الجمعة، 14 أبريل 2017

في ذكرى رحيله ,, المبدع أسامة أنور عكاشة : الفن اعادة تشكيل للواقع من خلال ذات المبدع

محمد عبيدو
كاتب السيناريو المصري الكبير أسامة أنور عكاشة الذي يعتبره البعض نجيب محفوظ الشاشة الصغيرة ، الذي رحل يوم  28 مايو 2010 عن 69 عاماً، تاركاً خلفه عشرات الأعمال الدراميّة، إلى جانب كتبه ومسرحيّاته، وأفلامه و... مواقفه المثيرة للجدل . أسامة أنور عكاشة ظاهرة تلفزيونية درامية كبيرة .. فنان وكاتب استطاع ان يدخل عمق ذواتنا , ليقول ما تريد قوله .. كل عمل من اعماله يشكل بصمة في مسيرة الدراما التلفزيونية العربية .. وحين تسمعه وتقترب منه تسمع صوت الانسان العربي الاصيل , وهو يفرد كل الاحلام والطموحات والاماني العربية . في اعماله التلفزيونية والسينمائية . وهي كبيرة دائما , يشكل صرخة في وجه كل عتمة زاحفة .. ويقول لا كبيرة تقف في وجه الارتهان والخراب والاستسلام .
كتب عكاشة عددا من الأفلام السينمائية والمسرحيات بالإضافة إلى أكثر من أربعين من أشهر المسلسلات التلفزيونية في العالم العربي وأكثرها متابعة،


وهي التي حفرت اسمه في الذاكرة بعد أن عرضت أعماله في معظم المحطات التلفزيونية العربية على مدى السنوات الثلاثين الماضية ، بداية من مسلسل “الشهد والدموع” مرورا بمسلسلات “ليالى الحلمية” و”زيزينيا” و”عصفور النار”، و"قال البحر" وليس انتهاء بمسلسلات “الراية البيضا” و”أنا وأنت وبابا” “في المشمش” و”رحلة السيد أبو العلا البشري” و”لما التعلب فات” و"ضمير أبلة حكمت" و"ما زال النيل يجري" و"زيزينيا" و"أرابيسك" و”الحب وأشياء أخرى” و”عفاريت السيالة”، حتى مسلسله الأخير “المصراوية” . وقد استطاع بمسلسلاته تلك أن يعيد الاعتبار إلى مؤلف الدراما المصرية، فاستحق عن جدارة أن يطلق عليه أبو الدراما التلفزيونية المصرية والعربية. وقد ارتبطت مسلسلاته بممثلين بارزين منهم فاتن حمامة ومحمود مرسي ومحمود المليجي ويحيى الفخراني وصلاح السعدني وهشام سليم وآثار الحكيم وغيرهم الكثير، واعتبر البعض أنه صانع نجومية بعض هؤلاء الممثلين.
 وكان عكاشة أول من كتب دراما الأجزاء في "ليالي الحلمية" أحد أشهر الأعمال الدرامية في تاريخ التلفزيون العربي، ويعد هذا المسلسل أطول المسلسلات العربية حيث جاء في خمسة أجزاء ضمت نحو 150 حلقة.وفيه امتلك عكاشة قدرة هائلة على الغوص في تفاصيل التاريخ والحياة وعلى رسم الشخصيات واعطائها بعدها الدلالي الغني .. من مرحلة " طه السماحي " والنضال ضد الاستعمار الى زمن الثورة والتحولات الوطنية ثم ارتداد السادات وما تلاه من عصر الانفتاح وتجار الاسلحة والمخدرات وبيع الوطن والخراب الذي اخذ يتغلغل في النفس البشرية .. واصرار انقياء البلد على الدفاع عن قيم الانسان العربي النبيلة وعلى الاصرار على الحلم والجمال والتمسك بكرامة الوطن .. نترك هنا لكلمات كاتبنا الراحل اسامة انور عكاشة , المساحة و المسافة , لتقول الكثير في هذا الحوار الذي أجريناه معه في دمشق قبل زمن :
# بدأت مع القصة والرواية ومن ثم تحولت للدراما .. ماذا عن البدايات والتحول ؟ 
= بداية الاتجاه للدراما كان بعد رحلة طويلة مع القصة والرواية .. هذه الرحلة اسفرت عن خيبة واحباط .. انت تعرف ماذا يعني كاتب بلا قارئ . أعمدة الإبداع الثلاثة : الكاتب والقارئ والناقد .. عندما يضبع جناحان من الثلاثة تكون العملية غير ناجحة . فوجئت ان عدد كتاب القصة في مصر اكثر من عدد قرائها , سوق الكتاب راكد ولا جدوى من الاتصال بالناس وبدأت افكر جديا في البحث عن وسيلة تتجاوز عوائق الامية وعوائق القراءة وتدخل لكل الناس في كل مكان .. في الريف المصري هوائيات واطباق التلفزيون مثل الغابة في الوقت الذي لايقرأ فيه الصحف احد .. المفارقة دعتني لان ابدأ رحلتي مع التلفزيون عام 1977 ..
وانا حين اكتب الدراما يظل يشغلني حنيني للقصة والرواية , فأحاول الحاق المسلسل التلفزيوني بصنوه الروائي . فاذا كان الفيلم التلفزيوني او السهرة يتقاربان مع القصة القصيرة , فان المسلسل الكبير الطويل يلتقي مع الرواية في التكنيك على الأقل .. ولا اخفيك ان الحنين يراودني الى حبي وحلمي الاول : القصة والرواية ..
 # الهم السياسي والهم الابداعي الجمالي يشغلان فكر أسامة انور عكاشة الذي يحاول ان يوجد معادلة ابداعية لتقديمها في اعماله . ماذا عن السياسي والجمالي ؟ 
= انت لاتقدر ان تفصل السياسي عن الجمالي . ماذا يعني السياسي ؟ السياسي ان تتكلم عن مشاكل الناس , لقمة العيش سياسة .. البحث عن مسكن ورومانسيات الحياة سياسة .. من هذه النقطة انا اعمالي سياسية . اما الدعاية لجهة او حزب فذلك ليس موجودا اذا كنت في بعض اعمالي التي تكلمت عن الماضي فهذا لايجاد حس التاريخ وايجاد رؤية فكرية . فانا عندما اتحدث في الحلمية عن عهدين .. الناصرية وما قبلها .. فأنا قلت انني مع مرحلة عبد الناصر وانا اتحدث عن ذلك من خلال احداث تمر بها الشخصيات العمل .. نحاول ان نعرض الفترة هنا للانارة من اجل توضيحها اكثر للناس . والعكس كان مع الفترة الاخرى ( انور السادات ) .. الفن اعادة تشكيل الواقع من خلال ذات المبدع . وفي ارابيسك تطرقت لاسئلة هامة تشغل الفكر العربي حول الهوية الخاصة والاصل الي ننتمي اليه .. ماهي ماهيتنا . هل نحن عرب ؟ ام نحن كما يأتي احدهم ويقول : فراعنة ام نحن فينيقيون ام اشوريون .. ام بربر ؟؟ هذه الطروحات برزت للواجهة بعد حرب الخيلج الاولى .
 # الا ترى ان الفن هو مساحة حوار ؟
= حاجتي الاولى هي التحاور مع عقول الناس .. انا لا اتعامل مع " كليشات " .. الانسان عبارة عن عقل , فكر و لابد من فتح الفرصة امامه للعمل كي لا يصدأ او يمرض او يتفتت .. المعنى الحقيقي للديمقراطية ان نتحاور من اجل انجاز الافضل لاغلبية الناس .. وهذه المسألة اذا كانت احد هموم المبدعين فانها للاسف غير موجودة لدى اكثر الانظمة العربية , بل على العكس فهي تعتبر ادمغة الناس ساحات مملوكة لها , تحب ان تملأها بما تريد .
# في اعمالك شخصية الانسان المثالي .. على صورة الفارس المنقذ .. هذا النموذج ما هو موقعه في هذه الايام ؟
= هذه الشخصية النموج صغتها كتابة في الجزء الاول من ( رحلة السيد البشري ) الرجل إلى يعيش بأخلاق الفرسان في مجتمع لم يعد فيه فروسية .. انه دون كيشوت الي يحارب طواحين الهواء لأنه خرج من الكتب وظل يحلم بزمن الفروسية في ايام ما عاد فيها فرسان . هذه الشخصية أصبحت نادرة فالناس الذين يعيشون على اوهام رومانسية ومثالية نادرون , بل انقرضوا .. وان وجدوا فهم يتفاهمون مع الزمن الرديء والناس الذين تخربوا .. وان كانوا في النهاية يهزمون ربما لانهم لايمتلكون السلاح الفعال لمقاتلة الشر .
 # ما تطرحه في اعمالك من مواضيع سياسية واجتماعية ودينية اثار إشكالات عديدة وخصوصا عند الرقابة .. ماذا عن الرقابة والإبداع ؟

= ان الإبداع بحاجة دائمة لمساحة حرية وفسحة تنفس والرقابة لدينا بتزمتها الشديد تضيق اكثر فاكثر هذه الفسحة , وفي الدراما التلفزيونية والسينما الرقابة بشكلها المتعنت سواء منها الخليجية او في بلادنا تضيق فرص التطور والتقدم لدى الإبداع السينمائي والتلفزيوني ..
وبالنسبة لأعمالي فمتاعبها لا تنتهي مع الرقابة ولن أتحدث عن بعض الرقابات العربية التي حيث تمنع حلقات باكملها .. وإنما سأتكلم عن الرقابة في مصر حيث حذفت مقاطع عديدة من " ليالي الحلمية " و " ارابيسك " هذه الحذوفات ألمتني وفتحت جروحا مثخنة بداخلي .. وكان موقفي التمسك بكل حرف كتبته وخوض المعركة مع المخرجين ضد الرقابة . 
أسامة أنور عكاشة : من مواليد 27 يوليو 1941 في مدينة طنطا محافظة الغربية. متزوج وله أبناء. حصل على ليسانس آداب قسم الدراسات النفسية والاجتماعية من جامعة عين شمس 1962. مؤلف وروائي. عمل مدرسا بالتربية والتعليم 1963-1964، عضوا فنيا بالعلاقات العامة بديوان محافظة كفر الشيخ 1964-1966، أخصائيا اجتماعيا بجامعة الأزهر 1966-1982، عضو اللجنة المصرية لحقوق الانسان، عضو لجنة التضامن الآسيوي الأفريقي. له أكثر من اربعين مسلسلا للتلفزيون وخمسة سيناريوهات سينميائية , كما كتب للمسرح عدداً من الأعمال منها: «البحر بيضحك ليه؟» و «في عز الضهر» و «ولاد الذين» و «الليلة 14» و «الناس اللي في التالت».. بدأ عكاشة حياته كاتباً للقصة القصيرة، قبل أن يتحول إلى العمل بالكتابة الدرامية، وله مؤلفات منها: خارج الدنيا (مجموعة قصصة) 1967، أحلام في برج بابل (رواية) 1984، مقاطع من أغنية قديمة (مجموعة قصصصية 1988، شارك في مؤتمر الإبداع العربي الأول بالمغرب 1988، حصل على شهادة تقدير عن مسلسل ليالي الحلمية في عيد الإعلاميين السابع 1990.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق