الأربعاء، 31 يناير 2024

السينما في تونس -5

 


محمد عبيدو 

قدم عام 1997 نوري بوزيد فيلمه " بنت فاميليا " والمخرجة كلثوم برناز فيلمها " كسوة الخيط الضائع ".يعالج الفيلم اشكالية هوية وانتماء المرأة التونسية التي تسعى الى التحرر في عالمنا المعاصر دون ان تتخلى عن كونها امراة عربية ومسلمة . نتعرف الى " نزهة " الفتاة التونسية الشابة التي تتمرد على التقاليد اتتزوج بشكل معارض لارادة أهلها خارج المجتمع الذي عاشت فيه . لكنها تتطلق بعد سنوات وتعود الى بلدتها مثقلة بالهموم والشعور بالفشل والخيبة , معلنة استعدادها للانسجام مع عائلتها ومتطلباتها , ومن اولى بوادر خضوعها للتقاليد التي تمردت عليها من قبل توافق على ارتداء" الكسوة " وهو رداء تقليدي ثقيل خاص بمناسبة الاعراس يربطه خيط فضي , والمناسبة حفل زواج شقيقها . لكن مع اقتراب المساء تجد " نزهة " نفسها اسيرة هذا الرداء الثقيل " كسوة " فتتفاعل الاسئلة في ذهنها حول حقيقة انتمائها وشخصيتها كامرأة متحررة من التقاليد أم خاضعة لها .

فيلم "قوايل الرمان" (عام 1998) للمخرج محمود بن محمود، يمضي خطوة أبعد وأكثر إشكالية في تأكيده على حق المرأة في القرار المستقل وفي تحديد هويتها حتى لو كانت هذه الهوية تقودها للتخلي عن هويتها التي اكتسبتها بالوراثة عن طريق الأب. فبطلة الفيلم الشابة المولودة من أب تونسي وأم فرنسية، والتي عاشت معظم سنوات عمرها منذ الطفولة وحتى اليفاعة في إحدى الدول الإفريقية مقيمة مع والدها، تقرر بعد أن عاد بها والدها إلى تونس لكي يجعلها تتعرفي وتنتمي إلى وطنها الأم، تقرر بدورها أن لا تكون تونسية كما يريد والدها، وهي لم تعش في تونس أبداً، ولا فرنسية كما تريد أمها التي تطالب بها وتريد أن تعيدها إلى فرنسا التي لا تعرفها، بل أن تنتمي إلى إفريقيا السوداء التي نشأت وعاشت فيها وتشبعت بثقافتها وتراثها.

ويتحدث فيلم " غدا أحترق " للمخرج محمد بن اسماعيل 1998 عن شاب تونسي اسمه لطفي من ذلك الجيل الذي ولد قبل الستينات , وبهرته فكرة النجاح في اوروبا . يعود بعد عشرين عاما الى منبت جذوره , في وادي الحلق , وفي تونس وقد نهشه المرض ةالاحباط والأسى , يصطدم بصور الماضي ويلتقي بالشخصيات التي عرفها في طفولته .. ويشعر بأنه يحترق , ويموت في ميناء تونس ليلة ركوب باخرة المنفى بلا جواز سفر ..

واستطاعت مفيدة تلاتلي أن تغوص في عمق المشكلات التي يعاني منها المجتمع التونسي ففي فيلم (موسم الرجال) عام 2000 تشرِّح بشجاعة النسيج الثقافي والاجتماعي، والموقع الذي تحتله فيه المرأة، إذ نتعرّف في الفيلم علي حالات نسوية مهملة في جزيرة، يهجرها الرجال للعمل، ويعودون مرة في الموسم، وفي غيابهم، تتكشف حياة الناس ومشكلاتهم في مجتمع يخضع لتقاليد صارمة، تهيمن عليه الذكورية، أو التسلط الأمومي، والانكسارات الأنثوية، نتيجة وضع سكوني مزمن، تعاني المرأة نتائجه السلبية. يتسم الفيلم بالشجاعة والجرأة إذ يكشف كل شيء عن قدر النساء وقدر الرجال الذين هم أيضاً سجناء التقاليد الخانقة.

و جاء الفيلم التونسي "نغم الناعورة"لعبد اللطيف بن عمار عام 2002 بعد غياب طويل لمخرجه عن السينما { 22 سنة }،وفيه صورة سينمائية باهرة , عن رحلة الذات والمجتمع والعلاقات المرتبكة بالأخر , وعن الهوية والمأزق التونسي , انسانيا وثقافيا واجتماعيا في ظل التحولات الحاصلة عبر حكاية إعادة تقييم مسار الحركة اليسارية في تونس من خلال شخصياته الكهلة، ودعوة الشباب من خريجي الجامعات للبحث عن حلمهم في أرضهم بعيدا عن سذاجة وابتذال الحلم والفكر الأمريكي.

تتداخل أحداث الفيلم عبر رحلة مفتوحة في الأراضي التونسية على سيارة أمريكية مفتوحة يتم تدميرها في النهاية.

وتشكل شخصياته رمزا يعبر عن نموذج اجتماعي للصفوة المثقفة في المجتمع التونسي بعيدا عن المجتمع بتنوعه، وهو ما يحدد منذ البداية الهدف المحرك للفيلم، وهو محاكمة الطليعة المثقفة في المجتمع.

فتتميز شخصية "علي" العائد من الولايات المتحدة والهارب من التجربة السياسية التي كان يخوضها إلى جانب "ميلودي" زوج شقيقته، وقد استمرا بالتجربة إلى النهاية فلجآ إلى الجنوب التونسي ليشكلا إطارا للتقدم –من وجهة نظرهما- واستمرار النضال من خلال قيامه بتعليم الأطفال الأدب الفرنسي!! وخاصة الأقرب للثوري منه في حين تقوم زوجته بمعالجة الفقراء.

وبنيا عالمهما الخاص المليء بالوعي كونهما استمراراً لحركة سياسية سابقة تزعمها صديق ميلودي الشاعر التونسي اليساري الكبير صالح قرماية صاحب ديوان "اللحمة الحية" (وهو شخصية حقيقية رحلت عام 1976) .

وفي الجنوب تدور المواجهة بين جميع الأطراف؛ فزينب الهاربة من العائلة بعد طلاقها -رمزا للانطلاق خارج المؤسسة- مع الحبيب الأول، والحبيب يحلم بالهجرة سبيلا لبناء مستقبله رغم تخصصه بآثار بلاده، بما يعنيه هذا من رمزية كبيرة بالانتماء إلى هوية وطنية منقوصة الوعي، ولكن ميلودي يدفع الجميع إلى المواجهة.

وهنا يقدم المخرج مشهدا دالا عندما يتصدى ميلودي لرجال الأمن الذين يلاحقون زينب وحبيبها بقيام تلامذته بمحاصرة رجال الأمن بحجارتهم، وهو ما يدفعهم إلى الهرب.. هذه الرمزية التي تربط –في رأيي- بين المتغير الاجتماعي في الوطن العربي والقضية الفلسطينية التي عكسها المخرج كمحرك أساسي لهذا التغيير في العلاقة المتبادلة بين القضية الفلسطينية والحركة الديمقراطية الوطنية في الأقطار العربية المختلفة

وتطرق المخرج نوري بوزيد بفيلمه "عرايس من طين" لموضوع اجتماعي حساس وهو موضوع الاطفال الخدم والخادمات في تونس الذين يأتون من القرى الفقيرة للعمل لدى اصحاب البيوت الغنية في العاصمة . "عرائس الطين" من تمثيل الفنانة هند صبري، أحمد الحفيان، أميمة بن حفصة، ولطفي عبدلي. وهذا الفيلم الجريء يحكي قصة عمران، رجل في الأربعين من عمره، كان يعمل خادماً في أحد المنازل، لكنه أصبح سمساراً في ما بعد يجلب الخادمات من قريته الأصلية المتخصصة في صنع الفخار، وعرائس الطين، من أجل العمل لدى العائلات الموسرة والمستقرة في العاصمة تونس. قطع عمران عهداً على نفسه أن يحمي شرف الفتيات الصغيرات اللواتي يجلبهن إلى العاصمة. وقد ركز المخرج نوري بوزيد على صبيتين كنموذج سيتعرضان لاحقاً إلى هزات نفسية خطرة تكشف عن حياتهما الجحيمية من جهة، مثلما تكشف عن عزلة أو خواء بعض العائلات الثرية في العاصمة. فضة الطفلة التي تصنع عرائس الطين تتعلق بعمران، ولا تريد أن تغادره لأنه الشخص الأول الذي أحاطها ببعض الرعاية والاهتمام. ربح فتاة جميلة، مغرية، تنطوي على أنوثة وحشية، تُدهش مثلُها مثل فضة بالعمارات الشاهقة في تونس، وتسحرها المدينة، وتقع في نهاية المطاف أمام أسر الإغراءات الكثيرة التي تحيطها من كل جانب.

وبعد أربعة اشهر تحديداً نكتشف أنها حامل ليتغير مجرى حياتها، كما يوغل عمران في السكر، ويقضي جزءاً كبيراً من وقته في البارات والنوادي الليلية. ذات يوم حاول أن يستغلها، ويقدمها إلى رجل عجوز، تهدمت أسنانه في مقابل التنازل عن إيجار المنزل الذي لا يستطع أن يسدده، فتهرب ربح، ويبدأ البحث عنها هو وفضة التي كانت تتهرب هي الأخرى من منزل الناس الأثرياء. وفي لحظة صفاء تسترجع ربْح ذكرياتها بعد أن تكتشف تونس المدينة الطاحنة التي تتعرض فيها للابتزاز والملاحقات اللاأخلاقية من بعض الشبان. تعود إلى منزل عمران ليجتمع شمل الثلاثة الذين غادروا براءة القرية إلى انفلات المدينة.

ومثلما تألقت النجمة الشابة هند صبري في "صمت القصور"، فإنها تكشف عن الأجزاء المخبأة من موهبتها في "عرائس الطين"، بدءاً من رحيلها من القرية، وانتهاءً بوصولها إلى المدينة، حيث تحاول الاندماج في الأجواء الجديدة التي بدت غريبة أول الأمر، لكنها انسجمت معها على رغم الخسارات الكبيرة التي تحملتها في ظل الظروف الطاحنة للمدينة

وقدمت المخرجة رجاء عماري عام 2002 فيلمها " الساتان الاحمر " ويدو موضوعه حول أم وابنتها الشابة , تعيشان في تونس العاصمة . ما يتبدى كحياة عادية ينجلي عن قضايا شائكة , فالأم تكتشف ان ابنتها تحب موسيقيا في فرقة تعزف في نلهى ليلي , وانها بسببه دخلت معهدا للرقص الشرقي , هنا تقرر الأم التأكد من حقيقة فتدخل بذلك عالما لم تكن تعلم عنه شبئا , وتكتشف عبر الرقص بهجة الحياة التي كانت دفينة تحت سنسن من الواجبات . كما قدمت المخرجة نادية الفاني فيلمها " الهاركرز البدوي "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق