حمد عبيدو
كتاب"أوزو"أو"السينما المضادة"من تأليف كيجو يوشيدا وترجمة رندة الرهونجي يحمل الرقم 100 من سلسلة الفن السابع الصادرة عن مؤسسة السينما السورية. في هذا الكتاب يستعيد السينمائي كيجو يوشيدا مسيرة"أوزو ياسوجيرو"أحد كبار صناع السينما اليابانية وأسلوبه وفكره بعد أن عمل كمساعد له... ويشيد هنا بتميز أعمال أوزو وشعريتها، متطرقاً الى بداياته في السينما الصامتة وتقنياته السينمائية وأسلوبه في صناعة"سينما مضادة".
وياسوجيرو أوزو ولد في عام 1903 وتوفي في عام 1963... وأخرج 54 فيلماً من بينها"الابن الوحيد"1936 وپ"ربيع متأخر"1949 وپ"رحلة الى طوكيو"وپ"مذاق شراب الساكي"1962. وغيرها من الروائع السينمائية التي جعلت من أوزو مخرج الحميمية والعائلة وتبدلات الفصول واضطرابات الوجود اللامتناهية. ومع ذلك، يذكر كيجو يوشيدا في كتابه ان تاريخ أوزو الشخصي هو تاريخ هامشي. لم تسجل سيرة حياته الشخصية أي حدث بارز خلافاً لفيلموغرافيته الغنية، عاش طويلاً مع والدته كعازب. واللافت حتى ذلك الحين هو فراغ هوامشه الشخصية مع أن حياته لم تكن هادئة. ففي خضم الحرب، أُرسل أوزو الى الصين كجندي من الدرجة الثانية. وعند اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية، ذهب الى سنغافورة ليصور فيلماً وهناك سجن.
ان ما يثير الرغبة في مقارنة سيرة حياته بالهامش الأبيض هو أن أفلامه كانت هادئة، وعند نهاية حياته، أصبحت قصصه الصغيرة تذكر بأن حياته كانت كذلك أيضاً.
بدأ أوزو عمله السينمائي في العشرينات من القرن الماضي، وثلاثون فيلماً من أفلامه الـپ54 كانت أفلاماً صامتة، وهذا ما ميزه حتى نهاية حياته، فمن المستحيل تجاهل الصلة الغريبة التي بناها هذا المخرج مع تلك السينما. وعندما جاءت السينما الناطقة، اراد المخرجون التأقلم معها بسرعة. لكن أوزو نفر من التحول في هذه السينما التي كانت تبحث من دون توقف عن التجديد والمشهدية: ان هذا العناد في التمسك بفن قد تجاوزه الزمن كان الاشارة الى رغبة العودة الى التجربة الأصلية.
كان أوزو الذي بقي عازباً يكره هموم الحياة اليومية: ألم يجهد في تبسيط حياته الخاصة بإقصائها الى الهامش من أجل أن يركز على عمله كسينمائي؟ علينا ألا نستنتج من هذا أن تلك الهامشية جعلته صموتاً، فقد ملك أوزو فن رواية القصص بحس وطرافة وتهكم وأكثر التحدث عن أفلامه. لقد اعتبره الناس شخصاً صموتاً، لأن العالم الذي يسكن أفلامه كان عالماً هادئاً للغاية وأسلوبه السردي وطريقته في التعبير كانا يتمتعان بخصوصية كبيرة. وكان أوزو متعلقاً جداً بمدينة طوكيو، وتناول في عدد من أفلامه هذه المدينة كلوحة خلفية، ونلاحظ أن أسمها قد تكرر بكثرة في عناوين أفلامه: جوقة طوكيو، امرأة من طوكيو، الرحلة الى طوكيو، وكذلك غروب في طوكيو، على رغم أنه من مواليد هذه المدينة الا انه لم يرغب في وصفها، لكن طوكيو قد سكنت أفلامه.
يقدم ياسوجيرو أوزو في فيلم"الرحلة الى طوكيو"ببراعة فائقة قصة عجوزين يقومان برحلة من قريتهم الريفية النائية الى طوكيو لزيارة ابنائهما الذين يعاملونهما بلا اكتراث، ويعالج فيها مشكلة التقدم في السن وخيبة أمل الآباء بأبنائهم وخشية الأبناء مما يخبئه لهم المستقبل بحساسية عاطفية نادرة. واذا كان فيلم"الرحلة الى طوكيو"قد تم سرده كما لو تأملته نظرات، نظرات الأشياء، نظرات الغياب أو اللامرئي، وأيضاً نظرات الفوضى. الا ان شيئاً آخر يلف بحنان هذا الفيلم باستمرار، ولا نستطيع تحديده الا بما يشبه نظرات مقدسة ومنظمة لم تأت من داخل الفيلم، بل كانت تعمي البصر وتشبه في شكل غريب الشمس التي تنشر ضياءها من فوق على كل الأشياء.
عندما بلغ أوزو عام 1962 الثامنة والخمسين، قام بإخراج فيلم"مذاق شراب الساكي"، لم يكن أحد يتوقع في حينه أنه سيكون فيلمه الأخير. انه لمن المؤسف حقاً أن يكون هذا الفيلم العمل الذي عرض بعد موته المبكر، وان تكون حياة أوزو قصيرة الى هذا الحد.
غير أن خريف حياة أوزو جاء قصيراً جداً، فكما حصل في عالم أفلامه الذي أعاد فيه بلا كلل أو ملل التكرار والتباينات، فقد وصل الى موت هادئ جداً حتى من دون أن يدرك هذا. وكانت هذه من دون شك الطريقة التي تمنى فيها أوزو أن يعبر نهر الحياة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق