الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015

«انطباعات رجل غريق»: تأمل بصري في انتحار الشعراء




الفيلم القبرصي «انطباعات رجل غريق» للمخرج كيروس بابا فاسيليو، الذي عرض بمسابقة مهرجان عنابة، دراما تأملية حول شاعر، بين الحياة والموت.. سيناريو الفيلم غير عادي مع عوالم سوريالية، نجد فيه رجل (يلعب دوره ثودوريس بانتديس) يستيقظ على الشاطئ، لا يعرف مكان وجوده، ولا يعرف من هو، منقطع تماما عن ماضيه وذاكرته. يدرك أنه فقد ذاكرته.
يلتقي رجلا آخر ويطلب منه المساعدة للتعرف على نفسه، ليصل أخيرا إلى بلدة حديثة مجاورة، حاملا معه دفتر كامل من القصائد يحاول اكتشاف ماضيه وهويته، مواجها قدره المحدد مسبقا، بعد لقاء مع صديقة سابقة لوالديه يكتشف أنه هو الشاعر اليوناني الشهير كوستاس كاريوتاكيس، الذي انتحر في عام 1928.
ولخص المخرج كيروس بابا فاسيليو رؤية الفيلم بقوله «زرت منزل ماريشا (ممثلة في الفيلم) وكان هناك مرآة على الحائط مع إطار منحوتة، بعد حين مررت أمام المرآة ولكن فوجئت أنني لا أرى نفسي. ما يحدث في الواقع عدم وجود مرآة داخل الإطار، ولكن مجرد سطح الزجاج، مثل زجاج النافذة. وكانت المرآة باهتة جدا، وشعرت أن نفسي قد اختفت».
يميل كيروس بابا فاسيليو في فيلمه للسرد الخالي من الكوميدياوالدراما ويشتغل على التكوينات البصرية، والصور النقية القريبة من اشتغالات السينما الشاعرية الخالصة القريبة من عوالم أنطونيوني وبازوليني.
الفيلم يكشف لنا عبر أجواء رائعة وتشكيلات شعرية ترجع (وأحيانا باستخدام التعليق المدون على الشاشة) لعمل الشاعر ومذاكرته عن الانتحار.
الشاعر حاول كوستاس كاريوتاكيس الانتحار غرقا. قبل أن ينتحر، كتب حاشية في مذكراته عن الانتحار، ونقلت في الفيلم «ربما في يوم من الأيام، إذا حصلت على فرصة، سأذكر الانطباعات عن الغرق»، ولكن الشاعر في الفيلم يقاوم المفترض القيام به، أنه يقاوم فكرة الانتحار مرة أخرى. يبدو الأمر كما لو، بعد ما يقرب من 90 عاما من ذكرى وفاته، حاول كاريوتاكيس أخيرا رفض مصيره والهروب من الشعراء في متحف الانتحار، حيث يلتقي سيلفيا بلاث، فلاديمير ماياكوفسكي، بول سيلان والآخرين الذين وجدوا ثغرة أخرى لهمومهم.
في قالب شاعري يدور الفيلم حول تساؤل أساسي يسكن تفكيرنا هو أننا حين نموت نختفي أم لا ؟ ورغم حالة التأمل الدرامية العميقة والتي تصنع الالتباس لدى المشاهد يوصلنا المخرج لدخول متاهة هذه اللعبة، لكنه ينتهي تاركا بداخلنا إحساسا قلقا من حالة الفراغ، كما الصور الفارغة التي تظهر اللقطات النهائية للفيلم. أنه دعوة تحد للجمهور لاستشعار أبعاد الوجود الإنساني.
ولد المخرج كيروس بابا فاسيليو في قبرص عام 1972، «انطباعات رجل غريق» هو فيلمه الروائي الطويل الأول، آخر أفلامه القصيرة «باسم سبارو» شارك في مسابقة مهرجان كان السينمائي، يعمل كمخرج مستقل للإعلانات، وكمحرر للأفلام الروائية. نشر كيوس مجموعة من القصائد الشعرية.
محمد عبيدو

ايام الفلم العربي المتوج بقسنطينة تحت شعار “التسامح”‎

تحتضن قسنطينة الجزائرية، فعاليات مهرجان الفيلم العربي المتوج، في إطار احتفالية “قسنطينة عاصمة للثقافة العربية لعام 2015″، ابتداء من يوم الجمعة المقبلة ولغاية 24 ديسمبر/كانون ثان الجاري.
وقال محافظ المهرجان، إبراهيم صديقي، في مؤتمر صحفي، اليوم الثلاثاء، في قصر الثقافة (قسنطينة)، إنه “تم اختيار قسنطينة (430 كلم شرق الجزائر العاصمة)، عاصمة للثقافة العربية، لتحتضن هذه الفعاليات كونها مركز إشعاع ثقافي، وإبداعي، وعلمي، ولها من التاريخ ما يجعلها تستحق أن تحتضن تظاهرة من هذا النوع”.
وأضاف: “يعد المهرجان الأول من نوعه على المستوى العربي، وينظم تحت شعار التسامح إنتاج مشترك”، مشيراً إلى أنه يهدف إلى “إعادة الثقافة السينمائية في مدينة قسنطينة، والتي غابت عنها العروض السينمائية لمدة عشرين عاماً، بسبب تدهور حالة قاعات السينما”.
ولفت صديقي إلى أن “فكرة تنظيم هذه الأيام جاءت لإبراز وتثمين الأعمال التي شرّفت ، في مختلف المحافل الدولية العربية، وحصدت جوائز في مختلف المهرجانات، التي مكنت الإنتاج السينمائي العربي ومن يقفون وراءه، من اعتلاء أعلى المراتب، على الصعيدين العربي والعالمي”.
وحسب البرنامج المعد، فإن الدول المشاركة في المهرجان، هي “تونس، والمغرب، ومصر، والأردن، وسوريا، وموريتانيا، ولبنان، والعراق، والبلد المنظم الجزائر”.
و تشارك في المهرجان 10 أفلام روائية طويلة ، هي “الزيارة ” للمخرج نوفل صاحب الطابع (تونس)، و”على حلّة عيني” لليلى بوزيد (تونس)، و”بتوقيت القاهرة “، و”الفيل الأزرق “، للمخرجين أمير رمسيس، ومروان حامد (مصر)، وفيلم “ذيب” لناجي أبو نوار (الأردن)، و”جوق العميين” لمحمد مفتكر(المغرب)، و”تمبكتو” لعبد الرحمن سيساكو (موريتانيا)، و”المهاجران” لمحمد عبد العزيز(سوريا)، و”تحت رمال بابل” لمحمد جبارة الدراجي (العراق)، و” البئر” للطفي بوشوشي (الجزائر)، ويشارك فيلم  “موج 98 ” لإيلي داغر (لبنان)، عن فئة الأفلام القصيرة.
وأوضح صديقي أنه “لا يوجد منافسة أو مسابقة بالمعنى التقليدي للمهرجانات، خلال هذه الدورة، حيث سيقتصر البرنامج على عرض الأفلام المبرمجة، بحضور مخرجيها وأبطالها، يتبعها نقاش”.
وبيّن أنه سيتم تكريم العديد من الوجوه الفنية من خلال سهرات فنية، على شرف بعض الشخصيات، حيث ستكون هناك سهرة خاصة على شرف الموسيقار الجزائري نوبلي فاضل (من أهم الموسيقيين الجزائريين في الوطن العربي وواحد من الملحنين العرب الذين ظلوا طيلة مسارهم الفني متمسكين بالفن الأصيل)، والفنانة الجزائرية شافية بودراع (واحد ة
من نجوم الفن السابع في الجزائر والعالم العربي)”.
كما سيدعم المهرجان، السينما السورية، تضامناً مع شعبها الذي يعيش ويلات الحروب، بحضور العديد من الوجوه السينمائية منهم الممثل السوري غسان مسعود، باسل الخطيب، وسلاف فواخرجي، و من مصر الفنانة بوسي، وزميلتها صفية العمري، إلى جانب تكريم الجيل الذهبي لممثلي قسنطينة، ويعرفون بأبطال “أعصاب وأوتار”، وهي عنوان لسلسلة تلفزيونية فكاهية اشتهرت في التسعينات.
وسيتخلل البرنامج تنظيم ملتقى يحمل عنوان “الأدب والسينما”، تحت شعار “التسامح إنتاج مشترك” من أجل خلق مجال للتعاون بين المنتجين والفنانين العرب، واقتراح أعمال مشتركة بينهم.
وتندرج فعاليات أيام الفيلم العربي المتوج، في إطار تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية 2015، التي انطلقت بشكل رسمي بتاريخ 16 أبريل/ نيسان 2015، وذلك بعد اختيار المدينة في ديسمبر/ كانون الأول 2012، لتكون عاصمة للثقافة العربية لعام 2015، من طرف المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة “أليكسو”.

الاثنين، 19 أكتوبر 2015

النساء يحصدن معظم جوائز مهرجان لندن السينمائي 2015

الجمعة، 16 أكتوبر 2015

المخرج بيل أوجست الفائز بالسعفة مرتين رئيسا لتحكيم القاهرة السينمائى

يرأس لجنة التحكيم الدولية فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى المخرج الدنماركى بيل أوجست الذى سبق أن نال جائزة السعفة الذهبية مرتين فى مهرجان كان السينمائى الدولى عن فيلميه "بيلى المنتصر" عام 1988 و"أفضل النوايا" عام 1992، ويعد أحد 6 مخرجين فقط نالوا السعفة الذهبية مرتين فى تاريخ مهرجان كان، كما نال أوسكار أحسن فيلم أجنبى عن "بيلى المنتصر" عام 1989. ولد بيل أوجست عام 1948 ودرس الإخراج السينمائى فى معهد السينما الدنماركى، وبدأ فى ممارسة الإخراج عام 1978 من خلال عدد من الأعمال التليفزيونية قبل أن ينتقل إلى السينما فى عام 1983، ومنذ ذلك التاريخ أخرج 15 فيلماً من بينها 5 أفلام أمريكية أشهرها "منزل الأرواح" مع "ميريل ستريب" عام 1993 و"البؤساء" عن رواية الأديب الفرنسى "فيكتور هوجو" مع "ليام نيسون" عام 1998 و"قطار الليل إلى لشبونة" بطولة "جيريمى ايرونز"، ويستعد لإخراج فيلم عن رواية "ضحكة فى الظلام" عن رواية الأديب الروسي"فلاديمير نابوكوف" العام القادم. ومن المقرر أن يعرض مهرجان القاهرة السينمائى الدولى آخر فيلم أخرجه "بيل أوجست" وهو الفيلم الدنماركى "القلب الصامت"، الذى نالت بطلته "بابريكا ستين" جائزة أحسن ممثلة فى مهرجان "سان سباستيان السينمائى الدولى" فى إسبانيا العام الماضى.

