دمشق / محمد عبيدو
ليس مصادفة أن يكون اول فيلم ناطق في تاريخ السينما العالمية وبعد مراحل متعاقبة من الصمت .. هو مفني الجاز الذي لعب بطولته الامريكي آل جولسون عام 1972.. فهناك دلالة كانت مقصودة في تقديري .. وهي ان الانسان بمجرد ان اصبح بمقدوره ان "يتكلم "على الشاشة اختار ان "يغني " .
ومن يومها , والفيلم الغنائي نوع مهم جدا في السينما .. قد تواجهه لحظات صعود يتألق بها الفيلم الاستعراضي – عندما يضاف أيضا الرقص الى الغناء – ثم لحظات هبوط وكساد , مرتبطة اما بالمزاج النفسي للناس , أي المشاهدين , واما بظروف السينما نفسها فنيا واقتصاديا .. حيث ان الافلام الغنائية هي اكثر انواع السينما تكلفة وصعوبة بالتنفيذ ايضا .. ولكنها بالمقابل اكئر الانواع نجاحا ..
ولقد كانت كذلك بالتأكيد طوال تاريخ السينما العربية . فليس مصادفة ان تكون ازهى عصور السينما المصرية نتاجا وغنى فنيا وماديا ورواجا جماهيريا , هي العصور التي كانت فيها السينما تغنى . مع الاساطير المغردة , عبد الوهاب , ام كلتوم , ليلى مراد , اسمهان محمد فوزي , فريد الاطرش , عبد الحليم حافظ . وفي سوريا ولبنان مع صباح و سميرة توفيق وفهد بلان
" سيلينا" يعيدنا للفيلم الاستعراضي :
انطلقت عروض «هالة والملك» للأخوين عاصي ومنصور الرحباني، بنسختها السينمائيّة «سيلينا» حاملة توقيع المخرج المتميز حاتم علي في سينما (دمشق) التي قام المنتج السينمائي العريق نادر الأتاسي بتجديدها لتتحول إلى مجمع سينمائي وثقافي هام . وفيلم «سيلينا» أعاد المبدع الراحل منصور الرحباني وابنه غدي كتابته، وأنتجه نادر الأتاسي. الذي ينهي حياته في عالم الانتاج السينمائي من خلال «سيلينا»، على حد تعبيره، بعدما قدّم الثلاثية الرحبانية «بياع الخواتم» (إخراج يوسف شاهين)، «سفر برلك» و «بنت الحارس» (إخراج هنري بركات). وفيلم «الحدود» مع دريد لحام ورغدة , ومسلسل «الملاك الثائر» عن عن جبران خليل جبران .
من المؤكد ان الجمهور القادم لمشاهدة الفيلم، حمل بذاكرته المسرحية الرحبانية الخالدة التي عُرضت في 1967 , وحضور فيروز الطاغي , غير ان "حاتم علي " العاشق للسينما والقادم من تجربتة المهمة بمجال الدراما التلفزيونية , قام بأفلمة مميزة حملت بصمته الخاصة ورؤيتة السينمائية المتجدّدة , ليقدم فيلما فيه الكثير من المتعة والدراما والغناء والاستعراض والفن الجميل والرؤية السياسية الناقدة الحاملة لكثير من الاسقاطات على الواقع العربي الحالي , جعلنا ننسى العمل المسرحي الاصلي مع دقائق الفيلم الاولى .
عندما تصاب الحياة بالعطب ويختل توازن علاقاتها , يضطر الانسان في حركة دفاع عن النفس الى اخفاء وجهه الحقيقي , وسجن نفسه في الكذب والخداع , والى عيش ازدواجية ثقيلة . وهو , حين يطول به السجن , يحن الى ان يشهر وجهه الثاني , وجهه الحقيقي, ويتوق الى الحرية , والى كل ما اضطر الى التخلي عنه لدى الضعف والاستسلام .
تبدأ الأحداث في مدينة " سيلينا " التي يسودها الجشع و الزيف و الظلم وغياب العدالة والتي عينت يوما واحدا في العام تحتفل فيه بعيد «الوجه الثاني»، فيضع أفراد الشعب أقنعة ليوم واحد ويقولون فيه ما يشاؤون . الملك (جورج خبّاز الذي اضفى على الدور لمسة كوميدية ساخرة ) يتذمر من كلام الشعب عنه وشتائمهم له ولنظام الحكم في هذا العيد , ويعلن لحاشيته عن ملله وسأمه , فيخترع عراف القصر ( انطوان كرباج )كذبة يقدمها له بمثابة نبوءة بأنّه سيتزوّج أميرة ستزور المدينة في هذه الليلة. يقرّر الملك إلغاء الاحتفال . ويطلب الملك من الجميع أن ينزعوا أقنعتهم حتي يتمكن من معرفة الأميرة المقنّعة . وتأتي " هالة " ( ميريام فارس في اطلالتها السينمائية الاولى تخوض مغامرة صعبة نجحت بها وساعدها على ذلك صوتها الجميل واطلالتها اللطيفة امام الكاميرا ) الفتاة الفقيرة الى سيلينا لتبيع الأقنعة التي يلبسها الاهالي في عيد«الوجه الثاني» وقد تركها والدها (إيلي شويري ) ليبقى مع كاس السكر في "خمارة جورية" ويختلط الأمر على الأهالي، ويظنون أنّها الأميرة الموعودة فيأخذونها إلى القصر. تحاول إخبارهم بالحقيقة، لكنّ الناس يرفضون تصديقها. وحتى والدها " هب الريح " عندما يصحو من سكره ينكر ابوته لها امام حاشية الملك ظننا منه انه يعطيها السعادة والجاه بزواجها من الملك , فتقول له " رجاع سكار ورجاع بيي " ويجيبها " لا يا بنتي , لا ياهالة , ندهلك الغنى " . وتتوالى الأحداث وترفض هالة الزواج بالملك، لانها ببساطة لا تحبه . وتعلن ذلك على الملأ. بينما يحاول أعضاء حاشيته إقناعها بذلك لإمرار صفقاتهم المشبوهة . الملك يتأثر على الدوام بالكلام الكاذب من جانب حاشيته ويصدقونه باستثناء شخص وحيد هو شحاذ المملكة البسيط والفيلسوف الذي يصارح الملك بالحقيقة( جسده ببراعة عالية وتجدد ابداعي الفنان القدير دريد لحّام ليلقي بظلاله في فضاءات الفيلم التعبيرية ) ، بعد ذلك، يتنكّر الملك بزيّ الشحّاد ليعرف موقف هالة الحقيقي. ونرى هنا استعارة سينمائية لطيفة من "سيرانيو ديبيرجيراك " و هالة صوت الحقيقة التي تقول لا , تعري" سيلينا " المليئة بالزيف والاكاذيب , وتعري المؤسسة الحاكمة ليكتشف الملك المفارقة الساخرة انه رغم كونه اداة البطش العليا هو العوبة بيد بطانته التي بنت له عالما من الأكاذيب كي تحافظ على مصالحها .
وبالدقائق الاخيرة من الفيلم يتبيّن أنّ الحكاية كلّها مجرد حلم أبصرته هالة وهي تنام في ساحة المدينة . يوقظها الشحاد ويصل ابيها ليأخذها . ولكن يعيدنا المخرج حاتم علي في اللقطة الاخيرة الى الواقع مع القاء القبض على الشاب المعارض " باسل الخياط " ونراه من نافذة السجن يلقي التحية بلمس قبعته على هالة العائدة مع ابيها لضيعتها درج اللوز, تماما كما في اول لقاء لهما بساحة سيلينا . ليصنع لنا تماهيا حقيقيا بين الحلم والواقع .
بطاقة سيلينا :
عن مسرحية " هالة والملك " للاخوين رحباني
سيناريو وحوار : منصور الرحباني بمشاركة غدي الرحباني
انتاج : نادر الاتاسي 2009
اخراج : حاتم علي
الديكور والملابس : غازي قهوجي
التصوير : محمد مغراوي
التوزيع الموسيقي : رعد خلف
المونتاج : رؤوف ظاظا
تمثيل : دريد لحام - ميريام فارس - جورج خباز - انطوان كرباج – ايلي شويري – ايمن رضا – حسام تحسين بيك – نضال سيجري – اندريه سكاف – ليلى اسطفان
عن مسرحية " هالة والملك " للاخوين رحباني
سيناريو وحوار : منصور الرحباني بمشاركة غدي الرحباني
انتاج : نادر الاتاسي 2009
اخراج : حاتم علي
الديكور والملابس : غازي قهوجي
التصوير : محمد مغراوي
التوزيع الموسيقي : رعد خلف
المونتاج : رؤوف ظاظا
تمثيل : دريد لحام - ميريام فارس - جورج خباز - انطوان كرباج – ايلي شويري – ايمن رضا – حسام تحسين بيك – نضال سيجري – اندريه سكاف – ليلى اسطفان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق