محمد عبيدو :
مع فيلم المترجمة The Interpreter عام 2005 من تمثيل نيكول كيدمان وشون بين. يقدم المخرج سيدني بولاك فيلم اثارة سياسي ذكي، صور في اروقة مبنى الأمم المتحدة والمناطق المحيطة بها، ويطرح معالجة بارعة لموضوع من مواضيع الساعة "الارهاب الدولي المقترن بالتصفية العرقية في دولة افريقية افتراضية".
بطلة الفيلم سيلفا بروم (النجمة نيكول كيدمان)، أفريقية
بيضاء.. جذورها أوروبية.. عاشت وتربت في دولة تسمى «ماتوبو». والاسم وهمي وإن كان
يشير إلى عشرات الدول الحقيقية التي تعاني من الديكتاتورية ونظم الحكم الفاشية..
وقد عاصرت رئيس الدولة الدكتور أدموند زواني منذ أن كان مناضلا من أجل استقلال
بلاده إلى أن أصبح حاكما قاسيا مستبدا.. يمارس كل أنواع القتل للتخلص من معارضيه
ومنتقديه.. الحرق.. السحل.. الرمي بالرصاص.. الخنق بالغاز.. دفن الأحياء.. ضربهم
بالأحذية الثقيلة.. و مجازر التصفية العرقية. لقد تحولت السلطة إلى عصابة.. وتحول
الحاكم إلى قاطع طريق.. وتحول رجاله إلى لصوص وقتلة.. وتحولت المناجم ،والحقول
والمراعي إلى خرائب.. وأصبحت الدولة كلها دولة سيئة السمعة مطلوبة للمحاكمة
الدولية.
البطولة لبيضاء. بيضاء من ماتوبو تدافع عن الحق والعدالة
وحرية الفرد وإنسانيته. فقط تصوّر كم كان الفيلم سيكون أقوى لو أن هذه المدافعة
سوداء. لكن ضروريات العناصر التجارية للفيلم فرضت شخصية بيضاء كما فرضت أن تقوم
بها نجمة أولى.. نيكول كيدمان هاجرت قاصدة الولايات المتحدة قبل ثلاثة سنوات
وتقدمت للعمل كمترجمة في مقصورات زجاجية في الأمم المتحدة لإتقانها عدة لغات. من
خلال عملها ، إنها مترجمة تجيد اللغة الخاصة بجمهورية “ماتوبو” والمستخدمة في جنوب
إفريقيا كما تجيد، بطبيعة الحال، الإنكليزية وكونها درست في فرنسا فإنها تجيد
الفرنسية. وهي تدرس الموسيقا وفي يوم تعود لأخذ حقيبة أدواتها التي تركتها في غرفة
الترجمة لتفاجأ بأن سماعة التليفون مرفوعة.. وعندما تهم بوضعها تسمع ، بالصدفة بضع
كلمات من حديث هامس بين شخصين بلغة نادرة صادف انها تعرفها وتفسرها بانها تهديد
بالموت ضد اغتيال زواني رئيس جمهورية »ماتوبو« الافريقية، اثناء قيامه بالقاء خطاب
في مبني الامم المتحدة امام وفود الدول الاعضاء بغرض تبرئة نفسه، من اتهامات،
املاً في ان يتمكن من اقناع المجتمع الدولي بانه يحارب الارهاب في دولته وليتجنب
مواجهة محاكمة دولية بصفته مجرم حرب. ، وتشعر بان حياتها هي الأخرى باتت مهددة
فتذهب بما سمعته الى المخابرات الخاصة {او السرية كما اسمها الأمريكي}. يشك
المسؤولون بصحة ادعاءاتها ولكنهم يقررون البحث في الأمر بكل الأحوال. .. فوضعت تحت
جهاز كشف الكذب.. ولم تحسم النتيجة الأمر.. وبدأ التفتيش في ملفات المعارضة..
وكشفت الملفات عن وجود أكثر من زعيم معارض.. يعيشون في نيويورك نفسها.. ومستعدون
برجالهم وأنصارهم لاستقبال حاكمهم السفاح بالمظاهرات واللافتات والشعارات ا غاضبة.
ويتولى العميل الفيدرالي توبين كيلر (شون بن) وشريكته دوت
ووردز (كاترين كينر) التحقيق من صدق ادعاءاتها وتتبع خيوط المؤامرة إن وجدت لضمان
سلامة الرئيس خلال زيارته. وهما يشككان في البداية برواية سيلفيا ويقتنعان في سياق
التحقيق ان لها غرضا خاصا بها. كيلر وبروم شخصيتان متناقضتان، ويجدان صعوبة كبيرة
في التفاهم في البداية، ويحمل كل منهما هماً ذاتياً يؤرق حياتهو ندوب جراح عاطفية،
فـ"كيلر" فقد زوجته قبل ايام قليلة في حادث ويعيش حالة الم وحزن عميقين،
وصراع داخلي يثقل كاهلة، فيغرق نفسه بالعمل ليتجنب البقاء وحيداً مع أفكاره، بينما
تبدو سيلفيا غامضة ومحاطة بالأسرار.
ويشعر هو بأنها تتلاعب بالكلمات، بينما تؤمن هي بدقة
التعبير وان سوء ترجمة اي كلمة قد يؤدي الى كارثة حقيقية، وهذا الإختلاف بينهما
نابع من طبيعة عمل كل منهما، وأسلوب قراءته للآخرين.
ومع تبدد الشكوك بصورة تدريجية لدى العميلين وميلهما الى ان
يصدقا كل ما تقوله المترجمة تنشأ اواصر صداقة بين سيلفيا وتوبين.
وتصطدم برغماتية كيللر مع مثالية سيلفيا وطبيعته المشككة
تدفع توبين الى التساؤل حول صدق واخلاص سيلفيا ويحفزه شغفها الى فتح قلبه وربما
تجاهل اشارات منذرة بان سيلفيا ليست الشخص الذي تبدو في الظاهر.
إذ يجد كيلر صعوبة في تصديق قصة سيلفيا، ويفاجأ أكثر من مرة
بأنها تخفي الكثير من الأمور التي تتعلق بماضيها، ونكتشف أنها ولدت وعاشت في
موتوبو، وان لها هي الأخرى ماض مليء بالخسائر الذاتية، ابتداءاً من والديها
وانتهاءًً بحبيب وشقيق فارقتهما لأسباب تتكشف تباعاً في سياق القصة.. فقد كشفت
الملفات أيضا أن سيليلفا بروم نفسها كانت مناضلة قديمة في صفوف المعارضة المسلحة
في ماتوجو قبل أن تتركها وتهاجر إلى الولايات المتحدة.. لقد قتلت أسرتها في حادث
مدبر ولم يبق سوى شقيقها الذي جر هو الآخر إلى فخ لتصوير المقابر الجماعية تحت
مبنى الاستاد الرياضي.. فكان مصيره القتل بإطلاق الرصاص عليه من صبي صغير ينتمي
إلى ميليشيات النظام.. وتابع ما جرى وصوره من مخبأ كان فيه صحافي فرنسي نجح في
الهروب والسفر إلى نيويورك حاملا أفلامه ودفاتر شقيقها التي تضم قوائم القتلى
والضحايا وكيفية التخلص منهم. وكل هذه الأمور تجتمع لتجعلها طرفاً أساسياً في
القضية الأمنية التي بين يديه
وتقول له في قبيلتنا الأفريقية المجهولة يقبضون على الرجل
المذنب ويكتفونه ويضعونه في قارب ثم يدفعونه إلى الماء ليبقى وحيدا وسط الخطر
والظلام في انتظار أن يأتي رجل آخر يمثل أصحاب الحق في الانتقام.. إما أن يجهز
عليه متشفيا فيه وهو يلقى مصيره.. وإما أن يعفو عنه ويفك وثاقه ويمنحه فرصة أخرى
للتوبة والحياة.
لو قتلوه.. فإن أصحاب الحق في الانتقام يعيشون في حالة حداد
عليه طوال عمرهم.. ولو سامحوه.. فإنهم يستطيعون مواصلة الحياة في سلام. دون أن
تسود قلوبهم بهباب الانتقام.. إن الانتقام ليس طبقا يؤكل بارداً.. بل رغيف خبز
مسموم يقتل من يتناوله بالحزن ولو كان على حق.
لكن.. لو كانت المغفرة سلوكا إنسانيا يتسم بالسمو والرقي في
حالات الجريمة الفردية.. الشخصية.. فهل هي كذلك في حالات الجريمة السياسية..
الجماعية؟.. هل من حق الشعوب أن تغفر لحكامها جرائم القتل والخطف والتعذيب والحرق
ودفن البشر أحياء وصناعة الأحذية من جلودهم؟
كما تبرز التحقيقات مشتبهين رئيسين في القضية وهما زعيمين
معارضين للرئيس زواني احدهما يدعى كومان يعيش في اميركا والاخر يعيش في موتوبو
ويقود حركة مقاومة مسلحة ضد الرئيس زواني.
في مطاردات معقدة ومتشابكة لجميع الأطراف المعنية نجد أن
التهديد بالقتل لا يقتصر على الرئيس المستهدف فقط بل يمتد إلى زعماء المعارضة..
والمترجمة.. أيضا.. وفي مشهد داخل حافلة عامة تلتقي المترجمة بزعماء المعارضة.
. وتفتح حواراً سياسياً معهم يكشف عن قصور المعارضة ودورها
الخفي في صناعة الديكتاتورية الحاكمة.. وفور نزولها من الحافلة.. تنفجر بمن فيها،
دليل إضافي على قسوة ذلك الحاكم وإصراره على الاستمرار في السلطة ولو بمزيد من
الدماء وجثث الخصوم.
تتصل سيلفا بروم بالصحافي الفرنسي الذي يصل إلى نيويورك
لتقابله.. تعرف منه كيف جرت عملية قتل شقيقها، وآخر من تبقى لها.. ولا تملك أن
تمسك دموعها بينما الحزن يخنق ملامحها ويعصرها وهي تغادر المكان على أن يلتقيا في
اليوم التالي.. لكن.. اليوم التالي لم يأت.. فقد وجد الصحافي الفرنسي مقتولاً في
حمام غرفته بالفندق.
. تاركاً لها.. ما تبقى من أوراق شقيقها.. وفي حديقة عامة
تقرأ تلك الأوراق.. وتراجع أسماء ضحايا النظام.. ثم تمسك بقلم وتضيف اسم شقيقها
تحت قائمة القتلى رميا بالرصاص.. ثم تكتب اسمها دون أن تعرف في أي قائمة سيصنف.. وتترك
رسالة لرجل المخابرات تخبره فيها بأنها ستغادر نيويورك على طائرة صباحية إلى مكان
ما.. وتؤكد التحريات صدق ما قالت
وعندما يصل الرئيس الافريقي الي نيويورك ليلقي كلمته يفاجأ
بمجموعة من مواطنيه يهتفون ضده مما قاسوه منه في وطنهم.
تركز الكاميرا على وجه دبلوماسي أسمر يدخل قاعة الجمعية
العامة للأمم المتحدة وينجح في المرور من أجهزة كشف الأسلحة والمفرقعات.. وتتابعه
الكاميرا وهو يدخل مكانا مجهولا يخرج منه بندقية مصنوعة من الألمنيوم ويقوم
بتركيبها.. وبعد أن يصعد الرئيس الافريقي الي المنصة ينهال عليه الرصاص من جانب في
القاعة.
. نكتشف بأن المستشار الأمني للرئيس أدموند زواني يقتل
الديبلوماسي الاسمر وان الامر ليس سوى مسرحية مرتبة كي يوحي بأنه الرئيس سيقتل
وعندما ينجو من المحاولة ترتفع شعبيته حسب الخطة استغلها البعض لتتحول من محاولة
مسرحية إلى محاولة حقيقية.
ويحاول البوليس الجنائي حماية الرئيس زواني فيضعونه في حجرة
محكمة الحراسة. و يجد الضابط المترجمة تمسك بمسدس في محاولة لقتل الرئيس الافريقي
انتقاما منه لجرائمه البشعة في حق شعبه واسرتها.
ويحاول الضابط ان يقنعها بالعدول عن ارتكاب الجريمة.ويذكرها
بالتعاليم الانسانية التي سبق ان ذكرتها له
وينهي الفيلم احداثه عندما تودع المترجمة صديقها الضابط
الذي انقذها من ارتكاب جريمة لتعود الي موطنها في افريقيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق