محمد عبيدو
صانع أفلام متميز ، لكن دون خلفية مدرسية سينمائية ، هو النحات والكاتب ناصر خمير وفيلمه الأول هو "الهائمون" الذي ظهر عام 1984 . "الهائمون" الذي يحكي عن قرية معزولة في الصحراء غادرها رجالها فلم يعودوا، بل تحولوا إلى أشباح هائمة في الصحراء تمر مرة في العام في القرية لتأخذ معها من بقي في القرية. وفيلم "الهائمون" مبني كله على الخيال ومصنوع كأسطورة يراد من ورائها طرح تأملات فلسفية حول الإنسان والحياة والقدر.
غير أن الأفلام التي ظهرت في ذلك العِقد الثاني (1976-1985) كانت كلها الأفلام الأولى لمخرجين جدد الذين إما فشلوا في الحصول على معونة مالية ، أو كان عليهم الانتظار أعوام للحصول على فرصة أخرى ، على الرغم أن اغلبهم كان قد درس في إحدى مدارس السينما الأوربية.
لقد كانت هناك خلفيات وتوجهات متباينة ، فالبعض لم يبد اكثر من توجه تجاري:
علي منصور الذي درس في فرنسا وحصل على مقررات دراسية في الـ CICF في باريس قدم فيلماً كوميدياً بميزانية ضعيفة هو "فردة ولقت أختها" عام 1990
عبد الحميد بوسيد الذي قضى 7 أعوام في مدرسة الأفلام FAMU في براغ قدم دراما طويلة "أغنية المملوك" عام 1981 .
لطفي السيد استكمل فيلمه "السبت فات " عام 1983 .ويدور في اوساط المهاجرين المغاربة في باريس .
محمد همامي خريج مدرسة السينما VGIK في موسكو قدم فيلم "قريتي" عام 1979 .
وقدم محمد دمق (من مواليد 1952) فيلما كوميديا آخر –عن الكرة هذه المرة- وهو فيلم "الكاس" عام 1985 .
وشهد العِقد الثاني أيضا (1976-1985) إنتاج أول فيلمين روائيين لمخرجتين ، الا أن السلطات أعاقت إصدار أفلام كل منهما:
سلمى بكار التي أكملت دراستها في الـ في باريس عام 1970 ، وجدت أن فيلمها التسجيلي الطويل "فاطمة 75" عام 1978 يواجه رقابة السلطات .
بينما كان على ناجية بن مبروك -خريجة ال INSAS في بلجيكا- كان عليها الانتظار 6 سنوات لإخراج فيلمها الروائي "السامة" الذي أكملته عام 1982 ولكنه تأجل بسبب نزاع مع SATPEC .الى عام 1985
وظهر خلال الثمانينات مخرجان جديدان موهوبان جدا ووجدا مشاهدة دولية مشجعة لأفلامهما ، وقد حظي كل من فيلم "عبور" عام 1981 من إخراج محمود بن محمود (من مواليد1947) خريج الـ INSAS ، وفيلم "ظل الأرض" 1982 للمخرج الطيب الوحيشي(من مواليد1948) خريج معهد السينما في باريس ويدور حول آخــر مجموعة تعيش منعزلة في معسكر " بدوي " يقع فوق أراضي بالغة الجـدب , رئيس القبيلة يسكن في واحدة من الخيام الأربع التي تمثل القبيلة , وهو يعيش مع أبناءه وأبناء أخيه , وأسراهم " صالح " الابن الأكبر الذين يقطنون في المخيمات الأخرى ... _ من خلال واقع الحياة البالغ القسوة , تمر الأحداث , عليهم الخروج من المنطقة , وعلى الأبناء الاغتراب , " صالح " الأبن الأكبر يسافر ويودعونه , يعود الأبن الثاني " حميد " ومعه الهدايا ... لكن " حميد " يسافر مرة أخرى لاداء الخدمة العسكرية , ويشــتد الجــدب،يقرراحدهم السفر, وتصل اخبارعن موت صالح , يصل جثمانه , ويبقى العجوز مع زوجة ابنه وحيدين ..
وقد وجد منذ منتصف الثمانينات تأكيد واضح و جديد على الإنتاج الدولي المشترك ودور المنتجين المستقلين في السينما التونسية جزئيا ، ويرجع ذلك لقانون عام 1981 الذي قدم نظاما للمساعدة لمنتجي الأفلام يعتمد على نسبة 6% ضريبة.
وكان التطور الأساسي هو تقديم تسهيلات للألوان في مجمع جامارث عام 1983 ، وفي النهاية خصخصة كل مؤسسات الإنتاج و افتتاح استوديوهات أفلام قرطاج الجديدة بواسطة طارق بن عمار في سوسة عام 1985 ، وكان ظهور احمد عطية كمنتج رئيسي للأفلام في تونس –بشركته "Cinetele Films" في نهاية الثمانينات- و إغلاق ال SATPEC عام 1994
وإذا كان العقد الثاني للسينما التونسية هو عقد التجديد ، فإن العقد الثالث (1986-1995) كان بصورة عامة العقد الذي حاولت.فيه السينما التونسية أن تخرج من عباءة سيطرة السينما المصرية السائدة في السوق، بأن يكون لها شخصيتها وهويتها الخاصة.
إلا أن النتائج كانت متباينة ، فمن بين مخرجي الستينات الرواد عاد عمر خليفي لقصص العنف والحركة التي صنع بها شهرته ، لكن فيلم "التحدي" عام 1986 اظهر المدى الذي تطورت به السينما التونسية خلال الأربعة عشر عاما التي غابها .
وظهرت أعمال مثل "خريف 86" عام 1990 ، و"كش مات " عام 1995 لرشيد فيرشيو ، وفيلم "ليلة السنوات العشر" عام 1991 لابراهيم بابي ، على الرغم من انهم لم يضيفوا إضافة ملموسة لسمعتهم .
أما بالنسبة لفريد بوغدير فقد كانت هذه السنوات هي السنوات التي ظهرت فيها أخيرا مقدرته الكاملة كصانع للفيلم ، في الفيلم التسجيلي "الكاميرا العربية" عام 1987 ثم "عصفور السطح" عام 1990 ، و "صيف في حلق الوادي" عام 1995
بالنسبة لهؤلاء الذين ظهروا في أواخر السبعينات و أوائل الثمانينات فقد كانت إنتاجهم متنوع أيضا ، فقد استمر سعي رضاالباهي للنجاح العالمي الذي قاده إلى استخدام ممثلين فرنسيين و إنجليز في أدوار عربية في فيلم "الذاكرة الموشومة " عام1986 ، و أن يختار بطلاً فرنسياً في فيلم "السنونو لا يموت في القدس" عام 1994
ويقدم نوري بوزيد أول أفلامه (ريح السد) عام 1968 والذي لايزال قادرا على إحداث الصدمة وإثارة الجدل، بجرأة موضوعه وحدة نظرته إلى الواقع العربي ويعتبره البعض أهم عمل فني عربي ينتقد قهر وسلطة المجتمع الذكوري الأبوي الذي يقدم على محو ذاكرة الأبناء.
لكن بالنسبة للعديد من الأسماء الأساسية في العقد الثاني ، فإن الثمانينات وأوائل التسعينات كانت وقتا لتعزيز سمعتهم ، فقد استكمل كل من فاضل الجعايبي وفاضل الجزيري اقتباس المسرحية الثانية "عرب" عام 1988 .وتدور حول مضيفة تعمل على أحـد خطوط الطيران " العربية " تأتي من بيروت بحثاً عن صديق قديم افتقدت اثره , وتجـد نفسها في عالم اشبه بالحصـار ... وكأنها في مجتمع قديم يعود عشرات القرون إلى الوراء , حيث تسيطر عليهم أخلاق الفروسـيّة الجـوفـاء و الغــيرة و شــرف الثأر من القتله, وتحس بالطبع ان هذا العالم ليس عالمها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق