تقديم وترجمة بول شاؤول
لم يؤلف نيتشه سوى مجموعة واحدة من الشعر "ديونزيزس ديتيسراميون أو ديتسيراميون، إنها المجموعة الأخيرة لنيتشه التي كتبها في نهاية 1989 ولم تنشر إلا بعد سنتين من وفاته. وقد بدأ الفيلسوف بكتابة الشعر وهو لما يزل تلميذاً، احتفظت به والدته، اعتمد النثر الشعري في شذراته في نصوص خارج التصنيف، والمختلفة عن النثر الفلسفي.
في هذه المجموعة، يجمع نيتشه بين الشذرة المعمقة والرأي، والسخرية، والعشق، والفلسفة... إنه شاعر الفلاسفة، وفيلسوف الشعراء قبل الشاعر العربي الكبير أبي العلاء المعري.
هنا مختارات من هذه الإلتماعات المكثفة والموحية والرائعة.
نعود إلى نيتشه شاعراً بعدما قاربناه فيلسوفاً بمناسبة مرور 120 عاماً على رحيله (1884 – 1900).
- الناسك يتكلم
أن يكون لديك أفكار؟ عال فعندها تكون ملكك لكن أن تصنع أفكاراً، هذا ما تخليت عنه! من يصنع أفكاراً، فهو مسود، وخادم، وهذا ما لا أريده أبداً، أبداً.
- الصياد المتوحش
أنتِ، يا ريح الليل في الثلم ماذا تقول؟
*
وجع البلاد لا يتعلق بالبلاد، ولا بمنزل أو وطن، لأنني لا أملك لا الأول ولا الثاني:
إنما الوجع ألا يكون لديك بلاد.
*
عندما يفاجئ الخوف الكبير المستوحد، عندما يمشي ولا يعرف إلى أين؟ عندما تصرّ العواصف الرهيبة، عندما تشهد الصاعقة ضده، عندما تخيفه المغارة بأشباحها.
على زعم الشعراء القرازمة والكسالى.
من ليس عنده ما يبدعه، أيّ تفاهة تدفعه إلى الإبداع.
*
هنا يدور المستقبل على نفسه، هنا الهاوية فاغرة، هنا كلب الجحيم، فاتحاً فمه وينبح، هنا الأكثر حكمة أصيب بالدوار.
- الشذرات الأخيرة
- أو خريف 1888
- الصمت الفولاذي
خمس أذان، ولا صوت يحفظ فيها!
أصبح العالم أبكم...
أصغيت بآذان فضولي:
خمس مرات ألقيت خطى من بعيد
خمس مرات لم أجلب أي سمكة،
سألت – لم يرتم في شباكي أي جواب.
أصغيت بأذن صبي
*
كنت تجري بسرعة فائقة
الآن، فقط الآن، أنت متعب.
سعادتك ستستعيدك.
*
نفس مثلجة، تحاول ريحاً
مُذيبة تملقها
سيل يلمع ويرقص،
وطبقة صخور متعرجة تأسره:
بين حجارة سود
يلمع تلهفه ويرتعش.
*
بينكم أنا دائماً
مثل الزيت مع الماء
دائماً أنا فوق
*
السماء مشتعلة والبحر
يبصق علينا
قاسية شفقته،
ثقل حبه يسحق:
لا تمد يدك للعملاق!
*
أناس متواضعون
واثقون، منفتحون
لكن الأبواب جد واطئة
يجب أن يكون المرء واطئاً كي يعبرها.
*
أفكارك الكبيرة
التي تأتي من الثلج
وكل أفكارك الصغيرة
تأتي من الرأس
أوليست كلها مفكرة بطريقة سيئة؟
*
أعزل كجثة
سبق أن ماتت وهي حية،
مكفنة.
ما النفع! قلبه
ضيق: كل فكره
في هذا القفص الصغير
أسير ومسحوق
*
أيتها النفوس المحدودة
نفوس أصحاب المحال !
عندما يسقط المال في أدراجكم
تتبعه أنفسكم مباشرة.
*
ألم تعد تتحمل مصيرك
القسري؟
أحبَّه، لأنه لم يبقَ عندك اختيار.
*
العزلة لا تزرع
شيئاً: إنها تُنضج
وأكثر تلزمك صداقة
الشمس.
*
إرمِ في الهاوية ما يثقل عليك!
أيها الإنسان، انسَ، انسَ!
إلهي فن النسيان!
إذا أردت أن تطير،
إذا أردت أن تكون في بيتك
في الأعالي:
إرمِ في البحر أثقل أحمالك!
ها هو البحر- ارم نفسك في البحر!
إلهي هو فن النسيان!
*
ما بعد الشمال، المرآة، اليوم
ما بعد الموت،
على انفراد-
حياتنا، سعادتنا!
لا بالأرض
لا بالبحر
لا يمكنك أن تجد الدرب الذي يفضي إلينا
فمُنا فم حكيم تنبأ.
*
حدِّق أمامك! لا تحدق وراءك!
من فرط إرادة الذهاب إلى عمق
تسقط في العمق
*
احذر يا هاوي الألغاز
أين تكمن الآن فضيلتي؟
أفلتَتْ مني مرتاعة من مكر
خطوطي وشباكي.
*
أيتها الأيام المستوحدة
يلزم التقدم خطوة أكثر جرأة
*
نجمة انطفأت في الفضاء المتصحر:
عندها أصبح الفضاء صحراء حقيقية.
*
هذا وحده ينقذ من كل ألم
ولك أن تختار
الموت السريع
أو الحب الطويل
*
بجمال هذا الصخر
ينتعش قلبي الملتهب
*
تعذبه
سعادة جديدة
*
من أجل مثل هذا الطموح
أليست الأرض ضيقة جداً؟
*
هكذا يتكلم كل جنرال:
لا تتركوا بسلام
لا الهازم ولا المهزوم.
*
الساعة القصوى وصلت
خطر الأخطار،
نفسي تلوذ بالصمت.
من حطام النجوم
من هذا الحطام بنيت عالمي.
*
ماذا يحدث؟ أهو البحر ينخفض؟
كلا! أرضي هي التي تصعد.
نارٌ جديدة ترفعها!
*
حبك المخادع
للماضي:
حبك حفّاراً
سلب الحياة:
سلبته مستقبله.
*
ما يسكن حولك
سيعتاد قريباً أن يسكن فيك:
حيث أقمت سياجك على الدوام
تزهر عاداتك.
برودته
جمّدت ذاكرتي؟
أترى شعرت أبداً بهذا
القلب
يخفق ويلتهب بي ومن أجلي؟
*
مطاردتنا للحقيقة
أهي مطاردة للسعادة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق