مايكل انجلو
انطونيوني، المخرج الإيطالي الكبير الذى توفى عن أربعة وتسعين عاماً بالعاصمة
الإيطالية روما، هو أحد آخر الكبار، وقد تميّزت سينماه بغلبة الصورة على الكلمة،
وكان قد مُنح فى عام 1995 جائزة الأوسكار للحياة الفنية.
وبغيابه من
المشهد، تفقد السينما العالمية ليس فقط علماً هاماً من اعلامها، بل أيضاً أسلوباً
متفرّداً من أساليب السينما، مثّل ما يُشبه عصراً من عصور الصورة السينمائية. وضع
أنطونيونى العين في قلب بصيرته الشعرية..
وتميّزت عين
أنطونيونى بقدرتها على اكتشاف تناقضات النفس البشرية، وتحقيق كمال الصورة. كان
مبدعاً قادراً على إدراك دواخل الشخصيات النفسية، والرغبات الكامنة والمتوالدة لدى
الشخصيات.
اعتبر سينمائي
غياب التواصل وقلق الحياة والحب المستحيل، افلامه تدور حول الانفصال بين الرفاهية
المادية والفراغ العاطفي، واغلب شخصياته من الاثرياء، والناجحين والاذكياء الذين
يشعرون رغم ذلك باستياء جماعي من حياتهم. فكيف إذا تحقق ذاتك؟ والى أي حد يمكنك
التكيف مع المجتمع الذي تعيش فيه؟ وبالمقارنة مع كل مخرجي الستينات كان انطونيونى
أفضل من قدم الاغتراب في قالب ساحر، كما منحه شكلا مرئيا مذهلا، بتحديد اماكن
الكاميرا لتجعل من كل لقطة تعليقا بليغا على التوتر بين ابطاله وبيئتهم.
في كتابه (بناء
الرؤية) يتحدث انطونيوني عن ولادة فكرة الفيلم في رأسه ويرجعها الى ما يشبه الهام
الشاعر: (بالنسبة لي يولد الفيلم كما تولد القصيدة عند الشاعر، لا اريد ان اتظاهر بأنني
شاعر ولكني ارغب بإجراء قياس على الشعر. يتأثر الذهن بكلمات وصور ومفاهيم تختلط
وتنصهر معا لتشكل شعرا واعتقد ان الشيء نفسه يحدث فيمتا يتعلق بالسينما. كل ما
نقرأه ونسمعه ونفكر به ونراه ينطبع في ذاكرتنا بشكل صور محسوسة وتولد القصص من هذه
الصور.)
بعد صمت دام عشر
سنوات عاد الفنان السينمائي الكبير مايكل أنجلو أنطونيوني الى العالم السينمائي
الذي أحبه بفيلم» فوق الغيوم «.. وأنطونيوني يعتبر أحد أهم مخرجي السينما
الايطالية الذين زينوا صدرها بوردة يعبق منها أريج الشعبية العالمية التي اكتسبتها
في فترة ليست طويلة.. أنطونيوني هو ذلك الشيء النادر: مفكر يحمل كاميرا. فأفلامه
تدور حول الانفصال بين الرفاهية المادية والفراغ العاطفي، وأغلب شخصياته من
الأثرياء، والناجحين والأذكياء الذين يشعرون رغم ذلك باستياء جماعي من حياتهم.
فكيف إذاً تحقق ذاتك؟ والى أي حد يمكنك التكيف مع المجتمع الذي تعيش فيه؟
وبالمقارنة مع كل مخرجي الستينيات، كان أنطونيوني أفضل من قدم الاغتراب في قالب
ساحر، كما منحه شكلاً مرئياً مذهلاً، بتحديد أماكن الكاميرا لتجعل من كل لقطة
تعليقا بليغا على التوتر بين أبطاله وبيئتهم. أثناء تصوير ثلاثية الكسوف، قال
أنطونيوني هذه العبارة عن صناعة السينما وتقدم الروح الإنسانية:» ماذا فعلنا حتى
الآن؟ لقد تفحصنا المشاعر بدقة، وشرحناها وحللناها بشكل كامل، هذا ما استطعنا
فعله. لكننا لم نستطع اكتشاف مشاعر جديدة «. وإن اكتشاف عواطف جديدة هو الذي يعين
الهدف الايجابي أو الطوباوي الذي لا تمثل الغربة السلبية إلا مرحلته الأولى. وإذا
استعدنا في الأذهان اهتمام أنطونيوني المبكر بكتابات هيغل وماركس والموقف التقدمي
أو التحولي الذي ينطوي عليه فكرهما، أو ترحيبه بالإيرميتيشيسمو الايطالية، (فن
شعري يشكل الأسلوب فيه مقاومة للامتثال الفاشيستي)، أو في تيمة» مكروني «(سيناريو
غير مصور حيث حرية مطلقة تعطى للذات، والتحول الاجتماعي يتم تحقيقه عند الحد
القانوني لمناطق نفوذ منهارة شخصيا وسياسيا)، عندها فإن مدى صلة توقعاته بما يخص
العواطف الجديدة لن يكون مستغربا أو غريبا على طريقة تفكيره. في كل اهتماماته،
الموضوع المشترك هو تقدم الذات (الروح) خارج الماضي والى الحاضر، باحثة عن توافقات
جديدة أو علاقات (تماثلات شخصية وتعاطفات) مع عالم متغير على الدوام.
بوتريه للداخل
وُلد أنطونيوني
عام 1912، يقول أنطونيوني عن طفولته:” كانت طفولتي سعيدة، وأمي كانت امرأة ذكية
ودافئة المشاعر، وكانت عاملة في أيام الشباب، أما أبي فقد كان رجلا صالحا هو الآخر،
ولد في عائلة تنتمي للطبقة العاملة، ونجح في الاستحواذ على وضع مريح من خلال
الدورات التدريبية الليلية والعمل الشاق، لقد أطلق والدي ووالدتي لي العنان لفعل
ما أرغب فيه”..
وبعد حصوله على شهادة جامعية في الاقتصاد عمل محررا صحافيا مركزا اهتمامه بالكتابة عن السينما وشؤونها حيث عمل في مجلة السينما محررا، وكانت المجلة خاضعة لسلطات موسوليني الفاشية، وقد استطاع أنطونيوني بمساعدة أصدقائه من المثقفين أن يحولوا فكر المجلة باتجاه تقدمي في وقت بدأت فيه بوادر حركة سينمائية جديدة على يد روسيليني وفيسكونتي وفلليني وغيرهم، إلا أن أنطونيوني لم يلبث ان طُرد مع زملائه من المجلة المذكورة فعاد ينكب على تعلم أصول الإخراج السينمائي عبر تجارب ذاتية محضة. كان مساعدا لكارنيه فى "زوار المساء" و أنجز عمله السينمائى "الوثائقي" الأول "ناس نهر البو ـ 1947".ساهم في كتابة سيناريوهات عدة أفلام قصيرة الى أن تسنى له إخراج أول أفلامه الطويلة »قصة حب« 1950 وفيه يطور الصراع الذي مر به اثنان من العشاق، تجمعهما ذكرى جريمة قتل، فيحاولان بعد ذلك أن يضعا خطة لقتل الزوج ليعثرا بعد ذلك على الحرية. لقد أظهرت هذه القصة، اهتمام أنطونيوني بالروايات البوليسية، إلا أنها تعتبر أيضا أزمة سيكولوجية يذكر وقعها بالكاتب الفرنسي فلوبير. ومضى أنطونيوني في إخراجه للأفلام، فقدم »المنهزمون« 1952، وهو فيلم من ثلاث حلقات عن أزمة الشباب في أوروبا. ثم أخرج فيلم »غادة.. بدون كاميليا« 1953، عن أفول نجم إحدى كواكب السينما، في محاولة انتحار، وأخرج فيلم »الصديق« 1954، (نال جائزة مهرجان فينيسيا)، ثم حقق بعد ذلك فيلم »الصرخة« 1957، وهو فيلم بارز عبّر عن نبوغ أنطونيوني وثبات قدمه في مجال الإخراج كواحد من فناني روما الكبار الجدد، ونال عنه جائزة النقد في مهرجان لوكارنو. والواقع أن أنطونيوني يبدي اهتماما كبيرا بالأحوال السيكولوجية لجميع شخصياته، وأصغر حركة عنده وأقل نظرة من شأنها أن تكشف عن أي سر كامن في الكائنات. وتحتل المرأة في أعمال أنطونيوني دورا متميزا، ويتضح ذلك في الثلاثية الوجودية، التي ضمت فيلم »المغامرة« 1960 الذي حاز على جائزة في مهرجان كان، وفيلم »الليل« 1961، وفيلم »الكسوف« 1962. ففي فيلم المغامرة، نرى رجلا وامرأة يبحثان عن فتاة اختفت، هي عشيقة للرجل وصديقة حميمة للمرأة، ويؤدي بهما هذا البحث الى نشوء علاقة عاطفية بينهما، مما يكشف عن مدى وطن المشاعر الانسانية. وفي فيلم »الليل«، قدم أنطونيوني أحداث يوم في حياة أحد الكتاب وزوجته، في الوقت الذي يزول فيه الحب والمتعة من حياتهما معاً، إزاء الرتابة اليومية، وشعور الشفقة المتبادل بينهما. أما فيلم الكسوف فإنه يصف مولد حب، أو ما قد يكون سراب حب، لا يلبث ان يزول ويمّحي عند أول موعد لا يحضر فيه أي من الاثنين. الى هذه الثلاثية يضاف فيلم »الصحراء الحمراء« الذي فاز بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا عام 1964. »الصحراء الحمراء« من تمثيل: مونيكا فيتي وريتشارد هاريس.. وهو العمل الروائي العاشر لأنطونيوني، ولئن كان عملا يستدعي من المشاهد أن يستشعر به أكثر من أن يفهمه إلا أنه ينطوي على عودة واضحة لتناول الفكرة التي ما برح هذا المخرج الفذ يتناولها ويطورها في أفلامه الواحد تلو الآخر، تلك هي فكرة تغيير العواطف وافتقاد الحب في مجتمع متقدم. مرة أخرى نحن أمام مأساة الإنسان العاطفي، انعدام التوازن النفسي والقلق على المصير والاغتراب داخل المجموعة في مرحلة بلغت فيها التخمة المادية حد التشبع وتحولت عندها عملية الحب الى نوع من ألعاب التمركز حول الذات يلعبها الأثرياء أبطال أنطونيوني العاجزون دوماً عن إقامة علاقة حب حقيقية عن طريق الحوار فلا يبقى أمامهم لإخفاء هذه الحقيقة المخزية سوى اللجوء الى ممارسة الجنس وفي الفيلم. قد لا تكون الصحراء الحمراء في الواقع سوى تلك الغرفة الصغيرة في الكوخ الخشبي حيث تلتقي حفنة من »الأصدقاء« يحوم حول رؤوسها سؤال هو: ماذا نفعل الآن؟؟ والجواب هو التحدث في أمور جنسية لبعض الوقت ومن ثم الانتقال الى فراش واسع لممارسة بعض النشاطات المتصلة بموضوع الحديث، وكالعادة لا يرتفع الجنس بأشكاله المختلفة عن كونه صورة المحاولة الأخيرة التي يبذلها البعض للوصول الى تحقيق حد أدنى من السعادة. المحاولة مقضي عليها إذاً بالفشل، فهي لم تكن تعبيراً عن الحب والتواصل بين هذه وتلك بقدر كونها بحثاً عن علاج أو مسكن، وفي النهاية تأتي اليقظة قاسية بل ومرعبة. وإذا كان ديكور الغرفة قد لحقه التغيير فإن أحدا من أفراد الزمرة لم يتغير ويعود كل واحد للانغلاق على ذاته المقفرة وما من جديد. ولعل الكيفية التي استخدم فيها المخرج الألوان وعلى المستوى التجريبي فهذه هي تجربته الأولى مع اللون ليعكس حالة القلق والاضطراب النفسي لدى البطلة ولحياتها ضمن بيئة صناعية متجهمة وساحقة، لعل هذه الكيفية أهم ما يستدعي إعجاب المشاهد، والكثير من النقاد نظروا الى تجربة أنطونيوني هذه بذهول مفعم بالتقدير.
هذه المواضيع المتكررة، لا ديمومة
الحب، صعوبة التواصل، سهولة الخيانة، خيانة الشخص لنفسه أو لغيره تسيطر على
أنطونيوني الى حد الامتلاك، لقد قال: »الناس قد عافوا الحب، ولا بد من تقدم ما في
المواقف الأخلاقية والعاطفية مقابل تقدمنا في التكنولوجيا«. ماذا يقول اللون على
أن اهتمامات أنطونيوني تشعبت بعد ذلك عندما أخرج فيلم »انفجار« (1996) وفيه يتناول
الصراع بين المظاهر والواقع، التي كان ضحيتها أحد المصورين، حيث يسجل أنطونيوني
لقطات متنافرة من حياة مصور شاب يمتهن التصوير وسيلةً للارتزاق، حائر في زمن ضاعت
فيه القيم والأخلاقيات، وفي الفيلم كرس أنطونيوني اهتماما كبيرا، لما تلتقطه
العدسة.. حيث قام بتعميق الخطوط والمساحات اللونية عند الأجزاء القيمة في الصور
وحذف الخطوط والمساحات اللونية التي تغطي ملامحها مما يترك المنظر في النهاية أشبه
بالتكوين الهندسي المرسوم بالإبرة، وقد اهتم بالألوان اهتماما كبيرا عكس الانطباع
الذي يريده، لذلك جاءت الألوان الطبيعية لبعض المشاهد أكثر توهجا مما هي في الحقيقة،
وعن هذا يقول »الألوان أصبحت بالنسبة لي ذات أهمية كالممثلين أنفسهم، فأنا أؤمن
بأن كل تأثير درامي يمكن عرضه عن طريق اللون. وكذلك فإنني عندما أضع ممثلا في حدث
معين أمام لون معين فلكي أجعل المتفرج مستعدا لمعرفة هذا الحدث قبل وقوعه. وباللون
أيضا أستطيع أن أجعل المتفرج يقف على ما بداخل الممثل وما سوف يؤديه وذلك دون
ديالوغ ومن هنا فإن اللون يخفف الديالوغ الى حد كبير كما يربطه به«. وعلى أثر
النجاح التجاري الواسع لفيلم »انفجار« دعي أنطونيوني الى هوليوود لكي يخرج فيلما،
تكون له فيه مطلق الحرية، فقدم في الولايات المتحدة فيلمه »نقطة زابريسكي« الذي
كان صيحة جزعة لإنسان حر في عالم ما زالت الرأسمالية تفرض قوانينها وأخلاقياتها
فيه، وفي الفيلم سخرية مرة من مظاهر التقدم في المجتمع الأميركي، ويقول أنطونيوني:
»أنا أقدم في كل فيلم من أفلامي إعلان احتجاج ضد هذا العالم«. ومن ثم تحول اهتمام
أنطونيوني الى الصين، حيث أخرج فيلما تسجيليا كبيرا هو »تشونغ كوو« (1972)
للتلفزيون الايطالي. وبعد ثلاثة أفلام أخرى أنجزها للتلفزيون خارج إيطاليا، عاد
أنطونيوني الى بلاده وقدم فيلم »تعريف امرأة« 1982 الذي قال حوله: »هذه قصة جد
إيطالية، تعالج مع ذلك موضوعات عالمية، أحدها الحب، وهو موضوع قديم قدم الدنيا، مع
شيء ما جديد، حديث، داخل وحول الصفات البشرية. أرجو على الأقل أن يكون الأمر
كذلك.. إن الشخصية في الفيلم مخرج سينمائي يعيش في روما، يبحث المخرج عن امرأة، لا
عن امرأة مثالية، بل عن صورة أنثى سوف يركز حولها فيلمه، إن أفكار المخرج ما تنفك
غامضة وجد متداخلة. خلال بحثه تربطه علاقة بامرأتين كل منهما تمثل نموذجا مختلفا
عن الأخرى، وهذا ما يزيد من تخبط أفكاره لأن من السهولة بمكان أن ينتقل واقع
الواحدة منهم الى خيال. ههنا يتولد نزاع ما بينه وبين امرأتيه، بين نفسه وبين
تصورات خياله الفنتازي، وبين نفسه وبين حياته.. ذاك هو أساس الفيلم«. علاقات
مستحيلة بعد كل هذه المسيرة الفنية الحافلة التي حملت معها معاني لصور ورؤى لمخرج مميز.
لم يقف أنطونيونى مكتوف اليدين أمام ما حلّ بجسده، إثر تعرّضه لأزمة صحيّة خطرة.
ففى العام 1985 أصيب بشلل نصفي أقعده عن الحركة، ودفعه إلى مزيد من التأمل والصمت
والتحليل السوي، من دون أن يُبعده عن الرسم وكتابة القصة والرواية والكاميرا التى
جعلها تلتقط له أدقّ التفاصيل الإنسانية المستلّة من يوميات الفرد ومأساته وآلامه
وخيباته وعزلته وانكساراته. فبمساعدة فيم فيندرز، يعود أنطونيوني مع شريطه »فوق
الغيوم« (1995)، وفيه يوظف أربع قصص تقع أحداث اثنتين منها في إيطاليا والباقيتين
في فرنسا، وترسم عوالم يتداخل في تشكيل صورها تقلبات فصول السنة مع المشاهد
المعمارية وتغيرات الطقس وحالات الشد في العلاقات الإنسانية وقسوة انفصال الأحبة،
وكلها تجتمع من خلال مخرج (الراوي)، الذي هو بمواصفات أنطونيوني، (الممثل الأميركي
جون مالكوفيتش) يبحث عن أماكن مناسبة لتصوير فيلمه، وبصحبة مجموعة من نجوم السينما
الأوروبية، ونحن هنا أمام علاقات حب مستحيلة، أولها (تأريخ لعلاقة حب لم تقع)،
تدور في مدينة أنطونيوني فيريرا، عن مدرسة جميلة (أنيس ساستر) تقع في حب شاب، ولكن
العلاقة لم تتطور الى أبعد من لقاءات مختصرة. والثانية تجمع المخرج مالكوفيتش مع
شابة تعمل في محل لبيع الملابس (صوفي مارسو) تحمل ذنب قتل والدها طعنا، وسرعان ما
يجدها في فراشه إلا أنه يبقى مشدودا الى وضع تلك الشابة التي اعتبرت طعنات والدها
أهم من الاستمرار في علاقته، فيقرر الانسحاب. أما القصة الثالثة فتدور أحداثها في
باريس عن تدهور علاقتين زوجيتين، فالزوجة (فاني أردن) تهرب من زوجها الذي يخونها
(بيتر وولر) الى شقة حديثة لتجد نفسها على وشك علاقة عاطفية مع (جين رونو) الذي
هجرته زوجته، بعد أن فوجئت بأنه استأجر الشقة نفسها التي هربت إليها، في حين تتابع
الرابعة (هذا الجسد الوسخ) قصة ملاحقة نيكولو لجارته الشابة (إيرين جاكوب) في
شوارع بروفانس الفرنسية، الى ان تصل هذه الى كنيسة تجد فيها هدوء مشاعرها بعيدا عن
العلاقات الدنيوية. تبدو لمسات المخرج الألماني فيم فيندرز، الذي ساعد في إنجاز
هذا الشريط واضحة إلا أنها بقيت في حدود الإشارة الخضراء من أستاذه أنطونيوني،
خصوصا في اختيار الأماكن والأشكال ونبرات الشخصيات. ويمكن تلمس ذلك في أن أحداث
الفيلم مرت بقصور النهضة الايطالية بكل ما تحتويه من بهاء، وصولا الى وحشة الشقق
الفارغة. فالشخصيات ضمن هذه المعادلة تبدو هشة، تدخل وتخرج من اللقطة باعتبارها
أطيافا لا تغير كثيرا من جمالية المكان، سوى انها تبحث عن معنى لوجودها فيه، لذا
فإن أشخاص أنطونيوني لهم وقع يتشكل مع سيرورة الفيلم على خلاف البطل الأميركي الذي
هو بطل حركة ويكتسب معناه من خلال حركاته التي تبرر وجوده وتفرز معناه.
وأنجز في عام
2002 جهده الأخير عندما أخرج جزءاً بعنوان "إيروس" فى العمل الكورالى
"الخيط الخطير للأشياء" مع كل من وونغ كار واى وستيفن سبيبلبيرغ.
المخرجان اللذان تتلمذا على إبداع أنطونيونى واستوعبا بالتأكيد دروس المايسترو
الكبير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق