الخميس، 5 فبراير 2015

(في الظل) فيلم بوليسي من إخراج ديفيد اوندرسيك مقاربة حقبة الستالينية في الحياة التشيكوسلوفاكية عبر عيون شرطي


برز (في الظل)،  كواحد من أهم الأفلام التشيكية لعام 2012. ليس فقط لأنه رشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، وإنما لكونه عمل مبدع يسيطر تماما على طرحه المتماسك لأحداث تاريخية غير معروفة في حقبة مهمة من تاريخ تشيكوسلوفاكيا .
مع مأساة التاريخ في الخلفية، يركز الفيلم اهتمامه على البعد الإنساني، وتتشكل أهم معالمه مع شرطي نزيه يكافح مع عائلته تحت وطأة العيش في مجتمع يمضي تدريجيا ليصبح أكثر قمعا حيث ستصير قريبا للجدران آذان.
اسم الشرطي هو الكابتن هاكل، لعب باقتدار من قبل “إيفان تروجان”، هو حساس، وخصوصا في لحظات قلقه على زوجته وابنه الصغير، ويراعي المخاطر التي قد تواجهه نتيجة رغبة الحكومة البقاء في السلطة، حتى لو كان ذلك يعني سرقة أموال الشعب للقيام بذلك. الأحداث عام 1953، وهو العام الذي تنتشر فيه الشائعات أن الحكومة تخطط للإصلاح النقدي، وهو ما يعني أن تفقد العملة قيمتها بين عشية وضحاها، ويفقد المواطنون في البلاد جزءا من ثرواتهم، لكن مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى، ينكرون التفكير في الإصلاح، ويعتقد الكابتن هاكل أن المشاريع الكبرى تسير، ولكن زوجته لا تملك نفس ثقة زوجها في السلطات وتقول له إنه ينبغي أن يوجه كل ما لديهما المال واستثماره من أجل ابنهما.
مع همسات حول الإصلاح النقدي في الخلفية، في الراديو، من بائع الصحف في محطة الترام، والأهم من ذلك، من زوجة هاكل، جيتكا، هناك شعور واضح أن الجميع يستشرفون الخطر ولكن يعتبرون أنفسهم غير قادرين على طرح الأسئلة الصعبة خوفا من اكتشاف أنها قد تكون على حق.
هناك تفاصيل كثيرة بهذا الفيلم، تشكل جسد  الحكاية... عندما يتم سطو على محل مجوهرات في منتصف الليل لسرقة محتوياته، وبينما الكابتن هاكل يحقق بسرقة المجوهرات. ودائع آمنة فتحت تؤدي إلى لص شهير، يخفي المجوهرات المسروقة في غرفة بمركز الجالية اليهودية... ما يبدو قضية سهلة يبدأ بالتعقيد قريبا. يتم حل هذه القضية في يوم واحد وتظهره عناوين الصحف باعتباره المحقق العبقري. لكنه يعرف أن هناك المزيد بهذه القضية، وخصوصا عندما يرغب رؤساؤه وأمن الدولة بدعم من ضابط بمباحث ألمانيا الشرقية اسمه “زينك” أن يتوقف عن التحقيق، وأسباب الخداع تصبح أكثر خبثا عندما يحاول “زينك” أن يحدد مسار الأحداث لإخفاء فاعلين حقيقيين في الجرائم.
على الرغم من أن الاضطراب الاقتصادي والكساد يصيب جمهورية التشيك، والخوف يعصف في قلوب الجميع، مع نسيان الاضطرابات السياسية في الظلال، يواصل المحقق هاكل المضي في عمله بجد بعد اكتشافه دليلا مختلفا، في اليوم التالي، تتم سرقة مكتب البريد، مما يؤدى إلى عدة وفيات، بما في ذلك القاتل المعروف باسم “الجزار”. “هاكل” العائد مع هذه القضية، يستخدم صلاته للذهاب وراء ظهر”زينك”. إلى خبير المقذوفات، الذي يبلغه بأن الرصاصات المستخدمة في الأسلحة بمعركة إطلاق النار في مكتب البريد مرخصة فقط لأمن الدولة، وهناك علامات استفهام كيف يمتلكها جاناتا، المجرم سيء السمعة الذي تحمله سلطات الأمن المسؤولية - والذي اكتشف لاحقا جسدا مشوها على سكة  القطار..
والمخرج ديفيد اوندارسيك يحاول أن يقول: إن هذا العالم مليئ بالكآبة وفي كثير من الأحيان لا يمكن للبشر إنقاذ أنفسهم إلا من خلال نضالاتهم. ولكن، على الرغم من أن صور “اوندارسيك” مدروسة وحزينة والأمطار مستمرة تقريبا في أغلب المشاهد، نحن لا نرى مثلا هذا النوع من التنميق البصري، بل تركيز على الشخصيات بدلا من الانسياق للمشهدية البصرية، يعني ذلك رؤية أكثر حميمية وإنسانية على الأحداث المحيطة بالإصلاح النقدي، وليس مجرد وثيقة تاريخية. كما أنه يحاول حل لغز عمليات السرقة التي نحس فيها مؤامرة من الشرطة، فمع انطلاق القضية يحاول أمن الدولة بسرعة كبيرة أن ينهيها. يواصل هاكل التحقيق على الرغم من هذا ويدفع أهله ونفسه إلى حافة الهاوية.
ببطء، يأتي المضمون الحقيقي للفيلم في طريقة العرض، لنرى نموذجا لرجل صادق، وزوجة تشعر أنه يحبها ولكنها مهملة إلى حد ما وخائفة، وأيضا الابن الذي سوف يكون في عمر والده عندما تتحرك الثورة في نهاية المطاف في عام 1989. الكواليس بين المحقق هاكل وزوجته وابنه تخلو من المشاعر واللمسات العميقة، ويرجع الفضل في جزء كبير من هذا الإحساس إلى أداء “ايفان تروجان” الدقيق جدا عن رجل يعرف أن هناك صعوبة أن يفعل الشيء الذي يراه صوابا، ويريد أن يمنح ابنه إحساسا بعمق أبوته وأن يجعله فخورا به، ولكن عليه أن يضع في اعتباره سلامة كل المحيطين به.
هناك لغز، وتآمر، وتستر، والجميع عازمون على فرض الأمر على المحقق للتوقف عن التحقيق. “في الظل” هو مخلص للفيلم نوار “noir”، وهناك اشتغال على هذا الأساس ليكون كل شيء ضمن هذا المناخ  في الأسلوب، وتشكيل الكادرات، والإضاءة، والتفاصيل الدقيقة. يرتدي الجميع مثل رجال العصابات الكلاسيكية سترات سوداء شيطانية، وقفازات جلدية، مع إضاءات متفرقة على الوجوه. الفيلم حياة قلقة لا تقترب من معناها، غامرة بظلال قلقها كل شيء تقريبا. الموسيقى المتواصلة تزيد من الإيقاع، كما لو أن الأحداث المأساوية تلوح دائما..
الكل يخفي شيئا، وكما هو الحال في العديد من الأفلام البوليسية التي تنطوي على رجال شرطة وفساد من هم في السلطة. غرقت الأحداث في دوافع خفية ونوايا خفية. جميع الشخصيات هي أيضا صعبة، مريرة، ومتصلبة، ومليئة بالقلق والخوف مع انعدام الثقة وجنون العظمة. هذا الموضوع يجعل القرارات قاتمة ومأساوية.
في نهاية المطاف، فإن أكثر المشاهد التي غالبا ما ترتبط بهذه الحقبة الرهيبة في التاريخ التشيكوسلوفاكي - المحاكمات الصورية والانتفاضة في بيلزن - إما مفقودة أو جرى التقليل من شأنها، فيلم يكشف الحالات الإنسانية العظيمة في خضم هذا التفكير، والرؤية الإبداعية الشعرية لعلاج مظالم الماضي.
(في الظل)
إنتاج  2012 التشيك
النوع: دراما، تشويق / بوليسي
مدة العرض: 106 دقيقة
المخرج : ديفيد اوندرسيك
تمثيل: ايفان تروجان، سيباستيان كوخ، سونا نورسوفا، ييري ستيبنكا، ديفيد سفليك، فيليب أنطونيو.
محمد عبيدو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق