الاثنين، 8 ديسمبر 2014

قضية الدين والفن وفيلم “الوهراني” لإلياس سالم


يرى كتاب وباحثون أن الضجة التي أثيرت حول فيلم “الوهراني”، والدعوة إلى محاكمته “دينيا”، عبارة عن محاولة للتضييق على الحريات وعلى العمل الفني، واعتبروا أن اللجوء للديني من أجل محاكمة الفني، عبارة عن فعل يفضي إلى بلوغ مرحلة جديدة من الرقابة، تتعارض مع ماهية الفن والسينما التي تبرز عيوب وأخطاء المجتمع. ويذكر المشاركون في ندوة “الخبر” أن ما حدث مع الفيلم إنما هو مُؤشرٌ على خلل في المُجتمع الجزائري”

 

أحمد دلباني
“هناك مُحاولة للاستحواذ على التاريخ الوطني من قبل الديني”
يعتقد أحمد دلباني، أستاذ الفلسفة بجامعة بسكرة، أنَّ ما أثيرَ على هامش عرض فيلم “الوهراني” في الجزائر “يُعتبرُ مناسبة سانحة لإعادة طرح مُشكلة الرَّقابة في مُجتمعنا بوجهها الدِّيني الذي يعتمدُ الفتوى سبيلا إلى الإدانة والمنع.
 لقد تجاوزت مُجتمعاتنا، نسبيا، المنعَ السياسيَّ / الإيديولوجيّ التقليديّ على المُستوى الرَّسمي بفعل “حصان طروادة” المعلوماتي الذي اخترق أسيجة الدولة الأمنيَّة؛ وبفضل مفاعيل العولمة وضغوطها السياسيَّة / الحقوقيَّة ذات المنهل الليبرالي. ولكنَّ بنية المُجتمع التقليديَّ مازالت تكبحُ الحرية وتنتفضُ ضدَّ كل تململ يجنحُ نحو الخروج من قمقم الأحادية وضغط الذاكرة التي تنتعشُ بفعل الخيبة العامة باعتبارها ملاذا آمنا من حاضر غير مُسيطر عليه”.
ويرى دلباني أنه “بعد “البطاقة الحمراء” التي كان يُشهرها النظام السياسي القائم على الأحادية الإيديولوجية في وجه كل فكر مُختلِف يطلب حق المواطنة في الفضاء العام، ها نحنُ اليوم نعيشُ عهدَ ازدهار “البطاقة الخضراء” التي يرفعها الرقيب الديني. المُشكلة، بالتالي، لا تتعلقُ بنقاش حر حول عمل فنيّ ينبشُ في تاريخ الذاكرة الوطنيَّة إبان الحقبة الكولونيالية باحثا في الزوايا المُعتمة المُغيَّبة، وإنما بغياب فضائل النقاش الديمقراطي في الفضاء الاجتماعي، بمعزل عن آلية الفتوى التي تستندُ إلى “التابو” وهيبة المُقدَّس من أجل حراسة المُدوَّنة الرسميَّة للتاريخ”. وأضاف دلباني: “لقد لاحظنا، بالتالي، أنَّ هناك مُحاولة للاستحواذ على التاريخ الوطني عند المُفتي الجزائريِّ من خلال تقديم مُناضلي الحركة الوطنية باعتبارهم “مُجاهدين في سبيل الله” و«من أولياء الله” لا بوصفهم بشرًا مُناضلين من أجل الحرية والكرامة والعدالة والاستقلال السياسي عن الكيان الاستعماري”.
إنَّ النقاش الحالي واللغط السَّائد حول الفيلم يتجاوز، بكل تأكيد، حسب صاحب كتاب “قداس السقوط”: “الحضورَ الفني للعمل المعروض ليُصبحَ قضية تتعلقُ بالفضاء العام والقيم التي يجبُ أن تحكم النقاش داخل مُجتمع مازال يُعاني كثيرًا من أزمة غيابِ المرجعية الديمقراطية وترسخ قيم النقاش الحر بمعزل عن المُمارسات القروسطية كالفتاوى التحريضيَّة المُنتعشة اليوم، بكل أسفٍ، عبر أرجاء العالم العربي/ الإسلامي كله. إننا نعيشُ زمن الإكليروس الإسلامي في صورته المُتوحشة غير المُؤسَّسية”.
وختم دلباني كلامه قائلا: “من هنا أقول إنَّ قضية فيلم “الوهراني” لا تدور في فلك النقد الفني وإنما هي مُؤشرٌ على خلل في المُجتمع الجزائري الذي لم يصل، بَعدُ، إلى تحرير الماضي من الوصاية الدينيَّة والسياسية”.

الدكتور إسماعيل مهنانة
“ليس من اللائق محاكمة أعمال فنية محاكمة أخلاقية”
صرّح الدكتور إسماعيل مهنانة، أستاذ الفلسفة المعاصرة بجامعة قسنطينة، أنه “حان الوقت  لتحرير النقاشات حول الفن والثقافة من المنابر المتطفلة عليهما”، معتبرا أنه “لا يحقّ لداعية مثلا الإفتاء في شأن السينما الذي لا يفقه فيه شيئا، كما حدث مؤخرا مع فيلم “الوهراني”. مثل هذه النقاشات لديها أهلها من النقاد والمخرجين والمتخصصين”. ويرى مهنانة أنه “بالعودة إلى الفيلم أعتقد أن مخرجه تعمّد توجيه رسالته بهذا الشّكل، وله كامل الحق والحرّية في ذلك، من الناحية الأخلاقية، أمّا قيمة الفيلم فنّيا فتلك مسألة تخصص وذوق. فمن جهة التخصص يمكن الحكم على الفيلم من خلال ما افتكّه من جوائز مشجّعة لمخرج جزائري شاب، أما من جهة الذّوق لندع الحكم للجمهور”.
ويمكن إرجاع الضجّة أحدثها “الوهراني”، حسب الدكتور مهنانة، “إلى كونه خدش حساسية سلطتين ووصايتين وشرعيّتين، سلطة الأسرة الثورية التي لاتزال تمارس وصايتها على تاريخ الثورة التحريرية بما يكرّس الرواية الرسمية المقدّسة للأشخاص، وسلطة الشرعية الدينية للوعّاظ الشعبويين الذين يقتاتون على ممارسة الوصاية الدينية على الأخلاق والضمائر”. وأضاف: “واقعيا، أعتقدُ أن عصر الرقابة والمنع والتعتيم الإعلامي على أي فيلم أو كتاب أو عمل فني قد ولّى بغير رجعة في عصرنا الرقمي هذا. أمّا فنّيا فليس من اللائق محاكمة أعمال مسرحية أو سينمائية أو روائية محاكمة أخلاقية، مثل اتهام الفيلم بإشاعة كلمات بذيئة على أفواه الممثّلين لأن الكلام النّابي منتشر في الواقع، والسينما ملزمة بنقل الواقع نقلا فنّيا وليس تجميله تجميلا أخلاقيا”.
ومن جهة الوفاء للحقيقة التاريخية التي يلقي عليها الفيلم بعض أضوائه، يعتقد مهنانة أن “الفنّ ليس ملزما بالوفاء التام للرواية الرسمية للتاريخ، بقدر ما هو وفيّ لتخريج الواقع وجهة فنّية محضة”، مضيفا: “وعليه أيضا يجدر التفكير في إخراج الفيلم التاريخي الجزائري من سطوة الرواية الرسمية للتاريخ وإملاءاتها. وبالعودة إلى تشخيص الفيلم لأبطال الثورة، فالجميع يعلم أن مفجّري الثورة كانوا شبابا ينتمون إلى الواقع الاجتماعي المثخن بالتناقضات، ولم ينزلوا كالملائكة من السماء”.

عدة فلاحي
“أعذب الفن أكذبه”
 أوضح الكاتب الصحفي والبرلماني السابق، عدة فلاحي، بأنه يمكن القول قياسا على طريقة الشاعر: “الفن مدرسة إذا أعددته، أعددت شعبا طيب الأعراق”، ولكنه يتأسف أن الفن أضحى: “يحمل كل مفردات الإثم والفجور من طرف الجماعات الدينية التي كثيرا ما تضيق واسعا وتسد الأبواب، حيث يجب أن تشرع للإبداع الذي لا يجب أن يواجه إلا بالإبداع، وإلا توقف البناء الحضاري الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننتظر منه الكمال”، وأضاف فلاحي: “إذا قلنا بأن الإسلام مقدس، فهذا لا يعني بأن المسلمين مقدسون، وهكذا ومثله إذا قلنا بأن الثورة الجزائرية مقدسة فهذا لا يعني بأن المجاهدين مقدسون”. وحسب فلاحي، فإنه “إذا كان العمل فنيا، ليس بالضرورة أن يكون في مقام الكتابة التاريخية التي تحظى بالإجماع. وأضاف “لقد سادت لقرون طويلة في عالم الأدب العربي قاعدة “أعذب الشعر أكذبه” حتى جاء الإسلام وأراد حسان بن ثابت كسر هذه القاعدة واستبدلها بقاعدة “أعذب الشعر أصدقه”، ولكن الأمر لم يدم ويصمد طويلا، وربما أسمح لنفسي بالقول “أعذب الفن أكذبه” والله أعلم”.

سعيد خطيبي
“التّاريخ يصنعه دائما بشر وهم غير معصومين”
 قال الروائي سعيد خطيبي إن “أزمة فيلم “الوهراني” وضعتنا نحن أمام معادلة غير متكافئة الأطراف، تجمع بين مخرج أثبت جدارته وفيلم ينتصر للفنّ من جهة، ومن جهة أخرى، رجل دين يغلب الصّوت على المنطق. مخرج يعتمد على قاعات سينما قليلة العدد لمخاطبة النّاس، ورجل دين يستفيد من الحضور الإعلامي للتّرويج لفكرة منع فيلم “الوهراني”، وبينهما متلقون اكتفوا بابتلاع كلمات رجل الدّين، المقتبسة من قاموس الشّارع، دونما أن يشاهدوا الفيلم في حدّ ذاته”. وأضاف خطيبي: “يستمر عرض فيلم “الوهراني” في فرنسا وفي المهرجانات الدّولية، ويواصل حصد الجوائز وتشريف الجزائر في زمن نحنّ فيه بحاجة لتشريف ثقافتنا. ولو كانت نوايا المُدافعين عن التّاريخ صادقة، لماذا انتظروا طويلا قبل إثارة الضّجة الحاليّة؟ فقد سبق “الوهراني” عرض أفلام أخرى خلّصت الماضي من بعض قدسيته المبالغ فيها. هل شاهد هؤلاء مثلا فيلم “خارجون عن القانون” وشخصية سعيد، مناضل وطني وصاحب ملهى ليلي بباريس؟”. وأضاف خطيبي: “أهمية النّقاش الدّائر الآن، وما نشكر الشيخ المذيع عليه، ضرورة إعادة التّفكير في تاريخ الثّورة، وتحريرها من عقدها الأخلاقية والسّماوية، فالتّاريخ يصنعه دائما بشر، وهم غير معصومين”.

شرف الدين شكري
“الصورة المثالية لا توجد إلاّ في ذهنية رجل “الدين الشعبي”
 يرى الروائي شكري شرف الدين أن حادثة التهجم على فيلم سينمائي، ليست بالحادثة الجديدة على رجالات الدين، فلطالما تحدّث الأزهريون، حسبه، عن أفلام مصرية أثارت جدلا كبيرا في المجتمع. وحسب شكري شرف الدين، فإن “التمثيل ذهب في مصر إلى تحدّي صورة المقدّس الديني ذاته، واعتباره في الخطاب السينمائي قابلا للقراءة، وهو الشيء الذي قرأ به يوسف شاهين سورة “يوسف” في القرآن الكريم وفي “التوراة”، وأوَّلها كما أراد بمنطق السينما، ونحن نذكر جيدا كيف أوّل يوسف شاهين علاقة سيدنا يوسف عليه السلام بزليخة”، مضيفا: “لا داعي للتذكير بأن من قام بالثورة هم كل الجزائريين (بغض النظر عن المجاهدين المزيفين الذين فاقوا تعداد المجاهدين الحقيقيين)، ولذلك فإن الصورة المثالية في حقيقة الأمر، لا توجد إلاّ في ذهنية رجل الدين الشعبي المتواطئ مع رضاء السّلطة المسترضية دوما للمحكوم فيهم نفاقا”. وختم شرف الدين قوله: “لا أعتقد بأن المواطن الجزائري تربى على كشف أو اكتشاف الحقيقة، مهما كان نوعها، لأن الصوت الأول، هو دوما صوت السلطة، ومن أبجديات السلطة، الصراع من أجل البقاء، لا من أجل المرور إلى سلطة أخرى (خطاب الآخر، لم ينضج بعد)”.


الكلمة للسينمائيين

السيناريت محمد شرشال
 “أنصح من انتقد الفيلم دون مشاهدته، بأن يشاهد الفيلم أولا، إذ لا يحق له الحكم من خلال أخبار سمعها، هذا حكم ليس عادلا، عليه أن يشاهد الفيلم أولا، فمن حق الجيل الجديد أن يروي الثورة من وجهة نظره، فنحن اليوم أمام حقيقة واضحة، أن هناك جيلا جديدا يريد أن يروي من وجهة نظره، لأنه لا توجد في تاريخ الثورات ثورة ناصعة البياض، وما قام به إلياس سالم يندرج ضمن خانة حرية التعبير المكفولة دستورا. وأنا أدعو هؤلاء إلى المطالبة بتغير الدستور، إذا كانوا يعترضون على الحرية.  وبشكل عام ما قاله الشيخ لا يرقى إلى فتوى، وننصحه بأن يشاهد الفيلم”.

الممثل أمين بوشملة
 “يجب على من انتقد فيلم “الوهراني” وعارضه، بأن يشاهده حتى يصدر حكمه. بالنسبة لي الفيلم جيد، وإذا كان هناك انتقاد له يجب أن يكون من طرف المتخصصين، وليس من طرف رجال الدين لأن الخلط يعتبر تهديدا لحرية الأفراد، وهذا أمر خطير على الجزائر التي تحررت بصعوبة من زمن الإرهاب”.

الكاتب السوري محمد عبيدو
 “إلياس سالم منذ فيلمه الأول “مسخرة” تميز بمعالجته لإشكاليات الواقع الجزائري، المهم في الجدل الذي يثار حوله أن من يحاكمونه ينطلقون من طابوهات الثالوث المحرم ويحكمون بإعدامه، ربما قبل أن يشاهدوه. وهذا تعامل إيديولوجي مع عمل فني، يجب أن يناقش عبر جمالياته وطرحه الإبداعي، وعلى المبدعين اتخاذ موقف من الذين تهجموا على الفيلم، لأن ذلك يعتبر جزءا من المعركة بين التنوير والظلامية”.
 

المخرجة ياسمين بسكري
 “كل واحد في مكانه، هناك لجنة قراءة الأفلام تتكون من خبراء في التاريخ وافقت على سيناريو الفيلم، وما لا يعلمه من عارض الفيلم أن المخرج إلياس سالم رفض إنتاج الفيلم بأموال فرنسية، وسعى جاهدا ليكون الفيلم ممولا من طرف الجزائر، كما أن القول بأن الجماهير رفضت الفيلم أمر غير صحيح، لأن الفيلم أعجب جمهور وهران وصفق له”.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق