الجمعة، 29 سبتمبر 2023

المخرج العالمي نوري بليج جيلان رئيساً للجنة تحكيم مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي

 


محمد عبيدو

كشف محمد علال محافظ مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي عن تعيين المخرج التركي الكبير نوري بليج جيلان، رئيسًا للجنة تحكيم المهرجان الذي سيقام شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

جيلان، الذي توج لست مرات بمهرجان كان السينمائي (2003، 2006، 2008، 2011 ،2013 ،و 2023 ) ثمانية أعمال سينمائية و فيلم قصير استطاعت أن تذهب باسم صاحبها إلى مصاف مبدعي السينما الخالصة الكبار في العالم.

نوري بيلجي جيلان، من مواليد 26 يناير 1969 باسطنبول، درس جيلان التصوير حينما كان في الخامسة عشرة من عمره، وبدأ اهتمامه يتطور بالسينما حينما بلغ الثانية والعشرين من عمره، وخلال فترة دراسته في جامعة بوغازيشي كانت له مجموعة من المساهمات في عالم التصوير، بانتظار أن يتخرج حيث حصل على بكالوريوس الهندسة الكهربائية في عام 1985 ، طار بعدها للدراسة والتخصص في مجال الهندسة الكهربائية إلى لندن، مما أتاح له الوقت للتفكير في مستقبله، ولكنه سرعان ما عاد إلى أنقرة للالتحاق بالخدمة العسكرية التي استمرت 18 شهرًا ، ومنها يمضي إلى السينما التي وجدها الفضاء الذي يمكنه أن يعبر فيه عن إبداعاته. ، درس السينما في جامعة معمار سنان وعمل مصورًا محترفًا لدعم نفسه. بعد عامين ، اختار التوقف عن الدراسة والتركيز على مهنته. بدأ حياته المهنية في التمثيل في فيلم قصير أخرجه صديقه محمد ارييلماز.

 تميزت أفلامه بلغة سينمائية قاتمة وشاعرية مزجت إيقاعا هادئا بمراقبة صارمة للتحوّل الروحي الخاص بالإنسان، أو بالمجتمع أيضا.

بدأ تصوير فيلمه القصير الأول كوزا (كوكون) في أواخر عام 1993. في مايو 1995 ، عرضه في كان ونال عنه عدد من جوائز المهرجانات، لينجز بعده تحف سينمائية هي شرنقه (1995)، ثم افلام المدينة الصغيرة (1997)، غيوم مايو (1999) ، و بعيد (2002) هي الأفلام الطويلة الثلاثة التي تلت ذلك. تعامل جيلان مع كل الجوانب الفنية تقريبًا لهذه الأفلام شخصيًا ، بما في ذلك التصوير السينمائي وتصميم الصوت والإنتاج والتحرير والسيناريو والإخراج. أصبح جيلان مخرجًا مشهورًا عالميًا بعد فوز "بعيد" بالجائزة الكبرى وأفضل ممثل في مهرجان كان عام 2003. واصل "بعيد" جولاته الاحتفالية بعد مهرجان كان ، وحاز على إجمالي 47 جائزة ، بما في ذلك 23 تكريمًا أجنبيًا ، مما يجعله الفيلم الأكثر حصولًا على جوائز في تاريخ السينما التركية. وهو فيلم قائم على المسافات، على البُعد، منذ بدايته ونحن نشاهد يوسف يسير مبتعدا عن قريته، ويرغب في البُعد أكثر بالعمل على باخرة سياحية تلف به العالم، ثم على مدار الفيلم في إطار عام قاتم وثقيل نتعرف على محمود، الذي يستضيفه في شقته.

هذا الفيلم هامشي تماماً وذاتي تماماً ، اي يسير عكس تيار ما اعتادت عليه السينما التركية ، حتى لو كان مخرجه ، اعلن ان الفيلم لايمثل سيرته الذاتية ، لا بد لنا من ان نلاحظ نقاط تشابه كثيرة بين المخرج وواحد من البطلين /محمود / الذي يعمل مصوراً لبلاط البورسلين والإعلانات التجارية ،ويحلم بأن يصبح سينمائياً ، وهو مثقف ومصور ، ينتمي بدوره الى جيل ثورات الشباب الثقافية ، كما ان الفيلم صوّر في شقة المخرج نفسه ،/ محمود / بطل الفيلم ، يعيش في اسطنبول ، وسط صقيعها وثلجها ، ومنظرها الرائع : حياة رتيبة أنسنة الى حدّ كبير جذوره ، وانسته ، حتى احلامه التي باتت مجرد لوحات فوتوغرافية معلقة على جدران شقة بسيطة ، ذات يوم يستقبل/ محمود/ على مضض، /يوسف/ ابن عمه الشاب الآتي من الريف، حيث البطالة والبؤس بحثاً عن عمل في المدينة ، محمود يضطر الى ايواء يوسف في شقته.. ريثما يعثر على عمل ، وبالتدريج يتصاعد التوتر بين الاثنين ، اذ تصبح حياة /يوسف/ خواءً وتنقلاً في اسطنبول بحثاً عن عمل او امرأة او عن اي شيء ، بينما يعيش محمود ازمة علاقاته العاطفية وفشله المهني وخواء ارتباطاته بالمدينة .‏

وهذا كله يصوّره لنا /نوري سيلان /، باسلوب هادىء وكاميرا تعرف كيف تلتقط جمال المدينة في الوقت الذي تلتقط ايضاً عجز الشخصيتين الرئيسيتين عن تلمس هذا الجمال حقاً وتحويله الى بُعد انساني حقيقي ، ذلك ان الظروف سلبت من هذين حتى الرغبة في البحث عن مصير الصمت، هو أداة التواصل بين /نوري سيلان/ وجمهوره انه يصمت طويلاً ليدعه يتأمل الطبيعة ، ويتأمل علاقة الانسان بالطبيعة ، وعلاقته بالآخر ، ويصمت طويلاً ليدعه يفكر ، ويستمتع بالصمت والتفكير ، وللوهلة الاولى يبدو لا شيء يحدث في فيلم سيلان ، بينما يحدث فيه كل شيء، لانه يصوّر الحياة بكل ما فيها من تقاطعات وتناقضات ، ويحول اليومي والعادي الى حدث مدهش وغير عادي .‏

/نوري سيلان/ قدّم شريطاً صامتاً عميقاً لامع الوصف للعزلة والحرمان ، مفعماً بالتفاصيل والانفعالات العميقة .‏

حازت أفلامه اللاحقة على جائزة فيبريسكي في مهرجان كان: (مناخات) في عام 2006 ، و ثلاثة قرود في عام 2008 ، وهو رواية كئيبة عن أسرار عائلية وفيه نرى السياسي الطموح ثروت يعرض على سائقة أيوب مالا كثيرا كي يتحمل عنه مسؤولية حادث سيارة أودى بحياة أحد الأشخاص. وبينما كان أيوب يمضي عقوبة السجن لمدة عام بعث ابنه إسماعيل وأمه هاجر إلى ثروت لتطلب منه مبلغا من المال كدفعة أولى لشراء سيارة. وكنوع من أنواع "الخدمة المقابلة" نشأت بين هاجر الحسناء وبين ثروت علاقة حب. وقد أراد إسماعيل تجاهل الأمر، كما أن والده أيوب تخوف لمدة طويلة بعد خروجه من السجن أن يرى الحقيقة، لأنه أراد، مثل الآخرين، أن يستفيد من عدم معرفة الموضوع. يبين فيلم “القرود الثلاثة” بدقة كيف أن نسيج الأكاذيب وترقب المواقف والانتظار يتفكك تدريجيا وكيف يؤدي السكوت العام على الأمور المهمة إلى ثورات غاضبة، وفي النهاية يكون الكل متهما بالوقيعة أو يلقى مَنيّته.

و اخرج " ذات مرة في الأناضول" في عام 2011.. الفيلم من بطولة محمد أوزونر ويلماز أردوغان وتانر بيرسيل، ويدور حول قصة متوترة مدتها 12 ساعة لطبيب ومدعي عام يجريان تحقيقًا في جريمة قتل. تم تصوير الفيلم، الذي استمر أحد عشر أسبوعًا، في منطقة كيسكين في كيركالي. بهذا الفيلم، ترك نوري بيلجي جيلان همومه الحضرية جانبًا وعاد إلى عالم الريف المضطرب. 

فيلمه "سبات شتوي"، الذي يستغرق 3 ساعات و17 دقيقة، قد يتركك منفصلًا في البداية، ولكن هذا هو نوع العمل الذي يهدف إلى التسلل إليك ومطاردتك على المدى الطويل، بعدة طرق لا يمكن التعرف عليها على الفور. لا يعد الفيلم بمثابة هروب ساحر إلى عالم آخر فحسب، بل يقدم أيضًا غوصًا عميقًا ورحيمًا في الضعف البشري وخداع الذات.

 يتناول قصة كاتب قديم يدير فندقا صغيرا مع أخته المطلقة وزوجته الشابة المنفصلة عنه عاطفيا في وسط الأناضول، وحين يحل الشتاء يصبح الفندق مأوى وسجن في وقتٍ واحد.. يخلق جيلان في “نوم الشتاء” عالمين متوازيين ومتعايشين، لكن بونا شاسعا يفصل بينهما: عالم الكاتب وصاحب المنتجع آيدن، وعالم إسماعيل المعدم العاطل عن العمل وزوجته وابنه وأمه وشقيقه الواعظ طيب القلب “حمدي”. وحين يصطدم سائق آيدن مع إسماعيل بسبب حجارة رماها ابنه “إلياس” على سيارة آيدن وهشّم زجاج بابها الأيسر، يصل الإمام الطيّب ويوقف عراكا كاد ينتهي إلى مأساة ، وتحدث سلسلة من اللقاءات التي من شأنها أن تهز أفكار البوهيمي المسن الأكثر اعتزازًا حول مبادئه، ومجتمعه، وقواعده الأخلاقية الراسخة. وحين تحاول نهال أن تجد سببا وطريقة لمساعدة تلك العائلة المعدمة، تصطدم بواقع جهلها البرجوازي لمنطق الكرامة لدى الفقراء، وحين تذرف الدموع بعد ذلك، فهي إنما تذرفها ليس بسبب الخسارة المادية التي تتعرّض إليها في لحظة الاكتشاف، بل للصفعة المعنوية التي يوجّهها إسماعيل إلى زهوها البرجوازي. يجعلها إسماعيل بتلك الإيماءة تدرك أن الفقر لا يعني فقدان الكرامة دائما.

سبات شتوي ، حصل على السعفة الذهبية وجائزة فيبريسكي في عام 2014. وعن الفيلم يقول نوري جيلان في حوار معه: في فيلم “سبات شتوي” أعدنا تجسيد قصة لـ”تشيخوف” اسمها “الزوجة”، لقد سكنت عقلي هذه القصة لأكثر من 15 سنة، لكن لم تكن عندي الثقة اللازمة لخوض غمار تصويرها، وفجأة بدأت مع زوجتي كتابة سيناريو مقتبس منها، وأنهيناه في ستة أشهر، لقد كان تحديا صعبا أن أنجز فيلما يستند إلى حوارات فلسفية، فالسينما لا تحبذ في العادة هذا الثقل الفكري، كنت خائفا، لكن في الوقت نفسه كنت بحاجة لهذا الخوف، فعندما تخاف من شيء تبذل مجهودا أكبر، لأن غياب الخطر يصيبك بالكسل.

في فيلمه الأحدث "عن الأعشاب الجافة" يحكي لنا نوري بيلج جيلان عن سامت، مُدرس الفنون الشاب، الذي ينهي سنته الرابعة من الخدمة الإلزامية في قرية نائية في الأناضول،وبعد تحول درامي يصعب عليه فهمه، يفقد آماله في الهروب من الحياة القاتمة التي يشعر بأنه عالق فيها، وفي وسط ذلك يقابل معلمة هي نوراي، فهل تساعده في التغلب على قلقه؟ 

الحياة تستمر في هذا المكان دون الوصول إلى أي نقطة نهاية مثيرة ، ولكن دون الشعور بالمناخ أيضًا. هذا الفيلم، الذي يبدو صعبا ومبهمًا كما هو الحال في العديد من أفلام جيلان في البداية، لديه في الواقع شيء مثير للاهتمام في جودته الثرثارة وواسعة النطاق: جودة أدبية في الواقع. يمنح جيلان سامت صفات الراوي الملتزم بسخرية، بخيبة أمل وغير راضٍ ومع ذلك فهو كريم بما فيه الكفاية في طريقه.

وقال جيلان في بيان إنه يريد أن ينقل الفيلم التدهور التدريجي في القناعات الشخصية لموظفي الخدمة المدنية والمعلمين الذين يتم إرسالهم إلى المناطق النائية في سن مبكرة.

في فيلم "حول الأعشاب الجافة"، رغم طابعها الرئيسي هو التأمل في حقيقة أن تضاريس الأناضول الجميلة يبدو أنها تحتوي على موسمين فقط. الأول هو الشتاء المغطى بالثلوج، حيث حصلنا على لقطة جيلان المميزة لشخصية وحيدة تتثاقل نحو الكاميرا في الثلج. وهذا يفسح المجال فجأة لصيف مشرق، حيث ستكشف الأرض عن نفسها مغطاة بعشب جاف عديم الملامح، والذي يتمتع بسحر غامض في جماله الصارم.

كتبت مجلة Variety التجارية أن جيلان يتعمق أكثر في موضوعات من الأعمال السابقة مع “حول الأعشاب الجافة” ، والتي نظرت خلال 197 دقيقة في “حق الإنسان ، للأفضل أو للأسوأ ، في أن يكون أنانيًا ، وأن يكون مناهضًا للبطل ، أتوق إلى الاهتمام والعزلة دفعة واحدة ، والتحدث عن ذلك طوال الليل “.شارك الفيلم في المسابقة الرسمية لمهرجان كان 2023، وفازت ممثلته مارفي ديزدار بجائزة أفضل ممثلة عن تأديتها لدور نوراي.

تركز أفلام جيلان في الغالب على الاغتراب الفردي والعدمية ورتابة الحياة البشرية وتفاصيل الحياة اليومية. إنه يستخدم لقطات ثابتة ويأخذ وقتًا طويلاً في المواقع الطبيعية ، فضلاً عن التلاعب بالأصوات ، لا سيما استخدام الصمت المشؤوم. يشتهر بتصوير بطله من الخلف ، والذي يعتقد أنه يسمح للمشاهدين بتخمين المشاعر القاتمة للشخصيات لأن وجوههم مخفية. تم تصوير أفلام جيلان الأولى بميزانية محدودة مع فنانين هواة في الغالب ، وكان معظمهم من أفراد عائلته وجيرانه.

نوري بيلج جيلان ، وضع السينما التركية تحت دائرة الضوء بشكل مكثف في أوروبا، بأعماله المحكمة من الناحية الفنية التي تعطي نظرة دقيقة ترصد التغيرات داخل المجتمع التركي.










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق