الشاعرة السورية اللبنانية إيتيل عدنان. واحدة من أغنى التجارب الشعرية والفنية في العالم العربي والعالم، بتنوّعها بين الشعر والفن التشكيلي والصحافة والفلسفة. سليلة عائلة قامت على تمازج ثقافي انعكس في أعمالها الفنية.
إيتيل عدنان مولودة في بيروت العام 1925 لأب سوري مسلم من دمشق كان ضابطاً عثمانياً في حامية بيروت، وأم يونانية مسيحية، واصطبغت حياتها بهويات المشرق العربي المتعددة وحسنة التجاور ، وتعلّمت في مدارس فرنسية قبل متابعة تحصيلها العلمي في جامعة السوربون الشهيرة لدراسة الفلسفة ، وفيها بدأت حياتها الأدبية وأصدرت مجموعتها الشعرية الأولى، وفيها تعرّفت بالوسط الثقافي اللبناني وبالشاعر جورج شحادة (1905 – 1989). كتبت إيتيل عدنان معظم أعمالها بالفرنسية في الجزء الأول من حياتها، والإنكليزية في ما بعد، كموقف سياسي من المكوّن الاستعماري في الثقافة الفرنسية بعدما تأثرت بمجريات حرب التحرير الجزائرية ، وطالما اعتبرت نفسها “شاعرة عربية تكتب بالإنكليزية والفرنسية”، وإن لم تتعلّم العربية لتستطيع الكتابة بها.
وفي سنة 1955، انتقلت إلى الولايات المتحدة كي تواصل دراستها الفلسفية في بركلي، ثم في هارفارد. في آخر الأمر، استقرت في كاليفورنيا، ، التي علّمت في إحدى جامعاتها فلسفة الفن، بين الخمسينيات والسبعينيات. وبالتزامن مع الحرب الأميركية على فيتنام، كتبت شعرا بالإنكليزيّة. معبرا عن الثورات والحروب والمآزق السياسية والإنسانية بين فيتنام والجزائر والعراق وفلسطين ولبنان إلى سوريا ، كاشفةً عن وجه المبدعة الملتزمة.
وعادت إيتيل عدنان في مطلع سبعينات القرن العشرين إلى لبنان، حيث عملت صحافية، وبقيت هناك حتى العام 1976، قبل العودة إلى كاليفورنيا، مع محطات متفرقة لها في العاصمة الفرنسية
والعام 1977، نشرت عدنان رواية ست ماري روز حول حياة المهاجرة السورية ماري روز بولس التي أسّست مدرسة للصم والبكم في لبنان باجواء الحرب الأهلية اللبنانية. وحقق العمل نجاحا كبيرا وتُرجم إلى عشر لغات، وفيما صدرت أكثرية كتابات إيتيل عدنان باللغة الإنجليزية، ومن عناوين منشوراتها، “الهندي لم يملك جواداً” (1985)، و”هناك ــ في ضياء وظلمة النفس والآخر” (1997) ، و”قصائد الزيزفون” التي صدرت بالعربية عام 2001، و”يوم القيامة العربي” (1998). كما كتبت خلال مسيرتها أعمالا للأوبرا
ووجه وزير الثقافة الفرنسي السابق جاك لانغ، الذي يترأس معهد العالم العربي في باريس، عبر الشبكات الاجتماعية تحية إلى روح الفنانة “الشاعرية والملونة فائقة العذوبة ” وأضاف: “كانت فنانة نادرة ومتكاملة ذات موهبة متقدة وذكاء مذهل. هذه الرحالة غير العادية جعلتنا نهتز للقوافي الجريئة القادمة من أرجاء البحر المتوسط”.
كما أشاد مركز بومبيدو بعملها ” المذهل بين الكتابة والرسم والشعر التي عبرت عن معاناتنا وفرحنا وحبنا”.ويقيم المركز منذ مطلع نوفمبر الحالي معرضا مخصصا للفنانة في مدينة ميتز شرق فرنسا، تُعرض فيه مجموعات دفاتر يمكن طي أوراقها على شكل أكورديون اشتُهرت بها عدنان ويصل طولها إلى حوالى عشرة أمتار.وعلى هذه الأوراق، تشرح إيتيل عدنان أنها “ترسم العربية” بدل كتابتها. يعد ارتباط الأديبة والشاعرة والكاتبة المسرحية إيتيل عدنان بعالم اللغة الاجتماعي، جزءاً محورياً من مشروعها الفني الأعقد والأوسع، الذي يتضمن الرسم والتلوين وأعمال السجاد، وذلك المزيج من الكتابة والرسم والتلوين .
من مناطق الدهشة تأتي، ومن عالم السؤال.وهي لا تنفكّ تبحث وتتساءل. ترسم وتكتب كما لو أنها بدأت الرسم والكتابة الآن. بالنضارة نفسها وبالعزيمة نفسها. و في عالمها التشكيلي، تبدو إيتيل عدنان، بألوانها وتركيباتها ومفرداتها البصرية أقرب إلى طفلة رائية تلعب بالألوان. ولكن تميّز أعمالها بالتنوّع والعمق. أعمالها عبارة عن مساحات صافية اللون بلا تفاصيل ولا حتى شخوص؛ فعدنان تحبّ تبسيط الفضاء من حولها، وتدع الألوان ترشدها خلال سير العمل، أما معرضها الاستعادي الأخير، “قياس جديد للضوء”، فلا يزال مستمراً في متحف “غوغنهايم” في نيويورك حتى بداية السنة المقبلة.
محمد عبيدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق