محمد عبيدو
تعتبر السينما الإسبانية أحد اكثر السينمات الأوروبية تميزا حيث حقق بعض رموزها صيتا عالميا، بفضل مخرجين مثل بونويل وكارلوس ساورا وخوان بارديم وبيدرو المودوفار والمخرجة ببلار ميرو ومن ممثلين وممثلات مثل أنتونيو بانديراس وفرناندو جوميز وفيكتوريا أبريل وكارمن ماورا...يبدو الحديث عن السينما الاسبانية لا يمكن ان يكون سوى بالتطرق للسينما الاوروبية بشكل عام، لانها كانت ولا تزال ظاهرة متميزة داخل هذا الكم الهائل من سينما القارة، وان لم تحصل على شهرة وتميز ظواهر سينمائية اخرى مثل الفرنسية والايطالية، ولكن حدود تميزها تكمن بهذا العدد القليل من النتاجات والاسماء المعروفة عالمياً، فالحديث اولا واخيرا عن سينما القرن العشرين لابد وان يمر ولو بنماذج قليلة من السينما الاسبانية، لا يمكن ان تحيد عن سينما لويس بونويل المعروف عالمياً و كارلوس ساورا و خوان بارديم والمخرجة ببلار ميرو او مؤخراً ظاهرة افلام بيدرو المودوفار والذي حاز فيلمه (كل شيء عن امي) على اوسكار افضل فيلم اجنبي عام 2001. وأليخاندرو آمينابارالذي حاز الاوسكار عن فيلمه "البحر من الداخل" ومن ممثلين وممثلات مثل أنتونيو بانديراس وفرناندو جوميز وفيكتوريا أبريل وكارمن ماورا.و بينلوبي كروز و خافيير بارديم
ويمكن اعتبار بداية السينما الاسبانية جاءت مع فيلم مؤرخ في عام (1896) وهو شريط لا يتجاوز الدقيقة عبارة عن تسجيل لخروج المصلين من كنيسة في مدينة سرقوسة اثر احتفال ديني. فيلمان آخران من انتاج نهاية القرن 19 تم انتخابهما ايضاً لقيمتهما الفنية والتاريخية يتقدمان افضل مئة فيلم اسباني وهما: مناظر اسبانية بطول 8 دقائق، ومشادة في مقهى اول فيلم روائي قصير بتاريخ السينما.
و الفيلم التسجيلي لحفل زفاف الملك الفونسو الثالث عشر ملك اسبانيا آنذاك، فهو اضافة لاهميته كتحفة سينمائية يعد الاول من نوعه في العالم بتسجيل وقائع اصبحت من مسلمات السينما والتلفزيون في نهايات القرن، كما ان قيمته تكمن بعفويته بتسجيل الاحداث دون سيناريو ثابت، ومنها تسجيل وقائع ما حدث من تفجيرات بين الجمهور المحتشد في الساحة نتيجة قنبلة تركها معارضون للملكية آنذاك. ومن أوائل أفلامها الصامتة فيلم اسمه ’ مشاجرة فى المقهى ‘ سنة 1897 . مع ذلك لم تتأسس أول شركة لانتاج الأفلام الطويلة إلا فى سنة 1932 , و من ضمن افلام منتخبة حتى عام 1915، تبرز مجموعة منها ولكن ما يميزها ان اغلبها لا تتجاوز مدتها الـ 8 دقائق ولعل اهمها بسبب من جرأته وفكرته المتقدمة زمنيا على عصرها يأتي فيلم (الفندق الالكتروني) الذي يدور عن رحلة زوجين يمضيانها بفندق مكيف على احدث تقنيات المستقبل وهو من اخراج سغوندو شومون الذي يعتبر وزبوه من رواد السينما في اسبانيا.
بعد اول فيلم طويل وهو (حياة كولومبوس واكتشافه لاميركا) 1916 بـ 110 دقائق وهو فيلم روائي مستقى كما هو واضح من عنوانه عن حياة مكتشف القارة الاميركية، جاءت افلام مختلفة اخرى ولكنها ستكون افلاما (تابعة) كما يطلق عليها مؤلفا الكتاب لانها كانت تقليدا لموجات السينما العالمية آنذاك في اميركا او في دول اوروبية مجاورة مثل السينما الالمانية وحتى موجات الواقعية الايطالية والسينما الجديدة في فرنسا. ولكن وان جاءت الافلام الاسبانية كمنحى متابع لسينما دول الجوار حتى بدايات الستينيات، فإنها حاولت ان تظهر الجانب الفلكلوري باسبانيا وسمعتها السياحية وصورتها التقليدية، وكان ان جاءت افلام تطرق على هذه النغمة دون قيمة فنية معينة. بينما حاولت افلام اخرى الاستفادة من كل تراث اسبانيا لصنع افلام خاصة محلية بطابع عالمي كما عليه افلام العبقري بونويل وان كانت اغلبها خارج اسبانيا، او افلام المدهش لويس برلانغا الذي ارسى لسينما نقدية شعبية كما في: مرحبا مارشال، الجلاد وغيرهما، وكذلك السينما الجادة القريبة من سينما الواقعية الجديدة في ايطاليا كافلام انطونيو بارديم مثل: الشارع الكبير، موت سائق الدراجة، وهما المخرجان اليساريان اللذان احرجا ديكتاتورية فرانكو طويلا وتعرضا لمنع عرض افلامهما لصورها النقدية الفاضحة.
ولكن دون نسيان فترة طويلة من عمل مخرجين اجانب في افلام اسبانية، او عدم ذكر افلام خالدة وتعد من كلاسيكيات السينما الاسبانية كافلام ادغار نبيلي، ساينز هيريدا او مانويل مور اوتي.
وقد لعبت السينما الأسبانية دورا مهماً في تحول أسبانيا إلى الديمقراطية ليس فقط بعد وفاة فرانكو 1975 بل في السنوات السابقة لوفاته، بل أكثر امتدادا إلى سنوات الحرب الباردة 1945-1957 ومعها بدأت تتحول سياسة الانغلاق التي اتبعها نظام فرانكو أثناء وبعد الحرب الأهلية 1936-1939 إلى الانفتاح على العالم ـ ورغم قيود الرقابة والتزمت الداخلي ـ استفادت السينما الأسبانية من هذا الانفتاح الذي أراد النظام أن يجمل صورته بها أمام العالم، وبدأت حركة سينما جديدة واستفاد النظام نفسه من فوز بعض الأفلام الأسبانية بجوائز في المهرجانات الدولية.
ومن بين هذه الافلام نذكر " الطريق" لخوزيه انطونيو نيفيس كوندي عام 1951 الذي قدم للجمهور قصة عائلة فلاحية اضطرت للهجرة للمدينه لأسباب اقتصادية .
وكان النقاد المحتجون على السينما الأسبانية السائدة قد عقدوا في مايو 1955 مؤتمرا بمدينة سالامنكا المعروفة كمدينة جامعية وأصدروا بيانا - أشبه ببيان أوبرهاوزن 1962 الذي أعلن قيام السينما الألمانية الجديدة نددوا فيه بزيف الأفلام التجارية وعدم جدواها وتأثيرها سياسيا واجتماعيا وانعدام جمالياتها ورغم أن البيان قد صاغه خوان انطونيو بارديم ـ عضو الحزب الشيوعي ـ فقد وقعه مخرجون ونقاد من مختلف الاتجاهات السياسية..
وظهرت نماذج من الأفلام تحاول تحقيق المعادلة بين التأثر بالواقعية الجديدة الإيطالية والميلودراما الهوليوودية مثل فيلم موت راكب الدراجة إخراج بارديم نفسه كما تذكر الناقدة الأميركية مارشا كيندرفي الفصل الخاص بأسبانيا بعد فرانكو في تاريخ أكسفورد للسينما العالمية 1996 أنه ظهرت في عهد فرانكو ثلاث شخصيات سينمائية أسطورية أمتد عطاؤها بعدهم وهي لويس بونويل المولود عام 1900 ولويس برلانغا 1921 وخوان انطونيو بارديم 1922الذي اخرج افلاما مثل (هذا الثنائي السعيد) في 1951 الذي شكل بداية سينما اسبانية تنتقد ديكتاتورية فرانكو و(وفاة دراج) في 1955. وكان خوان انتونيو بارديم شقيق الممثلة بيلار بارديم وعم الممثل خافييه بارديم
بقيت السنوات الاولى من فترة الستينات تحت هيمنة بيرلانغا وبارديم . والسينمائي الأخرالوحيد اللامع كان الايطالي ماركو فيريري الذي عمل فترة من الوقت في اسبانيا قبل ان يثبت وجوده في بلده . فقد انجز في اسبانيا أفلام " الشقة " و " الأولاد " و " السيارة الصغيرة " .. في هذه الافلام الاسبانية المبكرة بدأت تظهر بوضوح العناصر التي ستميزأعماله اللاحقة .
لكن العنصر الأساسي الذي ميز الستينات كان ولادة ما يسمى " بالسينما الاسبانية الجديدة "
في عام 1959 حقق كارلوس ساورا فيلم " الأشقياء " الذي ذبحته الرقابة فيما بعد . واستغرق أربع سنوات كي يعتق ويطلق سراحه للتوزيع بسبب ألعاب الخداع البيرقراطية في تصنيف " المستوى " التي ابقت الفيلم مخزونا على الرفوف .
وفي عام 1963 بدأت " السينما الجديدة " تزدهر . وظهر في الساحة أكثر من اثني عشر مخرجا جديدا يقدمون افلاما ممتعة بدرجات متفاوتة
في تلك السنة نفسها حقق بيرلانغا أحد روائعه " الجلاد " الذي قضى عليه الرقباء , وصور بارديم " لاشيء يحدث أبدا " .
أبرز الوافدين الجدد كان ماريو كاموس الذي انجز فيلمين " الأدعياء " وسانشيز الشاب " . وفي الوقت نفسه حقق مانويا سومرز فيلمه الروائي الطويل الأول " من القرمزي الى الأصفر "الذي مازال حتى الآن واحدا من أفضل أعماله . وهو وقائع تسجيلية عن الشيخوخة والمراهقة بأسلوب هزلي متفرد استمر سومرز باتباعه .
وقدم فرانشيسكو ريجوير حكاية زوجين شابين من مدريد يلجآن الى طليطلة في مغامرة يوم الأحد في فيلم " حب جيد " , وانطونيو ايشيزا " المواجهة الأخيرة الذي عالج قصة حب مستحيلة لشابين في عطلة الصيف
الفترة التالية التي ستشكل زخما سينمائيا سواء بالكم او بظهور مخرجين جدد مع عام 1975، عام موت فرانكو، وبداية مرحلة عسيرة من تاريخ اسبانيا، وهي الاعوام التي ستبرز اسماء مهمة مثل كارلوس ساورا المولود 1932كخليفة لاستاذه بونويل ليحقق نجاحات عالمية مازالت مستمرة ومخرجين آخرين يتطرقون لمواضيع كانت حتى وقت قريب من المحرمات مثل العلاقات الجسدية، الكنيسة، نقد الاوضاع السياسية والاجتماعية بصورة مكشوفة وصريحة كما عليه افلام: ريكاردو فرانكو، لويس بوراو، بيغاس لونا، بيثنته آراندا، غونثالو سواريث وغيرهم ...ويتقاسم الجائزة الذهبية لمهرجان برلين عام 1978 فيلمان اسبانيان .. " أقوال ماكس "لاميليو مارتينيز لازارو و " السمكة " لخوزيه لويس سانشيز . وفيلم " الفارس دون كيشوت " المقتبس من الجزء الثاني من رواية دون كيشوت الشهبرة لسيرفانتيس للمخرج الاسباني الكبير مانويل غيتيراز اراغون الفائز بجائزة الاوسكار . وتتقدم المخرجة بيلار ميرو لتؤكد وجود المرأة المبدعة التي أثارت الجدل بجرأتها في تناول موضوعات سياسية واجتماعية ورغم صدور قانون 1977 بإلغاء الرقابة فقد تعرض فيلمها "جريمة كونيكا " 1979 لمصادرة البوليس ثم أفرج عنه عام 1981 ليكتسح الشباك.. وفي عام 1982 عينت مديرة عامة للسينما في عهد حكومة غونزاليس الاشتراكية لتدشن عهدا من الحرية الفنية وتصدر قانونا لحماية السينما وزيادة دعمها ماليا. كما انه بدءا من هذا التاريخ ستعترف المهرجانات العالمية بقيمة السينما الاسبانية ليحصل فيلم "خلية النخل " لماريو كاموس على الجائزة الذهبية لمهرجان برلين , وجائزتين لساورا في مهرجان كان عن فيلمه "كارمن ". ويحصل خوسيه لويس غارسيا على جائزة اوسكار لفيلم اسباني عن فيلمه " لنبدأ ثانية " يليه في التسعينيات المخرج فرناندو تروبيا ومن ثم تلاه بيدورالمودوفار.وأليخاندرو آمينابار
وانجز المخرج خوان بارديم فيلم "لوركا.. موت شاعر " عام 1987 حول حياة الشاعرة والمسرحي الكبير »فيديريكو جارسيا لوركا [1936-1889]« الذي اغتيل على يد الفاشيست الاسبان في الاسابيع الاولى لقيام الحرب الاهلية الدامية. ويشهر الفيلم ادانة واضحة لذلك الجهاز البوليسي الذي انضم في غرناطة لحلفاء فرانكو, واغتال كل من رأى فيهم خلافا معه, بمن فيهم لوركا متهما اياه بالعمالة لموسكو سياسياً, وهي اول مرة يشار فيها بشكل واضح الى قتلة لوركا والذي ما زالت تدور التكهنات حول موته الغامض واختفاء جثته حتى يومنا هذا
لا ننسى اضافة آخر الاسماء المتميزة في السينما الاسبانية المعاصرة في العقد الماضي , والاشادة بافلام لمخرجين جدد هم: ميغيل البالديخو وفيلمه (الليلة الاولى من حياتي)، اشيرو مانياس بفيلمه (الكرة).و(في عقل قاتل ) للمخرجين / اوجاستي فيلارونجا وليديا زيمرمان واسحق راسين / الذي يحاول الفيلم التنقيب عن الدوافع التي ادت بالمجري آروتولبوكين لاحراق حوالي ثلاثين شخصاً ،وهم احياء وكان معظمهم من السيدات الحوامل قبل ان تلقي الشرطة القبض عليه عام 1981 ويحكم عليه بالاعدام.
" في عقل قاتل " فيلم مذهل ومكتمل بأدواته الفنية وبمزاوجته الابداعية بين الشكل التسجيلي والشكل الروائي في القص ، بجرأته الواضحة في الطرح وتصوير جميل وتقطيعه الزمني الذي ساهم به مونتاج متمكن ، يُضاف الى ذلك اداء تمثيلي محبوك لجميع العاملين بالفيلم وفي مقدمتهم بطل العمل / داينيل جيمينيز ساكو/.
و يقدم بنيتو ثامبرانوا بفيلمه (نساء وحيدات)، ويقول المخرج بنيتو ثامبرانوا أنه استقى موضوع الفيلم والذي كتب له السيناريو من واقع حياة أسرته في إحدى القرى الأندلسية، وقد لمس جمهور المشاهدين صدق الفيلم وتعايش بحميمية مع شخصيات الأم العجوز التي جاءت مع زوجها من القرية ليعالج في مستشفى بمدينة أشبيلية وتنزل في بيت ابنتها المرأة الشابة المحبطة التي هربت من القرية مثلما هرب أخوتها حتى قبلت أول من تقدم إليها حتى بدون حب، شاب كان يعجبني تزوج من صديقة لي في المدينة وبالتالي تعرفت على أسوأ رجل تركني حاملا..
هكذا تحكي لجارها المسن الذي يعيش وحده مع كلبة وهي تشتغل عاملة في مطعم تنظف بقايا الآخرين وترضى بما تبقى على الموائد من بقايا الآكلين من طعام أو شراب.. تتقاسم مع زميلاتها في مذلة الطعام وتسرق زجاجات الخمر من بار الرجل الطيب الذي يعطف عليها ويوصلها لمسكنها وهي تترنح حتى تلتقي بصديقها سائق الشاحنة على الطرق السريعة، لا يهمه إلا جسدها، حينما تخبره بأنها حامل يطلب منها بدم بارد أن تجهض نفسها. يهينها قائلا: أنت نصف امرأة. النصف الأخر مليء بالكحول ـ كيف يكون لطفلي أم مثلك؟
تقوم علاقة إنسانية بين أمها العجوز والجار المسن، الوحيد. يساعدها حينما لا تجد نقودا كافية في السوبر ماركت، تقوم بينهما علاقة الود، له فلسفته في الاستمتاع بأيامه الأخيرة في سلام، تساعده في طهي طعامه، ترتبط بصداقة مع كلبه الذي يألف إليها، حتى ليهرع إلى مسكنها لتنقذ صاحبه من أزمة صحية تعتني به بحنان يشعر زوجها المريض ـ المسن ودائم العبوس بأنها تحمل رائحة رجل غريب كان قاسيا معها ومع أولاده، تقول الابنة كان يضرب أمي ثم يضربنا نحن بناته بلا سبب هكذا تفتح الابنة صدرها للرجل المسن بعد أن تركته أمها حزينا ينهرها عن إجهاض نفسها سأتبناه كجد وهي تثور عليه وتتهمه بالجنون ويأتي المشهد الأخير في الفيلم هي وهو أمام قبري والدها ووالدتها.
و بينما يواصل ساورا والمودوفار وامينابار تقديم تحفهم السينمائية يقدم المخرج المعروف خوسيه لويس غارسيا فيلمه "الجد " الذي يتناول درامة اجتماعية بطلها شيخ مسن يفقد ابنه الوحيد و يحاول في اخر يامه ان يجد في عائلته النبيلة من هو يستحق ان يرث ثروته ...
و فيلمه {انت وبس} (you are the one) الذي تدور أحداثه في أواخر الأربعينات أثناء الحرب الأهلية .. ونظام الحكم الدكتاتوري.. حيث تفقد جوليا بطلة الفيلم (ليديا بوش) حبيبها الذي مات في السجن .. والذي كان رساما موهوبا.. والمعروف بميوله السياسية ضد فرانكو ونظام الحكم أما جوليا الفتاة الجميلة ذات الشعر الذهبي البلاتيني فهي تنتمي لعائلة كبيرة في اسبانيا .. تلقت دراستها في انجلترا وسويسرا .. شخصية مثقفة متحضرة ذات أنوثة طاغية .. ونظرة فيها حزن عميق تمر جوليا بحالة نفسية سيئة فتذهب الي بيت العائلة الريفي في إحدي القري الصغيرة في فيينا لتخرج من عزلتها فهناك تعيش ذكريات الطفولة السعيدة.. وشهور صيف بلا نهاية.. لكن البيت والعزبة تديرها الآن العمة جالا وتعيش معها (بيتالا) زوجة الابن والحفيد جوانتو).. هناك تحس بدفء العائلة.. والناس الطيبين.. وتحاول أن تقيم علاقات حميمة بأهل القرية.. وبالصبي جوانتو.. وأيضا قسيس القرية غير السعيد الذي يغرق في همومه بشرب الخمر.. لكن جوليا تحس بالوحدة والتعاسة.. وصورة الحبيب الراحل أمام عينيها.. وصوته يرن في أذنها فهل تتوقف الحياة بفقدانه.. هل الحب الأول هو الأخير؟
وفي أحد الأيام يزورها شاب غريب يقدم نفسه بأنه صديق حبيبها وزميل السجن ومعه صورة كبيرة وخطاب الوداع كتبه جوزيه حبيبها قبل أن يموت وطلب منه أن يسلمه لجوليا. أما الصورة فقد رسمها بنفسه لهما هما الاثنين.. ويجيء صوته وكأنه ينبعث من الآخرة ليدعوها للخروج من عزلتها.. وأن تخرج وتنطلق .. فهي تحب السفر والترحال.. وأنه يحبها وأن روحه ستسكن فيها.. ويؤكد عليها جوزيه ما تفعله وترد جوليا بالإيجاب وكأنه معها ، لتنفتح بالتدريج علي كل ما حولها لتدخل السعادة الي قلب الأم الشابة الأرملة وتغير من نفسها وشكلها لتجعل منها فتاة (مودرن)، كما تقوم بعمل تمثيلية للأطفال تقدمها في عيد الميلاد.. وتعلم جوانتو الرقص وخطواته علي الموسيقي الكلاسيك.. وتدخل السعادة الي قلب مدرس القرية الفيلسوف الغلبان الذي وقع في حبها .. والذي يعلم جيدا (أن الفقراء أحلامهم متواضعة).. وبالتدريج ولكن بالتأكيد تخرج الشابة الجميلة جوليا من عزلتها. والسينما الاسبانية لها أسلوبها الخاص في تقديم الرومانسية.. فنحن لا نري الحبيب طوال الفيلم .. فقط صورته .. لكننا نحس بالحب الرومانسي الذي تفتقده السينما في هذا الزمن..
لقد ذهبت جوليا وهي إنسانة تعسة حزينة لكنها خرجت من القرية بعد أن أضفت عليها الحب والسعادة.. انها امرأة غير عادية عاشت في زمن الحرب.. ولكننا أيضا لم نر الحرب .. بل أن الفيلم معظمه يدور في القرية.. في الطبيعة البكر التي لم تلوثها المدنية!
و الفيلم التسجيلي لحفل زفاف الملك الفونسو الثالث عشر ملك اسبانيا آنذاك، فهو اضافة لاهميته كتحفة سينمائية يعد الاول من نوعه في العالم بتسجيل وقائع اصبحت من مسلمات السينما والتلفزيون في نهايات القرن، كما ان قيمته تكمن بعفويته بتسجيل الاحداث دون سيناريو ثابت، ومنها تسجيل وقائع ما حدث من تفجيرات بين الجمهور المحتشد في الساحة نتيجة قنبلة تركها معارضون للملكية آنذاك. ومن أوائل أفلامها الصامتة فيلم اسمه ’ مشاجرة فى المقهى ‘ سنة 1897 . مع ذلك لم تتأسس أول شركة لانتاج الأفلام الطويلة إلا فى سنة 1932 , و من ضمن افلام منتخبة حتى عام 1915، تبرز مجموعة منها ولكن ما يميزها ان اغلبها لا تتجاوز مدتها الـ 8 دقائق ولعل اهمها بسبب من جرأته وفكرته المتقدمة زمنيا على عصرها يأتي فيلم (الفندق الالكتروني) الذي يدور عن رحلة زوجين يمضيانها بفندق مكيف على احدث تقنيات المستقبل وهو من اخراج سغوندو شومون الذي يعتبر وزبوه من رواد السينما في اسبانيا.
بعد اول فيلم طويل وهو (حياة كولومبوس واكتشافه لاميركا) 1916 بـ 110 دقائق وهو فيلم روائي مستقى كما هو واضح من عنوانه عن حياة مكتشف القارة الاميركية، جاءت افلام مختلفة اخرى ولكنها ستكون افلاما (تابعة) كما يطلق عليها مؤلفا الكتاب لانها كانت تقليدا لموجات السينما العالمية آنذاك في اميركا او في دول اوروبية مجاورة مثل السينما الالمانية وحتى موجات الواقعية الايطالية والسينما الجديدة في فرنسا. ولكن وان جاءت الافلام الاسبانية كمنحى متابع لسينما دول الجوار حتى بدايات الستينيات، فإنها حاولت ان تظهر الجانب الفلكلوري باسبانيا وسمعتها السياحية وصورتها التقليدية، وكان ان جاءت افلام تطرق على هذه النغمة دون قيمة فنية معينة. بينما حاولت افلام اخرى الاستفادة من كل تراث اسبانيا لصنع افلام خاصة محلية بطابع عالمي كما عليه افلام العبقري بونويل وان كانت اغلبها خارج اسبانيا، او افلام المدهش لويس برلانغا الذي ارسى لسينما نقدية شعبية كما في: مرحبا مارشال، الجلاد وغيرهما، وكذلك السينما الجادة القريبة من سينما الواقعية الجديدة في ايطاليا كافلام انطونيو بارديم مثل: الشارع الكبير، موت سائق الدراجة، وهما المخرجان اليساريان اللذان احرجا ديكتاتورية فرانكو طويلا وتعرضا لمنع عرض افلامهما لصورها النقدية الفاضحة.
ولكن دون نسيان فترة طويلة من عمل مخرجين اجانب في افلام اسبانية، او عدم ذكر افلام خالدة وتعد من كلاسيكيات السينما الاسبانية كافلام ادغار نبيلي، ساينز هيريدا او مانويل مور اوتي.
وقد لعبت السينما الأسبانية دورا مهماً في تحول أسبانيا إلى الديمقراطية ليس فقط بعد وفاة فرانكو 1975 بل في السنوات السابقة لوفاته، بل أكثر امتدادا إلى سنوات الحرب الباردة 1945-1957 ومعها بدأت تتحول سياسة الانغلاق التي اتبعها نظام فرانكو أثناء وبعد الحرب الأهلية 1936-1939 إلى الانفتاح على العالم ـ ورغم قيود الرقابة والتزمت الداخلي ـ استفادت السينما الأسبانية من هذا الانفتاح الذي أراد النظام أن يجمل صورته بها أمام العالم، وبدأت حركة سينما جديدة واستفاد النظام نفسه من فوز بعض الأفلام الأسبانية بجوائز في المهرجانات الدولية.
ومن بين هذه الافلام نذكر " الطريق" لخوزيه انطونيو نيفيس كوندي عام 1951 الذي قدم للجمهور قصة عائلة فلاحية اضطرت للهجرة للمدينه لأسباب اقتصادية .
وكان النقاد المحتجون على السينما الأسبانية السائدة قد عقدوا في مايو 1955 مؤتمرا بمدينة سالامنكا المعروفة كمدينة جامعية وأصدروا بيانا - أشبه ببيان أوبرهاوزن 1962 الذي أعلن قيام السينما الألمانية الجديدة نددوا فيه بزيف الأفلام التجارية وعدم جدواها وتأثيرها سياسيا واجتماعيا وانعدام جمالياتها ورغم أن البيان قد صاغه خوان انطونيو بارديم ـ عضو الحزب الشيوعي ـ فقد وقعه مخرجون ونقاد من مختلف الاتجاهات السياسية..
وظهرت نماذج من الأفلام تحاول تحقيق المعادلة بين التأثر بالواقعية الجديدة الإيطالية والميلودراما الهوليوودية مثل فيلم موت راكب الدراجة إخراج بارديم نفسه كما تذكر الناقدة الأميركية مارشا كيندرفي الفصل الخاص بأسبانيا بعد فرانكو في تاريخ أكسفورد للسينما العالمية 1996 أنه ظهرت في عهد فرانكو ثلاث شخصيات سينمائية أسطورية أمتد عطاؤها بعدهم وهي لويس بونويل المولود عام 1900 ولويس برلانغا 1921 وخوان انطونيو بارديم 1922الذي اخرج افلاما مثل (هذا الثنائي السعيد) في 1951 الذي شكل بداية سينما اسبانية تنتقد ديكتاتورية فرانكو و(وفاة دراج) في 1955. وكان خوان انتونيو بارديم شقيق الممثلة بيلار بارديم وعم الممثل خافييه بارديم
بقيت السنوات الاولى من فترة الستينات تحت هيمنة بيرلانغا وبارديم . والسينمائي الأخرالوحيد اللامع كان الايطالي ماركو فيريري الذي عمل فترة من الوقت في اسبانيا قبل ان يثبت وجوده في بلده . فقد انجز في اسبانيا أفلام " الشقة " و " الأولاد " و " السيارة الصغيرة " .. في هذه الافلام الاسبانية المبكرة بدأت تظهر بوضوح العناصر التي ستميزأعماله اللاحقة .
لكن العنصر الأساسي الذي ميز الستينات كان ولادة ما يسمى " بالسينما الاسبانية الجديدة "
في عام 1959 حقق كارلوس ساورا فيلم " الأشقياء " الذي ذبحته الرقابة فيما بعد . واستغرق أربع سنوات كي يعتق ويطلق سراحه للتوزيع بسبب ألعاب الخداع البيرقراطية في تصنيف " المستوى " التي ابقت الفيلم مخزونا على الرفوف .
وفي عام 1963 بدأت " السينما الجديدة " تزدهر . وظهر في الساحة أكثر من اثني عشر مخرجا جديدا يقدمون افلاما ممتعة بدرجات متفاوتة
في تلك السنة نفسها حقق بيرلانغا أحد روائعه " الجلاد " الذي قضى عليه الرقباء , وصور بارديم " لاشيء يحدث أبدا " .
أبرز الوافدين الجدد كان ماريو كاموس الذي انجز فيلمين " الأدعياء " وسانشيز الشاب " . وفي الوقت نفسه حقق مانويا سومرز فيلمه الروائي الطويل الأول " من القرمزي الى الأصفر "الذي مازال حتى الآن واحدا من أفضل أعماله . وهو وقائع تسجيلية عن الشيخوخة والمراهقة بأسلوب هزلي متفرد استمر سومرز باتباعه .
وقدم فرانشيسكو ريجوير حكاية زوجين شابين من مدريد يلجآن الى طليطلة في مغامرة يوم الأحد في فيلم " حب جيد " , وانطونيو ايشيزا " المواجهة الأخيرة الذي عالج قصة حب مستحيلة لشابين في عطلة الصيف
الفترة التالية التي ستشكل زخما سينمائيا سواء بالكم او بظهور مخرجين جدد مع عام 1975، عام موت فرانكو، وبداية مرحلة عسيرة من تاريخ اسبانيا، وهي الاعوام التي ستبرز اسماء مهمة مثل كارلوس ساورا المولود 1932كخليفة لاستاذه بونويل ليحقق نجاحات عالمية مازالت مستمرة ومخرجين آخرين يتطرقون لمواضيع كانت حتى وقت قريب من المحرمات مثل العلاقات الجسدية، الكنيسة، نقد الاوضاع السياسية والاجتماعية بصورة مكشوفة وصريحة كما عليه افلام: ريكاردو فرانكو، لويس بوراو، بيغاس لونا، بيثنته آراندا، غونثالو سواريث وغيرهم ...ويتقاسم الجائزة الذهبية لمهرجان برلين عام 1978 فيلمان اسبانيان .. " أقوال ماكس "لاميليو مارتينيز لازارو و " السمكة " لخوزيه لويس سانشيز . وفيلم " الفارس دون كيشوت " المقتبس من الجزء الثاني من رواية دون كيشوت الشهبرة لسيرفانتيس للمخرج الاسباني الكبير مانويل غيتيراز اراغون الفائز بجائزة الاوسكار . وتتقدم المخرجة بيلار ميرو لتؤكد وجود المرأة المبدعة التي أثارت الجدل بجرأتها في تناول موضوعات سياسية واجتماعية ورغم صدور قانون 1977 بإلغاء الرقابة فقد تعرض فيلمها "جريمة كونيكا " 1979 لمصادرة البوليس ثم أفرج عنه عام 1981 ليكتسح الشباك.. وفي عام 1982 عينت مديرة عامة للسينما في عهد حكومة غونزاليس الاشتراكية لتدشن عهدا من الحرية الفنية وتصدر قانونا لحماية السينما وزيادة دعمها ماليا. كما انه بدءا من هذا التاريخ ستعترف المهرجانات العالمية بقيمة السينما الاسبانية ليحصل فيلم "خلية النخل " لماريو كاموس على الجائزة الذهبية لمهرجان برلين , وجائزتين لساورا في مهرجان كان عن فيلمه "كارمن ". ويحصل خوسيه لويس غارسيا على جائزة اوسكار لفيلم اسباني عن فيلمه " لنبدأ ثانية " يليه في التسعينيات المخرج فرناندو تروبيا ومن ثم تلاه بيدورالمودوفار.وأليخاندرو آمينابار
وانجز المخرج خوان بارديم فيلم "لوركا.. موت شاعر " عام 1987 حول حياة الشاعرة والمسرحي الكبير »فيديريكو جارسيا لوركا [1936-1889]« الذي اغتيل على يد الفاشيست الاسبان في الاسابيع الاولى لقيام الحرب الاهلية الدامية. ويشهر الفيلم ادانة واضحة لذلك الجهاز البوليسي الذي انضم في غرناطة لحلفاء فرانكو, واغتال كل من رأى فيهم خلافا معه, بمن فيهم لوركا متهما اياه بالعمالة لموسكو سياسياً, وهي اول مرة يشار فيها بشكل واضح الى قتلة لوركا والذي ما زالت تدور التكهنات حول موته الغامض واختفاء جثته حتى يومنا هذا
لا ننسى اضافة آخر الاسماء المتميزة في السينما الاسبانية المعاصرة في العقد الماضي , والاشادة بافلام لمخرجين جدد هم: ميغيل البالديخو وفيلمه (الليلة الاولى من حياتي)، اشيرو مانياس بفيلمه (الكرة).و(في عقل قاتل ) للمخرجين / اوجاستي فيلارونجا وليديا زيمرمان واسحق راسين / الذي يحاول الفيلم التنقيب عن الدوافع التي ادت بالمجري آروتولبوكين لاحراق حوالي ثلاثين شخصاً ،وهم احياء وكان معظمهم من السيدات الحوامل قبل ان تلقي الشرطة القبض عليه عام 1981 ويحكم عليه بالاعدام.
" في عقل قاتل " فيلم مذهل ومكتمل بأدواته الفنية وبمزاوجته الابداعية بين الشكل التسجيلي والشكل الروائي في القص ، بجرأته الواضحة في الطرح وتصوير جميل وتقطيعه الزمني الذي ساهم به مونتاج متمكن ، يُضاف الى ذلك اداء تمثيلي محبوك لجميع العاملين بالفيلم وفي مقدمتهم بطل العمل / داينيل جيمينيز ساكو/.
و يقدم بنيتو ثامبرانوا بفيلمه (نساء وحيدات)، ويقول المخرج بنيتو ثامبرانوا أنه استقى موضوع الفيلم والذي كتب له السيناريو من واقع حياة أسرته في إحدى القرى الأندلسية، وقد لمس جمهور المشاهدين صدق الفيلم وتعايش بحميمية مع شخصيات الأم العجوز التي جاءت مع زوجها من القرية ليعالج في مستشفى بمدينة أشبيلية وتنزل في بيت ابنتها المرأة الشابة المحبطة التي هربت من القرية مثلما هرب أخوتها حتى قبلت أول من تقدم إليها حتى بدون حب، شاب كان يعجبني تزوج من صديقة لي في المدينة وبالتالي تعرفت على أسوأ رجل تركني حاملا..
هكذا تحكي لجارها المسن الذي يعيش وحده مع كلبة وهي تشتغل عاملة في مطعم تنظف بقايا الآخرين وترضى بما تبقى على الموائد من بقايا الآكلين من طعام أو شراب.. تتقاسم مع زميلاتها في مذلة الطعام وتسرق زجاجات الخمر من بار الرجل الطيب الذي يعطف عليها ويوصلها لمسكنها وهي تترنح حتى تلتقي بصديقها سائق الشاحنة على الطرق السريعة، لا يهمه إلا جسدها، حينما تخبره بأنها حامل يطلب منها بدم بارد أن تجهض نفسها. يهينها قائلا: أنت نصف امرأة. النصف الأخر مليء بالكحول ـ كيف يكون لطفلي أم مثلك؟
تقوم علاقة إنسانية بين أمها العجوز والجار المسن، الوحيد. يساعدها حينما لا تجد نقودا كافية في السوبر ماركت، تقوم بينهما علاقة الود، له فلسفته في الاستمتاع بأيامه الأخيرة في سلام، تساعده في طهي طعامه، ترتبط بصداقة مع كلبه الذي يألف إليها، حتى ليهرع إلى مسكنها لتنقذ صاحبه من أزمة صحية تعتني به بحنان يشعر زوجها المريض ـ المسن ودائم العبوس بأنها تحمل رائحة رجل غريب كان قاسيا معها ومع أولاده، تقول الابنة كان يضرب أمي ثم يضربنا نحن بناته بلا سبب هكذا تفتح الابنة صدرها للرجل المسن بعد أن تركته أمها حزينا ينهرها عن إجهاض نفسها سأتبناه كجد وهي تثور عليه وتتهمه بالجنون ويأتي المشهد الأخير في الفيلم هي وهو أمام قبري والدها ووالدتها.
و بينما يواصل ساورا والمودوفار وامينابار تقديم تحفهم السينمائية يقدم المخرج المعروف خوسيه لويس غارسيا فيلمه "الجد " الذي يتناول درامة اجتماعية بطلها شيخ مسن يفقد ابنه الوحيد و يحاول في اخر يامه ان يجد في عائلته النبيلة من هو يستحق ان يرث ثروته ...
و فيلمه {انت وبس} (you are the one) الذي تدور أحداثه في أواخر الأربعينات أثناء الحرب الأهلية .. ونظام الحكم الدكتاتوري.. حيث تفقد جوليا بطلة الفيلم (ليديا بوش) حبيبها الذي مات في السجن .. والذي كان رساما موهوبا.. والمعروف بميوله السياسية ضد فرانكو ونظام الحكم أما جوليا الفتاة الجميلة ذات الشعر الذهبي البلاتيني فهي تنتمي لعائلة كبيرة في اسبانيا .. تلقت دراستها في انجلترا وسويسرا .. شخصية مثقفة متحضرة ذات أنوثة طاغية .. ونظرة فيها حزن عميق تمر جوليا بحالة نفسية سيئة فتذهب الي بيت العائلة الريفي في إحدي القري الصغيرة في فيينا لتخرج من عزلتها فهناك تعيش ذكريات الطفولة السعيدة.. وشهور صيف بلا نهاية.. لكن البيت والعزبة تديرها الآن العمة جالا وتعيش معها (بيتالا) زوجة الابن والحفيد جوانتو).. هناك تحس بدفء العائلة.. والناس الطيبين.. وتحاول أن تقيم علاقات حميمة بأهل القرية.. وبالصبي جوانتو.. وأيضا قسيس القرية غير السعيد الذي يغرق في همومه بشرب الخمر.. لكن جوليا تحس بالوحدة والتعاسة.. وصورة الحبيب الراحل أمام عينيها.. وصوته يرن في أذنها فهل تتوقف الحياة بفقدانه.. هل الحب الأول هو الأخير؟
وفي أحد الأيام يزورها شاب غريب يقدم نفسه بأنه صديق حبيبها وزميل السجن ومعه صورة كبيرة وخطاب الوداع كتبه جوزيه حبيبها قبل أن يموت وطلب منه أن يسلمه لجوليا. أما الصورة فقد رسمها بنفسه لهما هما الاثنين.. ويجيء صوته وكأنه ينبعث من الآخرة ليدعوها للخروج من عزلتها.. وأن تخرج وتنطلق .. فهي تحب السفر والترحال.. وأنه يحبها وأن روحه ستسكن فيها.. ويؤكد عليها جوزيه ما تفعله وترد جوليا بالإيجاب وكأنه معها ، لتنفتح بالتدريج علي كل ما حولها لتدخل السعادة الي قلب الأم الشابة الأرملة وتغير من نفسها وشكلها لتجعل منها فتاة (مودرن)، كما تقوم بعمل تمثيلية للأطفال تقدمها في عيد الميلاد.. وتعلم جوانتو الرقص وخطواته علي الموسيقي الكلاسيك.. وتدخل السعادة الي قلب مدرس القرية الفيلسوف الغلبان الذي وقع في حبها .. والذي يعلم جيدا (أن الفقراء أحلامهم متواضعة).. وبالتدريج ولكن بالتأكيد تخرج الشابة الجميلة جوليا من عزلتها. والسينما الاسبانية لها أسلوبها الخاص في تقديم الرومانسية.. فنحن لا نري الحبيب طوال الفيلم .. فقط صورته .. لكننا نحس بالحب الرومانسي الذي تفتقده السينما في هذا الزمن..
لقد ذهبت جوليا وهي إنسانة تعسة حزينة لكنها خرجت من القرية بعد أن أضفت عليها الحب والسعادة.. انها امرأة غير عادية عاشت في زمن الحرب.. ولكننا أيضا لم نر الحرب .. بل أن الفيلم معظمه يدور في القرية.. في الطبيعة البكر التي لم تلوثها المدنية!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق