الثلاثاء، 3 فبراير 2015

اضاءة على السينما اليابانيه ..

محمد عبيدو
حمل السينما اليابانية نكهة فنية خاصة تجاوزت حدود اليابان كجزيرة غير معزولة عن العالم (جغرافياً)، ناقلة إلى العالم الخارجي التفاصيل الدقيقة لواقع المجتمع الياباني بكل تقاليده، وعلاقاته، وتطوراته، مرددةً لمشاعر وهموم الشعب الياباني من خلال أفلام سينمائية عكست صورة واقعية للصراع بين القديم والجديد، بين الفكر التحرري للأجيال الحديثة والرفض للمقومات السلبية في الشخصية اليابانية. 
 ان اليابانيين عرفوا السينما عام 1897 من خلال جهاز العرض الذي اخترعه الفرنسيان الاخوان لوميير. كما انتجوا أول جريدة سينمائية عام 1900 لكن أول فيلم روائي عرض ببلادهم كان أمريكيا.
                              
وامتلأت استوديوهات اليابان بعدد من المخرجين الطموحين، والذين لم يكونوا يحملون من المؤهلات العلمية ما يذكر، ولم ينالوا غير التعليم الأساسي، لكن رغبتهم العارمة وطموحهم كان أقوى العوامل التي مكنتهم من صنع سينما يابانية في فترة وجيزة.. بل إن من هؤلاء المخرجين من حصد جوائز كبرى في المهرجانات العالمية، مثل المخرج "هيروشي ايناجاكي" الذي حصل على الجائزة الكبرى في مهرجان فينيسا عام 1958 عن فيلمه (حياة ماتسو المتمرد). وكذلك المخرج الرائد "كينجي ميزوغوتشي" {
mizoguchi}الذي قدم أول أعماله في 1923.الا ان معظم افلامه الرومانتيكية الطابع  الصامته الأولى { الارض تبتسم  , ملك قطع النحاس , سماء الغسق الحمراء , الخ }  التي اخرجت في العشرينات  قد ضاعت للأسف . واستمر ميزو غوشي خلال السنوات الأولى للسينما الناطقة في معالجة الموضوعات الحديثة . وادار ميزو غوشي وهو في أوج تفتحه حوالي عشرة أفلام كل سنة كان اغلب الأحيان واضع نصوصها . وكان يسيطر على عمله نقد للوضع الحياتي المفروض على النساء اليابانيات بين بورجوازيات رفيعات او صغيرات او عاملات او مومسات . وجعل ميزو غوشي وقائع اكبر نجاح له , فيلم { أخوات جيون } ,تدور في حي جيون الخاص في اوزاكا , مما جعل السنة تلهج عام 1936 بالواقعية الجديدة اليابانية ويمكننا ان نصنف في هذا المنحى بين أعوام1934 و 1939 هينو سوكي غوشو ووناروز وشيميز وكذلك تومو أوشيدا في ادارته لفيلم { الارض } . وفي أفلام ميزوغوشي اللاحقة يقدم طبقة اجتماعية هي " الشونين " او طبقة التجار و الحرفيين الذين كانوايشكلون طبقة برجوازية في العصر الاقطاعي تتمتع بالسيطرة الاقتصادية وبالرغم من خضوعهم لسلطة السامورائيين فقد أتاح لها ثراؤها الوفير الاسهام في ازدهار الحضارة . ويصور ميزوغوشي طبقة الشونين في افلامه التاريخية التي اعدت عن اعمال أدبية ترجع الى العصر الاقطاعي : "حياة اوهارا " و " الزوجة الوفية " و " العشاق المصلوبون". ويلاحظ في جميع أفلام ميزوغوشي انها تعبر عن كراهية السلطة والتعاطف مع المضطهدين وخاصة النساء.ومع ذلك فالمخرج لايتعاطف بابتذال مع مصير هؤلاء بل يجعلنا نشارك مراحل التحولات المختلفة لشخصيات التي تزداد قوة من خلال المحن التي تصهرها . غير أن أول فيلم ياباني ذي ثقل وأهمية انتج عام 1926 وهو فيلم (الصفحة المجنونة) للمخرج "تيفوسوكي كيتوساجا". أهم الاتجاهات الجديدة للأفلام في العشرينات قدمت من قبل ياماناكا ساواوا ( 1909 – 1938 ) و ايناغاكي هيروتشي ( 1905 – 1980 ) الذي صور شريحة من حياة الطبقة الدنيا , وطبقة الفلاحين .

في العشرينات قدم ياسو جيرو ( 1897 – 1945 ) فيلم " جارتنا الانسة ياي " ثم اتجه الى القصص مسلطا الضوء على هزليات خفيفة.
  
ويعتبر"اشكاياما " أعظم من عبر من المخرجين عن الجانب الغربي في الروح اليابانية , واخرج " هارب برماني " و " الشعلة "و " المفتاح " وفي افلامه يلاحظ عزلة الانسان في هذا العصر ومظاهر الحياة اليابانية الحديثة المعقدة .
                                   
 و غوشو heinosuke gosho احد من أهم المخرجين البارزين في عصر السينما اليابانية الذهبي  (1902 - 1981 )..قدم فيلمه الاول "التحدث "عام 1931 صورة عن اليابان للعالم عند عرضه في اوروبا ويعتبره النقاد السينمائيون الفيلم الاول الناجح بالسينما الناطقة .
غوشو مخرج اهتمامات واسعة النطاق تعبر قصص الحياة اليابانية العادية واليومية , ومثل مواطنه المخرج ميزوغوشي كان عند غوشو حساسية خاصة تجاه قضايا المرأة , كما انه مثل مواطنه المخرج "اوزو" {ozu} كان شفافا ورقيقا , ومعلقا ناقدا , ولكن بلفته واسلوبه الخاص { الواقعي والساخر } الذي اثر بشكل فريد في الشكل السينمائي في اليابان.

غوشو أعطى انتباهه الخاص حتى الى الاشارات والتفاصيل الدقيقة للبشر وعواطفهم واظهر غوشو ايمانه بالقيم الإنسانية , عبر تعامله الدافئ والشفاف , وتصويره العاطفي والمحب للناس في أفلامه.

كانت أفلام غوشو علامات بارزة في السينما اليابانية بالنصف الاول من القرن الماضي رغم قلة عددها ومنها:

{ التحدث }1931: فيلم بارع حول حياة الاطفال . عندما يرجع ابوه من الحرب , الولد الصغير {شيتارا } يجد صعوبة في التأقلم مع الوضع الجديد والغريب بالنسبة له , فهو يظن انه مرفوض من كلا والديه .و"الفتاة الراقصة ":1933 اخرج غوشو الفيلم عن قصة كواباتا , وهي قصة حب رقيقة ومؤلمة بين كورو الطالب وميزهارا الراقصة  في الفيلم اداء ممتاز لممثلين بقي دورهما في ذاكرة السينما اليابانية.

وفي الثلاثينيات(من القرن العشرين) حيث كان العصر الذهبي الاول للسينما اليابانية اتسعت مجالات العمل في السينما اليابانية، واندفع إليها خريجي الجامعات، حتى أصبحت الاستديوهات مراكزاً عامة لنشر الأفكار التقدمية اليساريةالمعبرة عن تطلعات ومشاعر العامة من الشعب الياباني، وهو ما أثار حفيظة الحكومة اليابانية فقامت حينها بقمع هذه الأفلام، ومحاصرة المخرجين السينمائيين اليابانيين في نطاق ضيق , وحدث أن اضطر بعضهم الى ترك الجامعات بعد القبض عليهم بتهمة الاشتراك في الحركة الشيوعية التي نشطت في تلك الفترة . انما على العكس مما تفعله معظم المؤسسات الكبرى عادة في مثل هذا الموقف لم ترفض شركات الانتاج السينمائية التعامل معهم . وتحت هذه الظروف ظهر ألمع مخرجو السينما اليابانية وأشهرها واستطاعو أن يجدوا لهم مكانا في هذا العالم ومنهم المخرج تاداشي ايماي و المخرج.الاشهر أكيرا كوروساوا. [1910- 1998]. ويعتبر «كيروساوا» الياباني. الأكثر شهرة خارج حدود بلاده. والياباني الأكثر عزلة فيها. ذلك أنه يجد صعوبة في تمويل أفلامه. وتعكس حياة كيروساوا الصراع الذي يخوضه فنان السينما الحقيقي في كل مكان من العالم. والثمن الذي يدفعه. لكي يعبر عن نفسه في إطار تحكمه قوانين السوق أكثر من أي فن آخر.

فرغم النجاح الكبير الذي حققه كيروساوا على مختلف المستويات. منذ فوزه بالجائزة الكبرى لمهرجان فينسيا عام 1951. ثم بجائزة أوسكار أحسن فيلم أجنبي في نفس العام عن فيلمه «راشومون» وهو الفيلم الذي فتح السوق الغربية للأفلام اليابانية.

ثم فوزه بجائزة الدب الفضي في مهرجان برلين عام 1952. عن فيلمه (حياة) وبجائزة الأسد الفضي في مهرجان فينيسيا عام 1954 عن فيلمه «الساموراي السبعة» ثم الدب الفضي مرة أخرى في مهرجان برلين عام 1958 عن فيلمه «الغابة المخيفة». رغم كل هذا النجاح، إلا أن الفشل التجاري لفيلمه «دودسكادن» عام 1969 أدى إلى تعطله عن العمل عدة سنوات. مما دفعه إلى محاولة الانتحار عام 1971.

وبعد أن أنقذ كيروساوا من الموت بصعوبة. لم يتمكن من العمل في بلاده ولم ينقذه من أزمته غير ستديو موسفيلم في موسكو حيث أخرج «درسو أوزالا» فيلمه الوحيد في السبعينات، والذي فاز بالجائزة الكبرى في مهرجان موسكو عام 1975، ثم بجائزة الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي.
          ورغم نجاح دورسو أوزالا راح كيروساوا مثل أي مخرج مبتدئ يبحث عن عمل طيلة ثلاث سنوات، وفي عام 1978. بمساعدة من المخرجين فورد كوبولا وجورج لوكاس. وافقت الشركة الأمريكية فوكس بالمشاركة في تمويل فيلم «ظل المحارب» مع شركة توهو اليابانية، وليحصل كوروساوا عن فيلمه «ظل المحارب» على الجائزة الكبرى لمهرجان كان عام 1980.ثم قدم افلام  ران (1987) و أحلام (1991) ونشيد آب الحزين (1991) . وفي عام 1993 ينجر كيروساوا فيلمه الأخير « مادوا دايو».

 لم يتمكن المخرجون في الاربعينات من الإفلات من طوق الحكومة، إلاّ حين نشوب الحرب مع الصين، حيث فاجأوا الحكومة والشعب بخلق تيار جديد من الأفلام التي تمجمد الروح العسكرية، وتنادي في نفس الوقت بالأفلام التقدمية. تأثرت صناعة السينما اليابانية بالأفلام الأجنبية، فأخذت الشكل التعبيري من الألمان، والواقعية من الدنمارك، والتقدمية من السوفيت، والأسلوب التسجيلي من الطليان، لتمتد في الأربعينيات للأمريكية الكلاسيكية حين مقت بعض الشباب المناخ القمعي في مجتمعهم، وتاقوا إلى روح الحرية الواضحة في الأفلام الأمريكية. وفي الخمسينيات ازدهر الإنتاج السينمائي في اليابان بظهور أفضل الأفلام اليابانية، تأكيداً لحرية الفرد وإعلاء قيمته الإنسانية أمثال (قصة طوكيو-مأساة يابانية- السيدبو)، ثم جاءت في نفس العقد الكاميرا النشيطة والإيقاع السريع بظهور فيلم "قبلات" عام 1957م حيث لاحقت الكاميرا في هذا الفيلم العاشقين الصغيرين، وهما على دراجتيهما أثناء تجوالهما في شوارع طوكيو، وهو الشيء الجديد في أسلوب السينما اليابانية آنذاك. وخلال فترة الستينات أذهل المخرج "سوموهاني" الجميع بفيلم (أطفال الفصل الدراسي) مظهراً الأسلوب التسجيلي في صناعة السينما اليابانية والذي طبقوه بعده مخرجون آخرون في أفلامهم. وفي العام 1958م ظهرت موجة جديدة من الأفلام اليابانية على أيدي مجموعة من المثقفين التقدميين عقب الحرب في اليابان اتسمت بالسخط على الأوضاع الاجتماعية والممارسات السياسية السائدة، منادية بأفكار تحررية جديدة، ومن هذه الأفلام فيلم (مدينة الحب والجمال) الذي يعتبر أول أنواع الرفض؛ حيث عبر المخرج "أوشْيما" عن رفضه للتقليدية التي تؤكد على الترابط الأسري، وميله الثوري المتسم بالعنف. أزدادت شعبية الأفلام الكوميدية في اليابان في فترة السبعينات بظهور حوالي 20 مخرجاً جديداً أطلق عليهم النقاد لقب الموجة الحديثة واستخدموا طرق تعبيرية جديدة عن أفكار وموضوعات مختلفة، وبأسلوب فني خاص؛ حيث تناول بعضهم موضوع الأصالة والمعاصرة بجدية ، ومنهم من تناولها بصورة هزلية ساخرة مثل (أينامي جوزو) وتميزت هذه المجموعة بفكرة تضمين وتوظيف التجربة الشخصية لكل منهم حتى أضحت بعد ذلك تجربة جيل كامل عانى نفس المعاناة. في الفترة الأخيرة تغير شكل الفيلم الياباني متأثراً بموجة الحداثة الجديدة، ومن خلال الاستعانة بممثلين أجانب وأماكن تصويرية خارج اليابان، وهو ما مكن مخرجو هذه المرحلة صنع جمهور عالمي للسينما اليابانية خارج حدودها.
                                   
المخرج شوهي إيمامورا الذي رحل عام 2006  عن عمر يناهز 79 عاماً كان يعد واحداً من كبار مخرجي "الموجة الجديدة" في اليابان وأكثرهم تميزاً الى جانب أوشيما وإيشيكاوا وغيرهما من الذين جددوا بجرأة ابتداء من الستينات. حصل إيمامورا على السعفة الذهبية في مهرجان "كان" السينمائي مرتين، وكانت السعفة الذهبية الأولى عام 1983 عن رائعته "ملحمة ناراياما"، و الثانية عن فيلم "ثعبان البحر" .

ويعرف إيمامورا بأنه من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان وعن الطبقات الفقيرة والكادحة من المجتمع، حيث عادة ما تحتوي أفلامه على العديد من الإشارات والإيحاءات الساخرة والنقد اللاذع لظروف المجتمع وفضح ما به من فساد على جميع المستويات، وكان لا يستثني من ذلك أي حكومة أو طرفاً قيادياً في المجتمع. ومن هذا المنطلق يأتي رسم الشخصيات الموجودة عادة في أفلامه، فالغالبية العظمى من شخصياته تتركز حول النساء اللواتي يعشن تحت خط الفقر ودفعتهن الظروف القاسية التي تحيط بهن الى سلوك حياة الرذيلة، وكذلك رجال وأطفال من الطبقات الدنيا في المجتمع. ويتسم تناوله لمثل تلك الشخصيات بالموضوعية والحيادية الشديدتين.

على الرغم من هذا، فإن شوهي إيمامورا أنجز تنويعاً سينمائياً تراوح بين النقد الاجتماعي والسياسي المبطّن، التي يُمكن اعتباره بمثابة نظرة إنسانية معمّقة، والسخرية الضاحكة، أحياناً. ذلك أن المواضيع التي تناولها في أفلامه، تراوحت بين التقاليد القروية وملامح المجتمع الياباني وسلوكه وتفاصيله الإنسانية المختلفة.

السينما اليابانية لا تتغنى بما حققه الرواد من انجازات بل تضيف كل عام جديدا حيث حصل مخرجون من جيل التسعينيات على جوائز المهرجانات الكبرى ومنهم نوبوهيروا سوا الذي نال جائزة لجنة التحكيم من مهرجان كان عام 1999 عن أول أفلامه (اثنان) وفي العام نفسه أخرج فيلم (الام) الذي يعد "تجربة ارتجالية كاملة. فلم يكن هناك أي سيناريو مكتوب ولم يفرض على ممثليه أية جملة حوارية." . و المخرج كوري ايدا هيروكازو منذ عام  حين أخرج فيلمه الاول (شعاع الوهم) 1995 الذي شارك في 40 مهرجانا دوليا. وفي عام 1998 أخرج فيلمه الثاني (ما بعد الحياة) "وجمع فيه بمهارة بين الواقعي والفانتازي".

ومن ممثل كوميدي الى مخرج عالمي كانت مسيرة كيتانو تاكاشي أهم رموز السينما اليابانية المستقلة الذي يشكل بمفرده مؤسسة مستقلة (مخرج - كاتب - ممثل - مونتير - منتج) ويعبر بأفكاره بصوت عالٍ عما يقوله الآخرون بصوت مكتوم...
                                              

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق