الأحد، 30 أغسطس 2015

محمد عبيدو لـ(قاسيون): «السينما جزء لا يتجزأ من الذاكرة وفضاء الحلم»

 


أجرت قاسيون حواراً مع الإعلامي والشاعر والناقد السينمائي السوري محمد عبيدو، تحدث فيه عن تجربته في الشعر والنقد السينمائي، ومشروعه الخاص عن «سينما الشعر»، ولخص رؤيته لفضاءات العلاقة التي تربط الفنون مع بعضها ومع المتلقي الذي يتحول في لحظة ما، من مجرد «مستهلك» إلى منتج للفن..  
 ماذا عن التفاعل بين وجوه الفن المختلفة، عن علاقة الشعر بالسينما، ومشروع «سينما الشعر» الذي تعمل عليه وكيف يمكن تطويره؟
عندما أكتب القصيدة يدخل عبرها مخزون روحي البصري، وعندما أتعامل مع السينما، أشعر بتشكل مشهد بصري جديد فيه شيء من إحساسي الذي اعتبره رابطاً بين عملي بالسينما وبين النص الشعري، لأكتشف الصورة المعبرة عن شيء ما يخصنا. العلاقة بيني وبين السينما هي علاقة حوار واكتشاف، وبحث عن الجديد في إطار الإبداع، فهناك رابط بالنسبة لي بين الشعر والعمل في النقد السينمائي، لأن أي عمل، سواء أكان سينمائياً أم شعرياً أم تشكيلياً فإن أسمى ما فيه شاعريته. وبقدر ما يبدو مفعماً بوعي وإحساس ذاتي على درجة من الانسجام مع نثرية الحياة وشعريتها، يبدو كذلك منسجماً بصورة أوضح في مسألة التعبير عن ذلك التماس سينمائياً، تعجبني تجارب شعراء اشتغلوا أفلاماً سينمائية، فنقلوا مناخات كتاباتهم إلى عوالم الصورة مثل الإيرانيين «فروغ فروخزاده» و«عباس كيارستمي», وجان كوكتو الفرنسي وبازوليني الإيطالي، وأنا مع ما يراه بازوليني بأن المصدر الأساس لمفردات هذا «الحوار» الصامت بين الذات والمحيط، هو مجموعة الصور القادمة من «عالم الذكريات والأحلام»، أو ما يدعوها بلغة «الصورة الإشارية»، وهي بالمحصلة لغة «السينما الشعرية». إن هذا النوع من الأعمال السينمائية المفتوحة يشجع المتلقي على «بذل جهد لقراءته» وبالتالي فإن المشاهد هنا, كما يقول رولان بارت, ليس «مجرد مستهلك للنص، بل هو منتج له»، بهذا المعنى تبدو الصورة في السينما الشعرية، صورة منقوصة المعنى، ومفتوحة النهايات، تحتاج جهداً ذاتياً من قبل المشاهد لإتمامها. ومن هنا، ينبغي الحديث على أن تؤكد السينما الشعرية في الوقت نفسه وحدتها التركيبية الخاصة.
 في فترات سابقة، ظهرت فيها أسماء شعرية ارتبطت بقضايا هامة وطنية وسياسية واجتماعية، وقضايا ارتبطت بأسماء شعرية هامة، اليوم، يوجد قضايا يمثلها المجموع هل سيوجد شعراء أو حالة شعرية تمثل المجموع؟
نحتاج إلى خيط لا ينتهي لنخيط به هذا الجرح الهائل المفتوح على الدمار والتلاشي والنسيان. هذا الوعي الفاجع لفداحة السؤال تصبح عبره مأساتنا معادلاً موضوعياً للشقاء الإنساني، لن أعود لتقييم نقدي للأسماء الشعرية السورية, بل أعود لها لتلمس مكامن الإبداع في نصوصهم، سواء تلك التي ارتبطت بحدث عام وطني ومجتمعي، أو تلك التي عبرت عن ذواتهم القلقة المعذبة ككائنات ضالة ووحيدة، وأجد عبر الصوت الخافت لشعراء جدد في سورية، تتشكل حالة جديدة من الإبداع المنفتح على الجروح والخارج من خطابة اللغة التي سيطرت على كتاب كثر منذ الخمسينيات، ليظل نص كل شاعر هو المعبر الأخير، والمرجع الأساس لإنجازه وإسهامه في تشكيل المشهد الشعري العام.
 الفضاء الشعري الحالي يزدحم بوفرة من الأسماء والدواوين المنشورة، مع ذلك يوجد ما يشبه حالة الفصام بين الفضاء الشعري والواقع، الغني والمزدحم أيضاً بأحداثه الكثيرة والمتتابعة والمتسارعة، ما السبب في رأيك؟
أنا مع أن يعبر كل شخص عما يعيشه ويحس به، سواء عبر الكتابة أو وسائل الإبداع الأخرى، حيث تحدو الجميع رغبة في تسجيل الإحساس بالعزلة والتشتت، وحلم باكتناه الحقيقة.
البحث عن نص يبرر وجودنا ككائنات صعبة، كائنات ضالة ووحيدة ومتروكة. ليس هناك مشكلة الأسماء التي تكتب، فالنص الجيد والمبدع سيفرض نفسه ويصل مباشرة إلى القلب ويبقى مع الزمن, كم من الشعراء كتبوا زمن المتنبي؟ كثر. و كم واحد بقي ووصل الينا؟
  التغييرات التي طرأت على الشكل الجمالي للشعر، وتأثيرها على الذائقة العامة، كيف تتلمسها، وما هو دور وسائل الإعلام عليها؟
أذكر قولاً للناقد الروسي بيلينسكي: «الحياة عادية، ولكن الشعر يعطيها الروح..»، ولكن ليس على الشعر أن يكون خطاباً تغييرياً مباشراً. لغة الشعر تكسر منطقاً معيناً، لتنشئ بذلك نظاماً آخر. إنها تحطم منطق اللغة وتحطم كذلك منطق النظام الذي تعلموا الاستجابة له . ولدى الشاعر القدرة على الارتباك والخوف والصراخ وتحطيم التابوات. إن تعاسات البشر تزيده ثقة ويقيناً بالخلاص، وفي بناء عالم جديد أكثر عدالة. أعتقد أن فضاءات النت ضرورية لإتاحة مساحات جديدة للحرية وللتعبير بالكتابة من خلال وسائط بصرية مفتوحة عابرة للقارات، والتعبير بحرية وصدق عن هذا الواقع، وهذه الأحداث المتسارعة والمتواترة والأحلام المنكسرة.
 في ديوانك الأخير « رجل مشحون بالندم» يتلمس القارئ جرعة من «التشاؤم»، ابتداء من العنوان، ما سبب ذلك؟
هناك مقولة: إذا أردت أن تكون شاعراً يجب عليك أن تزور الجحيم وتعود. ما كتبته في «رجل مشحون بالندم»، وفي مجموعاتي السابقة، هو جزء من هذا الجحيم وهو بوح يعبر عني, وعن سنوات عشتها بكل أساها وألمها ولحظات فرحها المسروقة من فم الهلاك.
أشكل نصي، وأبنيه من صلصال روحي ومتن ثقافتي ومن ذكرياتي الشخصية المنسية، تجسيداً لعصارة تجربتي, عبر العمل الشعري، أجد اللغة التي تليق بمواجد قلبي وعبر اللغة، أفجر ألمي، وأحداث عيشي النادرة والمكثفة بحدة تشربت الحياة الهاربة من بين الأصابع والجرح الناضج والقناعات المتواترة. في الاشتغال الحقيقي على اللغة والخسران التام و الانسلاب، أقول اللوعة كما تعاش في الصميم وأهز الروح وارتحل بها عبر الكل والصور إلى أقاصي الفضاءات المترعة بجمال بكر، فالعالم المترامي لا يلفنا ويحيط بنا فقط.. بل هو في أعماق ذواتنا وأرواحنا.
ودائماً أؤكد، رغم الوجد الشخصي الكثيف والمائل للأسى والألم في نصي, فالشعر لدي لا يكون عارياً، بل يكتسب أحياناً كثيرة نغمات وتشديدات اجتماعية وسياسية وروحية. وفيه بحث عن عالم خال من الحروب والقتل والظلم.  ففي الكتابة، حتى في هذه اللحظة القاسية المدلهمة بالموت واليأس نرى صرخة المخيلة والسماء تغني للروح وللحب.
 عملت مؤخراً في مهرجان وهران السينمائي، ماذا تقول عن هذه التجربة؟
كنت آتي وهران ضيفاً على مهرجانها السينمائي من دوراته الأولى، وإقامتي بالجزائر دعتني للتعاون معه بالتنظيم والإعلام, و تحرير مواد موقعه الإلكتروني، وإعداد منشوراته المطبوعة المرافقة. وكانت فرصة مهمة لي، للتفاعل مع السينمائيين الجزائريين وتجاربهم، وأيضاً مع التجارب العربية. وهنا تلح ذاكرتي بتجربتي الطويلة والعمل لسنوات مع مهرجان دمشق السينمائي، والتي حملت الكثير من المتعة والأمل.
  إلى جانب الشعر واهتمامات أخرى، كنت من القلائل الذين عملوا في مجال النقد السينمائي، لماذا يغيب النقد، وماذا تقول عن تجربتك فيه؟ كيف يمكن أن تعبر السينما عن تحولات الواقع العربي؟
إن السينما تمثل جزءاً لا يتجزأ من الذاكرة ومن فضاء الحلم والألم، وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن أن تُصاغ المشاهد السينمائية الحزينة للواقع سينمائياً؟ وكيف يمكن أن تُعبر الصورة بكاميرا مبدعين عن هذا الواقع؟ والأفلام التي قاربت الألم السوري، والآلام العربية، هي محاولة لرصد تحولات في الواقع أسرع من وقت تفكيرنا بها. وهذه المقاربة، سينمائياً، حاولت في عدد من الإنتاجات العربية أن تكون خطوة أبعد من مجرد الدعاية، والخطابات الهشة، والفجة أحياناً، عبر إبداع يحمل إرادة قوية للأسئلة وصياغة الأفكار والرؤى إبداعياً وجمالياً.
ما الذي تستطيع أن تفعله السينما؟ لا شيء، أو لا شيء تقريباً، إذا كان المقصود تغيير مجرى التاريخ, لكنها تستطيع بالمقابل أن تفعل شيئاً، وربما شيئاً كثيراً، إذا كان مطلوب منها أن تخلق «حساسية جديدة» و«أسئلة جديدة» و«تمرداً جديداً على الظلم».


الأربعاء، 26 أغسطس 2015

(سنو وايت) صامت أبيض وأسود للمخرج الإسباني بابلو بيرغر.. تأمل جمالي يبدأ من السينما وينتهي فيها

محمد عبيدو
المخرج السينمائي الإسباني بابلو بيرغر (مواليد 1963) ولد في بيلباو، إسبانيا. في عام 1988 أخرج أول فيلم قصير له، (أمي) مع أليكس دي لا كنيسة ورامون باريا. مع المكاسب المالية من منحة مقدمة من مجلس محافظة بسكاي، ذهب إلى الدراسة ليحصل على درجة الماجستير في السينما في جامعة نيويورك. بعد الدكتوراه عمل أستاذا في أكاديمية نيويورك للسينما. بعد ذلك، بدأ مهنة موازية بمثابة المعلن والمنتج الموسيقي، وبلغت ذروتها في عام 2003 مع فيلمه توريمولينوس 73، مع خافيير كامارا، فرناندو تيجيرو وكانديلا بينا.
وفي عام 2012 فيلمه الثالث “Blancanieves” (سنو وايت)، الذي رشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي. وفاز بعشر جوائز غويا، بما في ذلك أفضل فيلم وأفضل سيناريو أصلي، كما حصلت الممثلة ماريبل فيردو على جائزة أفضل ممثلة عن تجسيدها دور زوجة الأب الشريرة في الفيلم. وفازت الممثلة ماكارينا غراسيا على جائزة أفضل ممثلة شابة عن تجسيدها دور البطولة في الفيلم. وحصل الفيلم أيضا على جائزة مهرجان بوخارست السينمائي الدولي.
هو ثاني فيلم صامت في عامين بعد “الفنان” لميشيل هازانافيزيوس الذي نال “أوسكار” أفضل فيلم. “الفنان” هو رسالة حب إلى هوليوود الأفلام الصامتة، في حين “سنووايت”، الذي عرض في رابع أيام السينما الأوربية بالجزائر العاصمة، رسالة حب للسينما الصامتة الأوروبية التي ازدهرت في عشرينيات القرن الماضي، وخاصة الفرنسية التعبيرية الألمانية، فالفيلم يحمل إحساسا قويا بالحنين لهذه الفترة وتجمع الدراما فيه بين الكوميديا السوداء والمليودراما في آن واحد. ولدى سؤال بابلو بيرغر: لماذا الفيلم الصامت؟ قال: “كل شيء حدث في مهرجان سان سباستيان السينمائي. كان عمري حوالي 18 أو 19. لقد كتبت عروضا لبعض المجلات الصغيرة، وفي واحدة من تلك الرحلات إلى سان سباستيان، رأيت “الطمع” الذي مثله إريك فون ستروهايم. كان يعرض مع أوركسترا حية، مع موسيقى من كارل ديفيس. كانت تلك هي المرة الأولى التي أرى فيها فيلما صامتا على الشاشة الكبيرة، كلاسيكية كبيرة. أنا حقا انقلبت. لم أكن أستطيع التقاط أنفاسي، كما أعتقد، وشعرت بما يمكن أن أسميه “النشوة السينمائية.” شعرت بأشياء لم أحسها قط  من قبل مع المشاهدة التقليدية لفيلم مع الصوت. كنت بالفعل أعمل على أفلام قصيرة، وقلت: “يوم واحد، وأمضي لتقديم فيلم صامت”.
استغرق الأمر مني 25 عاما - عبر مدرسة السينما وصنع توريمولينوس 73. كتبت السيناريو في عام 2004، وأظهر لي إلى منتج للتوريمولينوس في عام 2005. الصفحة الأولى من السيناريو قالت إنه فيلم صامت بالأبيض والأسود مع الموسيقى من البداية إلى النهاية. كان ذلك عندما بدأ كابوسا لأنه، بطبيعة الحال، وقال منتج بلدي، “أنا أحب النص، ونحن نستطيع أن نفعل ذلك في الأسود والأبيض، ولكن ننسى الصمت، أو لن ينجز، إنها ليست مجدية تجاريا، إنها مجرد جنون.” انتقلت إلى منتج آخر. يعتقد معظم الناس أنني كنت مجنونا تماما. حتى أنهم لم يطلعوا على السيناريو عندما قدمته قبل ثماني سنوات.”
مقتبسا إياه عن الرواية الكلاسيكية “سنو وايت” “بيضاء الثلج” كما وضعها الأخوان غريم عام (1812) والتي جسدت مرات عديدة بطرق مختلفة جدا، نقل المخرج موضوع فيلمه إلى عالم مصارعة الثيران في إشبيلية، إسبانيا خلال عام 1920. مصارع الثيران المشهور أنطونيو (دانييل جوميث) يفوز بإعجاب الجمهور في ساحة المصارعة، لكن فجأة يهاجمه ثور هائج، يتم نقله إلى المستشفى حيث تعمل الممرضة إنكارنا (ماريبال فردو) وهو في حالة خطرة، في الوقت ذاته تموت زوجته (إينما سيسيتا) وهي تضع طفلتهما. أنطونيو المشلول، من شدة حزنه على زوجته يشيح ببصره عن وليدته الحديثة ولا يستطيع الاعتراف بها، فيما تقوم الممرضة القاسية بحبك شباكها حوله لتتزوجه، وتضع يدها على ثروته الطائلة وقصره الفخم.
وترك الأب ابنته كارمن (تمثل دورها الطفلة صوفيا أوريا) مع جدتها التي ترعاها بحب (النجمة الإسبانية الرائعة أنجيلا مولينا). ولكن عندما تموت هذه الأخيرة، تجد كارمن نفسها فى رعاية زوجة أبيها الشريرة سوداء القلب التى تضطهدها وتعاملها بعنف مثلما تعامل أباها، تسكنها في قبو الفحم، وتوصيها أن لا تصعد إلى الدور الثانى بالمنزل الواسع ولكنها تتسلل وراء الديك الذي ترعاه لتجد في نهاية المطاف والدها المعوق، يقضيان الوقت سوياً خفية عن زوجة الأب ويركز المخرج على الرومانسية في علاقة الحب المتنامية بين الأرمل وابنته الصغيرة. أصبحت كارمن شابة (تجسد الدور ماكارينا غارسيا)، تقتل الزوجة الأب وتقرر في نهاية المطاف قتلها ولكن كارمن تهرب من عشيق زوجة أبيها الذي يحاول قتلها. ينقذ كارمن قزم يعيش متنقلاً مع فرقة أقزام مصارعي ثيران في الغابة العميقة. تفقد كارمن الذاكرة وعندما يكتشف الأقزام أن لديها المهارات الطبيعية في مصارعة الثيران يأخذونها تحت جناحهم ويضمونها إلى عرضهم ويسمونها “Blancanieves”. تدفع موهبتها أحد المتعهدين إلى الإتيان بها للمصارعة فى إشبيلية ويمضيها هي الأمية على عقد يحتكرها به مدى حياتها، وتصبح كارمن من أشهر مصارعي الثيران فى إسبانيا ما يجعل زوجة أبيها تعرف أنها لازالت على قيد الحياة.
وتذهب إلى حلبة المصارعة وفي غمرة الانتصار والإعجاب الكبير من الجمهور بقدرات كارمن، تقدم لها زوجة أبيها تفاحة مسمومة تنهي حياتها، ولكن تبقى النهاية مفتوحة مع هبوط دمعة من عيني كارمن، فهل هي ميتة أم ممكن أن تعود للحياة؟
ينتهي الفيلم على صورة غامضة. حتى هذه النقطة، والشخصيات والتطورات أكثر وضوحا، خاصة في تصوير شخصيات الخير والشر. لماذا اختار إنهاء الفيلم بهذه الطريقة؟ يقول بيرغر: “أنا لا أحب النهاية الأصلية للقصة. “سنو وايت” هي ثلاث صفحات فقط، ويمكنك أن تفعل أي شيء معها. وهناك سيناريو هو 100 صفحة، بحيث يمكنك إضافة حبكات جانبية، شخصيات جديدة، والتقلبات - لذلك من الجيد أن يكون مادة مثل قصة هي قصيرة جدا. بالنسبة لي، في صناعة الأفلام أو القص عنصر المفاجأة هو مفتاح الحل لديك لمفاجأة الجمهور، لمفاجأة نفسك كمخرج، لأن الجمهور الأول هو المخرج نفسه. لذلك كان هذا النوع من النهاية غير المنطقية والمثيرة للدهشة، ولكن في الوقت نفسه، أنا أحب النهايات المفتوحة، عند الكتابة، وهناك تأتي لحظة عندما تقول: لا أستطيع أن أتخيل أي نهاية أخرى.” الفيلم يعد توليفة من إبداع وعبقرية وحرفية لطاقم عمل متكامل يرد الاعتبار لهذا الفن من داخل خصوصيته الجمالية وفي أبعاد طموحاته التعبيرية. يقول المخرج بيرغر: “أعتقد أن السينما الصامتة تتطلب المزيد من الجهد من الجمهور. إنها أكثر تجريدا. هناك مساحة، وهناك جمهور. لديها ما يقرب من عناصر سريالية. أعتقد أنها أقرب إلى مشاهدة الأوبرا أو الذهاب إلى الباليه، من مشاهدة الفيلم مع الحوار والأصوات. وأود أن أقول إنها تجربة حسية. إنها أكثر من مجرد تجربة فكرية”. ويضيف أيضا: “اعتقدت دائما أن القص البصري كان أهم جزء من صناعة الأفلام. أود أن أقول إن القص البصري هو الكعكة، والحوار هو قشدة أو كرز على الوجه -هو ليس القلب. وأعتقد أن المخرجين هم شعراء البصرية. صورة هي أول ما يتبادر إلى ذهني عندما أبدأ في كتابة السيناريو. أفكر في المواقع والتراكيب والقوام. دائما، دائما، دائما، إذا أمكنني أن أقول دون خط الحوار، ما إذا كان يمكنني شرح شيء مع العمل أو صورة، وسوف تذهب دائما في هذا الاتجاه. بالنسبة لي، كانت [صناعة الأفلام الصامتة] الطبيعية. في الواقع، هي حقا متعة”. ويلفت الانتباه في فيلم “سنو وايت” أيضا إلى أن تنسيق الديكورات والملابس وتفاصيل ذاك الزمن جاءت متقنة حتى أن المخرج استخدم حركات الكاميرا القديمة بتعمد ولم تفته أي تفاصيل دقيقة لإظهار ذاك العصر، فهذه الموهبه في إعادة كتابه الكلاسيكي هي انتصار للسينما الحقيقية والإبداع، والثقافة الشعبية والشعر، هنا في تعبيرها الأقصى في السرد والتوليف، الذي يكتشف إحساس الحياة: الضحك، والبكاء، والكرب، وخفة الطفولة وقسوة الكبار البشعة، وأشباح الماضي والذكريات. فيما قام نجوم الفيلم بأداء استثنائي يستحق التذكر جيداً. كل ذلك بالتوازي مع العناصر التقنية مثل التصوير والإضاءة. وفي المقدمة الموسيقى التصويرية، الفلامنكو، الهادئة والقوية، اللطيفة والجميلة، التي تلعب دور السيناريو والحوار لتقدم لنا قصة من أجمل القصص السينمائية التعبيرية الصامتة، بالأبيض والأسود، وتمنحنا الإحساس بتوتر روحي عميق، مما يفسح المجال لتأمل يبدأ من السينما وينتهي فيها.
محمد عبيدو