الأربعاء، 31 أغسطس 2016

مخرجات السينما المصريات مائة عام من الإبداع )1/2(

محمد عبيدو

لابد من الإشارة هنا إلى أن مؤرخي السينما العربية يتجاهلون ذكر دور النساء الرائد في السينما المصرية، وآخر مثال على ذلك ما كتب في الحياة عن أوائل الأفلام، ويتم ذكر أفلام قصيرة تسجيلية، وعند ذكر أول فيلم عربي طويل وروائي وهو فيلم (ليلى)، الذي أنتجته عزيزة أمير، وساهمت في إخراجه ومثلته، نجد أنه يذكر أن استيفان روستي هو الذي أخرجه.
 لأمر الذي تشير إليه عليا أراصغلي في كتابها (شاشات من الحياة)، وهي تذكر أيضًا أن عزيزة أمير قامت بتأسيس أول استديو، وهو هليوبوليس في العام 1928، الذي لايزال موجودًا حتى الآن، وتم فيه إنجاز فيلم بنت النيل، ومثلته هي أيضًا، وأنتجته وأخرجته مع المخرجة وداد عرفي. وهذا الفيلم لايزال موجودًا حتى الآن.
من بين خمس شركات تأسست في حينها, أسست النساء أربعًا منها. من بين النساء المؤسسات لإحدى الشركات الممثلة المعروفة فاطمة رشدي، وأسست آسيا داغر شركة لوتس في العام 1929، وعملت أول فيلم مصري عرض في الخارج وهو فيلم (وخز الضمير).
ولم يكن غريباً عليها أن تقف مع الرجل في مهنة الإخراج. وضمت القائمة في تلك الفترة أكثر من 12 مخرجة ابتداء من عزيزة أمير (1952 - 1907) التي أخرجت فيلمين هما "بنت النيل" و "كفري عن خطيئتك"1933، وعبرت فيهما عن قوة التقاليد والقهر الاجتماعي الذي تعانيه المرأة، وصولاً إلى أمينة محمد التي قامت بالتمثيل في أفلام عديدة ثم قامت بأخطر تجربة في تاريخ السينما المصرية وهي تأليف إنتاج وإخراج وتمثيل فيلم "تيتاوونج" 1937، الذي تم عمله بطريقة الجهد المشترك لمجموعة المشاركين في الفيلم وقتئذ مع تأجيل الأجور، وساعدتها وجوه جديدة وقتئذ في الإخراج مثل كمال سليم وصلاح أبو سيف وأحمد كامل مرسى وحلمي حليم. وكانت قد تعاونت من قبل مع رائد السينما المصرية محمد بيومي فأنتجت له فيلما قصيرا عرض عام 1934 بإسم «ليلة في العمر» وقد جاءت من طنطا مع ابنة شقيقتها أمينة رزق وقطنتا في روض الفرج، حيث أضواء المسارح والتسلية، وانضمتا لفرقة رمسيس، ليوسف وهبى .. كان أول احتكاك لها بالسينما من خلال تمثيلها في فيلم "الحب المورستاني" إخراج ماريو فولبي 1937، سافرت أمينة محمد إلى أوروبا لمدة عامين، ثم تزوجت ضابطا أميركيا وأجادت اللغات الأجنبية من سفرياتها وقامت بالعمل مساعدة للمخرج سيسيل دي ميل أثناء تصويره فيلم الوصايا العشر في (مصر حياة عجيبة حقا)!. وفاطمة رشدي أولى رائدات السينما المصرية (1908- 1996) بدأت على المسرح وأصبحت الممثلة الأولى لفرقة رمسيس وبطلة لمسرحيات عالمية، ثم كونت فرقة خاصة بها، أنتجت وأخرجت فيلم الزواج 1933 ثم أنتجت فيلم تحت ضوء الشمس إخراج وداد عرفي لكنه لم يعجبها وقامت بإحراقه ثم قامت ببطولة فيلم الهارب، إخراج إبراهيم لاما، في دور فتاة فلسطينية مكافحة وقد غنت في هذا الفيلم، ويبقى دورها في فيلم العزيمة لكمال سليم مخلدا لإسمها.. و«بهيجة حافظ" التي تعد واحدة من رائدات صناعة السينما المصرية في أكثر من مجال، فقد مارست التمثيل والإنتاج ووضع الموسيقي التصويرية للأفلام.. وقد ولدت في 1908 ولفتت انتباه المخرج محمد كريم الذي كان يبحث عن بطلة لفيلمه الصامت زينب وبالفعل قامت بهيجة حافظ ببطولة الفيلم ووضع موسيقاه التصويرية وشاركها البطولة زكي رستم وسراج منير ودولت أبيض، وعرض الفيلم لأول مرة في عام 1930. وأسسست في القاهرة شركة فنار للإنتاج السينمائي في عام 1932 التي كان باكورة إنتاجها فيلم الضحايا الصامت الذي يدور حول ضحايا المخدرات، وأخرج الفيلم، إبراهيم لاما، وشاركت ليلي مراد فيه بالغناء لأول مرة، أما الفيلم الثاني الذي أنتجته بهيجة حافظ وقامت ببطولته فقد كان فيلم الاتهام في عام 1934 الذي أخرجه ماريو فلبي وقامت هي بوضع موسيقاه التصويرية و بطولته أمام زكي رستم ثم قامت بعد ذلك بإعادة إنتاج فيلم الضحايا ليصبح ناطقا. وفي عام 1937 قامت بإنتاج وتمثيل فيلم ليلي بنت الصحراء الذي قام ماريو فلبي بإخراج جزء منه ثم اختلف مع بهيجه حافظ فقامت باستكمال الإخراج، وحقق الفيلم نجاحا كبيرا وعرض في مهرجان برلين. وعادت بهيجة حافظ إلى الإنتاج في عام 1947 بعد عشرة أعوام من التوقف بفيلم زهرة السوق ثم توقفت بعد ذلك ولم تظهر إلا في دور قصير في فيلم القاهرة 30 لصلاح أبوسيف في عام 1968 قبل أن ترحل عن الدنيا في عام 1983... لكن شيئاً فشيئاً راح عدد النساء المخرجات يتقلص، وقد تكون السبعينيات هي الفترة الأكثر تراجعاً في تاريخ المرأة - المخرجة، حيث اكتفت النساء العاملات في السينما بالتمثيل والإنتاج (آسيا وماري كويني) أو العمل على "الموفيولا" في غرفة المونتاج (رشيدة عبدالسلام ونادية شكري) إلى أن ظهرت المخرجة المصرية نادية حمزة وقدمت في الثمانينيات عشرة أفلام تحمل اسم "النساء". وبغض النظر عن التقويم الفني لتجارب نادية حمزة فهي من القليلات اللواتي دافعن بقوة عن قضايا المرأة، وإن كانت المعالجات تتم غالباً في شكل ميلودرامي، ومن أفلامها "النساء" (1985)، "نساء خلف القضبان" (1986)، "حقد المرأة" و "القانون امرأة للأسف"(1988)... وفي تلك الفترة أخرجت نادية سالم فيلماً بعنوان "بواب العمارة"، وقدمت المخرجة أسماء البكري - التي تخرجت من مدرسة يوسف شاهين - في أفلامها نماذج للمرأة المقهورة ضحية الظروف والرجل وقسوة المجتمع. أسماء البكري.. بدأت تسجل بالصورة ما تعرفه وتريد توصيله للمتلقي.. أفلامها التسجيلية أكثر من الروائية بكثير.. فنانة مثقفة درست الأدب الفرنسي قبل اتجاهها للسينما.. أفلامها الروائية ثلاثة فقط (شحاذون ونبلاء، كونشرتو درب سعادة)، (العنف والسخرية). هذه المخرجة المثابرة.. عملت في بداية اتصالها بالفن السينمائي ك«دوبلير" مكان بوسي في فيلم (بيت من الرمال)، ثم ملاحظة للسيناريو والإنتاج في فيلم (غرباء)، ثم مساعدة للإخراج، هذا إضافة إلى أفلام أجنبية كثيرة صورت في مصر.. حتى جاءت تجربتها الإخراجية الأولى في (شحاذون ونبلاء). أفلامها ليست تجارية، تسعى إلى التفكير إلى جانب المتعة.. في (شحاذون ونبلاء)، تقدم فكرة فلسفية..، ويتناول بشكل مبدع قصة ألبرت قصيري التي تدور أحداثها في مصر في أواخر الحرب العالمية الثانية عن رجل يقتل عاهرة مع سبق الإصرار، في حين ينتظر الضابط الشاب الموكل بالتحقيق في القضية لحظة المواجهة. في (كونشرتو درب سعادة) تتصدى لمشكلة نقصان المعرفة لدى المتفرج العربي. أما أفلامها التسجيلية، فيحتفى بها في أوروبا أكثر.
مخرجة الأفلام الوثائقية؛ المصرية عطيات الأبنودي، استطاعت بشركتها المسماة "أبنود فيلم" تأسيس مركز خاص للإنتاج. وفي عام 1971 ابتكرت أسلوبا خاصا بها سمته "الواقع المُجَمل": إذ باهتمام كثير بالجماليات والجو استطاعت تصوير الواقع الاجتماعي. وباعتبارها من أولاد طبقة العمال عرضت شخصيات وحكايات الفلاحين وعمال المياومة، ولذلك كُرمت بمنحها لقب "مخرجة أفلام البسطاء".
المخرجة المُخضرمة (نبيهة لطفي). من الأسماء المتميزة في مجال السينما التسجيلية .. من مواليد 1937، درست السينما في معهد السينما بجامعة القاهرة وعملت في مركز الفيلم التسجيلي الذي أداره المخرج الراحل شادي عبد السلام. قامت بإخراج أفلام تسجيلية وأفلام للأطفال كما قامت بإخراج أفلام خاصة بالمرأة والتنمية وصور للنساء وما زالت مستمرة في هذه السلسلة التي تصور دور المرأة العربية في المجتمع .. من أفلامها: - "صلاة من وحي مصر القديمة". - "دير سانت كاترين" . - "تل الزعتر" . - "عروستي". - "حسن والعصفور" . - "لعب عيال" . - "إلى أين". - و«بقايا زمن، شارع محمد علي" فيلمها التسجيلي الآخاذ وفيه تؤرجحنا (نبيهة لطفي) ما بين الحاضر والماضي لتروي حكاية الشارع. فيلم جميل، ومؤثر يجعلنا نحب (القاهرة) مرة أخرى، ونحن للرجوع إليها، على الرغم من صخبها، ضجيجها، زحمتها، وأبنيتها المُتربة، وحرارة طقسها، عبر أسلوب بناء سينمائي خاص بالمخرجة حافظت عليه منذ أول أفلامها. ثم كان الظهور القوي للمخرجة الأكثر جدلاً في السينما المصرية وهي إيناس الدغيدي التي عملت لفترة كمساعد مخرج مع أهم مخرجين السينما المصرية مثل صلاح أبو سيف، حسن الإمام، بركات، كمال الشيخ وأشرف فهمي. بدايات الدغيدي مع الإخراج كانت من خلال فيلم "عفواً أيها القانون" (عام 1985) وتوالت الأعمال: التحدي 1989. امرأة واحدة لا تكفي 1990. القاتلة 1991. قضية سميحة بدران 1989. زمن الممنوع 1987. استاكوزا 1996 "امرأة من زمن الممنوع" و«لحم رخيص". وعلى رغم بداية إيناس الدغيدي القوية، إلا أنها أصبحت تستسلم لقوانين السوق السينمائي وتعمل على زيادة المشاهد الإباحية في أفلامها، من خلال معالجة سطحية لقضايا مهمة، ويتضح هذا الاستنتاج في أفلام مثل "دانتيللا"، "كلام الليل"، "الوردة الحمرا" 2000، "مذكرات مراهقة" 2001، و«الباحثات عن الحرية" 2004، و«ما تيجي نرقص" 2006 وعلى رغم الاختلاف حول القيمة الفنية لأعمال إيناس الدغيدي فستظل بجرأتها وآرائها حالة خاصة بين المخرجات في السينما العربية، ويكفي أنها قدمت مجموعة كبيرة من الأعمال الجريئة في ظل سيادة التطرف في المجتمع المصري.
 
الجزائر نيوزنشر في الجزائر نيوز يوم 12 - 10 - 2013

مخرجات السينما العربيات.. السينما العربية بعيون أنثوية

محمد عبيدو
لم يكن اقتحام المرأة العربية لمجال الإخراج سهلا، خاصة أن المجتمعات لدينا تعتبر هذا المجال حكرا على الرجال بسبب صعوبة وقسوة ظروف العمل.. غير أن المخرجات العربيات قبلن التحدي رغم المشكلات العديدة التي واجهتهن، سواء في نظرة المجتمع لن أوفي علاقتهن بالرجل بوصفه الآخر، وبتعبيرهن عن قضايا وطنية وقومية (فلسطين الحرب الأهلية في لبنان التطرف والإرهاب) أوالقضايا الخاصة بعادات وتقاليد المجتمع، كالعذرية التي تعد من المحرمات، إضافة إلى التحرر والحداثة والحمل غير الشرعي. 
والملاحظ أن أعداد المخرجات في مجتمعاتنا ليست بنسب واحدة.. وإذا كانت مصر تعد من أولى الدول العربية، حيث أن السينما المصرية عند ولادتها قامت على أكتاف عزيزة أمير وفاطمة رشدي وأمينة محمود وبهيجة حافظ، وقمن بإخراج بعض الأفلام الرائدة، إلا أنهن لم يواصلن وتفرغن للإنتاج والتمثيل فقط.
كما أن المرأة المصرية قد برزت في مجالات سينمائية أخرى منذ سنوات طويلة، ككاتبة للسيناريو وكمساعدة مخرج فقط. وعودة المرأة من جديد إلى عالم الإخراج السينمائي جاءت كضرورة ملحة لطرح قضايا المرأة المعاصر، حيث برزت ما يقارب ثلاثون مخرجة أشهرهن (نادية حمزة إنعام محمد علي أسماء البكري إيناس الدغيدي ساندرا نشأت - هالة خليل - كاملة أبو ذكري - هالة لطفي) فإن المغرب تبرز فيها أسماء مهمة (فريدة بليزيد وزكية الطاهري وفريدة بورقية و ياسمين قصاري و ليلى مراكشي )، ثم إلى لبنان ( جوسلين صعب، رندا الشهال، هيني سرور، نادين لبكي وكريستين دبغي). وتطل الجزائر وتونس حينما تتردد أسماء مخرجاتهما (آسيا جبار، يمينة شويخ رشيدة كريم فاطمة الزهراء زعموم) و( مفيدة التلالي سلمي بكار كلثوم برناز)، ومن فلسطين (مي المصري وغادة الطيراوي وناهد عواد وديما أبو غوش و علياء أرصغليو وبثينة كنعان الخوري)، وبسوريا واحة الراهب التي قدمت أول فيلم روائي سوري وأنطوانيت عازرية، التي تحولت من المونتاج إلى الإخراج، وهالة العبدالله وهالة محمد، والعراقية الرائدة خيرية منصور واليمنية خديجة السلامي والسعودية هيفاء المنصور.. وفي الكثير من البلدان العربية لا نكاد نجد مخرجة واحدة.
وتبقى هناك ملاحظة مهمة، فدخول المرأة في المجال السينمائي كمخرجة، يعتبر خطوة أخرى من الخطوات التي تسعى إليها لإثبات قدراتها الإبداعية والوقوف جنباً إلى جنب مع الرجل. وبروز المرأة كمخرجة يعتبر خطوة إيجابية تستحق الثناء والدعم، وذلك لإبراز القضايا الإجتماعية على الشاشة، وإبداء وجهة نظر مغايرة لما يطرحه الرجل. ولكن يجب أن يتبع هذا خطوات أكثر أهمية وإيجابية، كابتعادها عن القصص التقليدية المملة وترك الإبتذال والتسلية في الفن، وتقديم أفكار وقيم جديدة ذات خاصية اجتماعية حساسة، وذلك لتبرر وجودها كمخرجة مميزة تطرح وجهة نظر جادة وواضحة، وإلا ستكون مجرد إضافة غير فعالة للكم الهائل من المخرجين الرجال. مع العلم أن قضية المرأة ومساواتها بالرجل في الوطن العربي ليست قضية عادية وبسيطة، بل هي قضية عميقة ومتجددة، لا يحلها في الأساس وجود كاتبة أو مخرجة، إنما تحتاج لنسف اجتماعي شامل لتغيير النظرة الخاطئة عن المرأة. فالمرأة قادرة على أن تكون مخرجة رديئة ومخرجة جيدة، مثلها مثل الرجل تماماً.
 
نشر في الجزائر نيوز يوم 13 - 09 - 2013

رندة الشهّال صباغ في ذكرى وفاتها


أفلامها نبضت بأوجاع الانسان العربي

محمد عبيدو

مرت هذا الاسبوع ذكرى غياب المخرجة اللبنانية رندة الشهّال صباغ- الفائزة عام 2003 بجائزة الأسد الفضي في" مهرجان البندقية السينمائي" عن فيلم  "طيارة من ورق"-   وكان الموت قد غيبها يوم 25 اوت 2008 عن عمر ناهز 55 عاماً. 
 

المخرجة التي نبضت أفلامها ومواقفها بأوجاع الانسان العربي ، هي واحدة من بين مجموعة من المخرجين اللبنانيين الذين سعوا لإعادة خلق سينما لبنانية، ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية لتأتي أفلامهم القليلة انعكاساً لتجربتهم الخاصة مع هذه الحرب.
تميزت الشهال بجرأة نادرة في معالجة على الشاشة لمواضيع سياسية تحكي الحب والحرب والوطن والمنفى وتنبع من هم ثقافي يدور في فلك القضايا التي تشغل الإنسان العربي، وطبعت أعمالها جرأة كبيرة وخصوصا في التعبير الكلامي الذي استند إلى عبارات قاسية من الحياة اليومية..
ولدت رندة الشهال صباغ في طرابلس –لبنان واختارت الكاميرا السينمائية للتعبير عن محيطها الانساني والاجتماعي والسياسي  حيث درست السينما في جامعة فينسان وبعدها في مدرسة لوي لوميير الوطنية العليا بباريس التي جاءتها عام 1973 مع فنون النضال السياسي اليساري، وتميزت مسيرتها بالتوازن بين النجاح والإخفاق، لكنها، ظلت وفية لبداياتها المشاكسة،  ولطموحها الابداعي الكبير .

حققت أول أفلامها " خطوة خطوة" عام 1979 وهو فيلم متقن يقدم تحليلاً سياسياً للحرب اللبنانية , ومستمد عنوانه من تلك السياسة التي اختطها وزير الخارجية الاميركية الاسبق هنري كيسنجر وروت فيه تناقض العمل السياسي الذي يحكم رجالات الزعامة اللبنانية الامر الذي قاد لإشعال شرارة الحرب الاهلية وتداعيتها ليس على الناس في لبنان فحسب وانما على مجمل الحياة السياسية العربية وقد نال جائزة النقاد في مهرجان الدول الناطقة بالفرنسية، ثم فيلم : لبنان أيام زمان" عام 1980 ثم فيلمين تسجيليين (التاسعة و النصف) سنة 1982 و (سهرة مع الشيخ إمام في باريس) سنة 1984 عن الشيخ امام تحول اليوم الى وثيقة حول المغني الراحل.. وقدمت أول افلامها الروائية عام 1991 " شاشات الرمال" الذي شارك في مهرجان البندقية يصور حياة البذخ والغنى في مدينة ببلد صحراوي عبر قصة صداقة حميمة بين امرأتين وتوق سارة بطلة الفيلم للحرية،  ثم عادت الى الوثائقي لتقدم عن الحرب اللبنانية فيلم   "حروبنا الطائشة" ونال هذا الفيلم الذي يعتبر من اهم أعمالها الوثائقية والذي أنجز عام 1995 جائزة الفيلم الوثائقي في بينالي السينما العربية في باريس. و صورت فيه الحرب الاهلية اللبنانية من خلال أفراد عائلتها ومسؤوليتهم وعلاقتهم بهذه الحرب في مزيج غير معهود بين العام والخاص ، وفيلم "الكافرون" ويدور حول التطرف  والعلاقات العربية الغربية الذي تدور أحداثه في القاهرة، وكانت الرقابة في لبنان منعت فيلمها الروائي الثاني "متحضرات" عام 1998 والا كان على المخرجة ان تحذف منه 47 دقيقة وهو ما رفضته رندة الشهال. ويعود الفيلم في كتابة درامية لا تخلو من سخرية مريرة (تمثيل جليلة بكّار، كارمن لبّس، مريم معكرون، رينيه ديك، تميم الشهّال، سوتيغي كوياتي...)، إلى الحرب الأهليّة بعد «نهايتها» المفترضة، وذلك من خلال أهل الحضيض، من خدم وفقراء اضطروا إلى البقاء في أسرى المدينة وأتونها المشتعل. جنس وعلاقات مثليّة وبؤس وعنف وفقر وقنّاصة، وخادمات يختزنّ على طريقتهنّ ذاكرة الحرب. عام 2000 صورت رندة الشهال بورتريه لسهى بشارة المحررة من معتقل الخيام ايام الاحتلال الإسرائيلي للبنان في خطة أخرى تبين مدى التزامها القضايا الوطنية ومناهضتها للاحتلال عبر اعمالها. وهي في رحلتها الفنية لم تتردد حتى في تصوير الفيديو كليب حيث وقعت كليب لطيفة "معلومات مش أكيدة" التي كتب كلماتها ووضع موسيقاها الفنان زياد الرحباني الذي تعاونت الشهال معه لوضع الموسيقى التصويرية لفيلمها "طائرة من ورق" وهو يظهر أيضا ممثلا فيه.

 و فيلمها الروائي الأخير "طائرة من ورق" الذي نال جائزة الدب الفضي في مهرجان البندقية عام 2003 يجسد انشغال الشهال بموضوعات السياسة والحرب والمنفى والهوية في قالب روائي متخيل بنفس سياسي تؤكد المخرجة عليه وعلى تأثيره في إيصال الصوت الى الخارج وتثبيت الوجود.‏ هو في العمق فيلم سياسي يتناول موضوع الاحتلال الاسرائيلي لأرض عربية والتأثير الذي يتركه الاحتلال في السكان على جانبي الحدود. وبقدر ما أن الفيلم سياسي في إطاره العام بقدر ما هو إنساني في تناوله للعلاقات القائمة بين الناس .

تجري حوادثه على الحدود بين قريتين، الاولى ضمن الأراضي اللبنانية والأخرى ضمن الاراضي العربية التي ضمّت الى اسرائيل ويفصل بين القريتين برج مراقبة وطريق قصير يمكن عبوره للعرسان والتوابيت فقط! (هذا في الفيلم، لكن في الواقع فيمنع على الموتى العبور!) لمياء هي شابة في السادسة عشرة من العمر تعيش في الجهة اللبنانية، قررت عائلتها ان الوقت قد حان لكي تتزوج من ابن عمها سامي ومع هذا القرار ستنتقل لمياء مرتدية فستان زفافها الى الجهة المقابلة للعيش مع زوجها. من ناحية اخرى، لمياء تعشق الحرية وتفضّل البقاء مع اخيها في الحقل واللعب بطيارة من ورق تحت مراقبة يوسف جندي عربي الاصل منخرط في صفوف العدو وما يجمعه بها هو المنظار الذي يتجسس عليها من خلاله. فوقع في حبها... الفيلم يضم نخبة من الممثلين اللبنانيين: فلافيا بشارة (الناجحة في دورها)، رندة اسمر (بدور ام لمياء)، جوليا قصار (بدور جميلة)، ليليان نمري (بدور خالة جميلة) اضافة الى رينه ديك، نايف خوري، ماهر بصيبص، تميم الشهال، والممثلة القديرة علياء نمري وطبعا الفنان زياد الرحباني بدور الجندي الفيلسوف الذي يعاني مشكلة يوسف نفسها بعدما ضمّت قريته الى الجانب الاسرائيلي وبقي حبه لجميلة خالة لمياء بالجهة المقابلة... وجود زياد في الفيلم كان مميزا واضفى عليه نكهة خاصة. الفيلم الذي يسير على ايقاع يحمل الكثير من الشاعرية ومن التغلغل الى شغاف القلب، يتناول من دون شعارات موضوع الاحتلال ومساوئه ويضع الأصبع على جرح الحدود التي تجرح الأرض والبشر أسلاكها الشائكة.

انه فيلم مميز وعميق يحمل نضجاً سينمائياً بإيقاعه وتصويره ومونتاجه و يجمع بين الدراما والكوميديا معالج بطريقة ذكية وادارة ممثلين موفقة واختيار موسيقي ناجح  .

كانت مخرجة جريئة استفزازية في طباعها مشاكسة متعنتة في قناعاتها عنيدة وطموحة' انجزت افلاما حميمية ملتزمة وبرعت في الوثائقي كما في الروائي وظلت يسارية بعد ان ارتد الكثيرون عن قناعاتهم في لبنان وظلت طموحة متمردة.

العدد 48 من مجلة الإمارات الثقافية

العدد 48 من مجلة الإمارات الثقافية 
أطياف فكرية
6 – خسارة ماضية .. وجيل واعد
فاطمة المزروعي
8 – العلم أم الثقافة .. صيرورة الثقافة العلمية
مفيد ياسر
11 – مزاج سيئ .. شعر
جمال الموساوي
12 – مهبط الوحي .. خيال الكاتب
أسماء الجزائري
14 – لمواجهة تغير المناخ .. مادة بناء جديدة
عبد الهادي محمد عبد الهادي
18 – هل يُعد الأديب ناقداً؟
غازي مختار طليمات
21 – إشارات .. قصة
سمير المنزلاوي
فضاء رقمي
22 – الإعلام الرقمي من السر إلى الشفافية القسرية
رشيد لمهوي
عناصر من الماضي
26 – رحالة زاروا الإمارات .. آلـــن فاليــرز
علي عفيفي علي غازي
30 – نساء من الزمن القديم .. عُليَة بنت المهدي
أيمن دراوشة
ألوان ثقافية
32 – المستشرق الفرنسي المسلم " إتيان دينيه "
حورية الظل
37 – عودة الروح .. شعر 
مهند عازار نجار
38 – الرومانسية التعبيرية في لوحات أماندا هاملتن
منال حامد
جماليات لغوية
44 – الأصل الثنائي للألفاظ
عبد الرحمن دركزللي
في دائرة الضوء
46 – في ذكرى رحيله .. محمود درويش حاضر في الغياب
يوسف حطيني
48 – شاعر بعلوّ السّماء
رشيد الخديري
49 – حلب الشهباء .. شعر
أمان الدين محمد حتحات
تعرف إلى
50 – حكاية " الأمازيغ " .. من الياء إلى الألف
فائزة مصطفى
57 – بيتنا القروي.. شعر
أحمد اللاوندي

دراسات ونقد
58 – كتابة " الجسد " .. الارتهان والتحرير
سعيدة تاقي
61 – مايشبه التعب البسيط .. شعر
آلاء حسانين
62 – القاهرة .. من وجهة نظر ثلاث نساء سويديات
عاطف محمد عبد المجيد
65 – لن أتوقّف .. شعر
ديمة محمود
66 – يوسف زيدان .. من شيطان الواقع إلى شيطان الفن
أحمد يحيى علي
68 – السرد المتعدد في رواية " يا سلام "
عبد المقصود محمد
رؤى جديدة
70 – يوميات القراءة
لانا المجالي
72 – توت شامي أزرق
حسّان الجودي
74 – هذيان رجل مات قليلاً
منيرة درعاوي
أنماط حياة
76 – الحياة فوق الأشجار .. أفكار جريئة وتصميمات مبتكرة
أحمد أبوزيد
83 – تنسج فضاءً لشباكها .. شعر
دنيا الأمل إسماعيل
مرايا من هناك
84 - أصفر بلون الزعفران
رشا عدلي
86 – جان دارك .. اللوحة الساحرة
منجي بن مصباح
88 – مدينة فاطمة .. العاصمة الروحية للبرتغال
فيصل رشدي
92 – ياني .. عازف الكــيبور
ترجمة : نهى حامد محمود
مشاهدات
96 – فيلم آخر ببراعة وودي آلن .. " رجل غير عقلاني "
سليمان الحقيوي
102 – مخرجات السينما الإماراتيات .. تجارب لافتة
محمد عبيدو
بانوراما ثقافية
112 – مختارات من ثقافات العالم
وائل محمود الفرّا
122- حكايات أنثى .. 8 حيوات ونصف
مريم ناصر

الأربعاء، 24 أغسطس 2016

مهرجان" البندقية "السينمائي يعلن برنامجه .. أفلام حافلة بالنجوم و موضوعات الواقع الكبيرة

محمد عبيدو

كشف "مهرجان البندقية السينمائي الدولي" عن مشاركة مجموعة من الأفلام الحافلة بالنجوم في دورته الثالثة والسبعين، التي تنطلق في 31 أوت الجاري وتستمر حتى العاشر من سبتمبر المقبل، تضم كبار مبدعي السينما في العالم , في عملية اختيار واسعة للأفلام العالمية ، ببرنامج يبدو وكأنه الأفضل منذ سنوات. وقال المدير الفني للمهرجان ألبرتو باربيرا. عن الأفلام المشاركة "الموضوعات العظيمة والأسئلة الفلسفية والوجودية ...جرى الاقتراب منها هذه المرة مع ابتعاد المخرجين عن وحشية الواقع. لذلك لا يوجد مزيد من مشاهد الحياة اليومية أو صور الحروب الحالية لكن الأهداف العظيمة لا تزال موجودة. هذا ليس هروبا من العالم المعاصر ..لكنه سبيل لتأمل عالم اليوم بطريقة مختلفة." وسيفتتح المهرجان بفيلم (لا لا لاند) للمخرج الأميركي داميان شازيل (31 سنة) صاحب الفيلم الشهير «ويبلاش» الذى رشح لعدة جوائز أوسكار.. ويعتبر (لا لا لاند) تكريما للعصر الذهبى فى هوليوود ولنوع السينما الموسيقية الاستعراضية ولكن موضوعه معاصر. دراما فكاهية رومانسية موسيقية ، بطولة إيما ستون وريان جوسلينج , يتابع وقائع لقاء بين ممثّلة مبتدئة طموحة (إيما ستون) وعازف بيانو جاز (راين غوزلينغ)، يلتقيان صدفة، ويُغرمان أحدهما بالآخر، في شوارع لوس أنجلوس، ومن ثم يواجه كلاهما الكثير من المشكلات في حياتهما وحبهما ثم يحققان نجاحا كبيرا فى مجالهما. 
رأس لجنة تحكيم المسابقة المخرج البريطانى السينمائى الكبير سام منديز(1965)، وهو مخرج فيلم (الجمال الأمريكى) الحائز على جائزة أوسكار و فيلم « القارئ» وآخر فيلم من سلسلة أفلام جيمس بوند (شبح)، وتضم اللجنة لوري أندرسون، والممثلة البريطانية جيما ارتيرتون، و المخرج الامريكي جوشوا اوبنهايمر مع الكاتب الإيطالي جيانكارلو دي والممثلة الألمانية نينا هوس، والممثلة الفرنسية كيارا ماستروياني , و المخرج الفنزويلي لورينزو فيغاس كاتالدو، و الممثلة والمخرجة الصينية تشاو وى.
المسابقة الرسمية الأفلام المختارة للمسابقة الرسمية ، والتي تضمّ عشرين فيلماً جديداً، تتنافس على الجائزة الأولى، "الأسد الذهبي"، تكشف حضور سينمائيين بارزين، يمتلكون مسارات مهنية فاعلة ومؤثّرة في المشهد السينمائي الدولي، وذلك إلى جانب سينمائيين شباب، يطرحون، هم أيضاً، بأفلامهم المختلفة، سجالات سينمائية مختلفة. 
الألماني فيم فيندرز (1945)، يأتي إلى البندقية حاملاً معه تجربة سينمائية جديدة، بعنوان "الأيام الجميلة لآرانجويز"، ناطقة باللغة الفرنسية، ومقتبسة عن رواية نمساوية، يقدم اختبارٍ فني ـ جمالي ، يرتكز على تداخل بصري ـ تأمّلي بين واقعين، يُمكن أن يكون أحدهما مجرّد تخيّل أدبي لكاتب، يتابع وقائع حوار بين رجل وامرأة، جالسين تحت شجرة، في سهلٍ منبسط يكشف، في نهايته، ملامح باريس. حوار يتضمّن تساؤلات وأسئلة بينهما، حول تجارب ذاتية: الطفولة، والذكريات، ومعنى الصيف، والمسائل التي تفرِّق الرجال عن النساء، والمنظور النسائي والإدراك الحسي الرجالي للأمور والحالات والمشاعر. والكاتب، إذ يجلس في غرفته متابعاً وقائع الحوار الثنائي، يُحاول تخيّله أو ربما ابتكاره، أو الاكتفاء بمتابعته، وتسجيله على آلته الكاتبة. فهل المسألة برمّتها نتاج المتخيّل الأدبي للكاتب، أو معاينة لحوار حقيقي؟ 
للأميركي تيرينس ماليك (1943) جديدٌ أيضاً، بعنوان "رحلة الزمن"، وهو وثائقي بتقنية "إيماكس"، وصفه بأنه "الاحتفال بالكون وأحواله ، وعرض كل من الزمن، من بدايته إلى انهياره النهائي." ، وذلك عبر صوتَي براد بيت وكايت بلانشيت. في حين أن مواطنه توم فورد (1961)، المنتقل إلى الإخراج السينمائي من عالم الأزياء ، يقتبس رواية بعنوان "توني وسوزان" للأميركي أوستن رايت ، لتحقيق فيلمه "حيوانات ليلية" (تمثيل: جايك غيلنهايل وآيمي آدمز). يتابع الفيلم مسارَي حكايتين منفصلتين: سوزان، التي تنقلب حياتها رأساً على عقب، إثر قراءتها مخطوطة ، يُرسلها إليها زوجها السابق، وتوني، الذي ترتبك عطلته الصيفية مع عائلته، بشكل مفاجئ. و يروي الفرنسي فرانسوا أوزون (1967)، في "فرانتز"، حكاية آنا، التي تزور يومياً قبر خطيبها فرانتز، في مدينة ألمانية، بعد أشهر قليلة على انتهاء الحرب العالمية الأولى، والتي تلتقي، هناك، شاباً غامضاً. (ذا باد باتش) للمخرجة الإيرانية انا ليلي أميربور وهو من أفلام الكوميديا السوداء عن أكلة لحوم البشر في مكان مقفر بتكساس . بينما يذهب الصربيّ أمير كوستوريكا (1954)، في "على درب التبانة". رجل، اهتز مصيره بعد وفاة زوجته، قرر أن يصبح راهبا. أثناء اندلاع الحرب في قصة تمتد بين الحرب والحب أثناء حرب البلقان، ويأخذ نظرة فاحصة على الحب بين شخصين لا يملكان شيئا يخسرانه ، رجل (أمير كوستوريكا، يمثّل فيه دور رجل في ثلاث مراحل مختلفة من حياته) وزوجته (مونيكا بيلوتشي)، الذين يعيشون في الجبال الصربية. الفيلم يطرح المفاهيم و العنف في الوقت نفسه. فيلم روائي طويل في ثلاثة أجزاء، مثل الحياة... هناك أيضاً فيلم "الوصول" للكندي دوني فيلنوف (1967)، المنتمي إلى أفلام الخيال العلمي، إذ يروي حكاية مألوفة، تتمثّل بغزو كائنات فضائية للأرض، ما يدفع الحكومة الأميركية إلى التعاون مع باحث ألسنيّ، للتواصل معهم، وفكّ رموز لغتهم، وفهم نواياهم. أما "نور بين المحيطات" للأميركي ديريك سيافرانس (1974)، فيذهب إلى أستراليا، ويروي حكاية حارس منارة وزوجته، "يتبنّيان" طفلاً رضيعاً، يعثران عليه مرمياً في زورق . و الفيلم الروسي "جنة" لأندريه كونتشالوفسكي (1937)، الذي يتابع مسارات 3 أشخاص تتقاطع في الفيلم ، هم أولغا، (مهاجرة روسية نبيلة، شاركت في المقاومة الفرنسية )، وجول (فرنسي متعاون مع المحتلين الألمان )، وهلموت (ضابط مخابرات نازي)، الذين تلتقي مصائرهم اثناء الاوقات الحزينة ، خلال الحرب العالمية الثانية يتم التعبير عن معنى الفيلم تماما في اقتباس من الفيلسوف الألماني كارل ياسبرز: "ما حدث هو تحذير وعلينا أن نتذكر باستمرار . تماما كما كان من الممكن لذلك أن يحدث مرة واحدة، فإنه لا يزال من الممكن ان يعود مرة أخرى. في أي لحظة. فقط معرفة ما حدث يمكن منعه من الحدوث مرة أخرى ".. المخرج المكسيكي أمات إسكالانتي، يشارك بفيلم بعنوان "براري" "عن حياة عائلة من زوجين شابين في غواناخواتو، مع اثنين من الأطفال الصغار 6 و 4 سنوات، ورجل لا يجري وفية لامرأة، وهناك يأ تي عنصر غامض من كوخ في الغابة وبالتالي فهو عنصر من أفلام الرعب " وايضا الفيلم الارجنتيني " El ciudadano ilustre " لماريانو كوهن , يحكي قصة دانيال مانتوفاني (أوسكار مارتينيز)، وهو كاتب الأرجنتيني يعيش في أوروبا لأكثر من 30 عاما، و يتمتع شهرة عالمية بعد فوزه بجائزة نوبل للآداب. رواياته تصور الحياة في سالاس، القرية الصغيرة في الأرجنتين حيث نشأ وترعرع ولم يعد اليها منذ شبابه حتى الآن، عندما يحصل على دعوة لاستقبال تكريما للمواطن حاليا. وغني عن القول، عودة مانتوفاني إلى وطنه فضح التوتر الخام بين ذكرياته في سالاس وخلافات لا يمكن حلها تفصل بينه وبين بقية القرويين.... والايطالي "Questi GIORNI " للمخرج جزيي بيكوني , ويروي قصة مجموعة من الفتيات المحافظات في سن الجامعة ، بوقتفيه القرارات حول المستقبل تصبح أكثر إلحاحا، ولم يعد من الممكن تأخيرها . داخل أسوار المدينة القديمة لبلدة إيطالية محافظة ، وقت متأخر من الليل على طول الواجهة البحرية، في سحر من توغل مؤقت في الطبيعة، وأربع بنات تلعب بها طقوسهم اليومية وتغذي توقعاتهم. لم انتشرت صداقتهما من العاطفة الساحقة، والمصالح المشتركة أو المثل العليا. لا بد أنهم ليس عن طريق تقارب ولكن عادة، من خلال الحماس في بعض الأحيان، بسبب التقاطعات الساذجة، والمشاعر التي تنشا في السر. بعد ارتباطهن بشكل فريد من نوعه مع مرور الأيام يسافرن معا إلى بلغراد، على امل ان يجدن الصديق الغامض وفرصة عمل غير مؤكدة .
وأضيف للمسابقة فيلم السيرة الذاتية (جاكي) للمخرج بابلو لارين(1976) بطولة ناتالي بورتمان التي أدت دور السيدة الأولى جاكلين كنيدي في الايام الاربعة الاولى بعد اغتيال زوجها الرئيس الأمريكي الأسبق جون كنيدي. و تشارك بورتمان ايضا خارج المسابقة بفيلم "القبة السماوية" ، عن اختين يتمكن من التواصل مع أشباح . وفي اسبوع النقاد يعرص الفيلم الايراني-الفرنسي المشترك «الطبلة» اولى تجارب كيوان كريمي السينمائية ويحكي قصة محامي يستلم ظرفا يقلب حياته عقبا على رأس.
و يحتفي المهرجان ، في دورته الجديدة، بالممثّل الفرنسي جان ـ بول بلموندو (1933)، والمخرج البولندي جيرزي سكوليموفسكي (1938)، ويُقدم لهما جائزتين تكريميتين عن مجمل أعمالهما. ويتذكّر المهرجان الدولي، أيضاً، المخرجَين الراحلين، الأميركي مايكل تشيمينو (1939)، والإيراني عباس كيارستمي (1940)، اللذين رحلا في جويلية الماضي، عبر عروض خاصّة لعدد من أفلامهما . مدير المهرجان أشاد بالمخرجين: "عباس كياروستمي، علمنا النظر إلى السينما والتصوير والفن بطريقة مختلفة. مروره غير تماماً علاقتنا بهذا النوع من الفن. مايكل سيمينو، هو جزء هام في مرحلة تغيير السينما الأمريكية، وذلك على الأقل من خلال ما فعله عندما لم يمنع نفسه من التعبير عن ذاتها بشكل كامل".
وسيختتم المهرجان مع"السبعة الرائعين" لأنطوان فوكوا. من بطولة دينزل واشنطن في افلمة حديثة لعمل كلاسيكي . و تدور أحداثه حول سبع شبان يهبون لحماية قرية صغيرة مكسيكية من الخارجين عن القانون. . وسوف يعرض المهرجان حلقتين من المسلسل التلفزيونى «البابا الشاب»، من تأليف وإخراج باولو سورنتينو صاحب جائزتى الأوسكار وبطولة جود لو وديان كيتون وسيلفيو أورلاندو، سكوت الراعى . يروى قصة لينى بيلاردو الملقب بيوس الثالث عشر، وأول بابا أمريكى يملك الجاذبية والشباب والدهاء، يتم انتخابه نتيجة لاستراتيجية إعلامية، طبيعته الغامضة والتناقض الداخلى يجعله محط اهتمام وجدل فى الفاتيكان ويثير بعض الأسئلة حول طريقته فى التعامل مع الدين.
كما يقام منتدى للسينما الصينية يوم 2 سبتمبر والذى سيطرح قضايا وقصص المبدعين التى تؤصل للربط والتعاون بين أوروبا والصين، وأيضا تدويل السينما الصينية. 
تعتبر المشاركة العربية ضعيفة هذا العام في المهرجان ، حيث تحضر الممثلة المصرية نيلي كريم ضمن أعضاء لجنة تحكيم جائزة “أورزينتي”، رفقة الممثلة الإيطالية فالنتينا لودفيني، والمخرجة الكورية موون سوري، والمخرج الهندي شايتانيا تماهاني، والناقد الإسباني جوزي ماريا، والناقد الأمريكي جيم هوبرمان، و المخرج الفرنسى روبيرت جيديجيان. وتم اختيار الفيلم التونسي “آخر واحد فينا” للمخرج علاء الدين سليم ، في إطار أسبوع النقاد . يروي الفيلم قصّة "ن" القادم من الصحراء ليصل إلى شمال أفريقيا ويحقق هجرة غير شرعية إلى أوروبا. بعد عملية سطو، يجد نفسه وحيداً في تونس. منذ تلك اللحظة، سيعيش "ن" عبوراً مميزاً وفريداً، سيعبر في أماكن متعددة ولا متناهية، سيقيم لقاءات قوية وقصيرة الأجل وسيلتقي بصورة محوَّرة ومغايرة لذاته.. ويشارك فيلم "ورد مسموم" للمخرج المصري أحمد فوزي صالح ضمن احد اقسام المهرجان. والفيلم هو تجربة سينمائية جديدة تخلط التسجيلي بالروائي، حيث يتم التصوير في المواقع الحقيقية بمصر القديمة وبشخصيات حقيقية من عمال المدابغ عن واقع مهنتهم القاسية وأحلامهم البسيطة. 
ويعتبر مهرجان البندقية السينمائي من أكثر مهرجانات العالم تألقا، وهو أقدم مهرجان سينمائي في العالم. أسسه جوزيبي فولبي في العام 1932 . جائزة المهرجان الرئيسية هي الأسد الذهبي ، والتي تمنح لأفضل فيلم يعرض في المسابقة الرسمية للمهرجان. إضافة لجائزة كأس فولبي التي تمنح لأفضل ممثل وممثلة.

نقلا عن جريدة الحياة الجزائرية الجمعة 19 أوت 2016


الاثنين، 22 أغسطس 2016

العدد الرابع من مجلة " الحياة " بالاكشاك .. إضافة مهمة للمكتبة الجزائرية والعربية


العدد الرابع من مجلة " الحياة " بالاكشاك

إضافة مهمة للمكتبة الجزائرية والعربية 

العدد الرابع من مجلة " الحياة " ، الان بالاكشاك  يتضمن مواضيع متميزة: "صحية، ثقافية، رياضية ، سينمائية، ميديا . موضة , تراث , طبخ.." تهم كل أفراد الأسرة ، بالإضافة إلى تحقيقات، ملفات، ربورتاجات، حوارات، وصفحات تسلية وصفحات للطفل . شهرية ملونة في 220 صفحة . المجلة باستمرارها عبر مواضيعها المتنوعة والثرية  وبكتابها المميزين وإخراجها الجميل تشكل إضافة مهمة للمكتبة الجزائرية والعربية  . في افتتاحية العدد  كتب مدير النشر "هابت حناشي " : " الصحة ليست فقط تاجا على رؤوس الأصحاء ، إنها كل شيء في هذه الحياة ، هي الحياة نفسها ، وهي الأمل وهي الثروة وهي المجد وهي كل شيء ، وفقدان الصحّة ، في الحقيقة ، يعني أن الأرض  تزلزت تحت أقدام من فقدها ، ولا يصبح  فاقدها شخصا مثل الأخرين ، مهما كان صبره وكان حلمه ومهما كان إيمانه بالقضاء والقدر . آلا يقال أن الصحّة عدوّة صاحبها ..؟ بدون صحّة تفقد الحياة عذوبتها ، وتختفي لذة الثراء والمجد والسلطة والجاه .. و كل ما يجعل الحياة مشتهاة .

لهذا نشعر دائما بالسعادة لمّا يتم الإعلان عن اكتشاف بعض العلاج لبعض الأمراض المستعصية ، مثلما حصل مؤخرا مع العقار الجديد الذي اكتشفه الكوبيون  لعلاج ورم  الكبد، أقول هذا لأنني شعرت بالحزن  على كل المرضى الذي يعانون من الأورام ، وأنا اقرأ ما قالته الطبيبة والكاتبة والناشرة والمثقفة  الجميلة آسيا موساوي في هذا العدد من المجلة من أن الجراحة لا يمكن تعويضها ، حتى الآن ، لعلاج الأورام ، عفانا الله وإياكم منها .. لكن العلم يتطور والباحثون يعملون ليلا ونهارا لاكتشاف العلاج وإيجاد الحلول ، وهناك بوادر نجاحات خارقة  تمّ تسجيلها ، وتوجد الآن قيد التجريب .. وهذا ما سنحاول تقديمه لقراء  المجلة.."

ومن مواد العدد :العدد ملفا طبيا ضم  حوار اجرته سلمى ساسي  مع   د  اسيا موساي اخصائية الامراض السرطانية  : لا شيء يعوّض الجراحة .. لعلاج السرطان . وحوار مع  اخصائية التغذية  د  كريمة سعودي : كيف نعد أطفالنا لاستقبال عام دراسي جديد ؟ و استفسارات طبية مع  : د . يحيى دلاوي : الأطفال أكثر عرضة للأمراض الصيفية . و موادا اخرى مثل :   الأرق المزمن يزيد الاكتئاب لدى الشابات . و  10حيل سهلة لتحويل طفلك المشاغب إلى مطيع . ونصائح حول سن اليأس . و العلاج الذهني لمرضى الاكتئاب المتكرر . والتسنين وحيرة الأم مع ألام الطفل .

وفي الثقافة حوار اجرته صبرينة كركوبة مع مغني الراي  كادير الجابوني : لن أتزوج معجبّة . وتحقيق حول فنانو الشوارع : مبدعون في الظل يصرخون على قارعة الطريق . وبرامج صفاقس غاصمة الثقافة العربية .وقصيدة للشاعرة الجزائرية عدالة عساسلة .

وصم قسم الميديا حوارا اجراه  محمد عبيدو  مع الإعلامية الجزائرية بإذاعة مونتي كارلو" منى ذوايبية  " قصة عملي في الصحافة الفرنسية  .

  وكتبت جازية سليماني تحقيقا حول مسجد "كتشاوة" تحفة العمارة وأيقونة العاصمة الجزائر . وتاريخ لباس : القصة الحقيقية للملاية . وتاريخ اكلة شعبية " الرفيس " و " الزريقة "

قسم السينما من اعداد رئيس التحرير محمد عبيدو ,  ضم تغطية واسعة على 20 صفحة للدورة الأخيرة من مهرجان وهران للفيلم العربي  فيه نقد للأفلام الفائزة وأحداث المهرجان وكواليسه وحوارات مع ضيوفه منها حوار مع الممثلة ألاء نجم حول دورها بفيلم صمت الراعي المشارك بالمسابقة للفيلم الطويل .  وبورتريه للمخرجة والممثلة فاطمة بلحاج : من التمثيل الى الإخراج السينمائي . و صفحات الموضة من موادها    كيت موس” أجمل أيقونات الموضة .   ونصائح لمكياج البشرة السمراء . وازياء الاطفال في الصيف وشهيرات الموضة . كما استضاف العدد الثاني أيضا عددا من نجوم الاعلام والتلفزيون والمسرح وكتاب الأعمدة أمثال نصيرة محمدي ، احميدة عياشي ، محمد بوعزارة ،عبد العزيز غرمول، نبيل عسلي ، سليمة رخروخ ، جازية سليماني ، يوسف نكّاع ، الصادق السلايمية ، احمد ريح.. بالاضافة لمواد اخرى مهمة متنوعة .






الأربعاء، 17 أغسطس 2016

طاغور والسينما


محمد عبيدو  

لأن كل سينما تشبه شعوبها بالتأكيد، فكان من الطبيعي أن تشبه السينما الهندية وحضارة الهند وكذلك رموزها وناسها، ولعل أبرز هذه الرموز الهندية على وجه الإطلاق الشاعر والفيلسوف "رانبدرانات طاغور" .

الشعر والرواية والمسرحية والرقص والدراما أشكال أخرى عديدة من الإبداع والتعبير التي تدرج في ضمن نتاجات طاغور الضخمة. ولكن، لم تقدم أعماله في شريط سينمائي في حياته. ومع ذلك المثير للاهتمام، أنه في فترة ما بعد طاغور أصبحت أعماله المادة الخام لعدد كبير من الأفلام من خلال أيدي بعض أبرع السينمائيين من البلاد. وكان طاغور قال إن تدفق الصور تشكل السينما. وينبغي استخدام هذا التدفق كتابة حتى تتمكن من التواصل مع مساعدة من الكلمات. ساعد طاغور على ترك بصمات لا تمحى على نفسية جمهور الفيلم  الهندي ، إلى جانب مخرجين مميزين. وهبت قصصه  إمكانية سينمائية طبيعية لأنها كانت غنية باستعارات بصرية ودرامية كثيفة. من ابداعات طاغور الضخمة  عملت مع تحليلها شخصياته الخيالية لإخراج هوياتهم والظروف الاجتماعية المعقدة والعلاقات التي كانت متشابكة فيها عبر حوالي 50 فيلما مقتبسا من قصص طاغور  في البنغال ونحو عشرة باللغة الهندية وغيرها من اللغات. هذا رقم متواضع بالنظر إلى النتاج الهائل من القصص والروايات والمسرحيات وغيرها من المصادر التي  استخدمت بحرية.

نقف

هنا مع مجموعة من الأفلام الهندية المستوحاة من الروايات والقصص القصيرة التي ألفها طاغور، حائزة جوائز، قام بإخراجها مجموعة من أشهر مخرجي السينما الهندية وهي "البنات الثلاث" إخراج ساتياجيت راي الذي صدر في عام 1964 البطولة فيه لنجمين كبيرين من نجوم تلك الفترة مادابي ماخرجي وسوميترا شاترجي ما يجعل هذا الفيلم نموذجياً بفضل استخدام مهارات فنية وأدبية لنجوم كبار، في هذا الفيلم، كما في الكثير من أفلامه الأخرى في تلك المرحلة، بدا راي وكأنه يعود من جديد لرسم بورتريه امرأة، ذلك أن الفيلم برغم تشعب موضوعه، يبدو متمركزا حول بطلاته. وهو عبارة عن ثلاثة أفلام متوسطة الطول ترسم نماذج ثلاث نساء اختارتهن ريشة "طاغور" برقة وحساسية ورهافة مدهشة تصور في مجملها ثلاث حالات للمرأة، مراهقة، شابة وزوجة أرستقراطية مشاكسة. كان اجتماع كل من "راي" و«طاغور" في فيلم واحد حدثا استثنائيا خارقا. و«الوطن والعالم" إخراج ساتيا جيت راي أيضا، وهي واحدة من أشهر قصص "طاغور" تتمركز فيها آراء حول المرأة والسياسة والمجتمع دون العواطف في توجيه حياتنا.. ودور الثقافة الزائفة. جوهر النزاع "طاغور" يدخل في هذه القصة إلى جوهر النزاع بين المسلمين والهندوس، ويقف إلى صف المسلمين مدافعا عن حقوقهم ويرسم صورة لرجل مثقف أراد أن يخرج امرأته من عزلتها النسوية لتشارك في الحياة العامة فيوكل إلى صديق عمره أن يكون مرشدها السياسي والاجتماعي ولكنها تقع في حبه.. من جهة هناك السعي لإيجاد هويتها الخاصة وحريتها، ومن ناحية أخرى هناك الأنا والنرجسية. عمل راي على شخصيات عميقة وصراعات عاطفية معقدة والفيلم ينحو منحى التراجيديا لأنه يرسم الصراع الأزلي بين الصداقة والحب بين الثورة والعقل بين حقوق المرأة وموقعها الاجتماعي التقليدي.. في المشهد الأخير من قصة طاغور القصيرة نجد الزوج في هروبه وابتعاده، دون مواساة لها. لكن ساتياجيت راي اختار نهاية أكثر واقعية وإنسانية عبر جمع هذين الزوجين المضطربين معا، "أحجار جائعة" إخراج تابان سينها (1960)، عن امرأة تعشق الجواهر جشعها يقودها إلى الجريمة وإلى تجاوز النفس وإلى خيانة كل من حولها. صورة قاسية جدا عن المرأة زينها راي برسمه صورة لمجتمع بورجوازي براق كل شيء فيه ثمين وخادع.. ووراء كل بريق يختفي وجه الموت العفن. وأيضا من الأفلام البارزة المقتبسة عن أعمال طاغور "كابوليوالا" إخراج هيمن جويتا (1961)، عن أفغاني متعلق بابنته، يهاجر إلى الهند، وهناك يجد السلوان في علاقته الأبوية بفتاة أرادها بديلة، ولكن عاطفته البريئة أثارت همسا متشككا من حوله. و«أربعة فصول" إخراج كومار شهاني (1997) وفيه توجه نقدي لاذع للمتطرفين الأيديولوجيين داخل حركة التحرير الوطنية الهندية. ويصح على غير الهندية بالتأكيد.. وبالإضافة إلى فيلم وثائقي عن حياة شاعر الهند وفيلسوفها الأشهر مدته 52 دقيقة إخراج ساتيا جيت راي. ألقي نظرة تاريخية وموضوعية على نسب طاغور وأصوله الأسرية والاجتماعية وطريق كفاحه ومواقفه البطولية السياسية منها والأدبية. مزيج من سينما وثائقية تعتمد شرائط مصورة، وسينما "وثائقية" أخرى يصور فيها راي مشاهد من حياة حقيقية - أو مفترضة - لحقب من حياة طاغور من طريق ممثلين، ومن المعروف أن ساتياجيت راي عرف طاغور، شخصيا، في صباه وشبابه، وقرأه في شكل جيد. وربما كان منذ خوضه فن السينما أواسط سنوات الخمسين من القرن العشرين، يحلم بأن تكون نصوصا لطاغور (الذي رحل عام 1941 حين كان ساتياجيت في العشرين من عمره)، من بين مصادرسينماه.

ويقدم فيلم "رباعيات" تحية إبداعية خاصة لرابندرانات طاغور. عبر الفيلم، يقدم المخرج والشاعر بودهادب داسغوبتا مساحة جمالية خاصة تقدم معالجة بصرية لعوالم قصائد طاغور التي تصور عالما حلميا. الفيلم مؤلف من أربعة أفلام قصيرة، كل فيلم بعنوان واحدة من القصائد المجسدة، والمأخوذة من كتاب يضم 13 قصيدة من أشهر قصائد طاغور. وأخرج طاغور فيلما بنفسه عام 1934، نقلا مباشرا عن خشبة المسرح. هذا الفيلم نادر من أفلام السينما الصامتة بعنوان "ناتير بوجا" وقد لعب طاغور نفسه أحد الأدوار فيه. وحدث أن فُقد، ثم عُثر عليه مؤخرا. وقد تميزت الأفلام بالتنوع والاختلاف فاستحقت المشاهدة بالفعل، ليس فقط لأنها أفلام مستوحاة من أعمال أدبية لهذا الأديب العالمي وإنما أيضا لأنها من أهم الأفلام الهندية.

يذكر أن شاعر الهند العظيم المولود في 7 أيار - ماي 1861 في القسم البنغالي من مدينة كالكتا، حاز جائزة نوبل للأدب عام 1913 متجاوزا الروائي العظيم ليو تولستوي الذي كان في قائمة المرشحين للجائزة، وسحر الغرب بكتاباته التي انتشرت تراجمها على مستوى العالم، حيث يعد رانبدرانات طاغور أديبا وفيلسوفا وروائيا ومسرحيا ورساما وقبل كل ذلك شاعرا، بلغ تراثه الإبداعي 12 رواية و11 مسرحية شعرية وموسيقية وثلاث مسرحيات راقصة و4 مسرحيات ساخرة، وعددا من مجلدات القصة القصيرة وعددا من كتب الرحلات ومقالات متعددة في الأدب واللغة والتاريخ والفلسفة والتربية و44 ديوانا شعريا، وعدد من قصص وأغاني الأطفال أكثر من ثلاثة آلاف أغنية ونحو 3 آلاف لوحة تشكيلية.

أعادت أعماله تشكيل الذائقة الأدبية والموسيقية البنغالية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وكان في حداثة سنه قد تلقى تعليمه في منزل الأسرة على يد أبيه ومدرس يدعى دفيجندرانات الذي كان عالما وكاتبا مسرحيا وشاعرا، ودرس "طاغور" اللغة السنسكريتية - لغته الأم - وآدابها واللغة الإنجليزية، وقد أنشأ في مدرسة فلسفية معروفة باسم فيسفا بهاراتي أو الجامعة الهندية للتعليم العالي في 1918 وكان في الرابعة عشرة من عمره حين توفيت والدته، اكتشف طاغور في هذا العمر معنى الحب الإنساني عند إحدى قريباته وفي العام التالي انتحرت شقيقته، مما سبب له صدمة هائلة وقاده ذلك إلى محبة الإنسانية جمعاء، وبين عامي 1902 و1918، انتزع منه الموت زوجته وثلاثة من أطفاله ووالده. لقد انعكست روح طاغور على مركز التربية شانتي نيكيتان أو "مرفأ السلام" الذي أسسه عام 1901، وحقق من خلال هذه المدرسة الرؤية التي عبر عنها في مؤلفه الوحدة المبدعة، لقد فجّرت المعاني السامية للمحبة التي عبر عنها في "جيتانجالي" أملا جديدا للإنسانية وهي غارقة في الحرب العالمية الأولى، ومن أشهر أعمال طاغور "جيتانجالي" ورواية "جورا" وقد فضحت هذه الروايته التعصب الهندوسي فتسبب ذلك في استياء أهله، فسافر إلى إنجلترا عام 1909 ليصيب شهرة بعد ترجمة العديد من أعماله للغة الإنجليزية. أمضى طاغور ما تبقى من عمره متنقلا بين العديد من دول العالم بين آسيا وأوروبا والأمريكتين، لإلقاء الشعر والمحاضرات والإطلاع على ثقافة الآخرين، دون أن ينقطع عن متابعة شؤون مدرسته، وظل غزير الإنتاج حتى قبيل ساعات من وفاته، حين أملى آخر قصائده لمن حوله، وذلك في ال 7 أوت من العام 1941 في أعقاب فشل عملية جراحية أجريت له في كالكوتا، وقد توفي عن عمر يناهز 80 عاما.

الأربعاء، 10 أغسطس 2016

كارلوس ساورا السينمائي الاندلسي الساحر


محمد عبيدو

وُصف المخرج الاسباني كارلوس ساورا ذات مرة بأنه عاشق الاندلس وعالمها الذي مازال يحمل حنين الروح العربية ...ربما يكون هذا الوصف صحيحاً، فهذا الفنان الذي ولد عام 1932 كانت ترشح كاميرته بمشاهد اندلسية

يعتبر كارلوس الوارث الحقيقي للمخرج السينمائي الكبير لويس بونويل، الذي أخرج في فرنسا والمكسيك غالبية افلامه، إلا انه يبقى احد رموز السينما العالمية التي تنتمي للثقافة الاسبانية أصلاً ، مثله في ذلك مثل مواطنه العبقري بيكاسو وصديقه وزميل اعماله سلفادور دالي .ولقد أهدى ساورا فيلمه { زيت النعناع } الذي اخرجه عام 1967، الى لويس بونويل وصنع عدة افلام تحت تأثيره ، لكنه نوع من التأثير الايجابي الذي كان انطلاقة الى صوت متفرد وآفاق جديدة لفنان مبدع .

‏ بدأ ساورا حياته مصوراً فوتوغرافياً ناجحاً ، ولافتاً الانظار ، إلا ان تشجيع شقيقه له دفعه للالتحاق بمعهد السينما بمدريد ، حيث غدا ، وفي فترة قصيرة نسبياً من اهم مخرجي اسبانيا عبر تاريخها ، واحد ابرز مخرجي اسبانيا الذين استطاعوا الخروج باقتراحات ابداعية وثقافية اصيلة ، بعيداً عن تأثيرات السينما الهوليوودية .‏ سينما كارلوس ساورا ذات تأثيرات تعبيرية تمتلك فرادتها واستعارتها الخاصة بالمعالجة رغم اتكائها على ارض تبدو قديمة من الروح الاسبانية تغلفها ضباب وعتمة وألغاز الحياة والموت، وكل ما يتكىء على الصراع الذاتي المحاط بالصمت، وعذوبة الموسيقى الاسبانية (الفلامنجو) القادمة من ابداعات الغجر وتطلعاتهم الى الحرية والانعتاق من قيود واغلال الواقع في افلام تنهض على ارض صلبة من الاسنادات والمراجع السينمائية في محاكاتها لمتفرج لا يرضى الا بالفرادة والدهشة لانماط مختلفة عما اعتادت السينما العالمية ان تقدمه من معالجات سطحية في انتاجات مبهرة فارغة المضمون والاشارات وتفقد الرؤية الخلاقة والابداع الاستثنائي. 

انه واحد من الكبار المختلفين عن السائد والخارجين عليه ، والساعين لتشكيل ملامح سينمائية خاصة نابعة من خصوصيات بلدانهم .‏

بدأ ساورا عالمه السينمائي اواخر الخمسينيات ، متأثراً بالواقعيين الايطاليين الجدد الذين تعرف عليهم اثناء دراسته ، وبدا حضورهم واضحاً في فيلمه الاول } الصعاليك{ 1959 ، متجهاً فيه نحو شوارع مدريد وضواحيها الفقيرة ، وملتقطاً مجموعة من الممثلين غير المحترفين، ليقدم من خلالهم قصة شباب يعيش على هامش الحياة يسرق كي يحيا ، ويفشل حين يود ان يتجاوز واقعه ، كما فشل الفيلم ذاته في اقتحام عالم السينما التجارية المعتمد على افلام الصالونات المترفة ، والديكورات الورقية الضخمة. وينتظر ساورا خمس سنوات ، حتى يقدم فيلمه الروائي الثاني ( البكاء من أجل لص) 1964، وهو صورة بيوغرافية للص اندلسي يدعى خوسيه ماريا، ثم يلتقي في العام التالي بالمنتج إلياس كريخيتا ويقدم معه فيلم ( الصيد )1965،الذي نال جائزة الدب الفضي في مهرجان برلين السينمائي ليسجل بداية سلسلة من تكريم المهرجانات له وترشيحات الأوسكار التي ما زال يحصدها حتى الآن., وفيه يوجه الفيلم ادانة مميزة للروح الاسبانية الفاشية التي حكمت ذات يوم : ثلاثة اصدقاء في منتصف العمر ومعهم كل ما يلزمهم ليكون الصيد ناجحاً ، بنادقهم ، وتبدأ حفلة الصيد التي تتصاعد دمويتها بتسارع مرعب. من بين ثرثراتهم ، التي تبدو كمنولوج جماعي طويل ، يطل الشعور بالاسف والمرارة والغيرة ، لكن المشاعر في الحقيقة اعمق من ذلك ، فهي غير محددة .ومع تقدم الفيلم يصبح الشعور بالذنب هو المسيطر اكثر فأكثر ، فالمكان الذي يختاره ساورا ساحة لصيدهم هو ساحة واحدة من معارك الحرب الاهلية الاسبانية ، التي يبدو أنهم كانوا من خاضوها ، وما زال الموقع يحتوي على بعض بقايا الجثث ؟ ويظهر اثر الحرب امامهم قائماً لان نصف الارانب التي هناك كانت مريضة ، وهكذا كلما ازدادت حرارة الشمس اصبح تحديق الكاميرا فيهم اكثر شراسة بحيث يكاد يحرق جلودهم وهم يتقلبون في ماضيهم .‏

ويشير دليل الافلام لعام 1997 الصادر عن دار بنغوين الى ان التلميحات الجنسية المحمومة التي يحفل بها ( الصيد ) تحيل الى القمع السياسي ، ثم ما تلبث ان تنقلب الى حالات عنف وشعور ينذر بأنهم ذاهبون لتدمير ذواتهم .‏

تظل هذه الاحاسيس تتصاعد في الداخل الى ان تنفجر في لحظة غير عادية فتستدير بنادقهم بعيداً عن الارانب المذعورة باتجاه انفسهم ويبدؤون بإطلاق الرصاص على بعضهم بعضاً ، حيث يموت الجميع . ويمكن لمن يشاهد الفيلم ، رغم مرور كل هذه السنوات على انتاجه ، ان يلحظ مدى براعة ساورا، ومدى شراسته وهو يقدم فيلماً صارماً يحاول برؤياه اعادة ترتيب الماضي الاسباني .‏

ثم يقدم ساورا ثلاثية مخصصة لتحليل العلاقة الملتبسة والاشكالية بين الرجل والمرأة ، في ظل المناخ البورجوازي ، وهي ( شراب النعناع المثلج) 1967، و( الاجهاد يكون ثلاثة ...ثلاثة ) 1968، ثم ( الحجر) 1969، وتتميز هذه الثلاثية بظهور كاتب السيناريو المتميز رافائيل اثكونا والذي سيتعاون لزمن طويل مع المخرج في تقديم ابرز اعماله ، وايضاً بظهور جيرالدين شابلن كممثلة لكل افلام الفترة التي كانت زوجة فيها لساورا ، بل ودخولها كمشاركة في كتابة السيناريو ، لأول وآخر مرة في حياتها في فيلم (الحجر ).‏

وكانت افلام ساورا تعكس آثار اشكال القمع الذي مارسه نظام فرانكو على مجريات الحياة العامة غير السياسية والفكرة الاساسية المشتركة كانت حول القمع الجنسي ، وكيف استطاع ان يتطور الى اشكال سلوكية غير طبيعية ومدماة .‏

بعد ذلك اخذت افلام ساورا تنحو باتجاه الكوميديا السوداء حيث تختلط الحقيقة بالخيال .‏

ومع بداية السبعينيات ، يحقق ساورا ثلاثية اخرى تقدم تحتليلاً عميقاً لآليات السلطة لذات الشرائح البورجوازية ، التي تزداد رجعية وتخلفاً وانغلاقاً على الذات ، مع مرور الايام ، وتحتوي الثلاثية على افلام( حديقة الملذات ) 1970، و} آنا والذئاب { 1972، ثم ( ابنة العم انجليكا) 1973 الذي فاز عنه بجائزة لجنة التحكيم بمهرجان } كان{. ويروي قصّة "لويس"، رجل في منتصف العمر يذهب من برشلونة الى سيغوفيا لدفن والدته. فتستقبله عمّته في منزلها. يلتقي حبيبته السابقة وابنة عمّه أنجليكا، فيستعيدان سوياً ذكرياتهما خلال الحرب الأهيلية الإسبانية. ‏

وفي اواخر ايام فرانكو يبدأ ساورا في تقديم ثلاثية جديدة له ، يعتمد فيها على سيناريو يكتبه وحده ، فينجز فيلم ( نداء الغربان) عن عالم الطفولة ، والذي حصل على جائزة التحكيم الخاصة في كان 1976، و( إليسا... ياحياتي ) 1977 عن استغراق الآباء في ذكريات لامجدية بعيداً عن ابنائهم و( العيون المعصوبة) 1978، عن التعذيب الممارس على الانسان ، وكيف يقتل الحب في اعماقه .‏

بعد موت فرانكو عام 1975أصبح ساورا حراً في التعامل مع مواضيع كانت تعتبر سابقاً من المحرمات، ففي عام 1980 قدم فيلم ( بسرعة ... بسرعة ) الذي حاز على جائزة الدب الذهبي بمهرجان برلين... وعالج فيه موضوع حياة الشوارع ليافعي مدينة مدريد واشار الى عودة ساورا للمواضيع التي عالجها في فيلمه الاول. ولتحقيق أكبر قدر من الواقعية اشرك ساورا معه في كتابة النص اربعة من رجال العصابات في الشوارع ، ثم فيلم ( الساعات الحلوة ) 1981 الذي بدا كمحصلة نهائية لرؤيته عبر مجموعة افلامه السابقة وكمحاولة لإعادة بناء افضل اللحظات الماضية على ارضية الواقع الآتي . وبعده يتجه ساورا الى عالم الموسيقا والمسرح والرقص، فيقدم ثلاثيته الرابعة والأكثر شهرة عالمياً : ( عرس الدم ) 1981، عن نص مسرحية غارسيا لوركا المعروفة عن نص أوبرا جورج بيزيه المعد عن رواية بروسيير ميريميه، و (الحب المسحور) 1986، و عن باليه بالاسم ذاته للموسيقار الشهير مانويل دي فايا والافلام الثلاثة تدور في اجواء ( الفلامنكو) والبروفات المسرحية ، حيث يختلط فيها اللعب والجد ، والتمثيل الحقيقي ، ويصمم رقصاتها كلها ويشارك فيها المصمم والراقص الاشهر انطونيو غاديس.‏

في فيلم ( كارمن) يستفيد ساورا من خط الموضوع العام لكارمن من ميريميه وهو حب دون خوسيه لكارمن الغجرية وتخليه عن كل شيء ليتبع هذه المرأة المتقلبة المزاج، ولينتهي هذا التعلق بالمرأة التي لاتمتلك نهاية مأساوية ، ويجعل ذلك معاصراً ومقنعاً الى اقصى درجات الاقناع ...‏

في الفيلم نرى مخرجاً حقاً يبحث وسط المئات من الفتيات عن فتاة تجسد دور كارمن في الباليه الذي سوف يخرجه ورغم أن أمامه الحسان كثيرات ، إلا ان أياً منهن لاتقنعه . ويستعيد في مونولوجه الداخلي وصف ميريميه لجمال كارمن الوحشي الغريب فهو حسب تعبير ميريميه ليس الجمال بالمقاييس المتعارف عليها :( كي تكون المرأة جميلة يجب ان تنطبق كل صفة من صفات الجمال العشر على ثلاثة اعضاء من جسدها ، فمن السواء العينان والرمشان والحاجبان ومن الرفع والدقة الاصابع والشفاه والشعر ... الخ ) فهي ( ذات عينين حوراوين لكنهما مرسومتان بروعة وشفتين غليظتين لكنهما مشكلتان بجمال ، وشعر اسود يعطي لمعة زرقاء كجناح غراب ... الخ ) وفي مشهد راقص وبالمصادفة البحتة، واثناء التدريب تدخل فتاة تتمتع بأكثر مما تتمتع به الاخريات ، وعينا المخرج تبهران بها ولا نلبث نحن فيما بعد ، ان ننظر اليها النظرة نفسها .‏

ويعتمد ساورا ان يقدمها لنا في لقطات ثابتة ، وهي بدون ملابس الرقص ، انها لاتشبه كارمن ، ولكنها المرأة التي تخيلها لنفسه الغريب، ان كارمن التي صورها ميريميه لم تكن امرأة جميلة بقدر ما تتمتع بأنوثة وسحر .‏

ولورا ديلدل التي ادت الشخصية هنا ، هي امرأة مشابهة ، وقد قالت يوم ان انتهت من هذا الدور الذي كان أول اعمالها : ( كانت كارمن قد حبستني داخل اطارها ، اما الآن فأنا امرأة حرة افعل ما يحلو لي عدا عندما اكون عاشقة فكل شيء يتغير ).‏

وفي قصة فيلم ساورا ( الحب المسحور ) تحتفل عائلتان في مخيم غجري بالاتفاق على زواج ولديهما الفتيان كانديلا وخوسيه وفق تقاليد قبيلتهما الغجرية ، وبعد مرور الزمن تتحقق امنية الابوين ، ولكن ليس بدون ترك جروح عميقة في قلب كارميلو الذي كان دائماً عاشقاً كانديلا . يتزوج كانديلا وخوسيه ولكن خوسيه ظل يلاحق لوثيا ، خلال احتفال بعيد الميلاد في مخيم غجري كان خوسيه يفتش ،عن لوثيا تاركاً كانديلا فتحصل مشاجرة يطعن فيها خوسيه حتى الموت ، ويقتاد كارميلو الى السجن متهماً بالجريمة ظلماً ،بعد اربع سنوات يعود كارميلو على أمل الحصول على كانديلا مصرحاً لها بحبه ، ولكنها لم تتمكن من مبادلته ذلك بسبب الشبح القائم بينهما ، يلتجىء المحبان الى تعويذات العمة روزاريو ساحرة القرية ، وعلى ضوء القمر يحتفل ( برقصة النار ) التي تطرد الارواح ، ولكن تفشل التعويذة فيضطرون الى اللجوء مرة أخرى الى الساحرة والحل الوحيد كما يبدو هو التضحية بلوثيا ، ويقنعها كانديلا وخوسيه بأن تريهم شبح خوسيه وإثر رقصة عاطفية بين المحبين الأربعة ، تختفي لوثيا مع خوسيه في الليل ويتحرر أخيراً كانديلا وكارميلو.‏

قبل ان يفرغ ساورا من تقديم رؤيته الجديدة الكاملة في الثلاثية الموسيقية المشار اليها قدم عام 1984 فيلمه (الارجل الخشبية) ، عائداً به إلى العالم الحميمي القديم، دون ان يترك العالم المسرحي والموسيقي لمرحلته الجديدة غير انه فجأة يغير المرحلة بأكملها ، ليقدم فيلمه الضخم (الدورادو) 1987، الذي يدور حول اخفاق حملة البحث عن منطقة الدورادو ، يوتوبيا الذهب المفقود في امريكا. ثم ينهي ساورا الثمانينيات بفيلمه (الليلة الظلماء )1988، ويدور حول شخصية الراهب الشاعر خوان دي لاكروث، ويفتتح التسعينيات بفيلمه المتميز ( آه ..كارميلا ) الذي يروي قصة المغنيَيْن المتجوّلين بولينو وكارميلا اللذين يرغبان في دخول الأراضي التابعة للجمهوريين أثناء الحرب الأهلية، لكن جنود فرانكو سيعتقلونهما. ثم يقدم فيلمه التسجيلي ( ماراثون) 1992 عن سباق الماراثون داخل الدورة 25 الاوليمبية، التي عقدت في برشلونة . ثم فيلمه ( اطلق النار )1993، وهو اول فيلم بوليسي في حياة ساورا السينمائية ، معد عن قصة الايطالي جورجيو سيربانينكو ويدور حول لاعبة سيرك ايطالية ، تتعرض للاعتداء الوحشي عليها ، خلال عروض السيرك بمدريد ، فتقوم بالانتقام ممن اعتدى عليها ، وتموت محاصرة من الشرطة في بيت ريفي. في عام 1996، يقدم فيلمه ( تاكسي ) عن واقعة عنف حصلت بالفعل في الواقع .وفيلم ( باخاريكو ) 1996 ثم قدم ساورا فيلمه ( تانغو ) الذي رشح لجائزة اوسكار افضل فيلم اجنبي لعام 1999، في هذا الفيلم الذي يبدو تتويجاً فنياً غير عادي للمخرج الكبير ساورا تصعيد متقن لكل اساليبه التي استخدمها من قبل وخصوصاً في افلامه : كارمن ، الحب المسحور وعرس الدم .‏

كل رموز ساورا تحضر في تانغو : الموسيقى رافعة العمل ومداه، الراقصة الاولى والراقصة الثانية المنافسة حكاية حب عاثرة خارج الخشبة التي يتم العمل عليها ، وملجأ للحكاية في علاقة حب مع الراقص الاول او المخرج ، ثم قبل ذلك كله التمرينات او ( مجمل البروفات ) التي تشكل في النهاية العمل الفني او الفيلم .‏

افلام ساورا هذه نمط مختلف عما تعودت السينما ان تقدمه ، انها مشغولة بالمساحة الفنية والفكرية والزمنية السابقة للفيلم في حالاته العادية ، اذ يرينا كيف نصنع عملاً فنياً .وتشكل لحظة عمل الفيلم هذه اعمق نقطة فيه ، ففي حين تأتي البنية التقليدية للافلام عموماً لترينا النسخة الاخيرة والاجود ، تجيء افلام ساورا لترينا عثرات ما قبل الانجاز، دهاليزه عذابات المشاركين فيه ، خصوصياتهم ، هواجسهم الانسانية والفنية ، والطريقة القاسية التي يتشكل فيها العالم على الخشبة ، لاتلك التي نشاهده فيها جاهزاً ومكتملاً الى حد عدم حاجته لأي رتوش .‏

العمل الفني لديه هو في مرحلة تكونه خاصة في هذه الثلاثية التي يعززها بتانغو، لتغدو رباعية .‏

فيلم كارلوس ساورا هنا ليس عملاً فنياً ،بل هو ممارسة للفن بما تعنيه من ممارسة للحياة ، وفي ذلك نبل كبير ، ولا يقف عمل ساورا وفلسفته عند حد البروفة والمشاهد ، بل يذهب ، اعمق نحو الفنان ، الانسان فالتقاطع الذي يتم مع الدور الذي يؤدى ويمكننا ان نلاحظ شيئاً نادراً هنا يتمثل في ان اسماء شخصياته الفنية هي الاسماء الحقيقية الاولى لممثليه وممثلاته ، وربما تكمن هنا فلسفة هذا المخرج ومنظوره للفن والحياة باعتبارهما شيئاً واحداً لا يمكن الفصل بينهما .‏

جملتان اساسيتان تشكلان مفتاح تأمل فيلم(تانغو) الاولى تفتح باب التعامل الفني للمخرج مع عاداته في لحظة انصهار ابطاله مع ما يقومون به. وهو بينهم، وهي ترينا فلسفته في التعامل مع اللون والضوء والكيفية التي رأيناهما بها في الفيلم، والثانية هي تعامل الكائن مع ماضيه الخاص ومع سياق هذا الماضي في بعديه الخاص للغاية والعام.‏

تقول الاولى: اللون هو دلالة سفر بطل العمل للماضي ، والضوء والظلام هما وسيلة الانتقال ما بين عالمه الخارجي وعالمه الداخلي.‏

أما الثانية فهي تلك التي يقولها بطل العمل وهو يستعين بقول للكاتب الارجنتيني بورخيس: الماضي هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن تدميره، اذ انه عاجلاً ام آجلاً سيظهر.‏

واذا كان ساورا في فيلمه يلعب على توسيع حدود المكان بالرؤيا فإنه يعمل كثيراً على اللون الذي يلعب دوراً غير عادي في الفيلم وجمالياته، كما يعمل على ايجاد صيغ فنية نادرة على المستوى السينمائي حين يركب ثلاث طبقات من المشاهد فوق بعضها في مشهد واحد ليشير الى ثلاثة ازمنة او حالات متصارعة كل منها يشكل النتيجة لسابقته. كما ان استخدامه لمقاطع من افلام قديمة ومحاولة الاستعانة ببعض اعمال الفنان التشكيلي الاسباني غويا، بل واعادة تصوير بعض اللوحات، على تقديمها حية على خشبة المسرح ذلك كله دليل على العلاقة الوثيقة بين التاريخ الخاص والتاريخ العام، حيث يظهر هذا التاريخ على المستويين، المستوى الاول: علاقة زمن المسرحية التي تقوم عليها احداث الفيلم، بسياقها العام المتمثل في الهجرات والمذابح، والقتل والاغتصاب كظلال الفاشية السوداء. وفي المستوى الثاني علاقة تاريخ اللحظة الراهنة، لحظة العمل للمخرج بماضيه وكيف يضحي عمله جزءاً من السياق العام لما عاشه ويعيشه ويطحنه. ويتقاطع المستويان في نقطة دفاعه كفنان عن فكرته امام المنتج وبعض العاملين معه .

ثم يقدم لنا عالم ابرز رموز الفن الاسباني، وهو الفنان التشكيلي العالمي فرانشيسكو دي غويا في فيلم بعنوان/غويا في بورديوس/ 1999 وقام بتجسيد شخصيته الممثل الشهير فرانشيسكو رابال. و يتناول هذا الفيلم السنوات الاخيرة من حياة غويا التي قضاها بمدينة بوردو الفرنسية بعيدا عن وطنه و شعبه الذي كان يعاني من ويلات الفقر و الجهل و الاستبداد. وبكثير من الشاعرية والجمال البصري و باسلوب جديد ادمج فيه المخرج في تناسق بين جمالية و سحر السينما و عمق و غموض الابداع التشكيلي طوقت الكاميرا لحظات مصيرية من حياة هذا الرسام الذي جسد في لوحات خالدة جانبا من حياة عصره و الام الناس و معانات شعبه إلى جانب مشاهد من الحب و الجمال من خلال علاقته الحميمة بالدوقة دي البا التي استولت على قلبه و ملكت كل حواسه حيث بقي حبها حيا إلى قلبه إلى اخر نبضة . يبدأ الفيلم بالرسام العجوز يتجول هائما في الشوارع بعد أن يصحو من نومه وهو لا يزال تحت تأثير حلم بحيث يبدو المشهد أقرب الى الحلم منه الى الحقيقة . ولا ينتهي الا بعثور ابنته المراهقة روزاريو عليه وسط الشارع واعادته للمنزل . تجري احداث الفيلم من خلال القصص والذكريات التي يرويها غويا لابنته روزاريو .. كان غويا قد جاوز الثمانين في الفترة الزمنية التي يعالجها الفيلم وقد كان لاجئاً مع مجموعة من المثقفين الليبراليين فراراً من الحكم الاستبدادي الذي ضاق بهم وظل يعاني فيها حسب رؤية المخرج أوجاع الغربة ومشاكل الشيخوخة لكن دون ان يفقد قدرته على الرؤيا الخلاقة والابداع الاستثنائي. . و في رحلات متتالية حينا و متشابكة احيانا أخرى تنقلت الكاميرا بين مختلف الازمنة في ذهاب و اياب بين الماضي و الحاضر و بين الواقع و احلام ورؤى الفنان و كانت روساريو ابنة غويا من اخر عشيقاته ليوكاديا زوريلا دي ويس التي رافقته في منفاه الخيط الرابط بين ذلك الزخم من الأحداث و المغامرات التي عاشها الرسام طيلة حياته الطويلة حيث عاش فوق الثمانين و ظل رغم المرض و الشيخوخة يداعب الريشة و الالوان . وقد ركز المخرج في هذا الفيلم الذي تدور احداثه حول شخصية فنية رهيفة الاحاسيس و دقيقة الملاحظة على وصف ذاتي لهذه الشخصية التي عاشت وسط المجتمع الارستوقراطيي و لكنها جسدت اكثر من غيرها ماسي الانسان البسيط .ويبرع ساورا براعة غير عادية في الكشف عن زوايا دالة على لوحات غويا ويفسرها سينمائياً مضيفاً بعمق الى تفسيرات مؤرخي الفن. تتكون ذكريات غويا من تصوير مشاعره الذاتية وأحلامه وحتى هلوساته والتي جسدها في تخطيطاته ولوحاته ذات القيمة التاريخية الكبيرة .. هذه الاجواء في الفيلم بما تتضمنه من تغيير في الزمان والاماكن هي ما ساعدت المخرج على اغناء فيلمه من الناحية البصرية التشكيلية . . ولد/غويا/ عام 1746، ومات عام 1828، وعاش حياةً صاخبةً متقلبةً مملوءةً بالبؤس ثم المجد ثم الفراق ثم الجنون. وذلك بعد طفولة غامضة بعض الشيء، عاش أولها في مسقط رأسه/آراغون/ثم التحق بأبيه في ترغوسطة، وبعد ذلك التحق بدير ثم بمحترف للفن، فشل بعده، وهو في العشرين، في دخول أكاديمية الفنون في مدريد. فكانت إيطاليا أحن عليه إذ التحق لاحقاً بأكاديميتها وهُنِىء بحرارة على لوحة حققها للالتحاق بعنوان «هانيبعل يجتاز جبال الألب». وحين عاد من إيطاليا، مرّ بفرنسا ورسم فيها لوحات أعطته بعضاً من الشهرة ليصل لاحقاً إلى اسبانيا، بعد بدايات جديدة في ترغوسطة، كُلف بوضع تصاميم لرسوم سجادات في «المصنع الملكي» فوضع ستين رسماً حتى عام 1792، مثلت مشاهد مختلفة من الحياة في مدريد. وكانت تلك الرسوم بداية انطلاقته الحقيقية، وهو في الثانية والأربعين. إذ بعد ذلك تجد أعماله في المعارض الكبرى، وستجده في القصر الملكي، وتراه يرسم كبار شخصيات البلاد ويقعٍ في غرام الدوقة/آلبا/ويجسدها بلوحات... وبما أنه استخدم أنواعا سامةً من التراب في ألوانه بدأ يعاني أمراضاً خطيرةً مزمنةً تسببت له بالشلل والصمم، فتحول إلى انعزالي منكمش وتولدت عنده نظرة ساخرة ناقدة وشكوكة إلى المجتمع. فانعكس ذلك كله في أعماله الفنية التي سادتها ألوان مظلمة توحي بالكآبة والطابع المأساوي والحسّ التراجيدي والنظرة التشاؤمية والمخاوف الوهمية... ثم كانت مجازر «الحروب النابوليونية» التي أثارت بمذابحها ثائرته إلى حد الدنو من الجنون، فقدم رسومات ولوحات عن كوارث الحرب إبان إصابته ثانية بالمرض... أما المرة الثالثة التي زاره فيها المرض الشديد، وانتهى بأن قضى عليه، فقد انتجت لديه تلك«الرسوم السوداء المرعبة» التي مات بعد انجازها متسائلاً عن الجنون البشري الذي يدفع الإنسان إلى قتل أخيه الإنسان.•‏

" غويا في بوردو " موضوع انساني يمتلك الكثير من خيوطه بلغة سينمائية ترمي الى التأثير على المشاهد في اداء بارز لابطاله عبر النظرات والصمت الذي يشي بالعفوية والتركيز على بناء الشخصيات دون الوقوع في كليشهة العلاقات الاجتماعية بين البشر، مما يضع المشاهد في حيرة بين حدود الوهم والواقع وما بين الاصل والصورة واسئلة الحضور والغياب للمبدع تجاه مجتمعه.

ثم يقدم ساورا فيلمه المتميز عن فنان السينما المعروف لويس بونويل باسم/بونويل ومائدة الملك سليمان/ عام . 2000 ثم قدم الحكاية الاسطورية الشهيرة حول عاشقة يوحنا المعمدان والمحرضة على قتله، في فيلم يحمل اسمها/سالومي/ عام 2002 وقامت ببطولته الباليرينا المعروفة عايدة جوميث بعد ان قدمت مادة هذا الفيلم مسرحياً بفرقتها واخراجها الفني، بينما قام كارلوس ساورا نفسه بالاخراج المسرحي للعرض، الذي صاغ بنيته الكويوغرافية خوسيه انطونيو.

والفيلم يقع في 86 دقيقة ، ويؤدي الأدوار الرئيسة فيه كل من: آيدا جوميث (سالومي)، بيري آركييه (المدير)، باكو مورا (هيروديس)، كارمن بيينا (هيرودياس)، خافيير توكا (خوان باوتيستا)، فيما تقوم بأدوار الراقصين: فرقة آيدا جوميث.

وتنطلق قصة الفيلم، في مزج ما بين الواقع المعاصر والحكاية التاريخية، من آيدا وفرقتها بينما يتدربون، وفي الوقت الذي يكون المخرج قد وضع الخطوط الأولى للرقصات والموسيقى والديكور. وكل كل شيء يبدو واعدا وعلى ما يرام... يظهر فجأة شبح جالس على أحد الكراسي المتحركة.. أنه هيروديس حاكم ولاية جاليليا، في حفلة عيد ميلاده حين طلب من بنت زوجته أن ترقص له بالثمن الذي تطلبه هي، لكن الفتاة ترفض ذلك، لأن جل مايهمها هو الواعظ الذي يدعى «المعمدان»، الذي فشلت في إغوائه، فتستسلم لرغبة زوج أمها فترقص له رقصا جميلا مليئا بالإغراء أن يأتيها برأس يوحنا المعمدان.

ويسلط الفيلم الضوء، بتحد جدي وجريء متألفا من الضوء والظلال والبساطة الواضحة في الديكورات، على الجمالية العظيمة لرقصة تعيد ترجمة الفلامنكو المعزز بروح الأصالة القديمة، والموسيقى الأصلية المستوحاة من مصادر عربية وباكستانية ومقطوعات دينية شبيهة بأعمال باخ وهينديل مستخدما آلات النفخ والقرع الهندية التي تعمل على تنسيق حوار فجائي مشحون بالفلامنكو الأصيل.

ويجد هذا الخليط الواضح إنعكاسه في معظم أساليب الرقص التي استخدمت في الفيلم والتي تنطق إجمالا بالباليه، شكلت عملا حقيقيا ذا طابع خاص ساعد على ترسيخ أسطورة سالومي في حوض البحر المتوسط،، بالرغم من إنها مازالت راسية في أحد عوالم الحب فيه حيث لا تعتبر من النوادر. إن أسطورة سالومي لكارلوس ساورا إستمدت الفرضية التاريخية «الواقعية» لتتيح لنا مشاهدة وسماع شيء بمعناه العالمي، باعتماد خليط من الخيال والوثائقية والرقص والتقصي عن مراحل تطور الخليقة.

و عندما عمل بمساعدة المصور السينمائي فيتوريو ستورارد، أصبحت أعماله السينمائية نوعاً من فنون الكولاج يستخدم فيه وسائل الإعلام المتنوعة منها: الأفلام الشعبية المكرسة لفنون الفلامينكو والتانجو ، ومنها  «فلامنكو فلامنكو» 2010 الذي يمنحنا ساورا فيه لمحة خاطفة لتاريخ الفلامنكو وتقاليده، ويشكّل احتفاءً بالموسيقى والرقص..