محمد عبيدو
أكثر من قرن من الزمن على انطلاق أولى العروض السينمائية في تونس، كان ذلك أثناء الاستعمار الفرنسي عندما قدم الأوروبيون لاصطياد المناظر الطبيعية التونسية ثم عرضها ليشاهدها "المعمرون" ونخبة من المحظوظين التونسيين
وكانت توجد في تونس بدايات واضحة لثقافة سينمائية ، حتى قبل أن الاستقلال عن فرنساعام 1956 ، فعلى صعيد الإنتاج كانت هناك أول محاولات صنع سينما وطنية عندما أخرج الناقد والمصور شمامة شكلي فيلمه الروائي القصير الأول {الزهراء }عام 1921 و الأفلام الصامتة الرائدة لألبرت ساماما Albert Samama ، وفيلمان روائيان هما "Targul" لعبد العزيز حاسين (1935) ، و "مجنون القيروان" عام 1939 لـ كروزى. وبعد الحرب العالمية الثانية ,ومنذ عام 1953 وحتى 1954 أسس رجل فرنسي -هو جورج ديروكل- استديو أفريقيا الذي انتج أفلاماً تسجيلية ، عبارة عن جريدة سينمائية منتظمة " Tunisiennes" . وعندما انتقل استوديو أفريقيا إلى الجزائر عام 1954 تولت شركة ذات ملكية تونسية إصدار الجريدة السينمائية هي "الأرض الجهيد" .
وقد انعكس نمو الوعي السينمائي في تونس على حركة نادي السينما الرائدة التي كانت قد بدأت مبكرا عام 1946 ، وأدت إلى إنشاء الاتحاد التونسي لنوادي السينما عام 1950 ، وفي النهاية إلى افتتاح السينماتيك التونسي عام 1954 .
وبعد الاستقلال كانت المؤسستان الرئيسيتان اللتان شكلتا الإنتاج السينمائي والثقافة السينمائية بصفة عامة في تونس هما SATPEC و SEACI .
كانت مؤسسة SATPEC هي أول شركة مملوكة للدولة تم تأسيسها عام 1957 لتدير الإنتاج والاستيراد والتوزيع والعرض للأفلام .
وكانت {الشركة التونسية للتنمية السينمائية والانتاج } SEACI هي الشركة الثانية التي أسستها الحكومة لتشرف على الثقافة والإعلام ، ورأس قسم السينما فيها الطاهر شريعة من عام 1961 حتى عام 1969 .
و بدأت SEACI التوزيع الداخلي للأفلام ، حيث أقامت عددا من المراكز الثقافية مجهزة بآلات عرض 16 مللي ، وأدارت نظاما لسيارات التوزيع السينمائي ، كما قامت بإنتاج فيلمين أخرجهما أجانب , فيلم تسجيلي لماريو راسبولي Mario Raspoli وهو "النهضة"، وفيلم روائي لجون ميشود ميلاند وهو "حميد"
وفي الستينات تم أيضا تدعيم حركة أفلام الهواة بتأسيس مهرجان قليبية الدولي لأفلام الهواة عام 1961 ، و افتتاح الايام السينمائية بقرطاج عام 1966 وهومهرجان دولي يخصص مسابقته للأفلام العربية والافريقية و يقام مرة كل عامين .
وبوضع الإنتاج السينمائي في الاعتبار ، فإن العِقد التالي لإنهاء الحماية( 1956-1965) تميز بعدد من الأفلام التسجيلية الهامة قدمها صناع الفيلم التونسيون ، بعضهم يعمل في سياق حركة أفلام الهواة التونسية ، وبعض الأعمال الأخرى الأكثر طموحا قام بتصويرها مخرجون أجانب مثل:
الفيلم التسجيلي "النهضة " عام 1963 لماريو راسبولي عن معركة التحرير القومي.
و فيلمان روائيان لصناع أفلام فرنسيين هما: فيلم " جحا " عام 1956 لجاك باراتيير ,وتم توزيعه عالمياً وهو بطولة عمر الشريف. وفيلم "حميد "عام 1965 لجون ميشود ميلاند
لاحظ بعض النقاد أن السينما التونسية التي أنتجت أولى أفلامها بعد الاستقلال تحت عنوان "الفجر" سنة 1964 مرت بمراحل ثلاث رئيسة هي مرحلة أفلام التحرير الوطني التي يجسدها مخرج الفيلم السينمائي التونسي الأول عمار الخليفي بأعماله التي من ضمنها صراخ وسجناء وظل الأرض وهي كلها أفلام اهتمت بتقديم صورة الكفاح ضد فرنسا المستعمرة لينتقل المخرجون التونسيون إثر ذلك إلى الحديث عن مشاكل مجتمع الاستقلال كما في فيلم " السفراء" للناصر القطاري المتوج سنة 1978 في مهرجان "قرطاج" السينمائي وفيلم " عزيزة" لعبد اللطيف بن عمار، وإذا كان الأول شريطًا يتحدث عن الهجرة؛ فإن الثاني يتناول تحولات المدينة التونسية وظهور الأحياء الجديدة وما خلفته من تحول في الأخلاق والقيم، أما المرحلة الثالثة فهي التي بدأت منذ فيلم " صفايح الذهب" للمخرج النوري بوزيد سنة 1986 وتتميز بأنها مرحلة مراجعة الذاكرة الوطنية كما في فيلم " صمت القصور" لمفيدة التلاتلي مرورًا بفيلم " الرديف 54" لعلي العبيدي.
وكان عمر خليفي ( من مواليد 1934) الذي استمر في الهيمنة على العِقد الأول من الإنتاج الروائي بثلاث أفلام إضافية ، هي "المتمرد عام 1968 الذي تدور احداثه في تونس عام 1952 قبل الاستقلال حيث يندلع التمرد العام ضد الاحتلال الفرنسي , لايملك التونسيون سوى وسائل مقاومة بدائية , ويملك الفرنسيون أسلحة متطورة , ينضم الشباب الى الفلاقة التي تتصدى للاحتلال بالعديد من العمليات الفدائية , كما يقوم رجال المقاومة بالتسلل الى ثكنات جيش الاحتلال , ويسعى الفرنسيون الى احباط المقاومة من خلال عمليات قمع وحشية واغتيال زعماء الحركة الوطنية والقبض على الكثير منهم ، و "الفلاقة" عام 1970 ، و "الصراخ" عام 1972 الذي ربما يكون هو اجمل أفلامه وأكثرها ذاتية .
لقد كان خليفي –ذلك المخرج النشط ، الذي كان قد صنع عددا من الأفلام التسجيلية, بل وكان إفرازاً لحركة مزدهرة –هي حركة أفلام الهواة- حيث علم نفسه بنفسه ، و اصدر أربعة أفلام في ست سنوات فقط-
وجاء مخرجون آخرون من نفس الجيل لهم نفس خلفية حركة أفلام الهواة ، لكن قليلين منهم الذين كان باستطاعتهم إخراج اكثر من فيلم روائي واحد ، وفي الواقع لم يقدم أحد مساهمة مستمرة في فن السينما ، وكان النمط المعتاد هو فيلم روائي واحد ،ثم يلي ذلك صمت تام أو الانتقال لمهنة أخرى تماماً . مثل:
فيلم "تحت مطر الخريف" عام 1969 لأحمد خيشين , و فيلم "أم عباس" عام 1970 لعلي عبد الوهاب
فيلم "أم تراكي "عام 1973 لعبد الرازق حمامي وتدور أحداثه في حي شعبي في تونس العاصمة , يعيش الناس فيه متقاربين و وذلك بفضل ام تراكي , التي تعتبر أما للجميع , فهي تحل مشاكل الأزواج , وتقارب بين العشاق , وتسعى لتزويجهم , وهي تقف مع الجميع في المحن التي يتعرضون لها , حتى لو سبب لها ذلك المتاعب العديدة .
وكان هناك مخرج آخر كانت مسيرته اكثر تعقيدا و اكثر استمرارا في الستينات ,هو الناقد والمخرج التسجيلي فريد بوغدير الذي لم يتلق تعليما سينمائياً رسمياً ، شارك خلال هذه الفترة فقط في إخراج فيلم روائي هو "الموت الغامض" مع كلود دانا عام 1970 ، وساهم في جزء واحد من فيلم " بلد تيراناني" عام 1972 ، لكنه ظل مؤثرا كناقد للأفلام ، ثم عاد بعد ذلك فى مقدمة السينما التونسية . وقد ساهم في الأجزاء الأخرى من فيلم "بلد تيراناني" مخرجيّن آخريّن تلقيا تدريبا سينمائيا رسميا في الخمسينات في ال IDHEC (مدرسة باريس للأفلام) ، هما:
حمود بن حليمة الذي كان قد صنع قبل ذلك فيلمه الروائي "خليفة الأجراس" عام 1968, .و هادي بن خليفة ( ولد 1933-وتوفى 1979 )
ولم يكن أي منهما قادرا على الحفاظ على مشواره السينمائي ، الا أن هناك ثلاثة خريجين من ال IDHEC درسوا في باريس في بداية الستينات وكانوا قادرين على ترك اكبر اثر عند عودتهم إلى تونس ، وهم :
صادق بن عايشة الذي عمل كمونتير وقدم فيلمه الروائي الأول "مختار" عام 1968 يحاول الفيلم التعرض للواقع الاجتماعي والثقافي القائم في تونس من خلال تناوله لقصة كاتب شاب يتناول في أول انتاج له مشاكل الشباب الشباب التونسي والجيل الصاعد بعد الاستقلال معطيا للمرأة مكانة كبيرة ... ويقرر تأليف انتاج جديد له يجعل فيه المرأة التونسية تتوق الى وسائل عيش جديد تحولت اليها تونس اليوم ومع هذه المعاناة التي يعيشها فكريا وذهنيا يعاني أيضا عاطفيا اذ انه يتعرف على طالبة جامعية ولكن علاقتهما تبدو غامضة لم تسفر عن نتيجة للفارق الكبير بين مستوى الثقافتين بينهما وتكتمل معاناة الكاتب حينما يقرر انتاج كتابة للسينما ويفاجئ بالتغيرات العديدة على مفاهيمه بعد ان فوجئ بها أولا من تفسيرات الصحافة والتلفزيون من قبل وهكذا يستمر في معاناة الى أن تنتهي حياته ذات يوم وبشكل مفاجئ .
وعبد اللطيف بن عمار (من مواليد 1943) الذي قدم فيلمين أولين "حكاية بسيطة " عام 1969 وفي قصته : " شمس الدين " مخرج شاب , يقترح على إحدى المؤسسات عمل فيلم عن العمال التونسيين في أوروبـا , ويلتقي مع بعض العمال العائدين من فرنسـا ... وخاصةً " حامد " خطيب المخرجة " ميرل " الواصلة لتوه من فرنسـا , والتي تعترضهما معاً مشاكل التكيف مع البيئة . _ وفي اثناء هذا يكتشف كل من " شمس الدين " . و. " حامد " مدى ما تعانيه " ماورا " زوجة المخرج في تونس ... * تعيش المجموعتان قصتين متداخلتين , تعترضهما العديد من المشاكل و المتاعب , تؤثر في اخراج الفيلم، و "سجنان " عام 1973 الذي تدور أحداثه عام 1952 قبل الاستقلال , كمال يدرس ويقيم في المعهد الصادقي , يمارس نشاطه السياسي بعد مصرع أبيه السياسي , لذا فانه يطرد من المعهد , يعمل في احد المطابع ويقع في غرام ابنة صاحب المطبعة , ويستخدم الاثنان المطبعة مناجل عمل منشورات سياسية يتم توزيعها على الناس من اجل زيادة وعيهم , يتم القبض عليهما لكن الثورة تستمر ..
ابراهيم باباي (1936- 2003) الذي قدم الفيلم الروائي "و غداً" عام 1971 ، والفيلم التسجيلي الطويل "انتصار شعب" عام 1975 ثم فيلمه الثاني "ليلة السنوات العشر" سنة .1990 ثم فيلمه الثالث "الاوديسة عام2003
وتطرق باباي في فيلمه الاول الي الهجرة الكثيفة من الريف الي المدينة، وتناول في الثاني فشل التدابير الاقتصادية والاجتماعية التي حاول الوزير التونسي احمد بن صالح تطبيقها في الستينات علي اثر اندلاع تظاهرات عمالية صاخبة ودامية احتجاجا علي الظروف المعيشية الصعبة في البلاد.
وهناك وجهان جديدان آخران جديران بالذكر في ذلك العِقد الأول للإنتاج السينمائي التونسي هما:
رشيد فرشيو الذي درس السينما في برلين وقدم فيلم "يسرا" عام 1971 ، و فيلم "أولاد القلق" عام 1975 .
ناصر قطاري الذي درس السينما في باريس و روما قبل أن يقدم واحدا من اكثر الأفلام الناجحة في المهجر بفرنسا "السفراء" عام 1975ويتحدث عن حيلة المهاجرين الى فرنسا والتمييز العنصري والقتل الذي يتعرضون له في الحياء القذرة التي يعيشون فيها.
وشهدت السبعينات تأسيس جمعية سوق الأفلام التونسية التي قدمت عام 1971 "خطة الإصلاح التنموية للأفلام التونسية" تحت قيادة حميدي إسيد من عام 1971 حتى 1979 .
ويُظهر العِقد الثاني (1976-1985) بعض الاستمرارية مع الأعوام السابقة ، فاصدر بن عايشة فيلمه الروائي الثاني "عارضة الأزياء" عام 1978 ، وقدم بن عمار افضل أفلامه "عزيزة" عام 1980 قبل أن يتحول إلى النشاط الإنتاجي ، و اصبح بوغدير قادرا أخيرا على استكمال مشروعه التسجيلي طويل الأجل عن صناعة السينما في جنوب الصحراء "كاميرا إفريقية" عام 1983 .
وظهر مخرج جديد موهوب هو رضا الباهي (من مواليد 1947) الذي درس علم الاجتماع في باريس ، وصنع فيلمان روائيان خلال هذه الأعوام هما: "شمس الضباع" عام 1977 الذي حاول من خلاله أن يتحدث عن ضعف الثقافة في مواجهة أخطبوط المال والأعمال.،. ( عندما يشتري صيادو الأسماك السردين ، فالدنيا ليست بخير ) هذه هي مقولة الفيلم الأساسية حيث يتوجه رضا الباهي مخرج ( شمس الضباع ) لطبيعة الحياة الاجتماعية والاقتصادية ، في عوالم الإنتاج الموسمي تلك التي تعتمد أنماطها الإنتاجية على المواسم ( المطر ، السياحة ) بحيث سيؤدي ذلك إلى تبعيتها بشكل أو بآخر لعجلة الاقتصاد المتنامي والمتطور بحيث تبقى هي في موضع التابع المحنط والجامد لتلك العجلة ، ففي قرية من قرى تونس الساحلية حيث يعيش صيادو الأسماك نجد ( الباهي ) وقد جمعنا بمجموعة كبيرة من الشخوص ، تشكل شرائح ذلك الواقع الذي هو في صدد تصويره .
العمدة ( الحاج إبراهيم ) والأمين المقاتل القديم الذي انتهى مراقباً مذهولاً لما يجري حوله من أحداث ، والطاهر البحار الذي يحمل نير التبعية والاستهلاك ، ولهذه الشرائح الثلاث صفات تجعل منها العامة المحيطة بها ، فالعمدة هو مانشيتات عريضة للتركيبة الاجتماعية واحد من لصوص ما قبل الثورة ، ومع انتصار الثورة الوطنية يتحول للص لما بعدها مستمراً في صعوده السلم الاجتماعي – الاقتصادي إلى أن أصبحت عجلة الحياة في تلك القرية مرهونة في قبضته ، وهو الآن يملك المراكب ويحكم حياة الصيادين ، في حين نجد الأمين وقد تحول إلى بائع صغير في دكان حقير تعيس يعمل إلى جانب البيع بالحدادة ليستطيع الاستمرار بالحياة ، في الوقت الذي كان في أثناء الثورة الوطنية واحداً من مقاتليها وصانعيها ، وهو الآن يقع في هامش الحياة مكتفياً بتذكير أهل القرية بالتواطآت التي أحاطت بالحاج إبراهيم وكيف استمر فيها إلى أن أصبح عمدة ، ولا يزال شاهداً على هوية الاستعمار التي تتلون ، وتبقى المحصلة واحدة . ليعود البحار إلى الوقوف في وجه العمدة والحكومة ولكن من خلال وضعه كفرد لا حركة جماعية في سياق النضال الجماعي .
وهكذا يؤكد الباهي مخرج الفيلم على الاختناقات الحتمية التي تتعرض لها هذه النماذج المتفردة من البشر .
في تلك القرية تعيش مجموعات من صيادي الأسماك بعضهم يعمل على مراكب الحاج إبراهيم والبعض الآخر يعمل على مراكبه الخاصة حيث يحاول الحاج إبراهيم شراء المراكب التي يملكها البحارة الآخرون ، قاصداً من وراء ذلك السيطرة الكاملة على البحر ؛ حياتهم ، ويظل يعيش المحاولة إلى أن تتقدم شركة ألمانية بعرض مفاده أن القرية هي قرية ساحلية ، وأن تحويلها إلى فنادق وأماكن عامة للسياحة سيزيد من دخل أهل القرية ويحسن أحوالهم المعيشية ، وبعد اقتناع الحاج إبراهيم بهذه المسألة وتأكده من أن له مكاسب شخصية كبيرة من ورائها ، يقوم بشراء الأراضي المجاورة ويصبح مديراً للفندق ، وتتحول أسماك البحارة إلى وجبات لفندقه مستخدماً ( الكارت بلانش ) ، وهي الوثيقة الحكومية التي تعني الرضاء التام عنه من قبل الحكومة ، وبذلك يضع يده بيد الوالي والألمان للسيطرة التامة على الحياة في القرية وتعمير الفندق ، مثبطاً أي حركة للتجارة في وجه تلك الشركة التي ستحولهم مستقبلاً من بحارة إلى ( جراسين ) أو بائعي زهور للسياح ، غير أن المشروع يتم ، وتتحول القرية إلى فنادق فخمة وملاه وكازينوهات ، في حين يبقى أهل القرية خارج الشريط مهمتهم التحديق بما حولهم عن أمور مدهشة ، وقيادة الحمير للسواح الذين لا يرون في هذه القرية غير الحمير ، ولا يلبث الأمين المقاتل القديم أن يخضع ويصبح بائعاً للتحف الشرقية ، مرتدياً ملابس المهرج ، عوضاً عن ملابس الحداد ، ويتحول راعي الغنم إلى صاحب بعير يؤجره للسواح لأخذ اللقطات على ظهره في بلاد النوق والجمال ، وتستمر عدسات العاريات الهولنديات في أخذ اللقطات للمصلين أثناء صلاتهم ، وبهذا تدمر كل شواهد تلك القرية وتتحول إلى صالة لعرض البشر ( المتخلفين ) الذين هم أهل القرية ، في حين تكبر المأساة وبموازاتها تتسع أملاك العمدة والوالي والشركات الألمانية التي تقوم باستثمار البحر والقرية وساكنيها .
. في عام 1984 أخرج فيلم "الملائكة" من بطولة كمال الشناوي ومديحة كامل، الذي يتحدث عن علاقة بين ممثلين شباب ورجل أعمال. ثم توالت أعماله الأخرى مثل "شمبانيا مر" عام 1988 و"السنونو لا تموت في القدس" عام 1994، ثم فيلم "الذاكرة الموشومة" الذي استعاد فيه جزءاً من الذاكرة التونسية التي تعود إلى الخمسينات من القرن الماضي.ثم "صندوق عجب"2003 . الفيلم التونسي "عزيزة"من إخراج المخرج التونسي عبد اللطيف بن عمار. يحكي الفيلم عن الشابة "عزيزة" التي تعيش في بيت عمها ثم تضطر للسكن في بيت آخر بعد خلاف مع ابن عمها. وتضطر للعمل في مصنع للنسيج. ومن خلال حياة "عزيزة" وأهلها وجيرانها في الحي يتابع الفيلم التطورات التي تحصل في المجتمع التونسي ويلقي نظرة متشائمة على توجه تونس نحو الاعتماد على اقتصاد الخدمات والسياحة والاستهلاك وتجاهل الصناعة والزراعة المتطورة.
يتمتع سيناريو الفيلم ببناء محكم متعدد الدلالات أتاح للمخرج تقديم شخصية "عزيزة" كإنسان محدد، وهي ثانياً رمز لتطور المرأة في تونس من خلال تطور علاقتها بالحياة كفتاة عالة على أهلها بداية ثم كعاملة منتجة أخيراً. و"عزيزة" على المستوى الثالث كرمز لتونس الوطن. وهكذا نحصل على الخاص كما على العام من خلال شخصية امرأة.
يقدم فيلم "عزيزة" نموذجاً للسيناريو الجيد التعمق في تتبعه لأحوال النفس البشرية وأحوال المجتمع. والسيناريو غني بالتفاصيل من حياة وعادات الناس (من أجمل هذه التفاصيل مشهد أهالي الحي فوق أسطح البيوت ينتظرون انفراج السماء في ليلة القدر). ومع اهتمامه بالتفاصيل الواقعية لا ينسى المخرج الاهتمام بدقائق النفس البشرية والحياة الداخلية الروحية لأبطاله، وهذا ما يضفي على واقعية الفيلم جواً شعرياً ويسمح بتقديم مشاهد ذات تأثير عاطفي.
يتبع المخرج عبد اللطيف بن عمار أسلوباً إخراجياً فيه الكثير من الدقة والوضوح في التعامل مع المرئيات وفي تحميله للصورة أبعاداً رمزية وفي استخدامه للعلاقات المونتاجية بين اللقطات لتوليد المعنى. وعلى سبيل المثال نذكر العلاقة بين المشهد الأول في الفيلم والمشهد الأخير منه. في المشهد الأول نرى لقطة في شارع ضيق في حي شعبي. وفي مقدمة اللقطة ماكنة للخياطة وفي خلفيتها "عزيزة" وأقاربها يخرجون أثاث المنزل تحضيراً للانتقال إلى حي جديد. وأما المشهد الأخير من الفيلم فيضم لقطة "لعزيزة"، وقد أصبحت مستقلة وعاملة منتجة، تقف وسط الآلات في مصنع النسيج. وهكذا فالعلاقة بين مشهد البداية ومشهد النهاية هي علاقة انتقال الخاص إلى العام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق