محمد عبيدو
قدم المخرج"نوفل صاحب عتابه" فيلم "الكتبية" عام 2003، المأخوذ عن عمل ادبي للكاتب الامريكي "تنيسي ويليامز" حيث قام بإعداده واضافة شخصيات اليه مع الاحتفاظ بالمكان الذي تجري به الاحداث... الا وهو مكتبة قديمة ورثها صاحبها الشاب عن والده. في موقع محدود مثل المكتبة يعاق انطلاق الكاميرا فيتسيّد المونتاج لضبط ايقاع الفيلم من دون ترهل في السرد, يعتمد المخرج على اللقطة في التعبير عن المعاناة الجوانية للشخصية ويلجأ كاتب السيناريو الى الحوار لحكي احداث الماضي وتطلعات المستقبل. يبدأ الفيلم بوصول شاب تونسي قادماً من فرنسا باحثاً عن عمل في بلده الذي عاد اليه، يحمل الغريب حزناً سيكشف المخرج عن اسبابه كما سيكشف لنا الغريب القادم الذي حمّله المخرج افكاره واخلاقه عن الشخصيات التي تعيش في المكان، صاحب المكان وزوجته الشابة الطموح المتمردة وأمه الارملة المعطاءة التي تحمل حزناً في داخلها مع قوة عزيمة وقوة عطاء تمنحها للابن وزوجته وللغريب القادم باحزانه ومآسيه التي مرّ بها. موضوع الفيلم الاساسي هو حرية الاختيار، وهو الهم الذي يربط كل اشخاص العمل، الغريب القادم من فرنسا تحمّل اختياره وترك إرث والده لكي يمارس حياته بأسلوب يختاره، الزوجة الشابة- وادتها الممثلة هند صبري- كسيدة طموح لديها جموح واقبال على الحياة. تحب زوجها الذي يعشقها ولكنها تتمرد على عيشتها معه وتطمح في تبديل المسكن،تعشق اغاني اسمهان وتغنيها بصوت مرتفع دون خجل.. يتردد صوتها في المكان جاذباً المعجبين..و يعرض عليها احدهم الغناء في حفل زفاف فتذهب دون إذن زوجها، وبعد ممارسة رغبتها البريئة في الغناء تعود الى زوجها ترعى حملها منه، وقد قدم كلاهما قدراً من التنازلات لتستمر الحياة يعلو صوت ليلى بالغناء, "فؤادي في حبك مجروح وقلبي من حبك بينوح"... اما الارملة الشابة فرغم ماقدمه لنا المخرج من انجذابها تجاه الغريب الشاب وتحاببهما الا انهما لم ينجرفا وراء عواطفهما... وينتهي الفيلم بمغادرته المكتبة حاملاً حقائبه بعد ان عرفنا حكايته ولمسنا قدره كرحالة في سبيل حريته من مكان الى آخر. قدم المخرج فيلمه" الكتبية" في المكتبة بطابقيها الاول والثاني ولم يغادرها الا نادراً، واحتفظ باضاءة وسطية نجحت في التعبير عما يموج في نفوس شخوصه من طموحات وافكار، عارضاً قلقهم وازماتهم منتصراً في النهاية لفكرة الاسرة واستمرار الحياة وامكانية التعايش مع الاعتزاز بالقديم اثاثاً وتراثاً واخلاقاً وبين طموحات الحاضر. قدم نوفل صاحب اول افلامه الروائية "الكتبية" نسيجاً رقيقاً من المشاعر مع هيكل مكثف من الاحداث.
الفيلم الوثائقي «انشودة الالفية»2003، للمخرج محمد زهران يروي تجوالا في ارجاء البلاد فيصف لقاءات مع فلاحين، عارضا الرغبات التي تحركهم والمخاوف التي تسكنهم.
يروي احد صيادي السمك من الساحل التونسي «البحر متعب، ثمة امراض كثيرة». وان كانت الحياة قاسية للغاية والمستقبل المادي غامض المعالم، فانه يقول «اذا ما قارنت الحياة في تونس بالحياة في فرنسا او في الولايات المتحدة، فنحن هنا نعيش بشكل افضل. ننام بسلام ونستيقظ بسلام».
ويظهر الفيلم معلمة تعبر كل يوم مسافة طويلة جدا سالكة طرقات وعرة للوصول الى مدرستها. تقول بشجاعة «من سيقصد هذا المكان النائي ليعلم فيه ان لم افعل انا؟» وفي المدرسة، يروي التلامذة الاحلام التي تراودهم في هذه الالفية الثالثة. «ان ابني مدرسة في وسط البحر»، «ان اكون سلحفاة، لأنها تسير على مهل وتعيش طويلاً». يقول احد الفلاحين وزوجته «ليس لدينا الكثير من المال، لكننا بالصبر نتمكن من الصمود.
انا افلح وهي تهتم بالغنم، فندخر القليل من المال ونعتني جيدا بأشجارنا المثمرة حتى نجني منها المكافأة في الربيع. وهكذا نبني منزلنا شيئا فشيئا، مثلما بنيت تونس
بعد /السنونو لا يموت في القدس/ و /شبمانيا مرة/ و /الملائكة/ و /شمس الضباع/ وكلها أشرطة سينمائية ولوحات اجتماعية دقيقة التصوير يستعيد المخرج التونسي رضا الباهي – مواليد 1947 بالقيروان – طفولته لفهم الحاضر على نحو أفضل، ويتساءل في فيلمه الأخير /صندوق عجب/ 2003حول الزمن الذي ينقضي، وإطار الأمس واليوم الاجتماعي، وعملية الخلق الفني، لملم رضا الباهي ذكريات الطفولة وجمعها في فيلمه الذي يتحدث عن تجربته السينمائية التي تعود إلى الخمسينات من القرن الماضي. كمحاولة بصرية لاستعادة ذاكرة، وكمسعى فني إلى فهم تفاصيل الخاص والعام. ف> مزيج سينمائي جميل بين الماضي من خلال شخصية رؤوف، السينمائي الشاب الذي وجد نفسه، وهو منكبّ على كتابة سيناريو فيلم جديد، في مواجهة الماضي والحكايات والتشعّبات الإنسانية والاجتماعية والثقافية التي رافقت تفتّح وعيه الطفولي على عالم مختلف، في مدينة القيروان، قبل أعوام طويلة. كأنه، بهذا كلّه، يُعيد رسم الذاكرة التي عرفها رضا الباهي نفسه، أو التي عاش بعضا منها في زمن مضى السيناريو لرضا الباهي والتصوير لبورقوس أرفينتيس والموسيقى للطفي بوشناق، وشارك في التمثيل هشام رستم ولطفي بوشناق وماريان بسلار وعبد اللطيف كشيش. الفيلم يروي قصة مخرج تونسي، يعيش مع زوجته الفرنسية على ذكريات حب مضى، هي ضاقت ذرعاً بالحياة في تونس وتريد العودة إلى عالمها الفرنسي وهو يحاول جاهداً، الإبقاء على سعادة عرفها في أحضانها، وعندما طلبت منها إحدى القنوات التلفزيونية الأوروبية أن يعد شريطاً سينمائياً يتحدث عن علاقته بالسينما حينما كان طفلاً، يتلقى هذا العرض المثير الذي يراجع من خلال كتابته كل التفاصيل الصغيرة التي مرّ بها مذ كان طفلاً. إنها عودة إلى الماضي، عودة إلى ما يتوق، إلى ماضيه كطفل، وكعاشق معاً.
يبدأ الفيلم، في القيروان مسقط رأسه، حيث عاش في كنف والد متشدد وتقليدي، لكنه يهرب من المدرسة ملبياً نداءات خاله الفنية، وهو يعرض أفلاماً سينمائية بعضها حقيقي، والبعض الآخر مفبرك، ولكنها تجتذب جمهوراً واسعاً من الأطفال، وربما يكون رؤوف أبرزهم وأشدهم شوقاً إلى الشاشة الكبيرة، هذا الشوق الجامح إلى السينما فجرّه خاله الذي أهداه بمناسبة ختانه الهدية السحرية /صندوق عجب/ والذي لاحظ فيه الطفل رؤوف حركات الحصان البطيئة التي تتغير تبعاً لحركة المقبض الدائرية، لتنتهي به إلى حركات الإغراء النسوية التي تؤديها إحدى الممثلات، وإن الخال هو الذي يفتح أبواباً مشرعة لهذا الطفل الذي بدأ يكتشف نفسه، واكتشاف العلاقة مع الجنس الآخر. لقد تعرض رؤوف إلى قمع شبه متواصل من أبيه الذي كان يفرض عليه حتى شرب الحليب الذي لا يحبه، من جانب آخر، فإن الفيلم يسلط الضوء على العلاقة بين الزوج التونسي والمرأة الفرنسية، ويكشف لنا عن مدى الغربة أو الضياع الذي تعيشه مع زوجها الذي أحبته يوم كانت مجنونة على حد قولها، وركضت خلف نداءات قلبها المستهام بالحبيب الأول الذي باتت لا تطيقه الآن..
يكفي فتح /صندوق عجب/ علبة الصور التي تتحرك وعلبة الذكريات المنتفضة التي لا يمكن لمسها، لتتبدى جرأة المخرج وإيمانه العميق بالأحلام القديمة من أجل تقبل أحلام الآخرين.
نال /صندوق عجب/ جوائز كبرى عديدة بمهرجانات مهمة مثل قرطاج ومهرجان الفيلم العربي بروتردام وشارك بمهرجان كان قبل عرضه في الصالات الفرنسية.
عن عمله في فيلمه /صندوق عجب/ قال المخرج رضا الباهي: /عند بلوغ الخمسين شعرت بضرورة، إخراج فيلم يستعيد علاقتي بالسينما منذ كنت طفلاً سيما وأن السينما الآن في تطور مستمر، إن من حيث الشكل أو المفهوم، أو حتى أذواق المشاهدين، وعندما يبلغ المرء سن الخمسين، تنتابه مشاعر عدة وتساؤلات مختلفة يصبح معها الوقوف عند الماضي حتمياً، لأن صور الطفولة ابتعدت أكثر فأكثر وألوانها شحبت. صندوق عجب أكسبني قناعة ذاتية، وهي أن الطفل الذي يكمن في داخلي، يجب أن يستعيد المكانة التي انتزعها الكهل/.
في شريطه الطويل الخامس "رقصة الريح" يمحور الطيب الوحيشي الأحداث حول شخصية يوسف, وهو مخرج في الخمسين من عمره, يقصد الجنوب التونسي بحثاً عن أماكن لتصوير مشاهد شريطه الجديد. فيلتقي في قرية غريبة راعية غنم جميلة تطلب منه ألا يلتقط لها صوراً. بعد ذلك يتيه في ليل الصحراء (أهي صحراء العمر؟) وتتعطل سيارته ذات الدفع الرباعي في قلب الصحراء. وهكذا يختلي بنفسه ليستعيد شريط أعوامه الماضية. ولا تبقى له من علامات موثوقة الا سيارته التي تشكل ركيزة بقائه وصموده أيضاً بما في صندوقها من زجاجات ماء وعلب بسكويت مبعثرة الى جانب الصور والسيناريوات والأوراق. يستسلم يوسف للأمر الواقع ويبدأ حلمه بفيلمه الجديد على رغم كل الظروف المحيطة.
وفي هذه الأثناء ينطلق مساعده, ترافقه "السكريبت", في رحلة البحث عنه. وتجعلنا تلك الرحلة نكتشف المنطقة ونعايش بعض المشاهد التي يراها المخرج أيضاً أو يتخيلها. كما يعمد الى رسم شخصيات سرعان ما تتحرك أمامه في سراب الصحراء. وهكذا يتوغل يوسف في هلوساته السرابية الى أن يكتشف فجأة - وبحركة انتقالية من الكاميرا - انه كان يؤدي دور الشخصية الرئيسية في فيلمه.
يركّز الفيلم على ثنائيات كثيرة مثل الاخراج والمعاناة, الحلم والواقع... السيرة الذاتية والسيرة الابداعية. مع ان الطيب الوحيشي - وهو كاتب الفيلم - لا يقرّ بأنه ينضوي ضمن أفلام السيرة الذاتية, ويفضل على ذلك وصفه بـ"السيرة الابداعية". وأشار في إحدى مقابلاته الى انه اختار المخرج والممثل الجزائري محمد شويخ ليلعب دور المخرج في هذا الفيلم "لئلا يقال ان سيرة هذا الفيلم هي سيرة الطيب الوحيشي".
أما بخصوص المعاناة التي يخوض فيها الفيلم فقد أشار الوحيشي الى أن فيلمه يطرح أسئلة عدة: كيف نواصل عملنا وإبداعنا؟ ولماذا الصورة؟ وما أهميتها؟ مؤكداً أن "كل واحد من السينمائيين العرب هو سيزيف, ولكن من دون بكاء, بل هو سيزيف عربي يقف بوجه المصاعب ويتحداها".