محمد عبيدو
أعلنت مساء اليوم إدارة «أيام قرطاج السينمائية» في دورتها الـ34، عن تكريم أحد أبرز وجوه «السينما الفلسطينية الجديدة» الحائز علي التانيت الذهبي للدورة الـ 25 من المهرجان عن فيلم «عمر»، المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد.
وذلك تقديراً لمسيرته الإبداعية الحافلة بأفلام خرجت بالسينما الفلسطينية عن المألوف ووضعت معاناة الشعب الفلسطيني أمام أنظار العالم.
ذاع صيت المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد من خلال أفلام تميّزت على الصعيد العالمي على غرار فيلم "الجنّة الآن"، وحصد عنه جائزة غولدن غلوب لأفضل فيلم أجنبي سنة 2006 ، فضلاً عن ترشيحي "الجنّة الآن" و"عمر" لمسابقة الأوسكار في قسم أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبيّة.
هاني أبو أسعد، الذي ولد في فلسطين بالناصرة في 11 أكتوبر 1961، أسّس سنة 1990 شركة "أيلول" للإنتاج السينمائي ويعد الفيلم القصير "منزل ورقي" (إنتاج 1992) أول عمل سينمائي في رصيده وحصد عنه عدة جوائز في مهرجانات دوليّة ثمّ توالت أعماله الفنيّة ومنها فيلمه الطويل الأوّل "الفرخ الرابع عشر" سنة 1998 وبعده "الناصرة 2000" سنة 2000التسجيلي الطويل (52) دقيقة، يعود هاني أبو أسعد إلى مدينة الناصرة ليقدم فيلما عنها، هو قصة حب من المخرج تجاه مدينته بأماكنها وأهلها قبل أن تكون تاريخا أو إحصاء للأمكنة والناس. منذ البداية كتب على تيترات الفيلم “قصة” ليؤكد تداخل التسجيلي بالروائي أو انبثاق القص الروائي من التسجيلي. صحيح أن الفيلم يتعرض للوضع الفلسطيني، لكنه ليس خطابيا ولا هو مرثاة لحال أو قصيدة وطنية، إنه دراما تسجيلية لمدينة الناصرة، واقع المدينة وواقع الظروف التي تمر بها المدينة، وواقع البشر وتحولاتهم، لقد حاول دمج مستويات عدة من التصوير والمونتاج “شهادات الناس والوثائق السينمائية”، والاستفادة من هذه المستويات قدر الإمكان. ثمّ "فورد ترانزيت" و"عرس رنا" و"الجنّة الآن"يطرح فيلم “الجنة الآن” سؤال الحياة والموت وتغيير الواقع الفلسطيني، ويرسم واقعا فلسطينيا يوميا يعرضه المخرج مستغلا آخر 48 ساعة من حياة الشابين خالد وسعيد اللذين تربطهما صداقة منذ الطفولة، وتدور أحداث الفيلم في مدينة نابلس الفلسطينية ومخيمها، حيث يعمل بطلا الفيلم كميكانيكيين في ورشة تصليح سيارات على تلة تطل على المدينة ولا عزاء لهما فيما تبقى من وقتهما سوى شرب القهوة وتدخين النارجيلة في المقهى، صاحب “الكاراج” يطرد خالد من الشغل في صبيحة اليوم الذي جاء فيه أحد “الأخوان” ليزف إلى سعيد بأنه اختير وخالد للقيام بعملية استشهادية داخل اسرائيل يوم غد. يبدو السيناريو الكلامي في «الجنة الآن» مقتصدا لمصلحة اللغة السينمائية والصورة واللهجة التي تدخل إلى عالم شباب معلق بين الحياة والموت بانتظار اللحظة الحاسمة، حيث تختفي الابتسامة نهائيا حتى عند أخذ صورة تذكارية.
تلك هي حال سعيد وصاحبه خالد اللذين يعرفان بعضهما منذ الطفولة، ويضيق بهما المكان المقفل وسط ضيق الحال وقهر الاحتلال وتصبح العملية الانتحارية أملهما الوحيد بالخلاص من هذا الواقع المر الذي ليس فيه سوى القهر والذل، كما يقول سعيد لمخطط العملية الذي يمتحن صدق نيته بتنفيذها.
وقد اختار المخرج لهذين الدورين ولمعظم الأدوار ممثلين غير معروفين، في حين تلعب هيام عباس دور أم سعيد التي تقول له صباح ذهابه إلى العملية: كم بت تشبه أباك، ونعرف لاحقا من مضمون الفيلم أن أباه كان عميلا للإسرائيليين وأنه قتل بسبب ذلك فيما كان سعيد لا يزال طفلا.
ويطرح الفيلم أسئلة أكثر مما يقدم إجابات عن هذه الرغبة بالموت والانطلاق نحو حياة أخرى، دائما في جو ساخر أسود، ما يتيح تقبل الموضوع الشائك والحساس جدا. يقول خالد لصديقه سعيد حين يصبحان في تل أبيب في الفيلم “تعال نرجع سهى، معها حق لن يتغير شيء بهذه الطريقة” لكن سعيد المسكون بذكرى الأب الذي وصم بالخيانة يمضي في خياره حتى النهاية متجاوزا مشاعره التي بدأت تتبدى نحو سهى.
يتم نقلهما إلى الحدود الإسرائيلية بعد تثبيت القنابل على جسميهما، وقد أقفلت في شكل معقد يجعل من المستحيل على أي كان فكها، ولا يفكها إلا الذي ركبها... ما يجعل مفعولها حتميا... على الأقل بالنسبة إلى الانتحاريين، ومن ثم ينطلقان ويعبران حاجز الشريط الفاصل بين الضفة الغربية وإسرائيل ولكنهما ما أن يعبرا أمتارا قليلة متنكرين في ثياب عرس للتمويه، وقد حلقا ذقنيهما، حتى يجدا نفسيهما في مواجهة دورية إسرائيلية، فيهربان ليتفرقا منذ تلك اللحظة كل في طريق: الصديقان يفقدان بعضهما البعض، ويتوجب على “القنبلتين البشريتين” الآن مواجهة قدرهما وتحمل مسؤولية. النهاية لا تقل تشويقا عن كل الاستعراض السابق من مواقف وأحداث لا تعرف مَنْ مِنَ الصديقين سيفجر نفسه. ووتطرق شريط هاني أبو أسعد "عمر" إلى معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال الإسرائيلي، والقيود التي تفرض على أبسط الحريات الإنسانية في الأرض المحتلة، ومن خلال تتبع خيوط العلاقة بين ثلاثة شبان أصدقاء منذ الطفولة يواجهون شقاء منبثقا عن قسوة الاحتلال، فيشكّلون فرقة فدائية لقنص جنود الاحتلال الذين يحرسون جدار الفصل العنصري، تنسج خيوط “عمر”، الذي يجسد دوره الممثل آدم بكري، فيما يتوازى مع ذلك قصة حب طرفها شقيقة زميله، حيث يضطر يوميا إلى تسلّق أسوار جدار الفصل للقاء حبيبته، لا تسلم هي الأخرى من مؤامرات المحتل، ليتحول الحب إلى شك وتصورات للخيانة، لا وجود لها إلا في رأس مدبريها، وما بين مقاومة وحب واعتقال، وافتقاد، يرصد هاني أبو أسعد، معاناة “عمر”، التي هي في الأساس معاناة شعب يرزح تحت نير احتلال، لا يعترف بأبسط مقومات حقوق الإنسان. عدا تناول هاني أبو أسعد الخوف من مسألة “العمالة” للاحتلال، بقي الحبّ حاضرا بقوة في “عُمر”، بل هو المحرك الأساسي للقصة. يقول مع هاني أبو أسعد: “بسبب كل هذا الدمار حولنا، يشكّل الحبّ ربما العامل الأساسي للحياة في نظري. إجابتي العفوية الصادقة هي أنّ الحبّ هو الدافع إلى أن يبقى الإنسان قادراً على الحياة. حتى في السينما، كي يستطيع الإنسان أنّ يستمر، فهو بحاجة إلى سرد قصة حبّ”. أمّا تجربته الهوليوودية، فقد تضمنت فيلمين أوّلهما "الساعي" سنة 2012 وثانيهما "الجبل بيننا" سنة 2017.