الجمعة، 15 مايو 2015

سينما الأحياء الفقيرة:


محمد عبيدو:


المخرج سعيد ميرزا «ولد في 30 يونيو 1943» تخرج من معهد التدريب السينمائي والتلفزيوني بالهند عام 1975،
أخرج عدداً من الأفلام الوثائقية والروائية وبرز له ببداية عمله السينمائي فيلمان وثائقيان أحدهما حول مسالة الإسكان المدني لتطور بومباي المدني والصناعي، والثاني حول الطرد من الأحياء الفقيرة المزدحمة، وهو فيلم لتلفزيون بومباي، وقد حظر عرضه، ومازال حتى اليوم.‏


قبل أن يعرض سعيد ميرزا فيلمه الأول «حكاية أرفيد ديساي» كان قد أصبح من المخرجين المهمين، وقد اختير الفيلم للعرض في «كان» و»برلين» عام 1979. عن حالة الإحباط التي أصابت الشباب المثاليين الذين وقعوا في فخ ثقافة المال الإقطاعية.‏
عام 1980 قدم ميرزا فيلمه «ما الذي جعل ألبير بينتو غاضباً» 160 دقيقة. وهو فيلم باعث على التحريض كعنوانه، يخلق فيه سعيد ميرزا الوسط المتميز للكاثوليكيين الرومان في «غوا» الذين استقروا الآن في جيوب بومباي السكنية والذين على وعي بوضعهم الأقلوي في مجتمع متعدد اللغات.‏
بطل ميرزا هو «ألبير بينتو»، ميكانيكي زاهي المظهر وساذج القناعة بتفوقه على الميكانيكيين الآخرين، لكون زبائنه مالكي سيارات الليموزين الفخمة يعاملونه كصديق. فهو يقود سياراتهم ويستمد في المقابل متعة من أسلوب الحياة التي يعيشونها، غضبه موجه بشكل أساس نحو صديقته ستيلا السكرتيرة النموذجية للمدينة لكونها ترتدي الـ «تنورات» وتتلاطف الحديث مع الميكانيكيين الآخرين، ولكنها تعقد عملها لأنها ترد بجفاء عروض صاحب العمل المفرطة بودها. وأخوه الأصغر دومينيك الذي يداعب أوتار الغيتار، يقوم بسرقات صغيرة ويزج في السجن ويتحول هو أيضاً إلى هدف آخر من الأهداف المثيرة للغضب البرجوازي لألبير.
ووالده عامل نسيج ماهر ينضم إلى النقابة ويشجع على نحو فعال إضراب العمال لرفع أجورهم. الأم ربة منزل تلوذ بالصلوات وتشوشات الذهن. أخته العرجاء تعمل بائعة وعليها أن تطرد الذين يحاولون إغواءها. هناك علاقة خاصة ما بين الأب والابنة، فهي تفهم وتشجع بصمت انضمامه لإضراب حاسم في المعمل، وتحمل قليلاً من الاحترام لأخوتها مشوباً بالشفقة عليهم.‏
رئيس عمل ستيلا يقدم لها عروضاً تثير الامتعاض. عند ألبير وستيلا بالذات شخصية ذرائعية حصينة عن تأثير والدها السكير وأحلام أخيها بالهجرة إلى كندا، وجلافة ألبير التي لا تعرف الصفح تثير سخطها وتحدث صدعاً وقتياً بينهما حتى يعود ألبير النادم طلباً للمغفرة.‏
لا يصل ألبير إلى إدراك الصراع الطبقي الذي له حق الأولوية إلا عندما يقع والده تحت الضرب والإهانات التي يوجهها الناس الأغنياء – الذين يعتبرهم أصدقاءه – إلى شخصه تحثه على التعلم. ويعثر على ألبير – بحثاً عن هويته الشخصية والطبقية – على الكثير الذي يشعل غضبه. ويبدأ حتى بالتعاطف مع معارضة والده لهؤلاء الذين يستغلون الطبقة العاملة.‏
جاء الهجاء السياسي الثاني عبر إطلالته السينمائية على الطبقة المتوسطة في المناطق الحضرية، و النظام القضائي الهندي، في فيلمه «استدعاء موهان غوشي للمثول أمام القضاء» «1984»، وهو عن زوجين عجوزين يكافحان عبر سنوات في قضية قانونية تمتد لسنوات في ظل نظام قضائي فاسد، في صراع مع صاحب العقار الذي يسكناه. أرخ فيلمه تعيين واقع «الطبقة المتوسطة» في المناطق الحضرية، كفاحهم والبحث عن الهوية في المشهد سريع التغير، والظروف الاقتصادية. ثم أتى إلى الأفلام التي تلامس القلق الذي يعاني منه «كيف مات سليم لانغدي» «1989»، بطولة باوان مالهوترا، وهو شاب مسلم وقع في دائرة الجريمة وتبادل الاتهامات، وسط تنامي الطائفية، وعقلية الغيتو، والبحث فيه للحصول على الهوية العرقية التي لا تتعارض مع الهوية الوطنية.‏
وفي غضون ذلك توجه لإنتاج مسلسلات شعبية للتلفزيون «شارع الزاوية» «1986» و»انتظر» «1988»، تم تعيين أول مرة في الطبقة المتوسطة والدنيا من مختلف الطوائف، والتي تلتقي في زاوية شارع في ضاحية مومباي، وتقاسم نضالهم البقاء على قيد الحياة كل يوم في عالم قاس.‏
بعد ذلك يحاضر على نطاق واسع عن السينما الهندية في جامعات في الولايات المتحدة والهند. كما يساهم بانتظام في الصحف والمجلات الهندية في المناقشات السياسية الحالية.‏
وأخرج فيلمه «نسيم» عام 1995 وهو عن انهيار البنية العلماني مع هدم آخر مسجد بابري. بعد ذلك، على حد تعبيره: «وكان هدم مسجد بابري القشة الأخيرة. نسيم كان تقريباً مثل الرثاء، وبعد هذا الفيلم، لم يكن لدي ما أقول، لذلك كنت بحاجة لاستعادة ثقتي والاحتفاظ بسلامة عقلي. قررت السفر في جميع أنحاء الهند، وتوثيق ذلك على كاميرا فيديو».‏
وبعد ذلك كرس وقته للسفر والكتابة وصنع أفلاماً وثائقية. بدأ في وقت لاحق على العمل على سيرته الذاتية، وصدرت في عام 2008، روايته الأولى: «رسالة من أم الديمقراطية» وهي عبارة عن ذكريات والدته التي توفيت في عام 1990، وسلسلة من المقالات القصيرة التي تضم خرافات الصوفية، ذكريات الطفولة.‏
يؤمن سعيد ميرزا بأن السينما التجارية قائمة بسبب الدولة لا رغماً عن الدولة، وبأن مساعدة الدولة للمخرجين الجدد هو عبارة عن صمام أمان في نواياها. ويقول: «هناك من حيث الأساس نوعان من الأفلام: فيلم الوضع القائم وفيلم الصراع. الأفلام الضخمة تدعم الأوضاع القائمة. إن كان المخرج متصلباً بأيديولوجيا، عليه عندئذ الصراع: في اللغة، في الموسيقى، في السينما ليس هناك من جواب محدد للشكل الذي يجب أن تتخذه. أنا أحاول – على سبيل المثال – التجريب بواسطة السرد. يجب على الشكل أن يغدو ثورياً، ولكن ليس بطريقة لاتاريخية، ليس على الشيء دعم الواقع القائم، بل على المرء زعزعة استقراره، حيثما أحصل على فرصة لزعزعته أفعل ذلك».‏

( عسل ) للمخرج التركي سميح كابلان أوغلو السينما الشعرية الخالصة


محمد عبيدو
هناك افلام سينمائية تشاهدها بالصالة وتخرج لتتركها هناك . وهناك أفلام تشاهدها لتخرج معك بعد انتهاء عرضها . فيلم ( عسل ) هو من النوع الثاني يخرج مع المشاهد من الصالة ليبقى القه وجماله ومتعته بالذاكرة . فيلم (عسل) الحائز على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الدولي 2010، ، للمخرج سميح كابلان أوغلو، يروي حكاية صبي في السادسة من عمره توقف عن الكلام بعد وفاة والده ، ويعد “عسل” أخر جزء من ثلاثية سينمائية أخرجها سميح كابلان أوغلو، وتشمل ” البيض , 2007 ” عرض بمهرجان كان السينمائي و ” الحليب, 2008 ” عرض بمهرجان البندقية و حملت عنوان (يوسف) نسبة إلى اسم بطل هذه السلسلة وقد تم تصوير هذه الثلاثية وعرضها بترتيب زمني معكوس، وجرى عرضها في مهرجان كان السينمائي الستين. في ( بيض )يصل إلى الشاعر يوسف نبأ وفاة والدته زهرة، فيعود إلى مسقط رأسه في بلدة صور التي لم يزرها منذ سنوات عديدة ليجد في منزل والدته الراحلة ابنة عمه آيلا بانتظاره لتخبره بضرورة تنفيذ رغبة أمه التي أوصت بذبح شاة كأضحية بعد موتها. ثم لا يلبث يوسف أن يغرق في ذكرياته حول المنزل والحياة في البلدة وأهلها والأماكن المسكونة بالأشباح. يذهب يوسف وآيلا إلى ضريح أحد الأولياء الذي يبعد مسافة ساعتين بالسيارة عن البلدة لشراء شاة وذبحها وتقديمها كأضحية تنفيذاً لوصية أمه زهرة. لكن يوسف وآيلا يصلان إلى المكان بعد مغادرة قطيع الغنم إلى الجبل لرعي العشب، فيضطر إلى قضاء الليلة مع آيلا في فندق قريب حيث تقام حفلة زفاف، وهذا ما يزيد من التقارب بين يوسف وآيلا. وعندما تغطي الثلوج الذنوب، لا يعود العاشقان إلى البلدة القديمة. ويسلط (عسل ) الضوء فيه على العلاقة بين رجل وابنه يوسف في منطقة نائية وغير مهتم بها شرق البحر الأسود . ويستكشف فيه مرحلة الطفولة المبكرة ليوسف ، يتجول عبر الغابات بحثا عن فقدان والده ، في محاولة لمعنى حياته وهو الذي لايجد ببيئته ما يحفزه على التواصل مع الآخرين. يصبح طفل صغير انعزالياً في الحياة حين يتعامل مع أزماته الشخصية والعائلية . والده النحال يعمل بجمع العسل من خلايا وضعها في اعلي الشجر اختفى النحل بشكل غير متوقع ، مما يهدد مصدر رزقه فيقرر الذهاب إلى منطقة ابعد . حادث غريب يقتل الأب ببداية الفيلم وهو يصعد إلى أعلى إحدى الشجرات كي يصل للخلية فينكسر غصن الشجرة ويسقط من هذا الارتفاع الشاهق . ويعود الفيلم في فلاش باك الى ما قبل الحادثة . ، ويتابع الفيلم ما تمر به العائلة الصغيرة. يشعر يوسف بالخجل من زملائه في الصف بسبب الفأفأة التي يعاني منها أثناء النطق ولأن بعض التلاميذ يسخرون منه عندما يجد صعوبة في القراءة أمام الجميع. اليوم الذي يقرر فيه الأستاذ منح الصبي وسام تقدير لا يستحقه تشجيعا له على تجاوز عثرات نطقه وقراءته الناتجة عن شعوره الدائم بالعزلة الداخلية، هو اليوم الذي يعود فيه إلى البيت ليسمع من الشرطي فشل البوليس في العثور على أبيه. تضطر والدة يوسف، أن تعمل في إحدى مزارع الشاي كي تعيل أسرتها من جهة، وتستمر في مساعدة ابنها كي يستعيد الرغبة في الكلام من جهة أخرى، ولا تقطع الأمل بعودة زوجها سالماً من كل مكروه. و ينطلق الصبي إلى الغابات الكثيفة يهديه إلى الطريق صقر كان أبوه قد رباه. لكن اللقطة الأخيرة له وهو جالس يستند إلى جذع شجرة وقد هبط الليل وساد الصمت وانتشر الظلام الداكن لا توحي بأنه وجد والده. هناك القليل الحوار أو الموسيقى في الفيلم. والشخصيات الثلاث الرئيسية (يوسف والديه) كلها تميل للصمت قليلة الكلام الى حد ما ، والموسيقى التصويرية اتية مع أصوات من الغابات والمخلوقات التي تعيش هناك.. و قد احتفي بالفيلم كتحفة فنية لبساطته الأخاذة والأداء المؤثر والمفعم بالصدق والجاذبية فيه . هو سرد وجودي بلغة الكاميرا الشاعرية والساحرة عبر نظرة طفل الى العالم . وحديث جميل عن الخسارة والحزن , انها لغة الشعر بالسينما الصورة تنطق بمكنونات النفس الداخلية لا حاجة للكلام لمناشدة حواسنا . ولا توجد موسيقى مرافقة الطبيعة تخلق الموسيقى الخاصة بها مع اختيار هادئ لتصوير البيئة المعاشة , حتى يمكن للمشاهد الحالم ان يشعر عبره بحركة الرياح وبالأوكسجين الذي نرغب بالبقاء معه و فيه يشعر بالشمس المشرقة و برائحة المطر الخفيف النازل على الصبي وهو في طريقه للمدرسة . سميح اوغلو يخلق جوا يشبه الاحلام في فيلمه , وهناك إشارات لفظية للأحلام وعندما يذكر الفيلم بإشارة لفظية يحافظ المخرج عليها سليمة من خلال الصور والألوان والتشكيل عندما يريد يوسف ان ينقل لواله حلم رآه ببداية الفيلم يهمس والده في إذنه ان لا يقولها بصوت عال لان الأحلام تختفي عندما نتحدث عنها . ان فيلم عسل هو نموذج للسينما الخالصة . وبطئه المقصود بالسرد يمثل تحديا لسينما شباك التذاكر الشعبية التي تمثل الوجبات السريعة وتحديا للجمهور بحثا عن ذائقة جمالية جديدة . انه عمل باهر في تلقائيته، وايقاعيته , و مميزا بتصويره يخلو من التكلف يميل الى البساطة المتناهية عبر احتراف سينمائي عالي المستوى، وكتابة مشهدية رشيقة . عسل : عام الإنتاج: 2010 مدة العرض: 104 دقيقة إخراج وسيناريو وإنتاج ومونتاج: سميح كابلانوغلو سيناريو: أورسون كوكسال تصوير: باريس أوزبيسر مونتاج: أيهان إرغورسيل – سوزان هند غونيري الممثلون: بورا ألتاس: يوسف - إردال بيسيكيولغو: يعقوب - تولين أوزين: زهرة

الخميس، 14 مايو 2015

المخرج الألماني تركي الأصل، فاتح آكين: إشكالية العلاقة بين الشرق والغرب

تكتب مارغريت كولر في مقالتها  “المهاجرون في السينما الألمانية.. من ضحايا إلى رعايا” لقد أضحت ألمانيا بلداً للهجرة، وهذا أحد أسباب كون التعددية الثقافية عنصراً من عناصر السينما الألمانية. ويروج لهذا العنصر مخرجون من أصل تركي، مثل فاتح آكين ويلماز أرسلان وسينان أكوس. حتى بعض المخرجين الألمان وآخرين من “أصول مهاجرة” غير تركية بدأوا يناقشون هذا الموضوع. وفي يومنا هذا فقد تغيرت موضوعات الأفلام من الشعور بالغربة أو المعاملة كأجنبي في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، إلى التركيز على “تصادم الثقافات” الصراع الذي يواجهه الشباب، المحصور بين تراث البلد القديم وقوانينه، وبين التسامح والحرية في البلد الجديد.
تعتبر التجربة السينمائية للمخرج الألماني تركي الأصل فاتح آكين من أهم التجارب السينمائية في أوروبا، حيث تستمد خصوصيتها من خلال طرح إشكالية العلاقة بين الشرق والغرب، ومقاربة هذه العلاقة فنياً وإنسانياً، من خلال معالجة الموضوعات التي تتقاطع فيها مصائر الشخصيات وأحلامهم وحياتهم مع بعضها البعض.
وحسب تعبير عماد مصطفى في مقالته “فاتح آكين يفتح سؤالاً مكرراً حول إشكـالية العـلاقة بيـن الشـرق والغرب” المنشورة بمجلة الرافد، يمزج آكين من خلال أفلامه أصالة الشرق بموضوعاته وسيره وعاداته ورؤاه مع المعاصرة الغربية وتقنياتها وشخصياتها، ويركز على الموضوعات التي تجتاز الجغرافية والتاريخ، وخلق رؤية تتناغم مع تعدد الانتماءات الثقافية والاجتماعية، فهو يعالج في أفلامه الحياة اليومية في شرق ألمانيا بأدوات سينمائية كالكاميرا اليدوية المتحركة. لقد خفف الاهتمام بالتغيرات الاجتماعية في ذات الوقت تصلب النظرة المعقدة للجوانب الحزينة في التاريخ الذاتي. وهو من مواليد مدينة هامبورغ الألمانية عام 1973، وينتمي إلى عائلة تركية قدمت من منطقة البحر الأسود .. انتسب إلى كلية الفنون الجميلة بهامبورغ في سن 21 عاماً حيث درس السينما وفنونها وشارك أثناء الدراسة بدور متواضع في مسلسل تلفزيوني. ما لبث أن قام عام 1995 بإخراج أول أفلامه القصيرة بعنوان “أهوانت”.
«موجز وبدون ألم” 1997، أول أفلامه الروائية الطويلة التي عززت من مكانته كمخرج جديد على الساحة الأوروبية، أوجز أكين في هذا الفيلم سيرة حياة ثلاثة أصدقاء في مدينة هامبورغ بألمانيا، التركي غابريل والصربي بوبي واليوناني كوستا، ثلاثة مهاجرين يحترفون السرقات الصغيرة، ربما كرد فعل لإثبات الهوية المضطربة والمهاجرة بأسلوب تدميري يوازي قسوة الحياة الحديثة وظلمها وسحقها للمهمشين.
تابع أكين مسرته الفنية والإخراجية بمزيد من الأفلام مثل فيلم (في تموز) (2000) و(غفلنا عن العودة) (2001) و(سولينو) (2002) الذي صور فيه سيرة عائلة إيطالية هاجرت إلى ألمانيا الاتحادية حاملة معها البيتزا والباستا، وهو فيلم عن الحنين والنجاح المهني متعدد الجوانب ذي فكرة جديدة، وفي فيلمه الحائز على الدب الذهبي في مهرجان برلين “ضد الجدار” (2004)، يناقش موضوعاً جديداً ويتعرض ببساطة إلى المشاكل التي تواجه الجيل الثاني من المهاجرين الأتراك في ألمانيا. وقد حصل هذا الفلم المتميز بأداء تمثيلي مبدع على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي..
ويسرد الفيلم قصة فتاة تركية تربت في بيت تحكمه عادات وتقاليد مسلمة. ومع مرور الوقت قررت زيبيل (زيبيل كيكيلي) التمرد على عائلتها والخروج من محيطها. ولكنها تعرف تماما أن الطريقة الوحيدة لنجاح خطتها هي الزواج وذلك من تركي مسلم. وبعد قيامها عدة مرات بمحاولة انتحار نقلت إلى مصحة نفسية وتعرفت هناك على شاب تركي يكبرها سنا ومدمن على المخدرات والكحول. في المصحة النفسية عرضت زيبيل على الشاب التركي (جاهد) أن يتزوجها بشكل صوري. وبعد عقد القران بدأت بممارسة الحياة التي حلمت بها وباشرت بتجريب أشياء حرمت منها في بيت أبيها كالرقص وتعاطي الكحول والمخدرات وممارسة الجنس.
في عام 2005 أخرج آكين فيلمه الوثائقي عن مدينة اسطنبول “عبور الجسر”، وفيه يقدم صورة للحياة الموسيقية في مدينة يندمج فيها الشرق مع الغرب هي اسطنبول، قام بوضع الموسيقى التصويرية للفيلم أشهر فرقة روك في ألمانيا “einsturzend neubanten”.. وحصل على جائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان عن فيلمه (على الجانب الآخر) عام 2006 الذي يتناول قضية المهاجرين المحاصرين بين ثقافتين مختلفتين. حيث ينسج أكين في فيلمه علائق معينة بين قصص ستة أشخاص يعيشون في تركيا وفي ألمانيا لا تجمعهم روابط خاصة فيما بينهم ويرسم صورا لهذه الشخصيات الألمانية والتركية المعاصرة التي يتقاطع مصيرها من خلال التعرف إلى ناشطة تركية شابة تفر من تركيا إلى بريمن (شمال ألمانيا) بعد أن شاركت في تركيا بنشاطات للمطالبة بالمزيد من الحقوق السياسية والاجتماعية. وأعلن آكين أن فيلمه هو “الفيلم الثاني من ثلاثية” يريد تحقيقها في عمل طويل يجسد” الحب والموت والشيطان” والتي بدأها بفيلمه المشهور”ضد الجدار”.
بين ألمانيا وتركيا، تدور أحداث فيلم، فاتح اكين”حافة الجنة” 2007، حيث يتناول موضوع الموت وتأثيره على حياة مجموعة من الأشخاص تربطهم عدة روابط تمتد ما بين العائلة والسياسة والحب والصدفة. يبدو أن فاتح اكين يهدف في تناوله عدة قضايا متشابكة التركيز على الشخصيات المختلفة في تفاعلها مع الموت، وإن كان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، حيث نرى التطور النفسي البشري بشكل بطيء وكيفية تفاعله مع الموت المباشر.
«مطبخ الروح”، أحدث أفلام فاتح اكين يتحدث الفيلم عن أخوين يونانيين يملك أحدهما زينوس كازانزاكيس (آدم بوسدوكوس) مطعما شعبيا يعتبره مشروع حياته، أما الآخر إلياس (موريس بليبتريو) فهو مجرم يقضي حياته متنقلا بين السجون الألمانية، زينوس يسعى جاهدا لجلب الزبائن إلى مطعمه وتفشل كل محاولاته، إلى أن يستقدم طباخا حاد الطباع لتقديم الأكلات المبتكرة، في هذه الأثناء يضطر زينوس للاستعانة بشقيقه لإدارة المطعم ليتسنى له اللّحاق بحبيبته نادين (فيلني روغان ). يحمل الفيلم الكثير من الأبعاد الإنسانية والتفاصيل الحياتية الصغيرة والمفارقات الدرامية التي تحيط بالشخصيات الرئيسة، ونجح في الكشف عن حالات شخصياته الوجدانية وقوة بنائه الدرامي والتفصيلات المرئية والتقنية للتصوير والمونتاج والموسيقى. حاز الفيلم على إحدى جوائز مهرجان فينيسيا السينمائي.
محمد عبيدو

الاثنين، 11 مايو 2015

المخرج محمد لخضر حمينة: سعفة كان العربية الأولى


لعب تزامن بداية الإنتاج السينمائي الجزائري مع ثورة شعبها على الاحتلال الفرنسي (1954 - 1962) دوراً كبيراً في صياغة توجهه نحو تصدير حقائق الواقع المعيش وتسجيل الأحداث التاريخية، خاصة المتصلة منها بالثورة الجزائرية، حيث تشكلت النواة الأولى لمدرسة سينمائية لجيش جبهة التحرير الوطني من خلال لجنة السينما التي أنشأتها الحكومة الجزائرية المؤقتة، وتم إنتاج العديد من الأعمال الوثائقية خلال الفترة بين 1956- 1961 من بينها: (جزائرنا) إخراج جمال سندرلي ولخضر حامينا. وفيلم (ياسمينة) أول عمل للمخرج السينمائي لمحمد خضر حامينا، والذي هو أيضا ممثل وكاتب سيناريو ولد في 26 فبراير 1934 في مدينة المسيلة في الجزائر، تابع دراسته في فرنسا، ثم غادرها إلى تونس أثناء الثورة الجزائرية، حيث كان يعمل لصالح الحكومة الجزائرية المؤقتة.
فيلمه (ريح الأوراس) 1966، أحد أهم أفلام تلك الفترة وأقواها تعبيراً عن الإنسان العربي بالجزائر. عبر لغته السينمائية الشفافة والشاعرية، يحكي الفيلم عن أم فلاحة اعتقل الفرنسيون ابنها فراحت تبحث عنه يبن معسكرات الاعتقال حتى تجده في أحدها فتكتفي بمتابعته بنظراتها كل يوم من خلف الأسلاك الشائكة، ولكنه عندما يختفي مرة أخرى تفقد وعيها وتلقي بنفسها على الأسلاك الشائكة التي تصقعها. الفيلم حائز: جائزة العمل الأول من مهرجان كان لعام 1966 - جائزة أفضل سيناريو وجائزة الكتاب السوفيت الكبرى للسيناريو في موسكو 1967 - جائزة الغزال الذهبي من مهرجان طنجة.
إن العمل الدرامي المؤثر والشاعري الذي قدمه حامينا في أول أفلامه الروائية لم يمنعه عام 1968 من أن يقدم فيلما كوميديا بارزا بعنوان “حسن الطيرو” وفيه يقدم حامينا صورة مؤثرة وبإطار كوميدي عن كيف تؤدي ظروف الوطن الصعبة إبان الاستعمار بموظف بسيط إلى أن يصبح ثائرا على الاستعمار ودون أن يدري.
ولقي فيلم محمد لخضر حامينا (وقائع سنوات الجمر) 1974 صدى كبيراً، إضافة إلى أنه نال عام 1975، أكبر جائزة ينالها فيلم عربي حتى اليوم: (السعفة الذهبية) لمهرجان كان، في هذا الفيلم كان الواضح من جواب حامينا أن الثورة إنما كان لها هذا المصير لأن الخلل يكمن في جذورها الاجتماعية. وهذا الكلام أثار الحفائظ، ولكن اليوم، ألا يمكننا أن نرى في ما حصل في الجزائر تحققاً لـ (نبوءة) حامينا، تدور أحداث هذا الفيلم حول وقائع تاريخ الجزائر النضالي، والذي غطته مساحات الدماء الحمراء، من أجل نيل الاستقلال والحرية، والنظم التي تمارس القمع وتجهض حقوق الإنسان أينما كان. كما صور الفيلم الحياة القبلية في جبال الجزائر، والتي كانت تعيش على حياة التنقل في الصحراء والرعي، ثم لم تلبث أن تحولت الصحراء إلى ساحة للقتال والجهاد المستميت من أجل نيل الحرية المضرجة بالدماء، ويغلب على الفيلم روح التراجيديا، حيث سادت فيه مناظر البؤس والألم والمجازر الدموية لمئات من المواطنين.
فيلمه “العاصفة” المنتج عام 1982 متميز في مادته وموضوعه وبقوته الإخراجية. أحداث الفيلم تجري وسط قبيلة تعيش في واحة وسط الصحراء محاطة بالرمال وتهب عليها باستمرار العواصف الرملية التي تغطي البيوت والخيام وتدخل مسام الجسد وتكتم الأنفاس. وفي كل مرة تهب فيها العاصفة يندفع أهالي القبيلة في صراع محموم لدرء أخطار الرمال. ويعطي المخرج للرمال رمزاً واضحاً يجسده من خلال شيخ ضرير يعيش منعزلاً عن القبيلة ويغرق أهاليها بلعناته، والتي على إثرها تهب عواصف الرمال وكأنها التجسيد المباشر والحي للعنات الشيخ. وهكذا فالصراع بين أفراد القبلية والرمال يتحول إلى صراع كابوسي يمتد من اللقطة الأولى في الفيلم حتى نهايته، غير أن الهم الرئيسي للفيلم ليس الحديث عن قسوة الطبيعة بل عن قسوة الناس والعادات في مجتمع متخلف، ولهذا يختار المخرج عائلة واحدة ليركز عليها، وعلى حياة أفرادها المليئة بالقسوة والظلم والحدة المستندة إلى عادات وتقاليد متخلفة ترسخت منذ قرون.
وقدم حامينا عام 1986 فيلمه (الصورة الأخيرة)، ويعمل الآن على فيلم ‘’ظل الغروب’’ التاريخي ويتطرق في قصة مشوّقة لكيفية التقاء شاب فرنسي تم تجنيده رفقة شاب جزائري من الصحراء ونشأت بينهما صداقة.



محمد عبيدو 
نشرت في جريدة الجزائر نيوز