الاثنين، 28 سبتمبر 2015

و..يعشقني...؟!

صورية اينال :
يا سيّدتي.. 
منذ ذاك الصّباح ،
 و أنا أرقب ومضة الشِّعر، 
لعلّ تريني فيها فارسَ جملة ، 
 أو روح فاصلة جذابة 
، تشرحينني
 و أنت تحتضنين الكلام ! 
 أو تمازحين المجاز باسمي ... 
يا حبيبتي.. 
تقول: 
 صورة قديم معلَّق 
على حائط قصيدة خلتْ ؟! 
إرتبكت عين الرّد حينها ، 
إذ تسلل من الشباك خريف ناعم ،، 
قبّل خد الحكاية 
 وا ستدار بعد انتشاء
 يعد بنسيم العيد خدَّها الثاني.....
 يقول محبوبتي 
بينما العيد.. 
أنا فارسك بالشباك ،،
 أحضرني الشعر من مدينة الغيم ؟! 
أقف عاشقا... 
سأنحني للعطر في يدك ،
 إن أضأت
 تفتحين جملة فسيحة ...
 يهب نسيم اليوم يدفعني 

حيث أمتد ،
 يرافقني حبي 
يقبل خد الحكاية الثاني
 والخريف الناعم 
 في الغرام
 لا يرد.
" اللوحة للفنانة ريم الجندي "

الاثنين، 21 سبتمبر 2015

لا أريد ترويضه بالأسئلة

انانا الصالح :
بين بدائيّتي كغابةٍ وحشيّة شبِقة، وحداثويتي المنمَّقة كحديقة مترَفةٍ مترِفة
خيلُ دهشةٍ
الذئبة التي خرجت مني حوّلَتها يده لفراشة، والغزالة التي تنظر من خلف الضوء يده التي لم تجفل
رأفةً بحال الكثير من اليراعات قرَّرَت فراشة شوقي
ألا تبوح بنضجها
ورأفةً بالقصيدة سحبَتْ أحرفي عريها من جبِّ الكلام
كمجدافٍ أخطو أماماً فتعود الذاكرة إلى الخلف
يشكِّلني وجع الصبح بلا ماء
يمرر طيناً مجبولاً بالعهر على كفه
لا يأبهُ للجرح المبتورِ النَّزْفِ بأقبيتي
بجسدٍ إن مرَّره الخوف على الرغبة سيلفظُ عورتهُ
جسدٌ لا ينقصه إلا الماء: جسدٌ/ قَش
ذاكرتني مصابة بسرطان دم ولغتي أرملة
ما ينبتُ بين مفاصلي الآن شبيهي لستُ أنا
كأحدب يعبر اليوم إلى البارحة، كل ما يراه مقدمة حذائه وطريق لا يعرف أين مصبه
صلصال الوقت كنهرٍ يمتدُّ ويسيل العمر إلى الطين
في وحدتي تعبرني الأشياء:
كل ما فيَّ يغدو جماداً، وكل ما لديها يضجُّ بالحياة
تعرج في جسدي الأحلام
تسكنني أفعى
تعبثُ بالمرآة كي لا تراني على محمل الجد
فأقدام الأحلام أحياناً تضرب بالأرض
منسول وجهي من حلمه
ظلّلي سكين، لذا فاستقامتي لا تولد إلا في العتمة
وما يسيِّجني الآن ليس الجدار بل زاويةٌ/ مرآة توحي بأن الامتداد وهم


لا أريد ترويضه بالأسئلة
- هكذا خبأت امرأةٌ وجهها في طين الوقت، وأعلنتْ-

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015

أبناء القصيدة

صوريا اينال :
1-
رسم على جدار القلب ,
كتب " لاجـىء "
وحين أرسل الكمان دمعتَه
فاض الليل بأشجان صديقةٍ ،،،
بوجع الياسمين
يأتي الشعر منفيّا،
في اللوحة
و في الغياب الكثيف......؟!

2-
في طريقه إلى الجنّة
يحرُسُ القصيدةَ عازفُ الهايكو
يطلّ عليّ
من نافذة الضياع ...
و ينمو طفلا مُخذَّرا
بالغيم...؟
صديقُ الليل
من " أنشودة المطر"
إقتطَعَ السـوادْ ؟ !
3-
من وراء البحر..
يهبُّ نسيمُ الفجر
يقول إذ يُهدهِد العصفورةَ
عزيـزتي..النّصُّ مؤلمٌ,
سأهديك حِبرا آخر..
فإلهٌ واحِدٌ
سيقتُلُ مسـافةَ
ما بيننـا....؟
01/09/2015

الأحد، 30 أغسطس 2015

محمد عبيدو لـ(قاسيون): «السينما جزء لا يتجزأ من الذاكرة وفضاء الحلم»

 


أجرت قاسيون حواراً مع الإعلامي والشاعر والناقد السينمائي السوري محمد عبيدو، تحدث فيه عن تجربته في الشعر والنقد السينمائي، ومشروعه الخاص عن «سينما الشعر»، ولخص رؤيته لفضاءات العلاقة التي تربط الفنون مع بعضها ومع المتلقي الذي يتحول في لحظة ما، من مجرد «مستهلك» إلى منتج للفن..  
 ماذا عن التفاعل بين وجوه الفن المختلفة، عن علاقة الشعر بالسينما، ومشروع «سينما الشعر» الذي تعمل عليه وكيف يمكن تطويره؟
عندما أكتب القصيدة يدخل عبرها مخزون روحي البصري، وعندما أتعامل مع السينما، أشعر بتشكل مشهد بصري جديد فيه شيء من إحساسي الذي اعتبره رابطاً بين عملي بالسينما وبين النص الشعري، لأكتشف الصورة المعبرة عن شيء ما يخصنا. العلاقة بيني وبين السينما هي علاقة حوار واكتشاف، وبحث عن الجديد في إطار الإبداع، فهناك رابط بالنسبة لي بين الشعر والعمل في النقد السينمائي، لأن أي عمل، سواء أكان سينمائياً أم شعرياً أم تشكيلياً فإن أسمى ما فيه شاعريته. وبقدر ما يبدو مفعماً بوعي وإحساس ذاتي على درجة من الانسجام مع نثرية الحياة وشعريتها، يبدو كذلك منسجماً بصورة أوضح في مسألة التعبير عن ذلك التماس سينمائياً، تعجبني تجارب شعراء اشتغلوا أفلاماً سينمائية، فنقلوا مناخات كتاباتهم إلى عوالم الصورة مثل الإيرانيين «فروغ فروخزاده» و«عباس كيارستمي», وجان كوكتو الفرنسي وبازوليني الإيطالي، وأنا مع ما يراه بازوليني بأن المصدر الأساس لمفردات هذا «الحوار» الصامت بين الذات والمحيط، هو مجموعة الصور القادمة من «عالم الذكريات والأحلام»، أو ما يدعوها بلغة «الصورة الإشارية»، وهي بالمحصلة لغة «السينما الشعرية». إن هذا النوع من الأعمال السينمائية المفتوحة يشجع المتلقي على «بذل جهد لقراءته» وبالتالي فإن المشاهد هنا, كما يقول رولان بارت, ليس «مجرد مستهلك للنص، بل هو منتج له»، بهذا المعنى تبدو الصورة في السينما الشعرية، صورة منقوصة المعنى، ومفتوحة النهايات، تحتاج جهداً ذاتياً من قبل المشاهد لإتمامها. ومن هنا، ينبغي الحديث على أن تؤكد السينما الشعرية في الوقت نفسه وحدتها التركيبية الخاصة.
 في فترات سابقة، ظهرت فيها أسماء شعرية ارتبطت بقضايا هامة وطنية وسياسية واجتماعية، وقضايا ارتبطت بأسماء شعرية هامة، اليوم، يوجد قضايا يمثلها المجموع هل سيوجد شعراء أو حالة شعرية تمثل المجموع؟
نحتاج إلى خيط لا ينتهي لنخيط به هذا الجرح الهائل المفتوح على الدمار والتلاشي والنسيان. هذا الوعي الفاجع لفداحة السؤال تصبح عبره مأساتنا معادلاً موضوعياً للشقاء الإنساني، لن أعود لتقييم نقدي للأسماء الشعرية السورية, بل أعود لها لتلمس مكامن الإبداع في نصوصهم، سواء تلك التي ارتبطت بحدث عام وطني ومجتمعي، أو تلك التي عبرت عن ذواتهم القلقة المعذبة ككائنات ضالة ووحيدة، وأجد عبر الصوت الخافت لشعراء جدد في سورية، تتشكل حالة جديدة من الإبداع المنفتح على الجروح والخارج من خطابة اللغة التي سيطرت على كتاب كثر منذ الخمسينيات، ليظل نص كل شاعر هو المعبر الأخير، والمرجع الأساس لإنجازه وإسهامه في تشكيل المشهد الشعري العام.
 الفضاء الشعري الحالي يزدحم بوفرة من الأسماء والدواوين المنشورة، مع ذلك يوجد ما يشبه حالة الفصام بين الفضاء الشعري والواقع، الغني والمزدحم أيضاً بأحداثه الكثيرة والمتتابعة والمتسارعة، ما السبب في رأيك؟
أنا مع أن يعبر كل شخص عما يعيشه ويحس به، سواء عبر الكتابة أو وسائل الإبداع الأخرى، حيث تحدو الجميع رغبة في تسجيل الإحساس بالعزلة والتشتت، وحلم باكتناه الحقيقة.
البحث عن نص يبرر وجودنا ككائنات صعبة، كائنات ضالة ووحيدة ومتروكة. ليس هناك مشكلة الأسماء التي تكتب، فالنص الجيد والمبدع سيفرض نفسه ويصل مباشرة إلى القلب ويبقى مع الزمن, كم من الشعراء كتبوا زمن المتنبي؟ كثر. و كم واحد بقي ووصل الينا؟
  التغييرات التي طرأت على الشكل الجمالي للشعر، وتأثيرها على الذائقة العامة، كيف تتلمسها، وما هو دور وسائل الإعلام عليها؟
أذكر قولاً للناقد الروسي بيلينسكي: «الحياة عادية، ولكن الشعر يعطيها الروح..»، ولكن ليس على الشعر أن يكون خطاباً تغييرياً مباشراً. لغة الشعر تكسر منطقاً معيناً، لتنشئ بذلك نظاماً آخر. إنها تحطم منطق اللغة وتحطم كذلك منطق النظام الذي تعلموا الاستجابة له . ولدى الشاعر القدرة على الارتباك والخوف والصراخ وتحطيم التابوات. إن تعاسات البشر تزيده ثقة ويقيناً بالخلاص، وفي بناء عالم جديد أكثر عدالة. أعتقد أن فضاءات النت ضرورية لإتاحة مساحات جديدة للحرية وللتعبير بالكتابة من خلال وسائط بصرية مفتوحة عابرة للقارات، والتعبير بحرية وصدق عن هذا الواقع، وهذه الأحداث المتسارعة والمتواترة والأحلام المنكسرة.
 في ديوانك الأخير « رجل مشحون بالندم» يتلمس القارئ جرعة من «التشاؤم»، ابتداء من العنوان، ما سبب ذلك؟
هناك مقولة: إذا أردت أن تكون شاعراً يجب عليك أن تزور الجحيم وتعود. ما كتبته في «رجل مشحون بالندم»، وفي مجموعاتي السابقة، هو جزء من هذا الجحيم وهو بوح يعبر عني, وعن سنوات عشتها بكل أساها وألمها ولحظات فرحها المسروقة من فم الهلاك.
أشكل نصي، وأبنيه من صلصال روحي ومتن ثقافتي ومن ذكرياتي الشخصية المنسية، تجسيداً لعصارة تجربتي, عبر العمل الشعري، أجد اللغة التي تليق بمواجد قلبي وعبر اللغة، أفجر ألمي، وأحداث عيشي النادرة والمكثفة بحدة تشربت الحياة الهاربة من بين الأصابع والجرح الناضج والقناعات المتواترة. في الاشتغال الحقيقي على اللغة والخسران التام و الانسلاب، أقول اللوعة كما تعاش في الصميم وأهز الروح وارتحل بها عبر الكل والصور إلى أقاصي الفضاءات المترعة بجمال بكر، فالعالم المترامي لا يلفنا ويحيط بنا فقط.. بل هو في أعماق ذواتنا وأرواحنا.
ودائماً أؤكد، رغم الوجد الشخصي الكثيف والمائل للأسى والألم في نصي, فالشعر لدي لا يكون عارياً، بل يكتسب أحياناً كثيرة نغمات وتشديدات اجتماعية وسياسية وروحية. وفيه بحث عن عالم خال من الحروب والقتل والظلم.  ففي الكتابة، حتى في هذه اللحظة القاسية المدلهمة بالموت واليأس نرى صرخة المخيلة والسماء تغني للروح وللحب.
 عملت مؤخراً في مهرجان وهران السينمائي، ماذا تقول عن هذه التجربة؟
كنت آتي وهران ضيفاً على مهرجانها السينمائي من دوراته الأولى، وإقامتي بالجزائر دعتني للتعاون معه بالتنظيم والإعلام, و تحرير مواد موقعه الإلكتروني، وإعداد منشوراته المطبوعة المرافقة. وكانت فرصة مهمة لي، للتفاعل مع السينمائيين الجزائريين وتجاربهم، وأيضاً مع التجارب العربية. وهنا تلح ذاكرتي بتجربتي الطويلة والعمل لسنوات مع مهرجان دمشق السينمائي، والتي حملت الكثير من المتعة والأمل.
  إلى جانب الشعر واهتمامات أخرى، كنت من القلائل الذين عملوا في مجال النقد السينمائي، لماذا يغيب النقد، وماذا تقول عن تجربتك فيه؟ كيف يمكن أن تعبر السينما عن تحولات الواقع العربي؟
إن السينما تمثل جزءاً لا يتجزأ من الذاكرة ومن فضاء الحلم والألم، وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن أن تُصاغ المشاهد السينمائية الحزينة للواقع سينمائياً؟ وكيف يمكن أن تُعبر الصورة بكاميرا مبدعين عن هذا الواقع؟ والأفلام التي قاربت الألم السوري، والآلام العربية، هي محاولة لرصد تحولات في الواقع أسرع من وقت تفكيرنا بها. وهذه المقاربة، سينمائياً، حاولت في عدد من الإنتاجات العربية أن تكون خطوة أبعد من مجرد الدعاية، والخطابات الهشة، والفجة أحياناً، عبر إبداع يحمل إرادة قوية للأسئلة وصياغة الأفكار والرؤى إبداعياً وجمالياً.
ما الذي تستطيع أن تفعله السينما؟ لا شيء، أو لا شيء تقريباً، إذا كان المقصود تغيير مجرى التاريخ, لكنها تستطيع بالمقابل أن تفعل شيئاً، وربما شيئاً كثيراً، إذا كان مطلوب منها أن تخلق «حساسية جديدة» و«أسئلة جديدة» و«تمرداً جديداً على الظلم».


الأربعاء، 26 أغسطس 2015

(سنو وايت) صامت أبيض وأسود للمخرج الإسباني بابلو بيرغر.. تأمل جمالي يبدأ من السينما وينتهي فيها

محمد عبيدو
المخرج السينمائي الإسباني بابلو بيرغر (مواليد 1963) ولد في بيلباو، إسبانيا. في عام 1988 أخرج أول فيلم قصير له، (أمي) مع أليكس دي لا كنيسة ورامون باريا. مع المكاسب المالية من منحة مقدمة من مجلس محافظة بسكاي، ذهب إلى الدراسة ليحصل على درجة الماجستير في السينما في جامعة نيويورك. بعد الدكتوراه عمل أستاذا في أكاديمية نيويورك للسينما. بعد ذلك، بدأ مهنة موازية بمثابة المعلن والمنتج الموسيقي، وبلغت ذروتها في عام 2003 مع فيلمه توريمولينوس 73، مع خافيير كامارا، فرناندو تيجيرو وكانديلا بينا.
وفي عام 2012 فيلمه الثالث “Blancanieves” (سنو وايت)، الذي رشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي. وفاز بعشر جوائز غويا، بما في ذلك أفضل فيلم وأفضل سيناريو أصلي، كما حصلت الممثلة ماريبل فيردو على جائزة أفضل ممثلة عن تجسيدها دور زوجة الأب الشريرة في الفيلم. وفازت الممثلة ماكارينا غراسيا على جائزة أفضل ممثلة شابة عن تجسيدها دور البطولة في الفيلم. وحصل الفيلم أيضا على جائزة مهرجان بوخارست السينمائي الدولي.
هو ثاني فيلم صامت في عامين بعد “الفنان” لميشيل هازانافيزيوس الذي نال “أوسكار” أفضل فيلم. “الفنان” هو رسالة حب إلى هوليوود الأفلام الصامتة، في حين “سنووايت”، الذي عرض في رابع أيام السينما الأوربية بالجزائر العاصمة، رسالة حب للسينما الصامتة الأوروبية التي ازدهرت في عشرينيات القرن الماضي، وخاصة الفرنسية التعبيرية الألمانية، فالفيلم يحمل إحساسا قويا بالحنين لهذه الفترة وتجمع الدراما فيه بين الكوميديا السوداء والمليودراما في آن واحد. ولدى سؤال بابلو بيرغر: لماذا الفيلم الصامت؟ قال: “كل شيء حدث في مهرجان سان سباستيان السينمائي. كان عمري حوالي 18 أو 19. لقد كتبت عروضا لبعض المجلات الصغيرة، وفي واحدة من تلك الرحلات إلى سان سباستيان، رأيت “الطمع” الذي مثله إريك فون ستروهايم. كان يعرض مع أوركسترا حية، مع موسيقى من كارل ديفيس. كانت تلك هي المرة الأولى التي أرى فيها فيلما صامتا على الشاشة الكبيرة، كلاسيكية كبيرة. أنا حقا انقلبت. لم أكن أستطيع التقاط أنفاسي، كما أعتقد، وشعرت بما يمكن أن أسميه “النشوة السينمائية.” شعرت بأشياء لم أحسها قط  من قبل مع المشاهدة التقليدية لفيلم مع الصوت. كنت بالفعل أعمل على أفلام قصيرة، وقلت: “يوم واحد، وأمضي لتقديم فيلم صامت”.
استغرق الأمر مني 25 عاما - عبر مدرسة السينما وصنع توريمولينوس 73. كتبت السيناريو في عام 2004، وأظهر لي إلى منتج للتوريمولينوس في عام 2005. الصفحة الأولى من السيناريو قالت إنه فيلم صامت بالأبيض والأسود مع الموسيقى من البداية إلى النهاية. كان ذلك عندما بدأ كابوسا لأنه، بطبيعة الحال، وقال منتج بلدي، “أنا أحب النص، ونحن نستطيع أن نفعل ذلك في الأسود والأبيض، ولكن ننسى الصمت، أو لن ينجز، إنها ليست مجدية تجاريا، إنها مجرد جنون.” انتقلت إلى منتج آخر. يعتقد معظم الناس أنني كنت مجنونا تماما. حتى أنهم لم يطلعوا على السيناريو عندما قدمته قبل ثماني سنوات.”
مقتبسا إياه عن الرواية الكلاسيكية “سنو وايت” “بيضاء الثلج” كما وضعها الأخوان غريم عام (1812) والتي جسدت مرات عديدة بطرق مختلفة جدا، نقل المخرج موضوع فيلمه إلى عالم مصارعة الثيران في إشبيلية، إسبانيا خلال عام 1920. مصارع الثيران المشهور أنطونيو (دانييل جوميث) يفوز بإعجاب الجمهور في ساحة المصارعة، لكن فجأة يهاجمه ثور هائج، يتم نقله إلى المستشفى حيث تعمل الممرضة إنكارنا (ماريبال فردو) وهو في حالة خطرة، في الوقت ذاته تموت زوجته (إينما سيسيتا) وهي تضع طفلتهما. أنطونيو المشلول، من شدة حزنه على زوجته يشيح ببصره عن وليدته الحديثة ولا يستطيع الاعتراف بها، فيما تقوم الممرضة القاسية بحبك شباكها حوله لتتزوجه، وتضع يدها على ثروته الطائلة وقصره الفخم.
وترك الأب ابنته كارمن (تمثل دورها الطفلة صوفيا أوريا) مع جدتها التي ترعاها بحب (النجمة الإسبانية الرائعة أنجيلا مولينا). ولكن عندما تموت هذه الأخيرة، تجد كارمن نفسها فى رعاية زوجة أبيها الشريرة سوداء القلب التى تضطهدها وتعاملها بعنف مثلما تعامل أباها، تسكنها في قبو الفحم، وتوصيها أن لا تصعد إلى الدور الثانى بالمنزل الواسع ولكنها تتسلل وراء الديك الذي ترعاه لتجد في نهاية المطاف والدها المعوق، يقضيان الوقت سوياً خفية عن زوجة الأب ويركز المخرج على الرومانسية في علاقة الحب المتنامية بين الأرمل وابنته الصغيرة. أصبحت كارمن شابة (تجسد الدور ماكارينا غارسيا)، تقتل الزوجة الأب وتقرر في نهاية المطاف قتلها ولكن كارمن تهرب من عشيق زوجة أبيها الذي يحاول قتلها. ينقذ كارمن قزم يعيش متنقلاً مع فرقة أقزام مصارعي ثيران في الغابة العميقة. تفقد كارمن الذاكرة وعندما يكتشف الأقزام أن لديها المهارات الطبيعية في مصارعة الثيران يأخذونها تحت جناحهم ويضمونها إلى عرضهم ويسمونها “Blancanieves”. تدفع موهبتها أحد المتعهدين إلى الإتيان بها للمصارعة فى إشبيلية ويمضيها هي الأمية على عقد يحتكرها به مدى حياتها، وتصبح كارمن من أشهر مصارعي الثيران فى إسبانيا ما يجعل زوجة أبيها تعرف أنها لازالت على قيد الحياة.
وتذهب إلى حلبة المصارعة وفي غمرة الانتصار والإعجاب الكبير من الجمهور بقدرات كارمن، تقدم لها زوجة أبيها تفاحة مسمومة تنهي حياتها، ولكن تبقى النهاية مفتوحة مع هبوط دمعة من عيني كارمن، فهل هي ميتة أم ممكن أن تعود للحياة؟
ينتهي الفيلم على صورة غامضة. حتى هذه النقطة، والشخصيات والتطورات أكثر وضوحا، خاصة في تصوير شخصيات الخير والشر. لماذا اختار إنهاء الفيلم بهذه الطريقة؟ يقول بيرغر: “أنا لا أحب النهاية الأصلية للقصة. “سنو وايت” هي ثلاث صفحات فقط، ويمكنك أن تفعل أي شيء معها. وهناك سيناريو هو 100 صفحة، بحيث يمكنك إضافة حبكات جانبية، شخصيات جديدة، والتقلبات - لذلك من الجيد أن يكون مادة مثل قصة هي قصيرة جدا. بالنسبة لي، في صناعة الأفلام أو القص عنصر المفاجأة هو مفتاح الحل لديك لمفاجأة الجمهور، لمفاجأة نفسك كمخرج، لأن الجمهور الأول هو المخرج نفسه. لذلك كان هذا النوع من النهاية غير المنطقية والمثيرة للدهشة، ولكن في الوقت نفسه، أنا أحب النهايات المفتوحة، عند الكتابة، وهناك تأتي لحظة عندما تقول: لا أستطيع أن أتخيل أي نهاية أخرى.” الفيلم يعد توليفة من إبداع وعبقرية وحرفية لطاقم عمل متكامل يرد الاعتبار لهذا الفن من داخل خصوصيته الجمالية وفي أبعاد طموحاته التعبيرية. يقول المخرج بيرغر: “أعتقد أن السينما الصامتة تتطلب المزيد من الجهد من الجمهور. إنها أكثر تجريدا. هناك مساحة، وهناك جمهور. لديها ما يقرب من عناصر سريالية. أعتقد أنها أقرب إلى مشاهدة الأوبرا أو الذهاب إلى الباليه، من مشاهدة الفيلم مع الحوار والأصوات. وأود أن أقول إنها تجربة حسية. إنها أكثر من مجرد تجربة فكرية”. ويضيف أيضا: “اعتقدت دائما أن القص البصري كان أهم جزء من صناعة الأفلام. أود أن أقول إن القص البصري هو الكعكة، والحوار هو قشدة أو كرز على الوجه -هو ليس القلب. وأعتقد أن المخرجين هم شعراء البصرية. صورة هي أول ما يتبادر إلى ذهني عندما أبدأ في كتابة السيناريو. أفكر في المواقع والتراكيب والقوام. دائما، دائما، دائما، إذا أمكنني أن أقول دون خط الحوار، ما إذا كان يمكنني شرح شيء مع العمل أو صورة، وسوف تذهب دائما في هذا الاتجاه. بالنسبة لي، كانت [صناعة الأفلام الصامتة] الطبيعية. في الواقع، هي حقا متعة”. ويلفت الانتباه في فيلم “سنو وايت” أيضا إلى أن تنسيق الديكورات والملابس وتفاصيل ذاك الزمن جاءت متقنة حتى أن المخرج استخدم حركات الكاميرا القديمة بتعمد ولم تفته أي تفاصيل دقيقة لإظهار ذاك العصر، فهذه الموهبه في إعادة كتابه الكلاسيكي هي انتصار للسينما الحقيقية والإبداع، والثقافة الشعبية والشعر، هنا في تعبيرها الأقصى في السرد والتوليف، الذي يكتشف إحساس الحياة: الضحك، والبكاء، والكرب، وخفة الطفولة وقسوة الكبار البشعة، وأشباح الماضي والذكريات. فيما قام نجوم الفيلم بأداء استثنائي يستحق التذكر جيداً. كل ذلك بالتوازي مع العناصر التقنية مثل التصوير والإضاءة. وفي المقدمة الموسيقى التصويرية، الفلامنكو، الهادئة والقوية، اللطيفة والجميلة، التي تلعب دور السيناريو والحوار لتقدم لنا قصة من أجمل القصص السينمائية التعبيرية الصامتة، بالأبيض والأسود، وتمنحنا الإحساس بتوتر روحي عميق، مما يفسح المجال لتأمل يبدأ من السينما وينتهي فيها.
محمد عبيدو

السبت، 20 يونيو 2015

المخرجة السينمائية اليمنية خديجة السلامي سينمائية في يمن معلق بين السماء والأرض

محمد عبيدو
يعرض فيلم “أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة” للمخرجة اليمنية خديجة السلامي بالمسابقة الرسمية بالدورة الثامنة لمهرجان وهران للفيلم العربي  وسبق للفيم ان فاز بجائزة أفضل فيلم روائي لجوائز المهر العربي في الدورة الحادية عشرة لـ مهرجان دبي السينمائي
تروي خديجة السلامي في فيلمها الروائي الأول”آنا نجوم، بنت العاشرة ومطلقة” ، الذي صورته بميزانية صغيرة وبصعوبة في اليمن ،مأساة زواج الصغيرات في بلدها الذي يرزح تحب عبء التقاليد القبلية والجهل والفقر، الا أنها بمرورها على قصة الطفلة “نجوم” تنقل صورا بالغة الجمال من يمن معلق بين السماء والأرض.   الفيلم يوثق قصة حقيقية لطفلة ، كانت مدللة من الجميع، ، تساعد شقيقتها على رعاية الغنم، ولكن تنقلب الامور راسا على عقب حين تتعرض شقيقتها الكبرى للاغتصاب فينتاب الاب الخوف من حالة اغتصاب أخرى تتعرض لها احدى بناته مما يضطره الى تزويحها في سن العاشرة ، ستتعرف نجوم على الجحيم مع زواجها، وسيتكشّف زوجها عن رجلٍ قاسٍ لا يرأف بصغر سنّها، بينما تمضي نهارها في أعمال شاقة، فحاربت للحصول على الطلاق من زوج يكبرها بعشرين عاماً بعد رحلة مريرة من العذاب.. ويساعدها  قاض يتعاطف معها ويصطحبها الى منزله حيث تتعرف إلى ابنته وتدرك أن ثمة حياة كاملة مختلفة.
وتعليقا على نيلها الجائزة الأكبر في دبي، اعتبرت خديجة السلامي أن في ذلك تسليط للضوء على “هذه القضية التي أدافع عنها وعن الأطفال مع استمرار وجود هذه الظاهرة في اليمن. وأنا سعيدة جدا بالحصول على الجائزة بعدما تعبت كثيرا في إنجاز هذا الفيلم”.
وﺗﻌﺘﺒﺮ ﺧﺪﯾﺠﺔ اﻟﺴﻼﻣﻲ أول ﻣﺨﺮﺟﺔ ﻟﻸﻓﻼم اﻟﺴﯿﻨﻤﺎﺋﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﯿﻤﻦ, وﻓﺎزت ﺑﺎﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﻮاﺋﺰ ﻓﻲ اﻟﻤﮭﺮﺟﺎﻧﺎت اﻟﺴﯿﻨﻤﺎﺋﯿﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ. ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮﺗﺒﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﺿﻤﻦ ﺧﻤﺴﯿﻦ ﺷﺨﺼﯿﺔ ﻧﺴﺎﺋﯿﺔ ﻟﮭﻦ ﺑﺼﻤﺎت وإﺳﮭﺎﻣﺎت ﺛﻘﺎﻓﯿﺔ وﻓﻨﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ، ﻛﻤﺎ اﺧﺘﯿﺮت ﺿﻤﻦ ﺧﻤﺲ ﻧﺴﺎء ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺲ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﺋﺰة “ﺳﯿﻤﻮن دوﺑﻮﻓﻮار” اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻨﺢ ﻟﻠﻨﺴﺎء اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻟﮭﻦ إﺳﮭﺎﻣﺎت ﻓﻲ ﺗﺤﺮﯾﺮ اﻟﻤﺮأة. في مارس 2007 منحها الرئيس الفرنسي جاك شيراك وسام جوقة الشرف بمرتبة ضابط, وذلك تقديرا لأعمالها السينمائية والكتابية ذات الطابع الاجتماعي والإنساني .
درست خديجة السلامي (مواليد 1966 ) الإخراج السينمائي في جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس والجامعة الأمريكية في العاصمة الأمريكية واشنطن. وعند عودتها عملت في التلفزيون اليمني ودخلت إلى العمل في السلك الدبلوماسي ذهب بها باريس للعمل في السفارة اليمنية كمديرة لمركز الإعلام اليمني.وكانت المخرجة اليمنية الوحيدة أنجزت عددا من الأفلام الملتزمة بشأن المرأة في بلدها أولها “نساء اليمن” الفيلم الذي أعدته للتخرج في 1990. وتشمل الأفلام الوثائقية التي أخرجتها خديجة من مقر عملها في باريس، فيلم «أرض سبأ» (1997) و«اليمن ذو الألف وجه» (2000) و«غريبة في موطنها» (2005)، الذي افتتح المهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان في جنيف، والذي فازت عنه بست جوائز في المهرجان ذاته. و “أمينة”(2006). و”الصرخة” (2011) و اخيرا فيلمها “قتلها تذكرة للجنة” .
استطاعت خديجة السلامي أن تواجه لعنة الطابو برسمها لصورة عن حكاية المرأة اليمنية اليومية مع تقاليد المنطقة من خلال الوثائقي«غريبة في موطنها» الذي أنجزته لمناقشة ظاهرة الحجاب ببلد معروف بأعرافه العتيقة. ، و هو عمل يتأسس على قصة طفلة صغيرة من صنعاء القديمة بعمر 13عاماً تدعى نجمية. طفلة ضاحكة، ونظرتها للحياة فيها الكثير من الأسئلة المؤرقة. الكل بالمدينة يعرفها و الكثير ينظرون إليها كطفلة مشاغبة ومزعجة للمحيط الذي تتواجد فيه. نجمية رفضت أن تتبع تقاليد باقي النساء اليمنيات المجبرات على التحجب. إنها تجسد ذلك التحدي في وجه التقاليد المغروسة في التربة كان من طبعها رفض كل الممارسات السلبية التي تحد من لهوها مع أقرانها الأطفال، ويتتبع الفيلم بعدسته تحركات الطفلة، وممارساتها العفوية، واضعاً المشاهد أمام صورة من التحدى الفريد الذى تجادل عبر محطاته هذه الطفلة، وتنتقد أفكارهم مدافعة عن حقوقها الإنسانية.
يروي حكاية هذه الطفلة التي “تحب أن تعيش حياتها ولأنها أنثى يضغط عليها المجتمع لأنها لا يمكن أن تلعب مع الأولاد أو تخرج بدون حجاب، هذا العمل الفني يفتح بالفعل نقاشا واسعا بواقع المرأة المكرهة على الخضوع لسلطة التقاليد و ممارسة سلوكيات متحجرة لا تتناسب مع منطق الحداثة وحقوق النساء.
أكيد تظل المخرجة خديجة السلامي كأولى النساء اللواتي وظفن الفن و الوثائقي خاصة من أجل فضح محيط اجتماعي متسلط بدولة اليمن. أما نجمية فتمثل صرخة جزء من المجتمع اليمني ضد واقع متعفن مازالت المرأة و الأطفال يؤدون ثمنه في زمن يجب فيه الكل أن يساهم في العطاء على كل المستويات. و للأسف، الطفلة نجمية كانت و ما زالت ضحية هذا الواقع العربي المر. فبعد سبعة أشهر من مشاركتها في إنجاز الوثائقي منعها أبوها من دخول المدرسة و فرض عليها الحجاب. تلك كانت نهاية وثائقي خديجة السلامي لكن ليس نهاية لكفاح المرأة العربية.
وتعتمد خديجة السلامي في فيلمها الثاني على موضوع يساوي أهمية موضوع فيلمها الأول الذي دار على خلفية دور المرأة في الانتخابات في “أمينة” تتحدّث عن السجنين الصغير والكبير الذي تعيشهما المرأة اليمنية والمرأة في العديد من الدول العربية.
فيلم وثائقي مؤثر حول أم شابة اسمها أمينة محكوم عليها بالإعدام بعد إدانتها بقتل زوجها. حين بدأت المخرجة اليمنية خديجة السلامي تصوير هذا الفيلم قيل لها إنها لن تستطيع التصوير داخل سجن النساء، لكنها استطاعت رغم ذلك أن تمضي وقتاً طويلاً هناك قابلت خلاله أمينة، التي تدعي البراءة وصوّرت حياتها اليومية. وتدريجياً تحول الفيلم عن الحديث عن وضع أمينة فقط، ليتحدث عن وضع نساء أخريات كثيرات في السجن. إنه إطلالة جريئة على مجتمع ذكوري كثيراً ما يسيء معاملة المرأة.
ورصدت السلامي في “الصرخة” ما آلت إله أحوال ثلاث نساء يمنيات شاركن في الثورة، وكيف انقلبت الأحلام إلى كوابيس نتيجة ركوب الحركات الإسلامية الاصولية على هذه الثورة ومحاولة تحويل مسارها لخدمة اهدافهم، تقول عنه : ” بداية هن خمس نساء تعرفت إليهن من خلال نشاطاتهن في الساحة السياسية في خضم أحداث الثورة وجذبتني إلى صرختهن وصوتهن العالي الذي تجاوز صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، كلها ليقف أمام عصر جديد وولادة جديدة لنساء يمنيات يرفضن القهر والظلم والاستبداد، وهناك كثير من النماذج التي صادفتها لم أستطع تسليط الضوء عليهن من خلال الفيلم، لكنني أشرت لهن من خلال هذه النماذج النسائية .” , وتضيف : ” المساواة والتغيير والديمقراطية هي القاسم المشترك بينهن، فبعد أن نالت توكل كرمان جائزة نوبل للسلام عام 2011 في باريس، اغتنمت فرصة وجودها هناك كوني أقيم في فرنسا، والتقيت بها ووافقت على المشاركة، ثم بزر اسم آخر في الفيلم هي الناشطة بلقيس اللهبي التي كانت أول من أرسل الرسائل الالكترونية إلى اليمنيين عبر الفيس بوك ومواقع أخرى، وأول من خرجت في بداية الأحداث والاضطرابات السياسية في اليمن، وقبلها كانت في تونس تواكب أحداث الثورة التونسية ثم عادت ورجعت متحمسة إلى اليمن ورغبتها الأولى المشاركة بثورة بلادها، وشخصية نسائية أخرى هي الصحفية رحمة هجيرا ناشطة في حقوق الإنسان كانت مع التغيير لكنها ليست مع الثورة التي اشتعلت في اليمن ” وتتناول السلامي في فلمها “قتلها تذكرة للجنة” ، قضية كاتبة هي بشرى المقطري ومقالها الشهير “سنة أولى ثورة” الذي كُفّرت بسببه، وأصبحت تلعن على المنابر والمساجد ومواقع الانترنت والتواصل الاجتماعي، وصولاً إلى صدور فتوى ضدها وقّع عليها 70 فقيهاً، وقد أطلقت المظاهرات التي جاءت استجابة للدعوات التحريضية ضدها وهي تهتف تحت بيتها “لا إله إلا الله بشرى عدوة الله “
سجل كتاب خديجة السلامي ” دموع سبأ ” مبيعات كبيرة، والذي صدر بالإنكليزية وترجم إلى عدة لغات

الجمعة، 19 يونيو 2015

المكرمون


ضمن مطبوعات الدورة الثامنة لمهرجان وهران للفيلم العربي صدر كتاب " المكرمون" و يتضمن استعادة نقدية واحتفائية بمبدعين يكرمهم المهرجان , رحلوا عن الوجود لا عن الوجدان , وتركوا بصمتهم الهامة بتاريخ الابداع السينمائي : اسيا جبار ايقونة الكتابة والتي برحيلها فقدت الجزائر والعالم الأدبي وجهاً إبداعياً عالمياً مميزاً ، قد سمحت لها السينما بالالتقاء مع مجتمعها وفهم العالم الأنثوي بالأخص. حيث تصالحت مع مجتمعها وأنوثتها واستمعت إلى هذه اللغات المحكية. هذا المجتمع الأنثوي الذي لم يكن له الحق في الكلام، ومن خلال ما أخرجته آسيا جبار من أفلام، أعطت الكلمة للمرأة وجعلتها البطلة والفاعلة، لكن أيضا عادت إلى اللغة الشفهية في اجتماع النسوة وأحاديثهن في الأعراس والمآتم والحمامات وغيرها من أماكن الالتقاء. أخرجت فيلم “نوبة نساء جبل شنوة” الذي نالت به تقدير لجنة تحكيم مهرجان البندقية عام 1979.
كان فيلمها “نوبة نساء جبل شنوة” 1977 الوثائقي ، الذي يشكل انفراداً متميزاً في العلاقة بين الروائي والسينمائي في الجزائر، كون أن آسيا جبار هي في الأساس كاتبة وجامعية خاضت هذه التجربة الوثائقية والتسجيلية انطلاقاً من المعايشة الشخصية للكاتبة – المخرجة والرصيد الشعري الكامن لدى نساء الجزائر، وبالخصوص في جبل شنوة (قرب ولاية تيبازة مسقط رأس المخرجة) وهنا نشأت علاقة حميمة بين نساء جبل شنوة، ورؤية مخرجة تحمل في داخلها حسا نسائياً متقدماً أرادت أن تكثفه في عمل قريب وواقعي. الوثائقية والتسجيلية وسيلة لسرد البعد الشاعري لهؤلاء النسوة في محيطهن الطبيعي وهن يعبرن بالكلام او بالرقص على أنغام النوبة الممتزجة بالغناء والبندير. كان عملها مقاربة شاعرية للموروث الثقافي لمنطقة شنوة الأمازيغية بولاية تيبازة (الجزائر)، وهي تعمل على فيلم “نوبة نساء جبل شنوه” كما أنجزت عام 1982 “زردة أو أغاني النسيان”. الفائز بجائزة أفضل فيلم تاريخي في مهرجان برلين السينمائي. وهو عبارة عن توثيق لطبيعة الحياة في المغرب العربي في النصف الأول من القرن العشرين، الذاكرة و تاريخ الاستعمار في الدول المغاربية الذي كان يعتمد على الفصل بين الصور التي اختارها لاحتفالات ولهتافات خلال زيارات السياسيين الفرنسيين، وبين واقع الشعوب الأصلية، الذي يبينة الشريط الصوتي آسيا جبار مبدعة مختلفة وإشكالية , ، كانت حياتها رحلة طويلة في بحث متواصل عن طرق ومسارات جديدة للتعبير. حاولت طرح قضايا الوعي الوطني الممزق بفعل ترسبات الوجود الكولونيالي، كما حاولت تناول قضايا المرأة المقهورة ورافعت عن الأنوثة بخطابها السردي والسينمائي،. وقاربت ذلك بنظرة تاريخية وانترولوجية وبتأمل مشبع بالهم الإنساني وبالوقوف في وجه التهميش عموما , ويحفي الكتاب ايضا بالراحلة فاتن حمامة سيدة الشاشة العربية و التي إن كانت قد رحلت بالجسد فهي باقية في قلوب الكثيرين كأيقونة لعصر الرومانسية المصرية , تعود الذاكرة معها الى ذلك الزمن الجميل أيام الانتاجات المهمة لأفلام التصقت بالذاكرة ، فكانت أدوارها المتنوّعة مثالاً لشخصيّاتٍ حيّة من صميم المجتمع والواقع المُعاش. كانت تملك تلك القدرة الرهيبة التي تجعلنا نصدق فعلا ما يحدث لها على الشاشة الكبيرة، كما لو أنه يحدث في الواقع . حمامة تضيف إلى كل عمل فني ، معها نكتشف حُسن الاختيار وسحر الأداء وبراعة الإتقان وصدقَ التماهي مع الدور إلى حدّ الإقناع بجسد ناحل ضئيل كحزمة ضوء وملامح رقيقة عذبة ، وبنبرة خاصة في صوتها مميزة . وايضا تحضر في الكتاب الراحلة فتيحة بربار الممثلة المقتدرة والفنانة المتكاملة والموهبة الفذة التي يصعب تكرارها، وسيدة أنيقة وإنسانة بكل ما تحمله الكلمة من معان. وقد توفيت في باريس إثر سكتة قلبية، الجمعة 16 يناير 2015 عن عمر ناهز 76 سنة، ليتم نقل جثمانها إلى الجزائر , حيث القيت عليه النظرة الأخيرة بالمسرح الوطني الجزائري باليوم نفسه. وذلك بعد مشوار حافل بالأعمال الفنية التي شكلت علامة بارزة في السينما والمسرح الجزائري.المطربة (فضيلة الدزيرية) من بعدها والتي اعتبرتها (فتيحة) أحد أقرب الناس إلى قلبها . كما مثلت في أول الأعمال المسرحية التي شاركت فيها إلى جانب سيدة المسرح الجزائري الراحلة السيدة كلثوم ونورية وغيرهن ممن صنعن مجد التمثيل في بلادنا، ومهدن لجيل كامل طريق الاحترافية، نهاية الخمسينيات، كما وقفت مع عمالقة التمثيل في الجزائر من الذين غادروا الحياة، والذين مازالوا على قيد الحياة من أمثال المرحوم رويشد، مصطفى كاتب، علي عبدون، يحيى بن مبروك ,و قصي صالح درويش الناقد المشاكس الذي اسلم الروح في باريس لتودع الصحافة العربية أحد وجوهها اللامعة ويترك غيابه فراغا كبيرا في فضاء السينما العربي.
الكتاب الذي الذي اعده الناقد محمد عبيدو اتى في 65 صفحة من الحجم الكبير يضم دراسات نقدية عن

مسيرة المبدعين الاربعة وتضيء عوالم ابداعهم واحتوى الكتاب ايضا شهادات لنقاد ومخرجين وممثلين رافقوهم في تجربتهم الفنية الثرية

الجمعة، 15 مايو 2015

سينما الأحياء الفقيرة:


محمد عبيدو:


المخرج سعيد ميرزا «ولد في 30 يونيو 1943» تخرج من معهد التدريب السينمائي والتلفزيوني بالهند عام 1975،
أخرج عدداً من الأفلام الوثائقية والروائية وبرز له ببداية عمله السينمائي فيلمان وثائقيان أحدهما حول مسالة الإسكان المدني لتطور بومباي المدني والصناعي، والثاني حول الطرد من الأحياء الفقيرة المزدحمة، وهو فيلم لتلفزيون بومباي، وقد حظر عرضه، ومازال حتى اليوم.‏


قبل أن يعرض سعيد ميرزا فيلمه الأول «حكاية أرفيد ديساي» كان قد أصبح من المخرجين المهمين، وقد اختير الفيلم للعرض في «كان» و»برلين» عام 1979. عن حالة الإحباط التي أصابت الشباب المثاليين الذين وقعوا في فخ ثقافة المال الإقطاعية.‏
عام 1980 قدم ميرزا فيلمه «ما الذي جعل ألبير بينتو غاضباً» 160 دقيقة. وهو فيلم باعث على التحريض كعنوانه، يخلق فيه سعيد ميرزا الوسط المتميز للكاثوليكيين الرومان في «غوا» الذين استقروا الآن في جيوب بومباي السكنية والذين على وعي بوضعهم الأقلوي في مجتمع متعدد اللغات.‏
بطل ميرزا هو «ألبير بينتو»، ميكانيكي زاهي المظهر وساذج القناعة بتفوقه على الميكانيكيين الآخرين، لكون زبائنه مالكي سيارات الليموزين الفخمة يعاملونه كصديق. فهو يقود سياراتهم ويستمد في المقابل متعة من أسلوب الحياة التي يعيشونها، غضبه موجه بشكل أساس نحو صديقته ستيلا السكرتيرة النموذجية للمدينة لكونها ترتدي الـ «تنورات» وتتلاطف الحديث مع الميكانيكيين الآخرين، ولكنها تعقد عملها لأنها ترد بجفاء عروض صاحب العمل المفرطة بودها. وأخوه الأصغر دومينيك الذي يداعب أوتار الغيتار، يقوم بسرقات صغيرة ويزج في السجن ويتحول هو أيضاً إلى هدف آخر من الأهداف المثيرة للغضب البرجوازي لألبير.
ووالده عامل نسيج ماهر ينضم إلى النقابة ويشجع على نحو فعال إضراب العمال لرفع أجورهم. الأم ربة منزل تلوذ بالصلوات وتشوشات الذهن. أخته العرجاء تعمل بائعة وعليها أن تطرد الذين يحاولون إغواءها. هناك علاقة خاصة ما بين الأب والابنة، فهي تفهم وتشجع بصمت انضمامه لإضراب حاسم في المعمل، وتحمل قليلاً من الاحترام لأخوتها مشوباً بالشفقة عليهم.‏
رئيس عمل ستيلا يقدم لها عروضاً تثير الامتعاض. عند ألبير وستيلا بالذات شخصية ذرائعية حصينة عن تأثير والدها السكير وأحلام أخيها بالهجرة إلى كندا، وجلافة ألبير التي لا تعرف الصفح تثير سخطها وتحدث صدعاً وقتياً بينهما حتى يعود ألبير النادم طلباً للمغفرة.‏
لا يصل ألبير إلى إدراك الصراع الطبقي الذي له حق الأولوية إلا عندما يقع والده تحت الضرب والإهانات التي يوجهها الناس الأغنياء – الذين يعتبرهم أصدقاءه – إلى شخصه تحثه على التعلم. ويعثر على ألبير – بحثاً عن هويته الشخصية والطبقية – على الكثير الذي يشعل غضبه. ويبدأ حتى بالتعاطف مع معارضة والده لهؤلاء الذين يستغلون الطبقة العاملة.‏
جاء الهجاء السياسي الثاني عبر إطلالته السينمائية على الطبقة المتوسطة في المناطق الحضرية، و النظام القضائي الهندي، في فيلمه «استدعاء موهان غوشي للمثول أمام القضاء» «1984»، وهو عن زوجين عجوزين يكافحان عبر سنوات في قضية قانونية تمتد لسنوات في ظل نظام قضائي فاسد، في صراع مع صاحب العقار الذي يسكناه. أرخ فيلمه تعيين واقع «الطبقة المتوسطة» في المناطق الحضرية، كفاحهم والبحث عن الهوية في المشهد سريع التغير، والظروف الاقتصادية. ثم أتى إلى الأفلام التي تلامس القلق الذي يعاني منه «كيف مات سليم لانغدي» «1989»، بطولة باوان مالهوترا، وهو شاب مسلم وقع في دائرة الجريمة وتبادل الاتهامات، وسط تنامي الطائفية، وعقلية الغيتو، والبحث فيه للحصول على الهوية العرقية التي لا تتعارض مع الهوية الوطنية.‏
وفي غضون ذلك توجه لإنتاج مسلسلات شعبية للتلفزيون «شارع الزاوية» «1986» و»انتظر» «1988»، تم تعيين أول مرة في الطبقة المتوسطة والدنيا من مختلف الطوائف، والتي تلتقي في زاوية شارع في ضاحية مومباي، وتقاسم نضالهم البقاء على قيد الحياة كل يوم في عالم قاس.‏
بعد ذلك يحاضر على نطاق واسع عن السينما الهندية في جامعات في الولايات المتحدة والهند. كما يساهم بانتظام في الصحف والمجلات الهندية في المناقشات السياسية الحالية.‏
وأخرج فيلمه «نسيم» عام 1995 وهو عن انهيار البنية العلماني مع هدم آخر مسجد بابري. بعد ذلك، على حد تعبيره: «وكان هدم مسجد بابري القشة الأخيرة. نسيم كان تقريباً مثل الرثاء، وبعد هذا الفيلم، لم يكن لدي ما أقول، لذلك كنت بحاجة لاستعادة ثقتي والاحتفاظ بسلامة عقلي. قررت السفر في جميع أنحاء الهند، وتوثيق ذلك على كاميرا فيديو».‏
وبعد ذلك كرس وقته للسفر والكتابة وصنع أفلاماً وثائقية. بدأ في وقت لاحق على العمل على سيرته الذاتية، وصدرت في عام 2008، روايته الأولى: «رسالة من أم الديمقراطية» وهي عبارة عن ذكريات والدته التي توفيت في عام 1990، وسلسلة من المقالات القصيرة التي تضم خرافات الصوفية، ذكريات الطفولة.‏
يؤمن سعيد ميرزا بأن السينما التجارية قائمة بسبب الدولة لا رغماً عن الدولة، وبأن مساعدة الدولة للمخرجين الجدد هو عبارة عن صمام أمان في نواياها. ويقول: «هناك من حيث الأساس نوعان من الأفلام: فيلم الوضع القائم وفيلم الصراع. الأفلام الضخمة تدعم الأوضاع القائمة. إن كان المخرج متصلباً بأيديولوجيا، عليه عندئذ الصراع: في اللغة، في الموسيقى، في السينما ليس هناك من جواب محدد للشكل الذي يجب أن تتخذه. أنا أحاول – على سبيل المثال – التجريب بواسطة السرد. يجب على الشكل أن يغدو ثورياً، ولكن ليس بطريقة لاتاريخية، ليس على الشيء دعم الواقع القائم، بل على المرء زعزعة استقراره، حيثما أحصل على فرصة لزعزعته أفعل ذلك».‏

( عسل ) للمخرج التركي سميح كابلان أوغلو السينما الشعرية الخالصة


محمد عبيدو
هناك افلام سينمائية تشاهدها بالصالة وتخرج لتتركها هناك . وهناك أفلام تشاهدها لتخرج معك بعد انتهاء عرضها . فيلم ( عسل ) هو من النوع الثاني يخرج مع المشاهد من الصالة ليبقى القه وجماله ومتعته بالذاكرة . فيلم (عسل) الحائز على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الدولي 2010، ، للمخرج سميح كابلان أوغلو، يروي حكاية صبي في السادسة من عمره توقف عن الكلام بعد وفاة والده ، ويعد “عسل” أخر جزء من ثلاثية سينمائية أخرجها سميح كابلان أوغلو، وتشمل ” البيض , 2007 ” عرض بمهرجان كان السينمائي و ” الحليب, 2008 ” عرض بمهرجان البندقية و حملت عنوان (يوسف) نسبة إلى اسم بطل هذه السلسلة وقد تم تصوير هذه الثلاثية وعرضها بترتيب زمني معكوس، وجرى عرضها في مهرجان كان السينمائي الستين. في ( بيض )يصل إلى الشاعر يوسف نبأ وفاة والدته زهرة، فيعود إلى مسقط رأسه في بلدة صور التي لم يزرها منذ سنوات عديدة ليجد في منزل والدته الراحلة ابنة عمه آيلا بانتظاره لتخبره بضرورة تنفيذ رغبة أمه التي أوصت بذبح شاة كأضحية بعد موتها. ثم لا يلبث يوسف أن يغرق في ذكرياته حول المنزل والحياة في البلدة وأهلها والأماكن المسكونة بالأشباح. يذهب يوسف وآيلا إلى ضريح أحد الأولياء الذي يبعد مسافة ساعتين بالسيارة عن البلدة لشراء شاة وذبحها وتقديمها كأضحية تنفيذاً لوصية أمه زهرة. لكن يوسف وآيلا يصلان إلى المكان بعد مغادرة قطيع الغنم إلى الجبل لرعي العشب، فيضطر إلى قضاء الليلة مع آيلا في فندق قريب حيث تقام حفلة زفاف، وهذا ما يزيد من التقارب بين يوسف وآيلا. وعندما تغطي الثلوج الذنوب، لا يعود العاشقان إلى البلدة القديمة. ويسلط (عسل ) الضوء فيه على العلاقة بين رجل وابنه يوسف في منطقة نائية وغير مهتم بها شرق البحر الأسود . ويستكشف فيه مرحلة الطفولة المبكرة ليوسف ، يتجول عبر الغابات بحثا عن فقدان والده ، في محاولة لمعنى حياته وهو الذي لايجد ببيئته ما يحفزه على التواصل مع الآخرين. يصبح طفل صغير انعزالياً في الحياة حين يتعامل مع أزماته الشخصية والعائلية . والده النحال يعمل بجمع العسل من خلايا وضعها في اعلي الشجر اختفى النحل بشكل غير متوقع ، مما يهدد مصدر رزقه فيقرر الذهاب إلى منطقة ابعد . حادث غريب يقتل الأب ببداية الفيلم وهو يصعد إلى أعلى إحدى الشجرات كي يصل للخلية فينكسر غصن الشجرة ويسقط من هذا الارتفاع الشاهق . ويعود الفيلم في فلاش باك الى ما قبل الحادثة . ، ويتابع الفيلم ما تمر به العائلة الصغيرة. يشعر يوسف بالخجل من زملائه في الصف بسبب الفأفأة التي يعاني منها أثناء النطق ولأن بعض التلاميذ يسخرون منه عندما يجد صعوبة في القراءة أمام الجميع. اليوم الذي يقرر فيه الأستاذ منح الصبي وسام تقدير لا يستحقه تشجيعا له على تجاوز عثرات نطقه وقراءته الناتجة عن شعوره الدائم بالعزلة الداخلية، هو اليوم الذي يعود فيه إلى البيت ليسمع من الشرطي فشل البوليس في العثور على أبيه. تضطر والدة يوسف، أن تعمل في إحدى مزارع الشاي كي تعيل أسرتها من جهة، وتستمر في مساعدة ابنها كي يستعيد الرغبة في الكلام من جهة أخرى، ولا تقطع الأمل بعودة زوجها سالماً من كل مكروه. و ينطلق الصبي إلى الغابات الكثيفة يهديه إلى الطريق صقر كان أبوه قد رباه. لكن اللقطة الأخيرة له وهو جالس يستند إلى جذع شجرة وقد هبط الليل وساد الصمت وانتشر الظلام الداكن لا توحي بأنه وجد والده. هناك القليل الحوار أو الموسيقى في الفيلم. والشخصيات الثلاث الرئيسية (يوسف والديه) كلها تميل للصمت قليلة الكلام الى حد ما ، والموسيقى التصويرية اتية مع أصوات من الغابات والمخلوقات التي تعيش هناك.. و قد احتفي بالفيلم كتحفة فنية لبساطته الأخاذة والأداء المؤثر والمفعم بالصدق والجاذبية فيه . هو سرد وجودي بلغة الكاميرا الشاعرية والساحرة عبر نظرة طفل الى العالم . وحديث جميل عن الخسارة والحزن , انها لغة الشعر بالسينما الصورة تنطق بمكنونات النفس الداخلية لا حاجة للكلام لمناشدة حواسنا . ولا توجد موسيقى مرافقة الطبيعة تخلق الموسيقى الخاصة بها مع اختيار هادئ لتصوير البيئة المعاشة , حتى يمكن للمشاهد الحالم ان يشعر عبره بحركة الرياح وبالأوكسجين الذي نرغب بالبقاء معه و فيه يشعر بالشمس المشرقة و برائحة المطر الخفيف النازل على الصبي وهو في طريقه للمدرسة . سميح اوغلو يخلق جوا يشبه الاحلام في فيلمه , وهناك إشارات لفظية للأحلام وعندما يذكر الفيلم بإشارة لفظية يحافظ المخرج عليها سليمة من خلال الصور والألوان والتشكيل عندما يريد يوسف ان ينقل لواله حلم رآه ببداية الفيلم يهمس والده في إذنه ان لا يقولها بصوت عال لان الأحلام تختفي عندما نتحدث عنها . ان فيلم عسل هو نموذج للسينما الخالصة . وبطئه المقصود بالسرد يمثل تحديا لسينما شباك التذاكر الشعبية التي تمثل الوجبات السريعة وتحديا للجمهور بحثا عن ذائقة جمالية جديدة . انه عمل باهر في تلقائيته، وايقاعيته , و مميزا بتصويره يخلو من التكلف يميل الى البساطة المتناهية عبر احتراف سينمائي عالي المستوى، وكتابة مشهدية رشيقة . عسل : عام الإنتاج: 2010 مدة العرض: 104 دقيقة إخراج وسيناريو وإنتاج ومونتاج: سميح كابلانوغلو سيناريو: أورسون كوكسال تصوير: باريس أوزبيسر مونتاج: أيهان إرغورسيل – سوزان هند غونيري الممثلون: بورا ألتاس: يوسف - إردال بيسيكيولغو: يعقوب - تولين أوزين: زهرة

الخميس، 14 مايو 2015

المخرج الألماني تركي الأصل، فاتح آكين: إشكالية العلاقة بين الشرق والغرب

تكتب مارغريت كولر في مقالتها  “المهاجرون في السينما الألمانية.. من ضحايا إلى رعايا” لقد أضحت ألمانيا بلداً للهجرة، وهذا أحد أسباب كون التعددية الثقافية عنصراً من عناصر السينما الألمانية. ويروج لهذا العنصر مخرجون من أصل تركي، مثل فاتح آكين ويلماز أرسلان وسينان أكوس. حتى بعض المخرجين الألمان وآخرين من “أصول مهاجرة” غير تركية بدأوا يناقشون هذا الموضوع. وفي يومنا هذا فقد تغيرت موضوعات الأفلام من الشعور بالغربة أو المعاملة كأجنبي في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، إلى التركيز على “تصادم الثقافات” الصراع الذي يواجهه الشباب، المحصور بين تراث البلد القديم وقوانينه، وبين التسامح والحرية في البلد الجديد.
تعتبر التجربة السينمائية للمخرج الألماني تركي الأصل فاتح آكين من أهم التجارب السينمائية في أوروبا، حيث تستمد خصوصيتها من خلال طرح إشكالية العلاقة بين الشرق والغرب، ومقاربة هذه العلاقة فنياً وإنسانياً، من خلال معالجة الموضوعات التي تتقاطع فيها مصائر الشخصيات وأحلامهم وحياتهم مع بعضها البعض.
وحسب تعبير عماد مصطفى في مقالته “فاتح آكين يفتح سؤالاً مكرراً حول إشكـالية العـلاقة بيـن الشـرق والغرب” المنشورة بمجلة الرافد، يمزج آكين من خلال أفلامه أصالة الشرق بموضوعاته وسيره وعاداته ورؤاه مع المعاصرة الغربية وتقنياتها وشخصياتها، ويركز على الموضوعات التي تجتاز الجغرافية والتاريخ، وخلق رؤية تتناغم مع تعدد الانتماءات الثقافية والاجتماعية، فهو يعالج في أفلامه الحياة اليومية في شرق ألمانيا بأدوات سينمائية كالكاميرا اليدوية المتحركة. لقد خفف الاهتمام بالتغيرات الاجتماعية في ذات الوقت تصلب النظرة المعقدة للجوانب الحزينة في التاريخ الذاتي. وهو من مواليد مدينة هامبورغ الألمانية عام 1973، وينتمي إلى عائلة تركية قدمت من منطقة البحر الأسود .. انتسب إلى كلية الفنون الجميلة بهامبورغ في سن 21 عاماً حيث درس السينما وفنونها وشارك أثناء الدراسة بدور متواضع في مسلسل تلفزيوني. ما لبث أن قام عام 1995 بإخراج أول أفلامه القصيرة بعنوان “أهوانت”.
«موجز وبدون ألم” 1997، أول أفلامه الروائية الطويلة التي عززت من مكانته كمخرج جديد على الساحة الأوروبية، أوجز أكين في هذا الفيلم سيرة حياة ثلاثة أصدقاء في مدينة هامبورغ بألمانيا، التركي غابريل والصربي بوبي واليوناني كوستا، ثلاثة مهاجرين يحترفون السرقات الصغيرة، ربما كرد فعل لإثبات الهوية المضطربة والمهاجرة بأسلوب تدميري يوازي قسوة الحياة الحديثة وظلمها وسحقها للمهمشين.
تابع أكين مسرته الفنية والإخراجية بمزيد من الأفلام مثل فيلم (في تموز) (2000) و(غفلنا عن العودة) (2001) و(سولينو) (2002) الذي صور فيه سيرة عائلة إيطالية هاجرت إلى ألمانيا الاتحادية حاملة معها البيتزا والباستا، وهو فيلم عن الحنين والنجاح المهني متعدد الجوانب ذي فكرة جديدة، وفي فيلمه الحائز على الدب الذهبي في مهرجان برلين “ضد الجدار” (2004)، يناقش موضوعاً جديداً ويتعرض ببساطة إلى المشاكل التي تواجه الجيل الثاني من المهاجرين الأتراك في ألمانيا. وقد حصل هذا الفلم المتميز بأداء تمثيلي مبدع على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي..
ويسرد الفيلم قصة فتاة تركية تربت في بيت تحكمه عادات وتقاليد مسلمة. ومع مرور الوقت قررت زيبيل (زيبيل كيكيلي) التمرد على عائلتها والخروج من محيطها. ولكنها تعرف تماما أن الطريقة الوحيدة لنجاح خطتها هي الزواج وذلك من تركي مسلم. وبعد قيامها عدة مرات بمحاولة انتحار نقلت إلى مصحة نفسية وتعرفت هناك على شاب تركي يكبرها سنا ومدمن على المخدرات والكحول. في المصحة النفسية عرضت زيبيل على الشاب التركي (جاهد) أن يتزوجها بشكل صوري. وبعد عقد القران بدأت بممارسة الحياة التي حلمت بها وباشرت بتجريب أشياء حرمت منها في بيت أبيها كالرقص وتعاطي الكحول والمخدرات وممارسة الجنس.
في عام 2005 أخرج آكين فيلمه الوثائقي عن مدينة اسطنبول “عبور الجسر”، وفيه يقدم صورة للحياة الموسيقية في مدينة يندمج فيها الشرق مع الغرب هي اسطنبول، قام بوضع الموسيقى التصويرية للفيلم أشهر فرقة روك في ألمانيا “einsturzend neubanten”.. وحصل على جائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان عن فيلمه (على الجانب الآخر) عام 2006 الذي يتناول قضية المهاجرين المحاصرين بين ثقافتين مختلفتين. حيث ينسج أكين في فيلمه علائق معينة بين قصص ستة أشخاص يعيشون في تركيا وفي ألمانيا لا تجمعهم روابط خاصة فيما بينهم ويرسم صورا لهذه الشخصيات الألمانية والتركية المعاصرة التي يتقاطع مصيرها من خلال التعرف إلى ناشطة تركية شابة تفر من تركيا إلى بريمن (شمال ألمانيا) بعد أن شاركت في تركيا بنشاطات للمطالبة بالمزيد من الحقوق السياسية والاجتماعية. وأعلن آكين أن فيلمه هو “الفيلم الثاني من ثلاثية” يريد تحقيقها في عمل طويل يجسد” الحب والموت والشيطان” والتي بدأها بفيلمه المشهور”ضد الجدار”.
بين ألمانيا وتركيا، تدور أحداث فيلم، فاتح اكين”حافة الجنة” 2007، حيث يتناول موضوع الموت وتأثيره على حياة مجموعة من الأشخاص تربطهم عدة روابط تمتد ما بين العائلة والسياسة والحب والصدفة. يبدو أن فاتح اكين يهدف في تناوله عدة قضايا متشابكة التركيز على الشخصيات المختلفة في تفاعلها مع الموت، وإن كان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، حيث نرى التطور النفسي البشري بشكل بطيء وكيفية تفاعله مع الموت المباشر.
«مطبخ الروح”، أحدث أفلام فاتح اكين يتحدث الفيلم عن أخوين يونانيين يملك أحدهما زينوس كازانزاكيس (آدم بوسدوكوس) مطعما شعبيا يعتبره مشروع حياته، أما الآخر إلياس (موريس بليبتريو) فهو مجرم يقضي حياته متنقلا بين السجون الألمانية، زينوس يسعى جاهدا لجلب الزبائن إلى مطعمه وتفشل كل محاولاته، إلى أن يستقدم طباخا حاد الطباع لتقديم الأكلات المبتكرة، في هذه الأثناء يضطر زينوس للاستعانة بشقيقه لإدارة المطعم ليتسنى له اللّحاق بحبيبته نادين (فيلني روغان ). يحمل الفيلم الكثير من الأبعاد الإنسانية والتفاصيل الحياتية الصغيرة والمفارقات الدرامية التي تحيط بالشخصيات الرئيسة، ونجح في الكشف عن حالات شخصياته الوجدانية وقوة بنائه الدرامي والتفصيلات المرئية والتقنية للتصوير والمونتاج والموسيقى. حاز الفيلم على إحدى جوائز مهرجان فينيسيا السينمائي.
محمد عبيدو

الاثنين، 11 مايو 2015

المخرج محمد لخضر حمينة: سعفة كان العربية الأولى


لعب تزامن بداية الإنتاج السينمائي الجزائري مع ثورة شعبها على الاحتلال الفرنسي (1954 - 1962) دوراً كبيراً في صياغة توجهه نحو تصدير حقائق الواقع المعيش وتسجيل الأحداث التاريخية، خاصة المتصلة منها بالثورة الجزائرية، حيث تشكلت النواة الأولى لمدرسة سينمائية لجيش جبهة التحرير الوطني من خلال لجنة السينما التي أنشأتها الحكومة الجزائرية المؤقتة، وتم إنتاج العديد من الأعمال الوثائقية خلال الفترة بين 1956- 1961 من بينها: (جزائرنا) إخراج جمال سندرلي ولخضر حامينا. وفيلم (ياسمينة) أول عمل للمخرج السينمائي لمحمد خضر حامينا، والذي هو أيضا ممثل وكاتب سيناريو ولد في 26 فبراير 1934 في مدينة المسيلة في الجزائر، تابع دراسته في فرنسا، ثم غادرها إلى تونس أثناء الثورة الجزائرية، حيث كان يعمل لصالح الحكومة الجزائرية المؤقتة.
فيلمه (ريح الأوراس) 1966، أحد أهم أفلام تلك الفترة وأقواها تعبيراً عن الإنسان العربي بالجزائر. عبر لغته السينمائية الشفافة والشاعرية، يحكي الفيلم عن أم فلاحة اعتقل الفرنسيون ابنها فراحت تبحث عنه يبن معسكرات الاعتقال حتى تجده في أحدها فتكتفي بمتابعته بنظراتها كل يوم من خلف الأسلاك الشائكة، ولكنه عندما يختفي مرة أخرى تفقد وعيها وتلقي بنفسها على الأسلاك الشائكة التي تصقعها. الفيلم حائز: جائزة العمل الأول من مهرجان كان لعام 1966 - جائزة أفضل سيناريو وجائزة الكتاب السوفيت الكبرى للسيناريو في موسكو 1967 - جائزة الغزال الذهبي من مهرجان طنجة.
إن العمل الدرامي المؤثر والشاعري الذي قدمه حامينا في أول أفلامه الروائية لم يمنعه عام 1968 من أن يقدم فيلما كوميديا بارزا بعنوان “حسن الطيرو” وفيه يقدم حامينا صورة مؤثرة وبإطار كوميدي عن كيف تؤدي ظروف الوطن الصعبة إبان الاستعمار بموظف بسيط إلى أن يصبح ثائرا على الاستعمار ودون أن يدري.
ولقي فيلم محمد لخضر حامينا (وقائع سنوات الجمر) 1974 صدى كبيراً، إضافة إلى أنه نال عام 1975، أكبر جائزة ينالها فيلم عربي حتى اليوم: (السعفة الذهبية) لمهرجان كان، في هذا الفيلم كان الواضح من جواب حامينا أن الثورة إنما كان لها هذا المصير لأن الخلل يكمن في جذورها الاجتماعية. وهذا الكلام أثار الحفائظ، ولكن اليوم، ألا يمكننا أن نرى في ما حصل في الجزائر تحققاً لـ (نبوءة) حامينا، تدور أحداث هذا الفيلم حول وقائع تاريخ الجزائر النضالي، والذي غطته مساحات الدماء الحمراء، من أجل نيل الاستقلال والحرية، والنظم التي تمارس القمع وتجهض حقوق الإنسان أينما كان. كما صور الفيلم الحياة القبلية في جبال الجزائر، والتي كانت تعيش على حياة التنقل في الصحراء والرعي، ثم لم تلبث أن تحولت الصحراء إلى ساحة للقتال والجهاد المستميت من أجل نيل الحرية المضرجة بالدماء، ويغلب على الفيلم روح التراجيديا، حيث سادت فيه مناظر البؤس والألم والمجازر الدموية لمئات من المواطنين.
فيلمه “العاصفة” المنتج عام 1982 متميز في مادته وموضوعه وبقوته الإخراجية. أحداث الفيلم تجري وسط قبيلة تعيش في واحة وسط الصحراء محاطة بالرمال وتهب عليها باستمرار العواصف الرملية التي تغطي البيوت والخيام وتدخل مسام الجسد وتكتم الأنفاس. وفي كل مرة تهب فيها العاصفة يندفع أهالي القبيلة في صراع محموم لدرء أخطار الرمال. ويعطي المخرج للرمال رمزاً واضحاً يجسده من خلال شيخ ضرير يعيش منعزلاً عن القبيلة ويغرق أهاليها بلعناته، والتي على إثرها تهب عواصف الرمال وكأنها التجسيد المباشر والحي للعنات الشيخ. وهكذا فالصراع بين أفراد القبلية والرمال يتحول إلى صراع كابوسي يمتد من اللقطة الأولى في الفيلم حتى نهايته، غير أن الهم الرئيسي للفيلم ليس الحديث عن قسوة الطبيعة بل عن قسوة الناس والعادات في مجتمع متخلف، ولهذا يختار المخرج عائلة واحدة ليركز عليها، وعلى حياة أفرادها المليئة بالقسوة والظلم والحدة المستندة إلى عادات وتقاليد متخلفة ترسخت منذ قرون.
وقدم حامينا عام 1986 فيلمه (الصورة الأخيرة)، ويعمل الآن على فيلم ‘’ظل الغروب’’ التاريخي ويتطرق في قصة مشوّقة لكيفية التقاء شاب فرنسي تم تجنيده رفقة شاب جزائري من الصحراء ونشأت بينهما صداقة.



محمد عبيدو 
نشرت في جريدة الجزائر نيوز