الخميس، 12 فبراير 2015

السينمائي الفرنسي موريس بيالا

محمد عبيدو 


توفي يوم 12/1/2003 المخرج السينمائي الفرنسي موريس بيالا في بيته في باريس عن 77 عاماً تاركاً وراءه انطباعات شتى عن فنان صعب التعامل مع ممثليه.. كان عنيفاً يكره المجالات فحين قابل الجمهور بالصفير وعبارات الاستهجان فوره بالسعفة الذهبية في مهرجان كان عام 1987.. رد عليهم: «إذا كنتم لا تحبونني فأنا أيضاً لا أحبكم».
لكن شككوا في استحقاقه للسعفة الذهبية عن فيلم «تحت شمس الشيطان» عادوا واعترفوا بإبداعه في أفلام تالية مثل «إلى أحبائنا» الذي نال عنه جائزة سيزار عام 1983 و«لولو» مع / جيرار ديبارديو وإيزابيل هوبير «وشرطة مع ديبارديو وصوفي مارسو» و«فان غوغ» /مع جاك دوترون/ وعلى مدار هذه الأفلام عرف بيالا بطبعه المتوحش وحتى العنيف مع عدم تقيده بالإعراف.
نعى المنتج دانييل نوسكان دوبلانتييه رفيقه القديم الذي انتج له خمسة من أفلامه وقال: إن بيالا كان يعاني من قصور كلوي أودى بحياته وأضاف أنه «أب لجيل كامل من السينمائيين والسينمائيات الجدد» وإنه يمكن اعتبار بيالا بأنه متمرد، وهو في الوقت نفسه أحسن خلف لحان رينوار».
ولد بيالا الذي يصفه معجم لاروس بأنه «مخرج المعاناة والمواجهة» عام 1925، بدأ نشاطه الفني بدراسة الرسم وباحترافه.
تتسم شخصية «بيالا» بأنها كانت مزيجا من التناقضات.. لقد كان قبل كل شيء رجلاً مزاجيا لا يتردد في إظهار غضبه وأحياناً «احتقاره» للآخرين.. وهذا ما فعله عندما حاز فيلمه «تحت شمس الشيطان» على السعفة الذهبية في مهرجان «كان» السينمائي وحيث قابله الجمهور عندما صعد لاستلامها بالتصفيق وهمهمات الاحتجاج بنفس الوقت.. فقال لهم: «انتم لا تحبونني. لكن عليكم أن تعلموا بأنني أنا أيضاً لا أحبكم». إن جذر تناقضات شخصية موريس بيالا في طفولته حين كان يعيش في وسط أسرة تعمل بالتجارة.. كانت أسرة ميسورة في البداية ثم عرفت طريق الإفلاس وذلك لان الأب كان يصرف الكثير من الوقت ومن المال في ملاحقة النساء بينما كانت الأم تمضي وقتاً مماثلاً في «ملاحقة» زوجها. في مثل هذه الأجواء فقد الطفل موريس الحنان الأسري الذي كان يحتاج إليه وأحس بأنه «منبوذ» الأمر الذي أجاب عليه بسلوك يتسم بالعنف حيال كل ما يحيط به.. بل وترك الدراسة مبكراً ودون أن يحصل على أي مؤهل علمي.. 
ظهر اهتمامه الفني الأول في الرسم الذي أظهر موهبة مبكرة فيه. لكن هواه الحقيق كان يتجه نحو «السينما». وقد كانت بداياته في هذا الميدان عبر القيام بعدد من الأعمال «الصغيرة» ثم إخراجه لعدد من الأفلام الوثائقية والأفلام القصيرة.. وذلك قبل أن يقوم بإخراج أول فيلم طويل له عام 1962 وكان بعنوان «الطفولة العارية» الذي حققه بميزانية مالية متواضعة جدا وبإمكانيات فنية ـ من ممثلين محترفين وفنيين ـ أكثر تواضعاً. لقد «فشل» ذلك الفيلم فشلا كبيرا على صعيد صالات العرض.. لكن «سينما بيالا» كانت قد بدأت تشق طريقها. وبنفس الوقت كانت شهرته كمخرج لا يتردد في توجيه الشتائم وأحياناً «اللكمات» للعاملين معه قد ذاعت وانتشرت. 
وكان فيلمه الثاني «إننا لن نشيخ معاً» خطوته الحقيقية الأولى نحو إثبات أسلوبه الفني الخاص به.. وقد كان فيلماً فيه الكثير من سيرته الذاتية إذ حكى عن رجل لم يجد القدرة على حب المرأة التي تزوجها.. رغم «حبه لها». 
ووجه «بيالا» بنفس الوقت حنقه وغضبه أثناء عملية التصوير ضد شخصية الممثل الذي كان يلعب «دوره» أصلاً أي «جون يان» والذي حصل فيما بعد على جائزة أحسن ممثل عن هذا الدور في مهرجان «كان» السينمائي.. لكن نار الغضب في قلب «بيالا» لم تخف. ويشير المؤلف إلى أن أغلبية أفلام «موريس بيالا» تحتوي على هذا القدر أو ذاك من سيرة حياته الشخصية.. 

هكذا يتعرض في فيلمه الثالث «الفم المفتوح» لوفاة والدته التي تأثر كثيراً لفقدانها وكان لها فعلها أيضاً على حياته الخاصة حيث وصل مع زوجته «ميشلين» إلى حافة الانفصال. وفي عام 1975 حصل «موريس بيالا» على مبلغ مليوني فرنك فرنسي من القناة التلفزيونية الفرنسية الثانية لانتاج مشترك لفيلمه «فتيات النزل» لكنه أراد استثمار هذا المبلغ في فيلم «القاتلات» ثم اخرج فيلما ثالثاً هو «احصل على البكالوريا أولاً». وفي عام 1982 اخرج فيلمه الشهير «من أجل أحبابنا» الذي اعتبره النقاد السينمائيون بمثابة «نسخة طرية» في السينما الفرنسية.وبتلك الحالات لم يتخلّ «موريس بيالا» طيلة مسيرته السينمائية الطويلة عن «مزاجيته» وتوجيهه أقسى أشكال النقد للآخرين.. 
وقد قال ذات مرة عن الممثل «جيرار دوبا رديو» بانه مثل «سيارة رولزرويس وإنما بمحرك دراجه سوليكس» ومرة أخرى وجه الكلام لمدير شركة «غوموت» التي كانت تنتج فيلم «لولو»، وكان ذلك المدير يعيش آنذاك مع بطلة الفيلم الممثلة «ايزابيل هوبير» وقال له: «أنا لست سوى مجرد موظف لدى عشيقتك». 
كل هذه السلوكيات كانت تقوم، على خلفية إرادة طموح «بيالا» في أن يخترع طرقاً جديدة لإظهار العالم والحياة.. وبعيداً عن كل القواعد والتقاليد.. لقد أراد أن يقدم البشر، كما هم على حقيقتهم بكل ما فيهم من «عظمة» ومن «خساسة».. ودون أية مساحيق. وكان يعمل في كل فيلم من أفلامه وكأنه أول عمل له.. ودائما بالاعتماد على أشياء من حياته الشخصية وخاصة في سنوات طفولته ومراهقته. 
بيالا.. أو عندما تتداخل الحياة.. والسينما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق