم

ويمكن اعتبار بداية السينما الاسبانية جاءت مع فيلم مؤرخ في عام (1896) وهو شريط لا يتجاوز الدقيقة عبارة عن تسجيل لخروج المصلين من كنيسة في مدينة سرقوسة اثر احتفال ديني. فيلمان آخران من انتاج نهاية القرن 19 تم انتخابهما ايضاً لقيمتهما الفنية والتاريخية يتقدمان افضل مئة فيلم اسباني وهما: مناظر اسبانية بطول 8 دقائق، ومشادة في مقهى اول فيلم روائي قصير بتاريخ السينما. 
و الفيلم التسجيلي لحفل زفاف الملك الفونسو الثالث عشر ملك اسبانيا آنذاك، فهو اضافة لاهميته كتحفة سينمائية يعد الاول من نوعه في العالم بتسجيل وقائع اصبحت من مسلمات السينما والتلفزيون في نهايات القرن، كما ان قيمته تكمن بعفويته بتسجيل الاحداث دون سيناريو ثابت، ومنها تسجيل وقائع ما حدث من تفجيرات بين الجمهور المحتشد في الساحة نتيجة قنبلة تركها معارضون للملكية آنذاك. ومن أوائل أفلامها الصامتة فيلم اسمه ’ مشاجرة فى المقهى ‘ سنة 1897 . مع ذلك لم تتأسس أول شركة لانتاج الأفلام الطويلة إلا فى سنة 1932 , و من ضمن افلام منتخبة حتى عام 1915، تبرز مجموعة منها ولكن ما يميزها ان اغلبها لا تتجاوز مدتها الـ 8 دقائق ولعل اهمها بسبب من جرأته وفكرته المتقدمة زمنيا على عصرها يأتي فيلم (الفندق الالكتروني) الذي يدور عن رحلة زوجين يمضيانها بفندق مكيف على احدث تقنيات المستقبل وهو من اخراج سغوندو شومون الذي يعتبر وزبوه من رواد السينما في اسبانيا. 
بعد اول فيلم طويل وهو (حياة كولومبوس واكتشافه لاميركا) 1916 بـ 110 دقائق وهو فيلم روائي مستقى كما هو واضح من عنوانه عن حياة مكتشف القارة الاميركية، جاءت افلام مختلفة اخرى ولكنها ستكون افلاما (تابعة) كما يطلق عليها مؤلفا الكتاب لانها كانت تقليدا لموجات السينما العالمية آنذاك في اميركا او في دول اوروبية مجاورة مثل السينما الالمانية وحتى موجات الواقعية الايطالية والسينما الجديدة في فرنسا. ولكن وان جاءت الافلام الاسبانية كمنحى متابع لسينما دول الجوار حتى بدايات الستينيات، فإنها حاولت ان تظهر الجانب الفلكلوري باسبانيا وسمعتها السياحية وصورتها التقليدية، وكان ان جاءت افلام تطرق على هذه النغمة دون قيمة فنية معينة. بينما حاولت افلام اخرى الاستفادة من كل تراث اسبانيا لصنع افلام خاصة محلية بطابع عالمي كما عليه افلام العبقري بونويل وان كانت اغلبها خارج اسبانيا، او افلام المدهش لويس برلانغا الذي ارسى لسينما نقدية شعبية كما في: مرحبا مارشال، الجلاد وغيرهما، وكذلك السينما الجادة القريبة من سينما الواقعية الجديدة في ايطاليا كافلام انطونيو بارديم مثل: الشارع الكبير، موت سائق الدراجة، وهما المخرجان اليساريان اللذان احرجا ديكتاتورية فرانكو طويلا وتعرضا لمنع عرض افلامهما لصورها النقدية الفاضحة. 
ولكن دون نسيان فترة طويلة من عمل مخرجين اجانب في افلام اسبانية، او عدم ذكر افلام خالدة وتعد من كلاسيكيات السينما الاسبانية كافلام ادغار نبيلي، ساينز هيريدا او مانويل مور اوتي. 
وقد لعبت السينما الأسبانية دورا مهماً في تحول أسبانيا إلى الديمقراطية ليس فقط بعد وفاة فرانكو 1975 بل في السنوات السابقة لوفاته، بل أكثر امتدادا إلى سنوات الحرب الباردة 1945-1957 ومعها بدأت تتحول سياسة الانغلاق التي اتبعها نظام فرانكو أثناء وبعد الحرب الأهلية 1936-1939 إلى الانفتاح على العالم ـ ورغم قيود الرقابة والتزمت الداخلي ـ استفادت السينما الأسبانية من هذا الانفتاح الذي أراد النظام أن يجمل صورته بها أمام العالم، وبدأت حركة سينما جديدة واستفاد النظام نفسه من فوز بعض الأفلام الأسبانية بجوائز في المهرجانات الدولية.
ومن بين هذه الافلام نذكر " الطريق" لخوزيه انطونيو نيفيس كوندي عام 1951 الذي قدم للجمهور قصة عائلة فلاحية اضطرت للهجرة للمدينه لأسباب اقتصادية .

وكان النقاد المحتجون على السينما الأسبانية السائدة قد عقدوا في مايو 1955 مؤتمرا بمدينة سالامنكا المعروفة كمدينة جامعية وأصدروا بيانا - أشبه ببيان أوبرهاوزن 1962 الذي أعلن قيام السينما الألمانية الجديدة نددوا فيه بزيف الأفلام التجارية وعدم جدواها وتأثيرها سياسيا واجتماعيا وانعدام جمالياتها ورغم أن البيان قد صاغه خوان انطونيو بارديم ـ عضو الحزب الشيوعي ـ فقد وقعه مخرجون ونقاد من مختلف الاتجاهات السياسية..
وظهرت نماذج من الأفلام تحاول تحقيق المعادلة بين التأثر بالواقعية الجديدة الإيطالية والميلودراما الهوليوودية مثل فيلم موت راكب الدراجة إخراج بارديم نفسه كما تذكر الناقدة الأميركية مارشا كيندرفي الفصل الخاص بأسبانيا بعد فرانكو في تاريخ أكسفورد للسينما العالمية 1996 أنه ظهرت في عهد فرانكو ثلاث شخصيات سينمائية أسطورية أمتد عطاؤها بعدهم وهي لويس بونويل المولود عام 1900 ولويس برلانغا 1921 وخوان انطونيو بارديم 1922الذي اخرج افلاما مثل (هذا الثنائي السعيد) في 1951 الذي شكل بداية سينما اسبانية تنتقد ديكتاتورية فرانكو و(وفاة دراج) في 1955. وكان خوان انتونيو بارديم شقيق الممثلة بيلار بارديم وعم الممثل خافييه بارديم 
بقيت السنوات الاولى من فترة الستينات تحت هيمنة بيرلانغا وبارديم . والسينمائي الأخرالوحيد اللامع كان الايطالي ماركو فيريري الذي عمل فترة من الوقت في اسبانيا قبل ان يثبت وجوده في بلده . فقد انجز في اسبانيا أفلام " الشقة " و " الأولاد " و " السيارة الصغيرة " .. في هذه الافلام الاسبانية المبكرة بدأت تظهر بوضوح العناصر التي ستميزأعماله اللاحقة . 
لكن العنصر الأساسي الذي ميز الستينات كان ولادة ما يسمى " بالسينما الاسبانية الجديدة " 
في عام 1959 حقق كارلوس ساورا فيلم " الأشقياء " الذي ذبحته الرقابة فيما بعد . واستغرق أربع سنوات كي يعتق ويطلق سراحه للتوزيع بسبب ألعاب الخداع البيرقراطية في تصنيف " المستوى " التي ابقت الفيلم مخزونا على الرفوف .
وفي عام 1963 بدأت " السينما الجديدة " تزدهر . وظهر في الساحة أكثر من اثني عشر مخرجا جديدا يقدمون افلاما ممتعة بدرجات متفاوتة
في تلك السنة نفسها حقق بيرلانغا أحد روائعه " الجلاد " الذي قضى عليه الرقباء , وصور بارديم " لاشيء يحدث أبدا " . 
أبرز الوافدين الجدد كان ماريو كاموس الذي انجز فيلمين " الأدعياء " وسانشيز الشاب " . وفي الوقت نفسه حقق مانويا سومرز فيلمه الروائي الطويل الأول " من القرمزي الى الأصفر "الذي مازال حتى الآن واحدا من أفضل أعماله . وهو وقائع تسجيلية عن الشيخوخة والمراهقة بأسلوب هزلي متفرد استمر سومرز باتباعه . 
وقدم فرانشيسكو ريجوير حكاية زوجين شابين من مدريد يلجآن الى طليطلة في مغامرة يوم الأحد في فيلم " حب جيد " , وانطونيو ايشيزا " المواجهة الأخيرة الذي عالج قصة حب مستحيلة لشابين في عطلة الصيف 
الفترة التالية التي ستشكل زخما سينمائيا سواء بالكم او بظهور مخرجين جدد مع عام 1975، عام موت فرانكو، وبداية مرحلة عسيرة من تاريخ اسبانيا، وهي الاعوام التي ستبرز اسماء مهمة مثل كارلوس ساورا المولود 1932كخليفة لاستاذه بونويل ليحقق نجاحات عالمية مازالت مستمرة ومخرجين آخرين يتطرقون لمواضيع كانت حتى وقت قريب من المحرمات مثل العلاقات الجسدية، الكنيسة، نقد الاوضاع السياسية والاجتماعية بصورة مكشوفة وصريحة كما عليه افلام: ريكاردو فرانكو، لويس بوراو، بيغاس لونا، بيثنته آراندا، غونثالو سواريث وغيرهم ...ويتقاسم الجائزة الذهبية لمهرجان برلين عام 1978 فيلمان اسبانيان .. " أقوال ماكس "لاميليو مارتينيز لازارو و " السمكة " لخوزيه لويس سانشيز . وفيلم " الفارس دون كيشوت " المقتبس من الجزء الثاني من رواية دون كيشوت الشهبرة لسيرفانتيس للمخرج الاسباني الكبير مانويل غيتيراز اراغون الفائز بجائزة الاوسكار . وتتقدم المخرجة بيلار ميرو لتؤكد وجود المرأة المبدعة التي أثارت الجدل بجرأتها في تناول موضوعات سياسية واجتماعية ورغم صدور قانون 1977 بإلغاء الرقابة فقد تعرض فيلمها "جريمة كونيكا " 1979 لمصادرة البوليس ثم أفرج عنه عام 1981 ليكتسح الشباك.. وفي عام 1982 عينت مديرة عامة للسينما في عهد حكومة غونزاليس الاشتراكية لتدشن عهدا من الحرية الفنية وتصدر قانونا لحماية السينما وزيادة دعمها ماليا. كما انه بدءا من هذا التاريخ ستعترف المهرجانات العالمية بقيمة السينما الاسبانية ليحصل فيلم "خلية النخل " لماريو كاموس على الجائزة الذهبية لمهرجان برلين , وجائزتين لساورا في مهرجان كان عن فيلمه "كارمن ". ويحصل خوسيه لويس غارسيا على جائزة اوسكار لفيلم اسباني عن فيلمه " لنبدأ ثانية " يليه في التسعينيات المخرج فرناندو تروبيا ومن ثم تلاه بيدورالمودوفار.وأليخاندرو آمينابار
وانجز المخرج خوان بارديم فيلم "لوركا.. موت شاعر " عام 1987 حول حياة الشاعرة والمسرحي الكبير »فيديريكو جارسيا لوركا [1936-1889]« الذي اغتيل على يد الفاشيست الاسبان في الاسابيع الاولى لقيام الحرب الاهلية الدامية. ويشهر الفيلم ادانة واضحة لذلك الجهاز البوليسي الذي انضم في غرناطة لحلفاء فرانكو, واغتال كل من رأى فيهم خلافا معه, بمن فيهم لوركا متهما اياه بالعمالة لموسكو سياسياً, وهي اول مرة يشار فيها بشكل واضح الى قتلة لوركا والذي ما زالت تدور التكهنات حول موته الغامض واختفاء جثته حتى يومنا هذا
لا ننسى اضافة آخر الاسماء المتميزة في السينما الاسبانية المعاصرة في العقد الماضي , والاشادة بافلام لمخرجين جدد هم: ميغيل البالديخو وفيلمه (الليلة الاولى من حياتي)، اشيرو مانياس بفيلمه (الكرة).و(في عقل قاتل ) للمخرجين / اوجاستي فيلارونجا وليديا زيمرمان واسحق راسين / الذي يحاول الفيلم التنقيب عن الدوافع التي ادت بالمجري آروتولبوكين لاحراق حوالي ثلاثين شخصاً ،وهم احياء وكان معظمهم من السيدات الحوامل قبل ان تلقي الشرطة القبض عليه عام 1981 ويحكم عليه بالاعدام.‏ 
" في عقل قاتل " فيلم مذهل ومكتمل بأدواته الفنية وبمزاوجته الابداعية بين الشكل التسجيلي والشكل الروائي في القص ، بجرأته الواضحة في الطرح وتصوير جميل وتقطيعه الزمني الذي ساهم به مونتاج متمكن ، يُضاف الى ذلك اداء تمثيلي محبوك لجميع العاملين بالفيلم وفي مقدمتهم بطل العمل / داينيل جيمينيز ساكو/.‏ 
و يقدم بنيتو ثامبرانوا بفيلمه (نساء وحيدات)، ويقول المخرج بنيتو ثامبرانوا أنه استقى موضوع الفيلم والذي كتب له السيناريو من واقع حياة أسرته في إحدى القرى الأندلسية، وقد لمس جمهور المشاهدين صدق الفيلم وتعايش بحميمية مع شخصيات الأم العجوز التي جاءت مع زوجها من القرية ليعالج في مستشفى بمدينة أشبيلية وتنزل في بيت ابنتها المرأة الشابة المحبطة التي هربت من القرية مثلما هرب أخوتها حتى قبلت أول من تقدم إليها حتى بدون حب، شاب كان يعجبني تزوج من صديقة لي في المدينة وبالتالي تعرفت على أسوأ رجل تركني حاملا..
هكذا تحكي لجارها المسن الذي يعيش وحده مع كلبة وهي تشتغل عاملة في مطعم تنظف بقايا الآخرين وترضى بما تبقى على الموائد من بقايا الآكلين من طعام أو شراب.. تتقاسم مع زميلاتها في مذلة الطعام وتسرق زجاجات الخمر من بار الرجل الطيب الذي يعطف عليها ويوصلها لمسكنها وهي تترنح حتى تلتقي بصديقها سائق الشاحنة على الطرق السريعة، لا يهمه إلا جسدها، حينما تخبره بأنها حامل يطلب منها بدم بارد أن تجهض نفسها. يهينها قائلا: أنت نصف امرأة. النصف الأخر مليء بالكحول ـ كيف يكون لطفلي أم مثلك؟
تقوم علاقة إنسانية بين أمها العجوز والجار المسن، الوحيد. يساعدها حينما لا تجد نقودا كافية في السوبر ماركت، تقوم بينهما علاقة الود، له فلسفته في الاستمتاع بأيامه الأخيرة في سلام، تساعده في طهي طعامه، ترتبط بصداقة مع كلبه الذي يألف إليها، حتى ليهرع إلى مسكنها لتنقذ صاحبه من أزمة صحية تعتني به بحنان يشعر زوجها المريض ـ المسن ودائم العبوس بأنها تحمل رائحة رجل غريب كان قاسيا معها ومع أولاده، تقول الابنة كان يضرب أمي ثم يضربنا نحن بناته بلا سبب هكذا تفتح الابنة صدرها للرجل المسن بعد أن تركته أمها حزينا ينهرها عن إجهاض نفسها سأتبناه كجد وهي تثور عليه وتتهمه بالجنون ويأتي المشهد الأخير في الفيلم هي وهو أمام قبري والدها ووالدتها.
و بينما يواصل ساورا والمودوفار وامينابار تقديم تحفهم السينمائية يقدم المخرج المعروف خوسيه لويس غارسيا فيلمه "الجد " الذي يتناول درامة اجتماعية بطلها شيخ مسن يفقد ابنه الوحيد و يحاول في اخر يامه ان يجد في عائلته النبيلة من هو يستحق ان يرث ثروته ... 
و فيلمه {انت وبس} (you are the one) الذي تدور أحداثه في أواخر الأربعينات أثناء الحرب الأهلية .. ونظام الحكم الدكتاتوري.. حيث تفقد جوليا بطلة الفيلم (ليديا بوش) حبيبها الذي مات في السجن .. والذي كان رساما موهوبا.. والمعروف بميوله السياسية ضد فرانكو ونظام الحكم أما جوليا الفتاة الجميلة ذات الشعر الذهبي البلاتيني فهي تنتمي لعائلة كبيرة في اسبانيا .. تلقت دراستها في انجلترا وسويسرا .. شخصية مثقفة متحضرة ذات أنوثة طاغية .. ونظرة فيها حزن عميق تمر جوليا بحالة نفسية سيئة فتذهب الي بيت العائلة الريفي في إحدي القري الصغيرة في فيينا لتخرج من عزلتها فهناك تعيش ذكريات الطفولة السعيدة.. وشهور صيف بلا نهاية.. لكن البيت والعزبة تديرها الآن العمة جالا وتعيش معها (بيتالا) زوجة الابن والحفيد جوانتو).. هناك تحس بدفء العائلة.. والناس الطيبين.. وتحاول أن تقيم علاقات حميمة بأهل القرية.. وبالصبي جوانتو.. وأيضا قسيس القرية غير السعيد الذي يغرق في همومه بشرب الخمر.. لكن جوليا تحس بالوحدة والتعاسة.. وصورة الحبيب الراحل أمام عينيها.. وصوته يرن في أذنها فهل تتوقف الحياة بفقدانه.. هل الحب الأول هو الأخير؟
وفي أحد الأيام يزورها شاب غريب يقدم نفسه بأنه صديق حبيبها وزميل السجن ومعه صورة كبيرة وخطاب الوداع كتبه جوزيه حبيبها قبل أن يموت وطلب منه أن يسلمه لجوليا. أما الصورة فقد رسمها بنفسه لهما هما الاثنين.. ويجيء صوته وكأنه ينبعث من الآخرة ليدعوها للخروج من عزلتها.. وأن تخرج وتنطلق .. فهي تحب السفر والترحال.. وأنه يحبها وأن روحه ستسكن فيها.. ويؤكد عليها جوزيه ما تفعله وترد جوليا بالإيجاب وكأنه معها ، لتنفتح بالتدريج علي كل ما حولها لتدخل السعادة الي قلب الأم الشابة الأرملة وتغير من نفسها وشكلها لتجعل منها فتاة (مودرن)، كما تقوم بعمل تمثيلية للأطفال تقدمها في عيد الميلاد.. وتعلم جوانتو الرقص وخطواته علي الموسيقي الكلاسيك.. وتدخل السعادة الي قلب مدرس القرية الفيلسوف الغلبان الذي وقع في حبها .. والذي يعلم جيدا (أن الفقراء أحلامهم متواضعة).. وبالتدريج ولكن بالتأكيد تخرج الشابة الجميلة جوليا من عزلتها. والسينما الاسبانية لها أسلوبها الخاص في تقديم الرومانسية.. فنحن لا نري الحبيب طوال الفيلم .. فقط صورته .. لكننا نحس بالحب الرومانسي الذي تفتقده السينما في هذا الزمن..
لقد ذهبت جوليا وهي إنسانة تعسة حزينة لكنها خرجت من القرية بعد أن أضفت عليها الحب والسعادة.. انها امرأة غير عادية عاشت في زمن الحرب.. ولكننا أيضا لم نر الحرب .. بل أن الفيلم معظمه يدور في القرية.. في الطبيعة البكر التي لم تلوثها المدنية! 


فندق رواندا

محمد عبيدو 
قبل أحد عشر عاماً، بدأت المجزرة، مباشرة بعد تحطم طائرة الرئيس الرواندي "يوبينال هابياريما"، اثر تعرضها لهجوم صاروخي. ورغم أن أجهزة الأمن الرسمية كانت ما تزال منشغلة

بالبحث عن الجناة الفعليين، الذين خططوا لإغتيال الرئيس المعتدل، كانت الحرب الأهلية في رواندا تصل إلى قمة ذروتها. وما حدث في المائة يوم اللاحقة، يصعب تصوّره. لأن جريمة القتل الجماعي التي سقط ضحيتها ما يقارب المليون من "التوتسي" ومن "الهوتو" كانت من البشاعة الى حد أن العديد من وسائل الإعلام لم تجد تفسيراً لها غير الهروب إلى الأمام وإعطاء تبريرات لا تخلو من العنصرية. في أوروبا راحت الصحافة والقنوات التلفزيونية تتحدث مثلاً عن "فوضى طبيعية بسبب حروب قبلية متقادمة الجذور". في الوقت الذي لم تكن فيه حرب الإبادة تلك لا هي بالقديمة ولا هي بحرب بين القبائل. كانت ببساطة: جريمة قام بها متطرفون من الهوتو، وخطط لها تحالف عنصري ضم: الشرطة والجيش والمليشيات ومحطة إذاعية، قام كل طرف من هؤلاء بتنفيذ دوره من أجل منع التوتسي والمعتدلين الهوتو من الوصول للسلطة.
ذلك ما يريد أن يصوره فيلم "فندق رواندا"، للمخرج الإيرلندي تيري جورج.الذي رشح لحصد ثلاث جوائز اوسكار والعديد من الجوائز الاخرى . الفلم نجح بإعادة التذكير بالمذبحة، وبحرب الإبادة التي حدثت تحت سمع العالم وبصره. ربما كانت التراجيديا محتملة الحدوث في بدايتها، كما نرى في الفيلم، لكنها تحولت إلى حقيقة بشعة وبهذا الحجم، فقط لأن الأمم المتحدة والولايات االمتحدة الأميركية وفرنسا وبلجيكا، لم تأخذ، وكل واحدة منها لحسابات خاصة بها، لم تأخذ كل التحذيرات المبكرة محمل الجد. والأنكى من ذلك، هو أن الأمم المتحدة سحبت أغلب جنودها، عندما بدأت المذبحة.

فيلم " فندق رواندا"، الذي يسرد حكاية مشبعة بالقهر والموت، تعرضت لها الشعوب الافريقية. 
خصوصاً في " رواندا" البلد الذي ذبح فيه حوالي المليون، والعالم الحر يتفرج على هول المجزرة، بين قبيلتي "الهوتو" و"التوتسي".يسأل صحافي انجليزي، ما الفرق بين هذه القبيلة وتلك؟ فيجيبه، مدير الفندق " ليس من فرق"، إن البلجيكيين من زرعوا هذه التفرقة، بقياس عرض أنوفنا، وبهذه الطريقة ميزونا عن بعضنا، واسسوا لما نحن فيه». 
هذا الفيلم وثيقة ، وقصته حقيقية، والشهود عليها، ما زالوا أحياء.وكاتب السيناريو نقلها عن لسان بول روسيسا باجينا مدير الفندق، الذي احتمى فيه الكثير من الهاربين من حول المجزرة، 
تبدأ الأحداث في نيسان من عام 1994 ، حيث تنقلنا الكاميرا إلى فندق راقٍ يدعى }فندق الألف هضبة{ تعود ملكيته إلى شركة الخطوط الجوية البلجيكية. يقع في العاصمة الرواندية، كيغالي، }وحتى اليوم يمكن أن يقيم فيه المرء، فضلاً عن ذلك، فقد تحول الفندق إلى رمز، وإلى معسكر للهرب من الجحيم أو إليه {. ونتعرف على پول روسيساباغينا (يؤدي دوره الممثل دون تشيدل , الذي ادهش النقاد بقدرته على ان يؤدي ادواراً، يلزمها قدر عميق من الدقة، والدراية) وهو مساعد مدير الفندق والمشرف على كل شيء فيه. وبول هذا ينتمي إلى قبيلة الهوتو، ويعيش حياة هادئة مع زوجته تاتيانا (تؤدي دورها الممثلة صوفي أوكونيدو) والتي تعود أصولها إلى قبيلة التوتسي، وأطفالهما وهما ابنتان وصبي. وبحكم منصبه في الفندق ودماثة أخلاقه ومعاملته الطيبة مع النزلاء، وهو ذو شخصية ذكية ذات خبرة مكنته من أن يفهم كيف يدور العالم من حوله. فنجده يتحكم في مسألة التموين والأغذية في سوق تلك المدينة، وذلك نتيجة علاقته بالموظفين الحكوميين المهمين في البلد. ويستقبل بول السائحين الألمان من خلال إدارته للفندق والذي يضم مكتبة ضمن مكوناته.. ويحرص بول على أن كل من يرتاد الفندق لا ينقصه شيء. 
تسير الحياة على ما يرام في هذه المدينة خاصة بالنسبة إلى بول وفندقه. لكن عام 1994 يحمل له مفاجأة مأساوية تقلب الموازين. وذلك عندما يخيم على البلاد شبح الحرب الأهلية وتنغمس في مذابح لا أول لها من آخر. والفيلم يصور بالفعل مذبحة المائة يوم في رواندا والتي كان سببها سوء العلاقات بين اثنتين من القبائل هناك، قبيلة (توتسي) وقبيلة (هوتو).. 
وتبدأ الغيوم السياسية في التلبُّد مع انطلاق ميليشيات من قبيلة الهوتو في الشوارع في تظاهرات توحي بأن الأمان أصبح في خطر، مع انطلاق إذاعة تابعة للهوتو في التحريض على إبادة كل أفراد التوتسي والذين كانت الإذاعة تسميهم }الصراصير{. وتتسارع الأحداث وتتعرض الميليشيا لسائق پول ويدعي ديوب الذي يصاب بالهلع، غير أن پول يخفف من حدّة هلعه ويطمئنه ويؤكد له أن الأمور ستعود إلى حالتها الطبيعية لا سيما وأن الرئيس الرواندي وقّع على اتفاقية سلام وبإشراف الأمم المتحدة نفسها. مع ذلك يسمع پول في المساء حين يصل إلى بيته ضوضاء في الشارع، وحين يسترق النظر من بوابة منزله الحديدية يرى بعض أفراد من ميليشيا الهوتو يضربون جاره ضرباً مبّرحاً ويسحبونه إلى جهة مجهولة.
وتهلع زوجة پول حين تكتشف أن ابنها غير موجود في المنزل، فيخرج پول للبحث عنه ويراه في حالة صدمة مطبقة وذهول شارد وثيابه ملطخة بالدماء، ونعلم أنه كان قد ذهب للاطمئنان على صديقه وأن الدماء التي تلطخ ثيابه هي دماء صديقه. وتزداد الأمور سوءاً إلى أن تصل إلى ذورتها مع انتشار نبأ مقتل الرئيس الرواندي في حادث تحطم طائرة، وتطالب إذاعة الهوتو بالقضاء على كل شخص من قبيلة التوتسي، ومع انتشار الفوضى وانعدام الأمان يضطر مدير الفندق، وهو من البيض، إلى مغادرة البلاد ويكلّف پول بمهمة إدارة الفندق، فلا يتقبل بعض العمال الامر، فيسعى الى صاحب الفندق بأن يعينه في منصبه الجديد بشكل رسمي، ويستجيب الآخر للطلب، ويقول لعماله حينها، هكذا تقبلون بالأمر، لانه آت من بلجيكا، ويقوم بتمزيق التعين، بإشارة رمزية، الى قدرة الفقير الاسود على الخضوع لسلطة الأبيض، ولو كان متغطرساً، على ان يستجيب لطلب اخيه العادل. وهنا يستغل بول إمكانياته وتكتيكاته التي يستخدمها في إدارة الفندق لإخفاء ليس فقط زوجته ولكن زوجته وعائلتها التي تزيد على ألف لاجئ وهارب من أعمال القتل والإبادة التي تمارسها عليهم قبيلته (هوتو). من خلال هذا الصراع بين القبيلتين وصراع بول نفسه لحماية زوجته التي يحبها وعائلتها يحدث الكثير من مظاهر الشجاعة والبطولة التي يبذلها بول في سبيل حماية حياته وحياة زوجته. ويرتأي پول أن يأتي بزوجته وأطفاله إلى الفندق لأنه مكان آمن نسبياً ويأتي معهم عدد كبير من جيرانه الذين ينتمون إلى قبيلة التوتسي لأن حياتهم كانت في خطر مطبق. تحول فندقه في وسط المجزرة البشرية إلى حصن للإنسانية، لجأ إليه عشرات الهاربين من جحيم الموت . ولا يخفى هذا الأمر عن ميليشيات الهوتو فقد راحت إذاعتها تعلن أن هناك خائناً، والمقصود هو پول لأنه من قبيلة الهوتو في الأصل، يحمي الأعداء في فندقه. وكانت قوات الأمم المتحدة برئاسة الضابط الكندي أوليفر (يؤدي دوره الممثل العريق نك نولت) لاتتدخل، لكن أوليفر يؤكد لپول أن قوات دولية ستصل على جناح السرعة، ولكنها حين تصل نكتشف أنها جاءت فقط لإخلاء البيض من البلاد ولم تسمح حتى لمجموعة من الراهبات السود بالانضمام إلى البيض المزمع إخلاؤهم. ويزداد تدفق عشرات من اللاجئين التوتسي إلى الفندق. ويؤويهم پول جميعاً ويضطر إلى دفع رشاوى وهبات إلى أطراف عديدة ومن بينها جنرال كبير في الجيش الرواندي لتأمين الطعام لهؤلاء الذين لجأوا إليه خوفاً على حياتهم. وتفشل خطة وضعها الضابط الكندي أوليفر لنقل عدد من اللاجئين بينهم زوجة پول وأطفاله من الفندق إلى مخيم آمن للاجئين بإدارة الأمم المتحدة، في موكب من السيارات الشاحنة التابعة للأمم المتحدة، فقد تعرض الموكب لكمين نصبته ميليشيا الهوتو وأجبرته إلى الرجوع إلى الفندق. في تلك الأثناء كان جيش صغير من ثوار التوتسي قد قَدِم من أوغندا تحت اسم }الجبهة الرواندية الوطنية{ لمحاربة الهوتو، ووسط نيران الطرفين يفلح پول واللاجئون التوتسي الذين احتموا به في الوصول إلى مخيم للاّجئين تابع للأمم المتحدة.
لا نرى في الفيلم أحد تلك الشخصيات الجنتلمانية التي نعرفها في أفلام هوليوود. فرق الإنقاذ و القوات الدولية لا تحضر في الفيلم. وتلك هي الحقيقة المرة رقم واحد. أما السلوك الفردي لباول، فلا يظهر فجأة، بين ليلة وضحاها. كلا، ليس هناك بطل مثالي. إنه يفعل ذلك لأنه يملك الأسلحة الضرورية، التي كانت في حوزته دائماً: إصراره، جنونه، ومعرفته الخاصة بالبشر، والأهم من ذلك، إمتلاكه مخازن كبيرة من زجاجات الويسكي وسجائر الهافانا. باول يتحدث ويفاوض، يتملق ويكذب، من أجل زوجته (من التوتسي)، وأطفاله الثلاثة، وسكان الفندق (ضيوفه).

كاتب السيناريو كبير بيرسون، التقط كل العناصر الدرامية لقصة المجزرة ، ساعده بكتابة النص، المخرج تيري جورج، الذي يسعى في كل أعماله على اظهار الحقائق. فهو غطى التجربة الايرلندية في حربها التاريخية الاهلية في فيلمي " ابناء الأم " و" بإسم الأب" وهو هنا لا يستعرض تلك الدماء الكثيرة التي سالت، فمشاهد العنف قليلة، لكننا نشعر بهول ما حدث اكثر مما نراه ، مثل وخزة في القلب.
فهل يشجع هذا الفيلم والنجاح الذي حققه المخرجون والمنتجون على تناول مواضيع افريقية واقعية والتصدي للمنطق المالي الحاكم في صناعة السينما والذي دفع هوليوود ومنذ سبعين عاما الى تكديس الفكر حول منطق جنوب الصحراء الافريقية واستبعادها