الأربعاء، 6 أغسطس 2014

هناك شعراء جدد في سوريا التي تذهب إلى الهاوية محمد عبيدو: أرى الوضوح الشعري محرجاً ومملاً



عناية جابر
مجموعة الشاعر السوري محمد عبيدو «رجل مشحون بالندم» (عن الهيئة العّامة السورية للكتاب) هي الخامسة في الترتيب الشعري لإصداراته ومنها: «وقت يشبه الماء» و«تمارين العزلة»، الى دراسات في السينما والفن التشكيلي. مجموعة تحكي بلغة عذبة أهوال وحدة شخصية ومشاهد عن عالم ينهار وئيداً. عن مجموعة الشاعر الجديدة هذا الحوار:
قصيدتك الصغيرة تنطوي على كافة الموضوعات في تدوينات تعمل على صياغة شعرية خاصة وشخصية. ما الذي تريده من القصيدة؟ من الشعر عموماً؟
^ الشعر هو القوس الأكثر توترا في الروح، أبحث فيه عن انزياح روحي ينأى عن تراكمات الكلمات الجاهزة والمستهلكة، ويخرج من قيد المعنى الواحد، وعبر الدلالات المتعددة لا أجد إلا ما يرشح عبر القلب... وحالة الشعر التي يراها البعض عندي مغرقة في ذاتيتها ومليئة بالانكسارات، هي حالة عصيان شخصية ومجتمعية، ومحاولة اختراق يائسة ومقاومة للماضي المثقل برموز الذاكرة المدمرة والمنتهكة. أن تمتلئ قصيدتي بموت مؤجل ليس تشاؤماً، إنما بناء معنى آخر قلق ونزق أطلبه للحياة.
الشعر شرط ضروري من ضرورات العيش. فالعالم بلا شعر أقل جمالاً وأقل إنسانية. هو إحدى وسائل الدفاع الذاتي والإنساني في المواجهة التي نعيشها ويعيشها وطننا في معركته من أجل الحرية والكرامة، أوليس الشعر تعبيراً من خلال اللغة.
في «رجل مشحون بالندم» تمتلك المشاهد جمالها القاسي ويقينها العنيد، على الرغم من اللغة الذائبة الرقيقة. ثمة هذا التبادل في الأدوار بين الصورة أو المشهد وبين اللغة المعبّرة عنه، هل تتقّصد عبر لغتك الحانية تبرئة العالم من شروره؟
^ إن الكتابة لحظة مستمرة من الانتماء إلى الحضور البشري في الذاكرة، حضور من القهر والقمع والحلم والمشاعر، تخرج بحثاً عن حب أشفق فيه حتى على القاتل الذي خان انتماءه الإنساني... ثمة دعوة إلى الحرية والعدل تسكننا وتغلف أحياناً بتكسرات روحية، فلا يمكن أن نقفز عن هذا الألم الشاسع الذي يلف بلدنا، وعن القهر الممعن في وحشيته، وصور الانتهاك المتواترة حتى لا يتاح لنا في ما نكتبه فرصة لإغماض العين. هذي البلاد متورطة داخل اللغة التي أشكلها في قصيدتي... وفيها يتمدد الوطن وتفاصيل الحياة وعبر نبرة الحزن الخاص تمارس القصيدة أهم واجباتها ـ التحذير ـ ضد هذا التخريب المنظم الذي شمل كل تفاصيل الحياة، وضد هذا القتل اليومي الذي نتنفسه مع يومياتنا المعاشة.
في قصيدتك تعمل على ضغط النثر لدرجة وصوله إلى إيقاع الشعر المنظوم، كما تجذبك رغبة في كتابة ظلال الأشياء وليس حقيقتها، وهذه لذة حقيقية، في اعتقادي، ممنوحة للمرهفين ومتاحة لهم وحدهم... هل توافق؟
^ أن نكتب عن يأس عظيم وألم لا يوصف، يعني أن نجوع... أن نتعرى أمام الآخرين، أن نسوط أحصنة الخيال ونعتصر الزمن الذي حاربناه وحاربنا، ولم ينتصر أحد بعد... تتحول اللغة إلى قوة مشعة وشفافة ومساحة للحرية والعلاقة الجديدة بالأشياء، هي تماماً كما جاء في عبارتك «كتابة ظلال الأشياء»... أرى الوضوح الشعري محرجاً ومملاً. تعب وقلق والتباسات لا تنتهي، وفراغ مخيف محيط بنا يدفعنا إلى الكتابة، ليبرز عبر تأمل الكلام والصمت نص مواز للذاكرة يلتقط ظلال الأشياء ويجد الجمال في المهمل والمتروك والمهجور وفي كل مادة وكل شكل، ليخرج قلوبنا من الهوة السوداء. وتحضرني هنا عبارة لنجيب سرور: (الشـعر مـش بس شعر لو كـان مقـفى وفصيح... الشعر لو هزّ قلبك... وقلبي... شعر بصحيح).

قصيدة الانكسارات

تغيب عن قصيدتك الهموم الوطنية، ويشغلها أكثر الهّم الوجودي، هل تحاذر قصيدتك الوقوع في المباشرة والتسميات؟
^ إن جدران المسافة في الزمان والمكان قد رفعها التقدم التقني، لكن جدران الغربة بين القلب والقلب قد تدعمت بشكل مخيف. زادت حياتنا قسوة وخراباً وحروباً وانكساراً لا ينتـهي... أنا من جيل عاش السياسة وأحلام التغيير على مقاعد المدرسة، ولم تستطع تجربة العمل السياسي بشروط البلد القاسية أن تنقذنا من الانهيارات المتكررة، لنجد أنفسنا نتكئ على ذاتنا التي تكونت من داخل هذه الإخفاقات. وما أكتبه أرى انه يعبر عن عمق ما أشعر به شخصياً وإنسانيا من مأساة تجاه الهزائم التي عانيتها روحياً ويعانيها الآخرون عبر غربتنا الموحشة، وخلاصي الخاص والعام مهما كان ذاتياً ومحكوماً بغربتي، مرتبط بالناس جميعاً، ووسط الألم والأسرار مساحة لكل الهواجس والأوطان والنساء.
حيث في كل نص شعري جميل تنساب سيولة جمالية خبيئة، ادخرت لكل قارئ يعايش النص وحده، إن كان قادراً على استشفاف عذوبتها نصف الصامتة، ومن ثم معايشتها وإيصالها إلى الآخرين كيما يساهمون معه في المتعة والإحساس والرؤية.
كيف ترى المشهد الشعري السوري اليوم؟
^ في كل جيل شعري هناك الجديد والجميل... والباحث عن الاختلاف... قد تستغربين أنني كنت اقرأ حتى بريد قراء الصحف بحثا عن هذا التوهج الذي يشق طريقه. الآن هناك شعراء جدد في سوريا التي تذهب إلى الهاوية يعبّرون عن مرحلة جديدة من الفرح والحزن الإنسانيين، يمثلون عناصر التمرد والمشاكسة والتجدد في الواقع الشعري السوري. يتعاملون مع القصيدة من منطلق مفاهيم مغايرة فكرياً وجمالياً لما ساد قبل عقود من سمات، وعبر القصيدة الجديدة المشبعة بالانكسارات ونص الحداثة، يحاولون خلخلة المسلمات المسيطرة والمقدس السائد. جيل جديد من الشباب غادروا أساليب النشر الورقي التقليدية والجرائد والمنابر واستفادوا من فسحة الحرية الجديدة التي منحها لهم العالم الافتراضي وصفحات الفايسبوك، ليمارسوا على حائطه الكتابة عن الحب المنتظر، عن الأسرار المحظورة وانتهاكات النسيان والحلم واللامبالاة. عن احتجاجهم في وجه القتلة، وعن التوهج الجميل والألفة التي تلمنا.
هل تخامرك رغبة في كتابة رواية على غرار ما يفعله بعض الشعراء الآن؟ وهل تفسح الرواية برأيك لمزيد من حرية السرد؟
^ سبق أن حاولت العمل على نص روائي، وتوقفت ليصبح نصا مؤجلاً... هو كان حالة من التجريب بالتعامل الممتع من نوع أدبي أحبه... لم أستمر صراحة، لإحساسي أن كاتب الرواية يجب أن يتمتع بنفس طويل بعيد عن النزق، وبجرأة أقرب إلى الوقاحة في الدخول إلى خصوصيات الآخرين، وهذا ما لا أمتلكه. أميل لتكثيف الشعر بالتعبير عن حياة واحدة أكثر من سردية الرواية التي تضج بها حيوات كثيرة... وتشدني أكثر الحالة البصرية في التعبير السينمائي.

أجرت الحوار: عناية جابر
السفير 25/09/2012 العدد: 12292

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق