الأحد، 21 ديسمبر 2014

تمظهرات تشويه صورة العربي في السينما الغربية

عبد الكريم قادري ( الجزائر )




السينما قبل أن أن تكون فنا من الفنون تسلي الجمهور وتمتعه فهي أداة إعلامية ودعائية ضخمة، يمكن من خلالها توصيل أو إبراز فكرة سياسية أو إيديولوجية معينة لم تقدر عليها الأدوات التقليدية، وبالتالي تحولت السينما مع الوقت إلى أكثر الأدوات التي تستعملها الدول الغربية لتلوين وتزيين أفكارها، ومن بينها تشويه صورة العربي بشكل عام، من أجل إيصال ما تجده مناسبا لها ولأفكارها، للمتلقي/الجمهور المقصود نفسيا وعقليا لحدث ما ، ومن جملتهم صورة المغاربة والعرب على العموم/ الذين أُريدَ أن ينظر للفرد منهم على أنه إنسان يفتقد إلى الأحاسيس والعاطفة، رمز للتطرف والتشدد، والمشكلة في كل هذا هو المحاولة المستمرة لترسيخ هذه الصورة لتبقى في ذهن كل من يشاهد هذه السينما.
خاصة وأن صورة المغاربي  بصفة عامة مشوهة أصلا في نظر الغربي، بسبب الحملات الإعلامية المركزة على كل حادثة يكون الجزائري أو المغربي أو فرد أخر طرفا فيها، وسأضرب مثالا بسيطا  عن ازدواجية الخطاب الفرنسي وسياسة الكيل بمكيالين مختلفين ،  فعندما يتعلق الأمر بمنجزات ايجابية بارزة في قطاع ما، يتم ذكر الجنسية المكتسبة وفقط، أي الفرنسية، على غرار اللاعب المشهور زين الدين زيدان، والذي يتم وصفه على  أنه فرنسي وسيتم إسقاط هويته الجزائرية، لا لشيء سوى لأنه لاعب عالمي، وعلى النقيض من هذا وفي حادثة محمد مراح التي تم التركيز فيها بشكل دقيق على أصوله الجزائرية، وربطه بها في كل إطلالة إذاعية أو تلفزية أو مقال، مع العلم بأنه مولود في فرنسا وكبر وتربى فيها، حتى أنه لا يُجيد اللغة العربية وتم استعماله من طرفها بطريقة ما، لكن عندما يتم ذكره في الوسائل الإعلامية يقولون محمد مراح الجزائري، وهذا ليس بالغريب على فرنسا والدول الأوربية بشكل عام.
يشهد التاريخ السينماتوغرافي منذ السنوات الأولى للقرن العشرين وإلي يومنا هذا محاولة تكريس صورة نمطية ومشوهة للعربي، وجعلها كنموذج سلبي، تعتمده جميع شركات الإنتاج العالمية، إذ تم رسم العربي على أنه شخص جلف غليظ يعيش في الصحراء ويمتهن السلب والنهب، لا يحترم زوجته، ويملك العديد من الجواري والنساء، غبي بليد وبطيء الفهم، وخير دليل على هذا هو الفيلم الذي أخرجه ديفيد لين بعنوان"لورنس العرب" الذي لعب فيه الممثل المصري عمر شريف دور البطولة، إذ يروي هذا الفيلم قصة ضابط مخابرات انجليزي لعب دورا أساسيا في سياسية بلدان الشرق الأوسط، أين كرس صورة مغايرة للعرب وواقعهم وسبل وطرائق عيشهم، وأظهر أنهم متخلفون جدا، يرتدون العمائم والقمصان البالية، يتصارعون فيما بينهم، تسيرهم مصالحهم الشخصية على حساب الأرض والدين، ألبستهم متسخة ورثة، شعر رؤوسهم وذقونهم شعث وغبر، الخيانة ديدنهم، ويتم قيادتهم بشكل أسهل لغبائهم وسهولة الضحك عليهم، متآمرون على بعضهم البعض، كما أنهم يلهثون وراء الطعام والماء، بخلاء بعيدون كل البعد عن الأخلاق والكرم، كل هذه الصورة المشوهه نقلها فيلم "لورنس العرب".  
وقد تورط للأسف العديد من المخرجين العالميين في لعبة تشويه صورة العرب وترسيخ نماذج معينة كما قلت سابقا لدى الملتقي، وفي غالبية الأحيان يكون هذا التورط عن طريق أخذ حقائق مزيفة وغير كاملة من كتابات المستشرقين، أو الكتب التي تعمل على بلورة فكر معادي لكل ما هو عربي، وفي أحيان أخرى يسقط صناع السينما وهو تعبير أشمل في فخ الحسابات الإيديولوجية، لذا يكون لدى كل فيلم يتم صناعته آلية تدميرية وتشويهية مسطرة مسبقا وبنية خبيثة ودفينة، وكمثال على ذلك هي تحويل بعض القصص والكتابات العربية والشخصيات الأسطورية على أنها حقيقة مسلمة، ويتم العمل على تشويهها أكثر بوضع توابل الإثارة فيها، دون حتى التدقيق والعمل على روحية النص الحقيقي، إذ لا تحترم الرقعة الجغرافية، أو الألبسة المستعملة فيها، أو حتى الديكور التاريخي الصحيح، وعن سابق قصد وترصد، حيث يتم إذابة الشخصية الحقيقية، وهذا على غرار شخصية علاء الدين في فيلم بنفس العنوان أنتج سنة 1991 من طرف شركة ديزني، أين تم اللعب على أن " قوة الجني السحرية حين يدخل عالم القوة الكونية لإنشطار الذرة، تمسي قوة شريرة حالما يستولي عليها جعفر بأنفه المعقوف، وهي صورة العربي الشرير المكرورة، ويصبح هو نفسه أقوى جني على وجه البسيطة، إن القوة الذرية هي جزء من التكنولوجيا الغربية، وفي الفيلم تبعا لما قاله نادل، تجري الإشارة على أن قوة العراق النووية التي يصبح من خلالها الآخر الشرقي قادرا على الولوج إلى تكنولوجيا الغرب غير العدوانية، وهذه القوة تمسى مخاطرة بين يدي جعفر الشرقي الشرير، بينما تصبح عنصرا مكينا حين يستخدمها الجني الأمريكي" (1) 
كما تم الترويج لها في أفلام أخرى على غرار على بابا والأربعين حرامي، والسندباد البحري، والعديد من القصص الأخرى المقتبسة والتي أخذت معظمها من كتاب ألف ليلية وليلة بوصفه يمثل سحر الشرق الذي ارتبط في ذهن الغربي على مدار عقود من الزمن، ومن ناحية أخرى يقوم بعض المخرجين وبدون نية مبيتة على السقوط في فخ تشويه صورة العربي بدون قصد، إذ تساهم الأقلام المأجورة والتي لا تهمها القيمة الفنية لأي فيلم على الدعاية للفيلم المنجز، خاصة إذا تم اكتشاف توريط العربي فيها، وقد وقع في هذه الورطة الأخلاقية الكثير من المخرجين، من بينهم مخرج فيلم لص بغداد حيث يرى الناقد السينمائي السوري محمد عبيدو من خلال كتابه "السينما الصهيونية شاشة للتضليل" في الفيلم المذكور بأنه "تتم الإساءة للشخصية العربية من خلال ذلك الأمير العربي المزعوم والذي يقوم بأعمال تجارة الرقيق وأعمال أخرى سيئة من غدر وخداع واصفا تلك الشخصية بالتخلف والهوس الجنسي الذي يتحكم بتصرف وسلوك هذه الشخصية التي لا تتوانى في ارتكاب أي جريمة في سبيل تحقيق أهدافها غير الإنسانية والتي تثير حنق واشمئزاز المشاهد" (2)
ويضيف عبيدو معلقا على أجواء الفيلم الذي تجري أحداثه في بغداد من سنة 1823 التي "حيث يصورها – أي الفيلم – كما اعتادت معظم الأفلام الغربية، مدينة أشبه ما تكون بسوق لبيع الجواري والعبيد..وفيها المتسولون والحواة واللصوص، وفيها أيضا قطاع الطرق الذين يتصيدون فريستهم ويحددونها منذ نقطة الإنطلاق".(3)
أما المخرج الإيطالي بيرتولوتشي، في فيلمه" لالونا"، الذي صور فيه شخصية شاب مغربي اسمه مصطفى يعيش ويقتات من بيعه للمخدرات، نتيجة لسلوك معين، لكنه لا ينال إلا أرباحا ضئيلة مقابل أرباح الكبار الذين يدعمونه بها، ومن هنا يسقط القناع وتتوالى الأحداث إذ يتم التركيز على بيع مصطفى ل"جو" المخدرات، وبالتالي يظهر التأثير الكبير عليه، بعد أن جمعتهما صداقة تحاول أم جو اكتشافها، إذ تقع في حب أمومي بينها وبين مصطفى الذي ترى فيها حب من نوع آخر، ومن هنا يتم التركيز على أن مصطفى في أدائه لدور العربي الذي يبيع السموم، يساهم بشكل كبير في تقويض الأسر الغربية، من خلال الدفع بأبنائها إلى تعاطي المخدرات، ويقول بير تولوتشي في أحد حواراته مدافعا عن هذا الخيار وأهمية دور مصطفى في الفيلم  بقوله" شخصية مصطفى مهمة جدا بالنسبة لكاترينا، لذلك نراها تقصده، أو بالأحرى تجد في مصطفى غريما لحبها الأمومي، أو أنه الشخصية المزدوجة لابنها، مصطفى ما هو إلا انعكاس لابنها.. انه الوجه الثالث لشخصية جو".
وفي واقع السينما الإيطالية نبقى دائما، إذ تبرز المخرجة الإيطالية ليلينا كافاني في فيلمها المعنون بـ"الجلد" صورة مغايرة تماما للجنود المغاربة، أين أظهرتهم بصورة الشواذ جنسيا، حيث ينظرون بشهوانية كبيرة لمؤخرات الأطفال و يساومون الأمهات الإيطاليات من أجل مضاجعتهم، في مشاهد تساهم في تعزيز الصور المشوهة وتقلب حقائق وسلوك المغاربة، كما نرى من جهة أخرى وبالعودة إلى السينما الأوربية التي ننقل بعض أوجهها المظلمة، فإننا نرى بأن الفيلم الألماني الذي أنتج سنة 1957 وقام ببطولته الممثل الشهير اوتوفيلهلم، صور صعيد مصر على أنه فضاء لأناس وسخين بئيسين، يعيشون في مستنقع من الفقر والعوز، لا يعرفون ما ينفعهم ولا يضرهم، وكأنهم حيوانات أقرب منهم إلى البشر. وفي السينما الآسيوية يقول احمد سوكارنو عبد الحفيظ في استشهاده الذي استقاه من مقال محمد حسنين الذي نشره بمجلة العربي سنة 1989 حيث قال عن هذه السينما التي " لم تجد إلا العرب لتهزأ بهم وتسخر منهم، وكأنه ليس هناك سوى العرب ضحية لكل ناعق"، ففى فيلمPenoy Balut الذى كان يعرض فى الفلبين، "يصور العرب شاذين ساديين": وفى مشهد من مشاهد الفيلم "تنزعج الفتاة لمنظر العربى الكريه عندما تراه،..وتحاول أن توهمه أنها ولد.. فيهجم عليها، قائلاً" الآن أريدك أكثر…!!"

أرجع وأقول بأن هذه المشكلة تتجاوز المخرج وكاتب السيناريو بكثير، هي سياسة دول، لذا يصعب محوها، لأن المسألة مربوطة بشكل أساسي بالسياسية وبمن يملك السلطة والمال، لا يستطيع المغاربي سواء كان مخرجا أو كاتب سيناريو أن يروج للفكر الذي يريده، ومن جهة أخرى يطلب دعم أفلامه من هذه الدول، لأن فرنسا والدول الأوروبية تعرف جيدا أين تنفق مواردها المالية، ولن يحدث هذا إلا وفقا لشروطها ورؤاها، لكن من جهة أخرى يمكن لوزارات ثقافة الدول المغاربية كمؤسسات تابعة لحكومات لديها ميزانيات قارة وقادرة على تسطير إستراتجية معينة للسينما تحاول من خلالها استرجاع البريق، كما يمكن تحقيق هذا بدعم واستثمار من طرف  رجال الأعمال والمؤسسات الأخرى، وهذا من خلال دعم المشاريع السينمائية الهادفة والمدروسة بشكل جيد، ومن جهة أخرى السعي لخلق تكتلات اجتماعية وثقافية وسياسية في الدول الأوربية، من أجل إبداء الرأي والمشاركة في صناعته، لأن السينما الأوربية تحاول بكل الأشكال أن تجهض أي فرصة يجتمع فيها المغاربة في فرنسا، وهكذا تعمل سينماهم، تفرق وتشوه كي لا يندمج العربي بشكل عام مع الآخر، لأنها تعي خطورة هذا عليها وعلى ثقافتها ونقاء عرقها حسب هذا التفكير العنصري الذي تتبناه العديد من الجهات المؤثرة في أوربا.

الهوامش
1- محمد عبيدو، السينما الصهيونية...شاشة للتضليل، دمشق، دار كنعان للدراسات والنشر والخدمات الإعلامية، 2004، ص84
2- المرجع السابق، 74
3- المرجع السابق، ص 74
عن 
  2014-11-26





الجسرة الثقافية الالكترونية 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق