الثلاثاء، 16 يناير 2024

الغابات ميتة... والورق يتطاير من الجرح جورج شحادة



-1-

أولاً، لا قرود وراء شجيرات الورد


وراءها طفل ذو عينين حزينتين


-2-


أحلم صارخاً في بيت الأوراق

هي ذي أنا هي ذي أنا – كانت تقول

الأغنية المتعبة

آه فلأخلصها

ولأمض حاملاً دمية اللآلئ.

الغابات ميتة

والورق يتطاير من الجرح.

-3-

الشعر الذي هو عمر الحب

خمر يتدفق بين الأصابع.

تذكر أزهار الأرض

كان الخجل يحمل رأسك في حقيبة

وآلاف التعثرات ترسم خطواتك.

أنت هناك عالياً على الرابية

حيث يضع القمر أراغنه الكبيرة الباردة

وترتعش الأشجار كرئات البحر

لكنك لا تؤمن بهذه الصرخات الطبيعية.

لو كانت الجبال تستطيع أن تمسك بالهواء

وتجمع الفصول،

لكنت سرت على طريق السماء.

-4-

إنها القيلولة

القبرات لوحات بيضاء

ضع رأسك في العشب حيث يرتبك

الحصان

الحافر الناعم

هوذا القمر

ليس مدوراً إلا لأنك حزين

القصبات وحيدة

والشجرة التي تنوم النجوم

يحنيها عش.

-5-

سنمضي ذات يوم نحن أطفال الأرض

مع مناديلنا القرمزية

نهرب العصفور من أصابع الشجر

إلى بلدان الظلال – هذه النقالة الحزينة.

في واد من الورود صامت لكنه عنيف

عبر وداع الشمس

نرى الليل والنهار يحتميان

والقمر كسهل فوق البحر

هكذا نمضي لاكتشاف السماء

- مع الظلال هذه النقالة الحزينة

نكثر أعباءنا في حياة الغيوم الباردة

كهؤلاء الذين ينامون في الأرض الأبدية.

-6-

إذن، تكون لي حسرة جديدة، كل صيف

وأحبكم كهذا الذي أقوله لكم

عن حصان ابيض كالشتاء،

النسيم يتعرى من الأنداء

وتموت العصافير من جراح البحر

توجوا الحب الذي يحمل قوساً

سنونوة تواكب المساء

بلا قدرة ولا لون

لن يمر هذا الفصل دون كوكب جديد

تدفأت زرقته بجميع الليالي.

-7-

لو أنك جميلة كمجوس بلادي

لن تبكي يا حبيبتي

الجنود القتلى وظلهم الهارب من الموت

الموت لنا زهرة من الظن.

ينبغي أن نحلم بالعصافير التي تسافر

كالأثر بين الليل والنهار

حين تغيب الشمس في الشجر

وتصنع من أوراقها ريفاً آخر

يا حبيبتي،

لنا عيون السجناء الزرق

لكن الأحلام تعبد جسمنا

نحن سماءان في الماء

والكلام غيابنا الوحيد.

-8-

يا لطعم يديك الغريب

حين تقترب الثيران من الحبر،

أنت سجينة لأكثر صورك جمالاً.

لأن الأبيض لون الصبر

سأكون في ذاكرتك.

الجبال تشيخ وتتغطى بالأوراق

وسوف تموتين

لأن في الرماد كثيراً من الشعر.

-9-

أمي الأكثر شاعرية مني

أمي التي كانت تكتب إلى أختها:

طيب هو الصوت كالأرض،

على خدها وردة على خدها كتاب.

-10-

صفراء كدموعنا هذه الزهرة الجبلية

كنت، يا غبار المرأة، تكتب أشياء خالدة

عن البيت في دعابات الموج

وعيناك ليستا في الشارع

عندما تتعب الغصون

من مزج العصافير بالأرض

وتكون الأقمار زائلة كأوراقها الحانية

لأجلك سلام الآلئ والأجراس

والزيتون الذي كان له ملوك

لانتظار الزمان تحت صورهم

إنني أموت من صبري.

-ستبكون كالمراكب الصغيرة

التي تبحر في وجه الأمهات.

-11-

الشحوب الذي تظنيه خفيفاً

هو حبي الرائع كالحجر الطائش،

كنت تشردين عني لكي تعودي

حين كنا وردة، نحن والشمس،

لم يكتب لأحد أن يعثر عليها –

لا صياد الأرض الغريبة، ولا الفارسة المرهفة

ساكنة الغيوم

ولا هذه الأغنية التي تنعش البيوت

الضائعة،

وكنت هذه المرأة وكانت عيناك تغسلان

بالفجر، السهل الذي كنت قمره.

-12-

الأشجار التي لا تسافر إلا بحفيفها

حين يكون الصمت جميلاً من آلاف العصافير

هي الرفيقات القرمزيات للحياة –

آه يا غبار البشر العذب.

الفصول تمر، لكن تستطيع أن تراها

تتبع الشمس إلى آخر المسافات

ثم ترقد كالملائكة الذين يلامسون الحجر

مهجورة في حقول المساء

أولئك الذين يحلمون تحت الأوراق

حين يكبر العصفور ويترك أسرابه

سيفهمون بسبب الغيوم الكبيرة

مرات كثيرة الموت، ومرات كثيرة البحر.

-13-

من الخريف الأصفر الذي يرتعش في

الغابة اللطيفة.

تبقى كآبة غريبة

كهذه السلاسل التي ليست للجسد وليست

بعد أيتها الفصول لم تهجر الأرباب نعمتك

هذا المساء نخطو في أوراقك الغابرة.

قرب شلال من الجنون الحزين

وها هي في غيمة عظيمة الشفافية

ها هي النجمة شرارة من الجوع.

-14-

سنسافر نحو الهالات

أصلنا الحقيقي

وسنهجر، في البيوت، طيور البجع

فلن تغير في قبورنا شيئاً

يا شجرة الورد الغريبة الوديعة

-أخبركم بهذا لأجل قلبكم

ما من إنسان يعرفنا

ولن تكون لأمهاتنا أغنية.

-15-

نرتعش في سنواتنا العشرين

من رؤية عيوننا في النساء –

لغرفة النوم زينة البحر.

كعصفورين يطيران معاً ينسحقان

من صمت الأعشاش الخطر

مزج الليل عمرينا،

آه يا موسيقى أحجار الجزر.

-16-

سترجع النجمة فوق الحديقة المهدمة

شبيهة بنطفة الخلق

ستتحدث العصافير مع الذين لا صبر لهم

وسيكون ذلك حلم العشية الأولى.

أنني في ريف يا حبي

مع أشجار من عمري

لكن الغزالات يمشين في الأهداب النائمة

الموت هذا المساء هو ابن الزمان الحبيب.

-17-

سأغفو بسهولة يا صبية

لا تفتني العصفور الذي ينظر إلي.

الألوان تولد في النوم

الزهر لا يشم هذا الأسبوع

وجهدي نحو شفتيك يضيع

وأنا صاف كالحجر

خارج الفصول كالجوهر.

فمي مهمل كسياج الطريق

والليل يرمي قناديلنا في الشجر.

-18-

أيتها الشمس أيها القمر

يا شعر ولادتي

كانت المذنبات تعلن بشائر العناقيد

وكانت خالاتي يتحدثن ساعة الموت

وفي الأشجار كانت ترقد امرأة الشيخوخة

وترقد حمائمها وأفاعيها.

-19-

المطر أكثر عذوبة من قطعان رمادية

الماء أكثر بياضاً على أكتافها من الشقاء

لا أعرف إن كان هذا رمزاً أو عذاباً

هذا الصوت في طفولتي كتفاحة

في القرى بؤس هائل.

-20-

عندما يرتجف الخريف على الجبل

عقلي في عنقك عين البجع

الجمال في الريح والساعة سوداء

أحبك – قيل لي.

-21-

سنعود جسماً من الرماد أو أشجار الورد

مع العين – هذا الحيوان الفاتن

يا حمامة

عند مناجم النحاس حيث ترقد شموس بعيدة.

ثم نستعيد انحناءنا وخطواتنا

تحت ينابيع القمر الناشفة

يا حمامة

هنالك حيث الوحدة الهائلة تأكل الحجر

النهارات والليالي تفقد ظلالها آلافاً آلافاً

والزمن يتبرأ من الأشياء

يا حمامة

كل شيء يعبر كما لو كنت العصفور الجامد.

-22-

إلى سان جون بيرس

قدموا له جذر الغار

لا هذه الزهور العابرة التي تصنع الرماد.

إنه شاعر الثلج وساعات الرمل

حين يكون البياض مجد الموت.

-23-

الكنوز أطفال النباتات

ما من جهد يسبق الهواء

ما دامت المصابيح تشتعل

وما دام الموتى زهوراً.

-24-

في الجبل

حيث تتحدث القطعان مع البرد

كما أراده الله

وحيث الشمس في بدئها –

أهراء مليئة بالعذوبة

للإنسان السائر في سلامه.

أحلم بهذه البلاد

حيث الحسرة شيء من الهواء

والنوم يسقط في البئر.

أحلم وأنا هنا

قرب جدار من البنفسج،

قرب امرأة كأن ساقها تعب لا يحد.

-25-

من يفكر ولا يتكلم

يحمله حصان صوب التوراة.

العصا لا تخيفه

لأن الروح باقية معه.

من يحلم يمتزج بالهواء.

(ترجم القصائد عن الفرنسية: أدونيس)




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق