محمد عبيدو :
الحديث عن المخرج والممثل الروسي نيكيتا ميخالكوف " Nikita Mikhalkov"، له نكهة خاصة لقد استطاعت هذه الشخصية المبدعة في عالم الفن السينمائي أن تتجاوز الأطر القومية الروسية إلى العالمية، ليصبح اسمه مدونًا إلى جانب مبدعي الفن السابع الأكثر شهرة في الانتاج السينمائي الراقي، فمنذ عام 1974 اخرج ميخالكوف 26 فيلمًا. ويرأس ميخالكوف صندوق الثقافة الروسي واتحاد السينمائيين الروس ومهرجان موسكو الدولي. وقد حاز أكثر من 70 جائزة وطنية ودولية. وتتابع ابنتاه وابناه طريق والدهما الإبداعي. ومازالت أعماله تدهش النقاد ومحبي الفن السابع.
ولد نيكيتا ميخالكوف موسكو في الحادي والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1945 في أسرة معروفة من المثقفين المبدعين. فهو ابن الشاعر الروسي الكبير سيرغيه ميخالكوف الذي أبدع في تأليف الشعر للأطفال. حامل العديد من الأوسمة، ومؤلف نص النشيد الوطني السوفييتيي أما أمه فهي الشاعرة الروسية ناتاليا كونتشالوفسكايا، مترجمة وابنة الفنان الروسي الكبير بيوتركونتشالوفسكي. وجده من جهة والده فاسيلي سوريكوف كان فنانًا عظيمًا وأهم رمز من رموز الرسم، وشقيقه الأكبر المخرج السينمائي المعروف أندريه ميخالكوف - كونتشالوفسكي.
تعلم نيكيتا ميخالكوف في الأعوام 1963 ـ 1966 في فرع التمثيل في المعهد المسرحي الذي يحمل اسم شوكين وتخرج من كلية الإخراج في معهد السينما عام 1971 على يد المخرج الكبير ميخائيل روم. وأدى أول دور في السينما في عام 1959 ولعب الدورين الكبيرين الأوليين في فيلمي "مغامرات كروش" و "أنا أسير في موسكو" لجورجي دانييل. أخذ اسمه يلمع في عالم السينما، خاصة أغنيته في الفيلم المتحررة من كل القيود والتي أداها بنجاح كبير وهي أغنية شهيرة تقول: يصادف أن يكون كل شيء رائعًا، ولاتدرك على الفور الأسباب، وكل ما في الأمر الصيف يهطل، مطر صيفي عادي، واللافت أن الأوساط السينمائية آنذاك، لاقت نجاحه بعداء مثير للدهشة والحيرة. ولكنه تابع أعماله متجاوزًا كل ماكان من شأنه أن يحبطه، واشترك في الأفلام "سحب فوق بورسك" و "المناداة" و "الخيمة الحمراء" و"الملحمة السيبيرية" و"عش النبلاء" و"ناظر المحطة" و"متكيف مع الغرباء وغريب بين ذويه" و "محطة لشخصين" و "تحليق في المنام واليقظة" و"المنهكون من الشمس" و"حلاق سيبيريا" والكثير غيرها
في نجاح نيكيتا كانت تظهر أحيانًا يد والديه ورعاته الذين شجعوه على الدراسة في المعهد العام للسينما وهو من أهم معاهد السينما في أوروبا والعالم، وبعد أن أنهى دراسته في المعهد التحق بالخدمة الإلزامية، أمضى ثلاث سنوات من الخدمة في منطقة كامتشاتكا الواقعة في أقصى شرق روسيا.
وأثناء الخدمة برزت موهبته في أمسيات التمثيل أمام الجنود، وشيئًا فشيئًا أخذت أعماله تحظى باعجاب كبير لدى عامة الناس.
انجز كمخرج وهو في الثانية والعشرين من عمره ,أول فيلم قصير في العام 1968 "وأعود إلى الوطن" ، وثم انجز كمشروع تخرج ، "يومًا هادئًا في نهاية الحرب" في عام 1970.. ميخالكوف قد ظهرت في أكثر من عشرين فيلما، من بينهم شقيقه والعم فانيا (1972)، في عام 1974 قام نيكيتا ميخالكوف بتصوير فيلم عن الحرب الأهلية، هو نفسه اختار اسم الفيلم "قريب بين الغرباء، غريب بين الأقرباء" وكان هذا الفيلم عبارة عن لوحة رومانسية أظهر من خلالها حالة الحروب اللامتناهية بين البيض والحمر التي لم تنته، بصورة أو أخرى حتى الآن.
أما فيلمه الثاني "عبدة الحب"1976 انشا له سمعة دولية، وهو عبارة عن لوحة فنية بقصة رائعة دعت إلى الحب ونبذ الكراهية والحروب بين البشر، مصورًا الرموز السياسية الوهمية اللاهثة وراء مصالحها الخاصة حتى لو كان ثمن ذلك سفك الدماء والدمار وتميز نيكيتا ميخالكوف في صناعة الشكل، وتحسسه للممثلين وإمكانياتهم وطبيعتهم وجوهرهم، وقد اهتم كثيرًا بالوضعيات واللهجة. تدور أحداث الفيلم في عام 1918، أي في ذروة الثورة البلشيفية. يذيع صيت أولغا فوجنسنسكايا كأبرز نجمة في السينما الصامتة والتي تنال أفلامها شعبية واسعة بين الثوريين السريين لدرجة تدفعهم يخاطرون بالتعرّض للاعتقال من أجل مشاهدة أفلامها. تتوجه الممثلة الشهيرة أولغا إلى جنوب روسيا لتصوير فيلم حزين في الوقت الذي يتقدم فيه الثوريون البلشفيون نحو موسكو. مع أن أولغا متزوجة، إلا أنها تمضي بعض الوقت يوميًا مع المصور السينمائي فيكتور بوتوتسكي. ثم تتكشف الأحداث تدريجيًا ويتضح بأن فيكتور بلشفي يستخدم وظيفته كستار لتصوير المجازر الوحشية التي يرتكبها الجيش الأبيض مقابل البطولات الثورية التي يقدمها الجيش الأحمر. يطلب فيكتور مساعدة أولغا التي تكتشف أنها تعيش حياة أنانية لا معنى لها، وسرعان ما تشتعل نار الحب بينهما. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستصل فلول جيش الثورة الأحمر لإنقاذهما من القائد العسكري الأبيض الذي تساوره الشكوك حول هوية فيكتور وعلاقته بأولغا؟ وهل ستتمتع أولغا بالشجاعة الكافية لمواجهة ما هو محتوم؟
بعد هذا الفيلم، أخذت تظهر أفلامه المميزة الواحد تلو الآخر من أهمها: "قطعة غير منتهية لعازف البيانو" (1977) الذي وضع السيناريو له على أساس قصص تشيخوف "بدون أب" و"في العزبة" و"معلم اللغة" و"ثلاث سنوات" و"حياتي" الشهرة العالمية لنيكيتا ميخالكوف د. واستحق هذا الفيلم في عام 1977 جائزة مهرجان سان –سيباستيان الدولي. إضافة إلى جوائز أخرى كثيرة. الحياة في الغربة هي وحدانية الناس ومرحهم البائس وعلاقاتهم العابرة وحنينهم إلى شبابهم وخيانة الواجب والوقفة الفارغة من كل معنى عوضًا عن خدمة المجتمع وهروب من الزمن. وهكذا نجد هنا "موسوعة" متكاملة للدوافع التشيخوفية. فالسخرية في إطار من التراجيديا، والفكاهة الوديعة، والمبالغة الفنية الساخرة، والضحك الفوديفيلي (نوع من المسرحيات)، هذه هي النبرة المتأملة، المتمهلة "للمسرحية غير المكتملة للبيانو"، على الطريقة التشيخوفية. وفي الفيلم ، يأتي معلم المدرسة بلاتونوف (الكسندر كالياغين) مع زوجته لقضاء العطلة الأسبوعية في فصل الصيف ليحل ضيفاً على أحد أصدقائه في بيته الريفي (الدّاشة). يلتقي بلاتونوف في ذلك المكان بعدد من الضيوف الآخرين بمن فيهم محبوبته السابقة صوفيا (إيلينا سولوفي) التي تزوجت من رجل آخر. مع أن بلاتونوف اعتقد بأنه تعافى من علاقة حبه الفاشلة مع صوفيا، لكنه يكتشف الآن بأنه مازال متيمًا بها وذلك لسببين: الأول أنها تزوجت منذ فترة قريبة فقط، والثاني هو أنها تزوجت من رجل أحمق. لكن يبدو بأن الحنين إلى الماضي يدفع بلاتونوف وصوفيا للتحقق من عواطفهما، إلا أنهما يدركان آخر الأمر بأن قصة حبهما القديمة لا تستحق مغامرة إحيائها من جديد بالنظر إلى ما حققه كل منهما في حياته. ولكن في منتصف الليل يتملك الحزن والأسى من بلاتونوف أسفًا على أيام الشباب التي ولت وحبه الضائع، فيجهش بالبكاء لدرجة يصحو فيها كل الضيوف، لكنهم سرعان ما يخلدون لنومهم. وفي الصباح يبدو وكأن شيئاً لم يحصل في الأمس، بينما يستعد الضيوف لمغادرة المكان والعودة إلى حياتهم في المدينة. وفي عام 1979 فيلم "خمس أمسيات" الذي حصل على صفة أفضل فيلم أجنبي على الشاشات في العديد من الدول وهو يروي قصة حب بين زوجين منفصلين منذ الحرب العالمية الثانية ، يجتمعان مرة أخرى بعد خمس عشرة سنة. في عام 1980 حاز فيلمه "عدة أيام من حياة أبلوموف" على جائزة الدرع الذهبي- أوكسفورد، يقوم على رواية ايفان غونشاروف الكلاسيكية يلعب دور البطولة أوليغ تاباكوف بشخصية أوبلوموف - الذي يتخذه الفيلم عنوانًا له - وهو موظف حكومي روسي من القرن التاسع عشر يقرر ذات يوم أن يأوي إلى فراشه ولا يستيقظ بعدها أبدًا. فقد اختار أوبلوموف النوم في هذه الحياة بدلاً من مواجهتها لكنه ينهض من فراشه ويخلع رداء النوم لدى وصول صديق الطفولة شتولتز. ثم نكتشف من خلال سلسلة من اللقطات الاسترجاعية التي تعود بالأحداث إلى الماضي السبب الذي يجعل أوبلوموف يترك الفراش بوجود هذا الصديق.. العلاقات الأسرية (1981) مسلسل كوميدي يدور حول امرأة ريفية في موسكو التعامل مع العلاقات المتشابكة من أقاربها ، وبدون شهود (1983) مسارات ليلة طويلة من المحادثات بين امرأة (ايرينا كوبوشينكو) وزوجها السابق (ميخائيل أوليانوف) تتم بطريق الخطأ في غرفة مغلقة. وثم جاء فيلمه "أورغا" عام 1992 الذي منحه الشهرة العالمية، بحصوله على جائزة "الأسد الذهبي" في مهرجان فينيسا وجائزة أكاديمية السينما الأوروبية) فيلكس(لأفضل مخرج، وجائزة من كيولن والأوسكار وغيرها من الجوائز العالمية الكبرى والجوائز الروسية. مجموعة غير معروفة في العالم من المغول، الذين يعيشون على الحدود بين روسيا والصين
وفاز مارتشيللو ماستروياني بجائزة أفضل ممثل لقيامه بدوره في فيلم ميخالكوف "العيون السوداء" في مهرجان كان السينمائي الدولي(1987)، وكان هذا الفيلم قد صور على أساس سيناريو مأخوذ من قصص الكاتب تشيخوف، مع التفاتة واضحة إلى قصة "السيدة والكلب" في هذا الفيلم يقع الإيطالي رومانو بحب امرأة روسية شابة في أحد المنتجعات الأوربية، ويتخلى عن حياة الترف في إيطاليا ويهاجر إلى روسيا..
ثم فيلمه "آنا. من السادسة إلى الثامنة عشرة" توثيقي عن حياة ابنته آنا وهي تنمو من الطفولة الى النضج. الذي استحق جائزة "الفارس الذهبي" في المهرجان الدولي الثالث للأفلام السلافية في عام 1993
وحصل فيلمه "حلاق سيبيريا " 1994 على الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي وجائزة الأوسكار لأفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية، من بين العديد من الجوائز الاخرى. إنه العام 1905، "جاين كالاهن" التي تؤدي دورها جوليا ارموند, تكتب رسالة لابنها أندريه الطالب في أكاديمية ويست بوينت العسكرية الأمريكية. تروي له قصة حياتها , وتصف فيها الأحداث التي سبقت ولادته قبل 20 عاما حيث سافرت إلى روسيا القيصرية كمساعدة للمخترع الأمريكي غريب الأطوار دوغلاس ماك كريكين، الذي صمم آلة عملاقة لقطع الأخشاب كان يطمح ببيعها و تسديد ديونه لكن ذلك يحتاج لجهات ترعاه و تموله.
هذه كانت مهمة مساعدته جاين التي جاءت إلى روسيا لتساعده في ذلك مدعيا أنها ابنته. جاين الفتاة الأميركية المتحررة من تقاليد بنات عصرها بدأت بمهمتها هذه خلال سفرها بالقطار عندما تعرفت بالصدفة على الطالب في الأكاديمية العسكرية الروسية أندريه تولستوي الذي أصبح فيما بعد حبها الكبير في نفس الوقت ظهر الرجل صاحب النفوذ الذي يمكن أن يساعدها على تحقيق مهمتها و هو الجنرال رادلوف الذي لم يخف إعجابه بها و رغبته بالزواج منها.
وتتوالى الاحداث ليتعانق العام بالخاص, ويرتبط المصير الشخصي بمصير الوطن. وتتقلب عواطف الابطال جميعا .. والفيلم في هذا كله, وهذه ميزته, يحس الاشياء بعمق وقوة.
تدريجيا أخذت هذه الشخصيات الثلاث تلعب دورها الرئيس في بلورة أحداث الفيلم التي تمركزت حول التنافس غير المتكافئ بين تولستوي و الجنرال للظفر بحب جاين من جهة و حول الصراع الداخلي الذي كانت تعيشه جاين بين حبها لتولستوي و مصلحتها بالزواج من الجنرال. وعندما يتبين للجنرال أن جين تفضل عنه الجندي تولستوي، يتم نفيه إلى سيبيريا بتهمة تزعم أنه تهجّم على الدوق الأكبر.
مدة الفيلم 180 دقيقة يحاول فيها المخرج نيكيتا ميخالكوف، و الذي مثل فيه أيضا دور القيصر الروسي الكسندر الثالث، تعريف المشاهد تدريجيا على طبيعة المجتمع الروسي آنذاك و العلاقات السائدة فيه و كأنه يرافق جاين في رحلتها فيتعرف على الجانب الايجابي لكل شخصية من خلال مشاهد تعتمد على كوميديا الموقف لينتقل فيما بعد للكشف على الجانب الخفي لهذه الشخصيات وكيفية اندماج جاين في مهمتها و خروجها عن سيطرتها فتتناوب المشاهد بين غيرة و حسد و انتقام و ندم لتعكس وعلى الطريقة الروسية مأساة الإنسان بخضوعه للظروف التي غالبا ما يصنعها بنفسه ولا تفرض عليه.
وقدم مؤخرًا لوحة أخرى لاتقل أهمية وعمقًا وسمعة عن لوحاته السابقة, إنه فيلم "12" الذي حاز على عدة جوائز روسية ودولية ومازال في أوج عطاءاته الرائعة.
فيلم "12" للروسي نيكيتا ميخالكوف الذي يشكّل ثاني اقتباس سينمائي لمسرحية ريجينالد روسي الشهيرة "12 رجلاً غاضبًا" التي كان سيدني لاميت اقتبس عنها فيلمًا يحمل العنوان ذاته، وقد حصد جائزة الدبّ الذهبي في مهرجان برلين السينمائي عام 1957.
ميخالكوف الذي حاز جائزة خاصة عن مجموع أعماله تكريمًا لمسيرته السينمائية، تقمّص في فيلمه "12" الشخصية المركزية التي كان هنري فوندا تقمّصها قبل نصف قرن في فيلم لاميت.
والمعروف أنّ المسرحية الكلاسيكية التي اقتُبس عنها الفيلم، تروي مداولات 12 رجلاً يمثلون مختلف طبقات وقطاعات الشعب الروسي، اختيروا كأعضاء في "لجنة شعبية" قضائية تتولّى البتّ في قضية شخص متّهم بالقتل. وفضلاً عن الإشكالية الأخلاقية الرئيسية التي تناولها النص المسرحي الأصلي، فإنّ نيكيتا ميخالكوف حمّل النص خلفيات سياسية راهنة، بطريقة جعلت الشخص المتّهم بالقتل شيشانيًا طعن بسكّين زوج والدته الضابط الروسّي الذي شارك في الحرب في الشيشان. وبذلك تحوّلت حرب الشيشان خلفية سياسية للفيلم.
السبب في القتل ناتج من هويتي الضحية (ضابط روسي) والمتهم (شاب شيشاني اسمه عمر) والمحكمة بكل قوامها، من رئيسها إلى وكيل النيابة ومحامي الدفاع روسيّة حتى النخاع، ولا يفصل بين قرار المحكمة والحكم النهائي إلاّ إمضاء المحلفيّن الذين أُدخلوا إلى قاعة رياضة مهترئة في مدرسة ابتدائية وأُعطَوا عشرين دقيقة فقط لإقرار الحكم بمذنوبية الشاب.
رئيس اللجنة (نيكيتا ميخالكوف نفسه) يقرر طبيعة العمل بصيغة التصويت، فيقرر أحد عشر من المحلّفين بأن الشاب مذنب، غير صوت واحد يدعو إلى "الكلام في الموضوع على الأقل" وثم "أنا أصوّت ضد توجهّكم لأن النتيجة بالأغلبية أكثر مصداقية من التزكية".
الدرس الأول في الديمقراطية يقود في ساعتين ونصف الساعة من التوتّر العالي والأداء الرائع للممثلين الروس إلى قلب الصورة، وتنتهي المناقشة إلى قرار مختلف تمامًا عن القرار الابتدائي. غير أن ذلك لا يعني على الإطلاق خروج الشاب "عمر" من السجن.
فالديمقراطية قد تُسنّ مسارات حياة مجتمع ما، وقد يوفّر القضاء في ذلك المحتمع مفردات العدالة، لكن العدالة لا تعني دائمًا ضمان سلامة المواطنين. نتيجة مثيرة للقلق، لكن هذا هو الوضع في الكثير من المجتمعات التي أتاحت الديمقراطية والتصويت فرصة صعود تيارات وجماعات تعكّزت على التصويت والديمقراطية ذاتها، لتقوم بوأدها لمجرد تمكّنها من كراسي الحكم.
قدّم كل من هؤلاء الفنانين مقطوعته الخاصة كما لو كان جزءًا من أوركسترا سيمفونية عالية الإبداع، وساهم كل منهم بتنويعاته خلال الساعتين ونصف الساعة اللتين استغرقهما "عزف" الفيلم. احتفظ ميخالكوف لنفسه بالقسط الأصغر من الحضور، وباعتباره رئيسًا لهيئة المحلّفين وبقي حتى النهاية مراقباً لما يحدث، وعندما آل إليه دور "العزف المنفرد" ضيّق مساحة الصورة واختزل مقطوعته بعدد قليل ورائع من إيماءات الوجه، أبرزت ما يُخفي وراء قناع المخرج من تاريخ ممثل استطاع ميخالكوف أن يبرهن هنا على موهبته الفذة، وقدراته الأسلوبية القوية التي أتاحت له تصوير عمل تدور أحداثه في حيّز مكاني مغلق وضيق على مدى ساعتين وثلاثين دقيقة من دون أن يشعر الجمهور بالملل لحظةً واحدة.
ولد نيكيتا ميخالكوف موسكو في الحادي والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1945 في أسرة معروفة من المثقفين المبدعين. فهو ابن الشاعر الروسي الكبير سيرغيه ميخالكوف الذي أبدع في تأليف الشعر للأطفال. حامل العديد من الأوسمة، ومؤلف نص النشيد الوطني السوفييتيي أما أمه فهي الشاعرة الروسية ناتاليا كونتشالوفسكايا، مترجمة وابنة الفنان الروسي الكبير بيوتركونتشالوفسكي. وجده من جهة والده فاسيلي سوريكوف كان فنانًا عظيمًا وأهم رمز من رموز الرسم، وشقيقه الأكبر المخرج السينمائي المعروف أندريه ميخالكوف - كونتشالوفسكي.
تعلم نيكيتا ميخالكوف في الأعوام 1963 ـ 1966 في فرع التمثيل في المعهد المسرحي الذي يحمل اسم شوكين وتخرج من كلية الإخراج في معهد السينما عام 1971 على يد المخرج الكبير ميخائيل روم. وأدى أول دور في السينما في عام 1959 ولعب الدورين الكبيرين الأوليين في فيلمي "مغامرات كروش" و "أنا أسير في موسكو" لجورجي دانييل. أخذ اسمه يلمع في عالم السينما، خاصة أغنيته في الفيلم المتحررة من كل القيود والتي أداها بنجاح كبير وهي أغنية شهيرة تقول: يصادف أن يكون كل شيء رائعًا، ولاتدرك على الفور الأسباب، وكل ما في الأمر الصيف يهطل، مطر صيفي عادي، واللافت أن الأوساط السينمائية آنذاك، لاقت نجاحه بعداء مثير للدهشة والحيرة. ولكنه تابع أعماله متجاوزًا كل ماكان من شأنه أن يحبطه، واشترك في الأفلام "سحب فوق بورسك" و "المناداة" و "الخيمة الحمراء" و"الملحمة السيبيرية" و"عش النبلاء" و"ناظر المحطة" و"متكيف مع الغرباء وغريب بين ذويه" و "محطة لشخصين" و "تحليق في المنام واليقظة" و"المنهكون من الشمس" و"حلاق سيبيريا" والكثير غيرها
في نجاح نيكيتا كانت تظهر أحيانًا يد والديه ورعاته الذين شجعوه على الدراسة في المعهد العام للسينما وهو من أهم معاهد السينما في أوروبا والعالم، وبعد أن أنهى دراسته في المعهد التحق بالخدمة الإلزامية، أمضى ثلاث سنوات من الخدمة في منطقة كامتشاتكا الواقعة في أقصى شرق روسيا.
وأثناء الخدمة برزت موهبته في أمسيات التمثيل أمام الجنود، وشيئًا فشيئًا أخذت أعماله تحظى باعجاب كبير لدى عامة الناس.
انجز كمخرج وهو في الثانية والعشرين من عمره ,أول فيلم قصير في العام 1968 "وأعود إلى الوطن" ، وثم انجز كمشروع تخرج ، "يومًا هادئًا في نهاية الحرب" في عام 1970.. ميخالكوف قد ظهرت في أكثر من عشرين فيلما، من بينهم شقيقه والعم فانيا (1972)، في عام 1974 قام نيكيتا ميخالكوف بتصوير فيلم عن الحرب الأهلية، هو نفسه اختار اسم الفيلم "قريب بين الغرباء، غريب بين الأقرباء" وكان هذا الفيلم عبارة عن لوحة رومانسية أظهر من خلالها حالة الحروب اللامتناهية بين البيض والحمر التي لم تنته، بصورة أو أخرى حتى الآن.
أما فيلمه الثاني "عبدة الحب"1976 انشا له سمعة دولية، وهو عبارة عن لوحة فنية بقصة رائعة دعت إلى الحب ونبذ الكراهية والحروب بين البشر، مصورًا الرموز السياسية الوهمية اللاهثة وراء مصالحها الخاصة حتى لو كان ثمن ذلك سفك الدماء والدمار وتميز نيكيتا ميخالكوف في صناعة الشكل، وتحسسه للممثلين وإمكانياتهم وطبيعتهم وجوهرهم، وقد اهتم كثيرًا بالوضعيات واللهجة. تدور أحداث الفيلم في عام 1918، أي في ذروة الثورة البلشيفية. يذيع صيت أولغا فوجنسنسكايا كأبرز نجمة في السينما الصامتة والتي تنال أفلامها شعبية واسعة بين الثوريين السريين لدرجة تدفعهم يخاطرون بالتعرّض للاعتقال من أجل مشاهدة أفلامها. تتوجه الممثلة الشهيرة أولغا إلى جنوب روسيا لتصوير فيلم حزين في الوقت الذي يتقدم فيه الثوريون البلشفيون نحو موسكو. مع أن أولغا متزوجة، إلا أنها تمضي بعض الوقت يوميًا مع المصور السينمائي فيكتور بوتوتسكي. ثم تتكشف الأحداث تدريجيًا ويتضح بأن فيكتور بلشفي يستخدم وظيفته كستار لتصوير المجازر الوحشية التي يرتكبها الجيش الأبيض مقابل البطولات الثورية التي يقدمها الجيش الأحمر. يطلب فيكتور مساعدة أولغا التي تكتشف أنها تعيش حياة أنانية لا معنى لها، وسرعان ما تشتعل نار الحب بينهما. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستصل فلول جيش الثورة الأحمر لإنقاذهما من القائد العسكري الأبيض الذي تساوره الشكوك حول هوية فيكتور وعلاقته بأولغا؟ وهل ستتمتع أولغا بالشجاعة الكافية لمواجهة ما هو محتوم؟
بعد هذا الفيلم، أخذت تظهر أفلامه المميزة الواحد تلو الآخر من أهمها: "قطعة غير منتهية لعازف البيانو" (1977) الذي وضع السيناريو له على أساس قصص تشيخوف "بدون أب" و"في العزبة" و"معلم اللغة" و"ثلاث سنوات" و"حياتي" الشهرة العالمية لنيكيتا ميخالكوف د. واستحق هذا الفيلم في عام 1977 جائزة مهرجان سان –سيباستيان الدولي. إضافة إلى جوائز أخرى كثيرة. الحياة في الغربة هي وحدانية الناس ومرحهم البائس وعلاقاتهم العابرة وحنينهم إلى شبابهم وخيانة الواجب والوقفة الفارغة من كل معنى عوضًا عن خدمة المجتمع وهروب من الزمن. وهكذا نجد هنا "موسوعة" متكاملة للدوافع التشيخوفية. فالسخرية في إطار من التراجيديا، والفكاهة الوديعة، والمبالغة الفنية الساخرة، والضحك الفوديفيلي (نوع من المسرحيات)، هذه هي النبرة المتأملة، المتمهلة "للمسرحية غير المكتملة للبيانو"، على الطريقة التشيخوفية. وفي الفيلم ، يأتي معلم المدرسة بلاتونوف (الكسندر كالياغين) مع زوجته لقضاء العطلة الأسبوعية في فصل الصيف ليحل ضيفاً على أحد أصدقائه في بيته الريفي (الدّاشة). يلتقي بلاتونوف في ذلك المكان بعدد من الضيوف الآخرين بمن فيهم محبوبته السابقة صوفيا (إيلينا سولوفي) التي تزوجت من رجل آخر. مع أن بلاتونوف اعتقد بأنه تعافى من علاقة حبه الفاشلة مع صوفيا، لكنه يكتشف الآن بأنه مازال متيمًا بها وذلك لسببين: الأول أنها تزوجت منذ فترة قريبة فقط، والثاني هو أنها تزوجت من رجل أحمق. لكن يبدو بأن الحنين إلى الماضي يدفع بلاتونوف وصوفيا للتحقق من عواطفهما، إلا أنهما يدركان آخر الأمر بأن قصة حبهما القديمة لا تستحق مغامرة إحيائها من جديد بالنظر إلى ما حققه كل منهما في حياته. ولكن في منتصف الليل يتملك الحزن والأسى من بلاتونوف أسفًا على أيام الشباب التي ولت وحبه الضائع، فيجهش بالبكاء لدرجة يصحو فيها كل الضيوف، لكنهم سرعان ما يخلدون لنومهم. وفي الصباح يبدو وكأن شيئاً لم يحصل في الأمس، بينما يستعد الضيوف لمغادرة المكان والعودة إلى حياتهم في المدينة. وفي عام 1979 فيلم "خمس أمسيات" الذي حصل على صفة أفضل فيلم أجنبي على الشاشات في العديد من الدول وهو يروي قصة حب بين زوجين منفصلين منذ الحرب العالمية الثانية ، يجتمعان مرة أخرى بعد خمس عشرة سنة. في عام 1980 حاز فيلمه "عدة أيام من حياة أبلوموف" على جائزة الدرع الذهبي- أوكسفورد، يقوم على رواية ايفان غونشاروف الكلاسيكية يلعب دور البطولة أوليغ تاباكوف بشخصية أوبلوموف - الذي يتخذه الفيلم عنوانًا له - وهو موظف حكومي روسي من القرن التاسع عشر يقرر ذات يوم أن يأوي إلى فراشه ولا يستيقظ بعدها أبدًا. فقد اختار أوبلوموف النوم في هذه الحياة بدلاً من مواجهتها لكنه ينهض من فراشه ويخلع رداء النوم لدى وصول صديق الطفولة شتولتز. ثم نكتشف من خلال سلسلة من اللقطات الاسترجاعية التي تعود بالأحداث إلى الماضي السبب الذي يجعل أوبلوموف يترك الفراش بوجود هذا الصديق.. العلاقات الأسرية (1981) مسلسل كوميدي يدور حول امرأة ريفية في موسكو التعامل مع العلاقات المتشابكة من أقاربها ، وبدون شهود (1983) مسارات ليلة طويلة من المحادثات بين امرأة (ايرينا كوبوشينكو) وزوجها السابق (ميخائيل أوليانوف) تتم بطريق الخطأ في غرفة مغلقة. وثم جاء فيلمه "أورغا" عام 1992 الذي منحه الشهرة العالمية، بحصوله على جائزة "الأسد الذهبي" في مهرجان فينيسا وجائزة أكاديمية السينما الأوروبية) فيلكس(لأفضل مخرج، وجائزة من كيولن والأوسكار وغيرها من الجوائز العالمية الكبرى والجوائز الروسية. مجموعة غير معروفة في العالم من المغول، الذين يعيشون على الحدود بين روسيا والصين
وفاز مارتشيللو ماستروياني بجائزة أفضل ممثل لقيامه بدوره في فيلم ميخالكوف "العيون السوداء" في مهرجان كان السينمائي الدولي(1987)، وكان هذا الفيلم قد صور على أساس سيناريو مأخوذ من قصص الكاتب تشيخوف، مع التفاتة واضحة إلى قصة "السيدة والكلب" في هذا الفيلم يقع الإيطالي رومانو بحب امرأة روسية شابة في أحد المنتجعات الأوربية، ويتخلى عن حياة الترف في إيطاليا ويهاجر إلى روسيا..
ثم فيلمه "آنا. من السادسة إلى الثامنة عشرة" توثيقي عن حياة ابنته آنا وهي تنمو من الطفولة الى النضج. الذي استحق جائزة "الفارس الذهبي" في المهرجان الدولي الثالث للأفلام السلافية في عام 1993
وحصل فيلمه "حلاق سيبيريا " 1994 على الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي وجائزة الأوسكار لأفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية، من بين العديد من الجوائز الاخرى. إنه العام 1905، "جاين كالاهن" التي تؤدي دورها جوليا ارموند, تكتب رسالة لابنها أندريه الطالب في أكاديمية ويست بوينت العسكرية الأمريكية. تروي له قصة حياتها , وتصف فيها الأحداث التي سبقت ولادته قبل 20 عاما حيث سافرت إلى روسيا القيصرية كمساعدة للمخترع الأمريكي غريب الأطوار دوغلاس ماك كريكين، الذي صمم آلة عملاقة لقطع الأخشاب كان يطمح ببيعها و تسديد ديونه لكن ذلك يحتاج لجهات ترعاه و تموله.
هذه كانت مهمة مساعدته جاين التي جاءت إلى روسيا لتساعده في ذلك مدعيا أنها ابنته. جاين الفتاة الأميركية المتحررة من تقاليد بنات عصرها بدأت بمهمتها هذه خلال سفرها بالقطار عندما تعرفت بالصدفة على الطالب في الأكاديمية العسكرية الروسية أندريه تولستوي الذي أصبح فيما بعد حبها الكبير في نفس الوقت ظهر الرجل صاحب النفوذ الذي يمكن أن يساعدها على تحقيق مهمتها و هو الجنرال رادلوف الذي لم يخف إعجابه بها و رغبته بالزواج منها.
وتتوالى الاحداث ليتعانق العام بالخاص, ويرتبط المصير الشخصي بمصير الوطن. وتتقلب عواطف الابطال جميعا .. والفيلم في هذا كله, وهذه ميزته, يحس الاشياء بعمق وقوة.
تدريجيا أخذت هذه الشخصيات الثلاث تلعب دورها الرئيس في بلورة أحداث الفيلم التي تمركزت حول التنافس غير المتكافئ بين تولستوي و الجنرال للظفر بحب جاين من جهة و حول الصراع الداخلي الذي كانت تعيشه جاين بين حبها لتولستوي و مصلحتها بالزواج من الجنرال. وعندما يتبين للجنرال أن جين تفضل عنه الجندي تولستوي، يتم نفيه إلى سيبيريا بتهمة تزعم أنه تهجّم على الدوق الأكبر.
مدة الفيلم 180 دقيقة يحاول فيها المخرج نيكيتا ميخالكوف، و الذي مثل فيه أيضا دور القيصر الروسي الكسندر الثالث، تعريف المشاهد تدريجيا على طبيعة المجتمع الروسي آنذاك و العلاقات السائدة فيه و كأنه يرافق جاين في رحلتها فيتعرف على الجانب الايجابي لكل شخصية من خلال مشاهد تعتمد على كوميديا الموقف لينتقل فيما بعد للكشف على الجانب الخفي لهذه الشخصيات وكيفية اندماج جاين في مهمتها و خروجها عن سيطرتها فتتناوب المشاهد بين غيرة و حسد و انتقام و ندم لتعكس وعلى الطريقة الروسية مأساة الإنسان بخضوعه للظروف التي غالبا ما يصنعها بنفسه ولا تفرض عليه.
وقدم مؤخرًا لوحة أخرى لاتقل أهمية وعمقًا وسمعة عن لوحاته السابقة, إنه فيلم "12" الذي حاز على عدة جوائز روسية ودولية ومازال في أوج عطاءاته الرائعة.
فيلم "12" للروسي نيكيتا ميخالكوف الذي يشكّل ثاني اقتباس سينمائي لمسرحية ريجينالد روسي الشهيرة "12 رجلاً غاضبًا" التي كان سيدني لاميت اقتبس عنها فيلمًا يحمل العنوان ذاته، وقد حصد جائزة الدبّ الذهبي في مهرجان برلين السينمائي عام 1957.
ميخالكوف الذي حاز جائزة خاصة عن مجموع أعماله تكريمًا لمسيرته السينمائية، تقمّص في فيلمه "12" الشخصية المركزية التي كان هنري فوندا تقمّصها قبل نصف قرن في فيلم لاميت.
والمعروف أنّ المسرحية الكلاسيكية التي اقتُبس عنها الفيلم، تروي مداولات 12 رجلاً يمثلون مختلف طبقات وقطاعات الشعب الروسي، اختيروا كأعضاء في "لجنة شعبية" قضائية تتولّى البتّ في قضية شخص متّهم بالقتل. وفضلاً عن الإشكالية الأخلاقية الرئيسية التي تناولها النص المسرحي الأصلي، فإنّ نيكيتا ميخالكوف حمّل النص خلفيات سياسية راهنة، بطريقة جعلت الشخص المتّهم بالقتل شيشانيًا طعن بسكّين زوج والدته الضابط الروسّي الذي شارك في الحرب في الشيشان. وبذلك تحوّلت حرب الشيشان خلفية سياسية للفيلم.
السبب في القتل ناتج من هويتي الضحية (ضابط روسي) والمتهم (شاب شيشاني اسمه عمر) والمحكمة بكل قوامها، من رئيسها إلى وكيل النيابة ومحامي الدفاع روسيّة حتى النخاع، ولا يفصل بين قرار المحكمة والحكم النهائي إلاّ إمضاء المحلفيّن الذين أُدخلوا إلى قاعة رياضة مهترئة في مدرسة ابتدائية وأُعطَوا عشرين دقيقة فقط لإقرار الحكم بمذنوبية الشاب.
رئيس اللجنة (نيكيتا ميخالكوف نفسه) يقرر طبيعة العمل بصيغة التصويت، فيقرر أحد عشر من المحلّفين بأن الشاب مذنب، غير صوت واحد يدعو إلى "الكلام في الموضوع على الأقل" وثم "أنا أصوّت ضد توجهّكم لأن النتيجة بالأغلبية أكثر مصداقية من التزكية".
الدرس الأول في الديمقراطية يقود في ساعتين ونصف الساعة من التوتّر العالي والأداء الرائع للممثلين الروس إلى قلب الصورة، وتنتهي المناقشة إلى قرار مختلف تمامًا عن القرار الابتدائي. غير أن ذلك لا يعني على الإطلاق خروج الشاب "عمر" من السجن.
فالديمقراطية قد تُسنّ مسارات حياة مجتمع ما، وقد يوفّر القضاء في ذلك المحتمع مفردات العدالة، لكن العدالة لا تعني دائمًا ضمان سلامة المواطنين. نتيجة مثيرة للقلق، لكن هذا هو الوضع في الكثير من المجتمعات التي أتاحت الديمقراطية والتصويت فرصة صعود تيارات وجماعات تعكّزت على التصويت والديمقراطية ذاتها، لتقوم بوأدها لمجرد تمكّنها من كراسي الحكم.
قدّم كل من هؤلاء الفنانين مقطوعته الخاصة كما لو كان جزءًا من أوركسترا سيمفونية عالية الإبداع، وساهم كل منهم بتنويعاته خلال الساعتين ونصف الساعة اللتين استغرقهما "عزف" الفيلم. احتفظ ميخالكوف لنفسه بالقسط الأصغر من الحضور، وباعتباره رئيسًا لهيئة المحلّفين وبقي حتى النهاية مراقباً لما يحدث، وعندما آل إليه دور "العزف المنفرد" ضيّق مساحة الصورة واختزل مقطوعته بعدد قليل ورائع من إيماءات الوجه، أبرزت ما يُخفي وراء قناع المخرج من تاريخ ممثل استطاع ميخالكوف أن يبرهن هنا على موهبته الفذة، وقدراته الأسلوبية القوية التي أتاحت له تصوير عمل تدور أحداثه في حيّز مكاني مغلق وضيق على مدى ساعتين وثلاثين دقيقة من دون أن يشعر الجمهور بالملل لحظةً واحدة.
فيلموغرافيا - مخرج
* وأعود إلى المنزل (1968) (فيلم قصير)
* يوما هادئا خلال نهاية الحرب (1970) (فيلم قصير)
* في الوطن بين الغرباء (1974)
* عبد الحب (1976)
* قطعة غير منتهية لعازف البيانو (1977)
* خمس أمسيات (1978)
* العلاقات الأسرية (1981)
* دون الشهود (1983)
* عيون الظلام (1987)
* عثرات المشي لمسافات طويلة (1990)
* قريبة من عدن (1992) (ويعرف أيضا باسم Urga)
* تذكر تشيخوف (1993)
* آنا : 6 — 18 (1993)
* اصيبت بحروق من جراء الشمس (1994)
* حلاق سيبيريا (1998)
* يوما هادئا خلال نهاية الحرب (1970) (فيلم قصير)
* في الوطن بين الغرباء (1974)
* عبد الحب (1976)
* قطعة غير منتهية لعازف البيانو (1977)
* خمس أمسيات (1978)
* العلاقات الأسرية (1981)
* دون الشهود (1983)
* عيون الظلام (1987)
* عثرات المشي لمسافات طويلة (1990)
* قريبة من عدن (1992) (ويعرف أيضا باسم Urga)
* تذكر تشيخوف (1993)
* آنا : 6 — 18 (1993)
* اصيبت بحروق من جراء الشمس (1994)
* حلاق سيبيريا (1998)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق