محمد عبيدو :
بعد هذه الهمجية اللامتناهية التي أبدتها اسرائيل وما زالت تبديها في اعتداءاتها على غزة المحاصرة، وبعد الاعتداءات الوحشية الاجرامية التي ترتكبها اسرائيل ليس الآن وحسب، وانما منذ عشرات السنين، ضد الشعب الفلسطيني في البقية الصغيرة الباقية حتى الآن من وطنه التاريخي فلسطين.
كان للانتفاضة في فلسطين وقع الزلزال الذي اخترق كلّ بيت ، و هزّ كلّ إنسان معادٍ للاستعمار و القمع و الإرهاب في العالم .
و هنا برز الدور الفعال و المهم للأفلام الوثائقية و التسجيلية التي صوّرت أحداث الانتفاضة و تفاصيلها كما صورت معارك المقاومة ضد الاحتلال، و التي عرضت على شاشات التلفزيون العالمية و في المهرجانات السينمائية ، و بدت في هذه الأفلام المعالجة النضالية الخلاقة و المبدعة للواقع و الحوادث الجارية و تصوير المنظر الحي و الحدث الحقيقي.
و الجميع يذكر ما أثاره في الرأي العام العالمي الفيلم الوثائقي الذي صوّر سياسة تكسير العظام التي اتبعها المحتلون الصهاينة لقمع مظاهرات الانتفاضة الأولى ، وصور مجازر صبرا وشاتيلا , و ما أثاره الفيلم الذي صوّر مجزرة الحرم القدسي الشريف أثناء عرضه في اجتماعات هيئة الأمم المتحدة ، و التأثير العالمي الذي تركه الفيلم الذي صوّر استشهاد الطفل محمد الدرة . والصورة التي التقطتها الكاميرا في مجزرة قانا عام 1996 للأب الحامل طفلتيه، صارخاً، متوجعاً من الألم، متضرعاً إلى الله. والتي صارت عنواناً لتلك المجزرة .
تحت عنوان " إرهاب إسرائيل " كتب المخرج السينمائي اليوناني " يانيس سكاريدس " : ( التاريخ يعيد نفسه. القصف الراهن هذه المرة، هو عمل إرهابي من الدولة الاسرائيلية. تفتعل الولايات المتحدة وحلفاؤها حروباً اختبارية ضد أهداف سهلة. ومع أنهم يزعمون أنهم ضد حزب الله، سوريا أو إيران، فإنهم يقصفون مناطق مدنية للطبقات العاملة في بيروت. وهكذا، علينا أن لا ننسى أن هناك الكثير من الاستثمارات العربية التي قد ذهبت أو سوف تذهب إلى لندن أو إلى نيويورك بسبب القصف.
لم يكن جورج بوش وتوني بلير واعيين أن كاميرات التلفزيونات والميكروفونات تراقبهما، أثناء مؤتمر قمة الدول الثماني. كنت أشعر بخوف شديد. إن مضمون لغتهما وحوارهما يذكرني بفيلم <العرّاب>، الجالس إلى جانب مساعده الأيمن. الفرق الوحيد هو أن عائلة كورليوني عندها شرف أكثر وتفهم أكثر للطبيعة الانسانية. في أحاديثهما الخاصة يسمي المستر بوش المستر بلير بعبارة <يو توني>.
نحن نفهم أن القصف سوف يتوقف فقط عندما تدعو الى تنفيذه الولايات المتحدة الاميركية يوماً ما.
أصلي مع ملايين المتفرجين أن يأتي ذلك اليوم حالا وبدون تسويف. )
الصهيوني لم يعد يحتكر الصورة السينمائية :
إن الانتفاضة الفلسطينية والعدوان الاسرائيلي الهمجي على لبنان والمقاومة البطولية اللبنانية في وجه هذا العدوان على لبنان الذي قامت وما زالت إسرائيل تقوم به، والذي استهدف مئات وآلاف المدنيين الأبرياء من أبنائه، وتدميره الوحشي للمدن والقرى وتحطيم بنيته التحتية الأساسية اللازمة لتحقيق المدنية الحديثة فجّرت مضامين الصور و أشكالها التي كانت ترسل من الشرق الأوسط إلى عيون العالم منذ أكثر من أربعين عاماً . فالمشروع الصهيوني الذي كان قد فرض صورة بقوة الإعلام و إعلام القوة ، وجد نفسه مهدّداً بنجاعة أهم العناصر التي كان يتوهم أنها من احتكاره الخاص ، لقد أصبحت «الكاميرا هي الشاهد المحايد» حيث حرّرت والعربي من التزييف المتراكم على صورته ، و أصبح الصهيوني يخوض صراعاً مع صورته الحقيقية في الصورة المتخيّلة التي أنتجها بأداة لم يعد يحتكرها ، و في شرطٍ لم يعد قادراً على تحديد هويته السابقة ، و لا قادراً على تبرير كلّ ما يفعل .. إن ما كان سلاحه الخاص صار سلاحاً عليه ، و ما كان يصوّره «جماله و كماله» صار يصوّر بشاعته .
و من الأفلام العالمية التي قدمت صورة مختلفة وعادلة عن الصراع مع الهمجية الاسرائيلية واطلقت سهاما نارية تضيء سماء الظلم و صرخة للعالم ربما يفيق ضميره.. الفيلم التسجيلي «فلسطين تشتعل» للمخرجة الألمانية مونيكا مور ، و هو سادس فيلم لها عن القضية الفلسطينية استطاع أن يشدّ الانتباه و هو عبارة عن نشيدٍ حي للغناء اليومي و البطولة و للعذاب الذي يلقاه المواطن الفلسطيني و القمع الذي تلاقيه الانتفاضة الفلسطينية في فلسطين المحتلة .
كما استطاع المخرج الهنغاري "لا يوش كروديناك" في فيلمه التسجيلي «الانتفاضة» أن ينقل صورة حقيقية عن النضال اليومي الفلسطيني و عن يوميات الانتفاضة الشعبية . بل استطاع من خلال الفيلم أن يستهدف الفكر الصهيوني من خلال قادة العمل و الليكود و تعريته للصهيونية كامتداد لعصابات الشترين و الكاخ .
«المجرم يرتعب من شهادة الشهيد و شهادة السينمائي» :
و قد روى المخرج «لايوش كروديناك» أنه أثناء القيام بتصويره الفيلم كان مواجهة دائمة مع الجنود الصهاينة الذين أصبحوا يحاربون أصحاب آلات التصوير كما يحاربون أطفال الحجارة . روى هذا المخرج أنه في إحدى المرات أراد أحد الضباط منعه من التصوير لكنّه تحت إلحاح المخرج صرخ الضابط بغضب هستيري قائلاً : «إذهب من هنا إنك تزعج حربنا» ، فأجابه الكورديناك : « أنتم إذاً في حرب ضد العزل و تقتلون أيضاً .. هذا أنتم و لكننا نحن لا نقتل فلماذا أنتم خائفون ؟» لاحظوا كيف يرتعب المجرم من شهادة السينمائي .. و كيف يخاف من تحالف العدالة الفلسطينية مع الرصد المحايد.. بل يخاف من ذلك لأنه لا يعرف أن الصورة العادلة حتى و لو كان صاحبها محايداً فإنها تتضامن حتماً مع العدل .
«العمق الداخلي للانتفاضة سينمائياً» :
الفيلم الألماني «الانتفاضة الطريق إلى فلسطين» للمخرج "روبرت كريغ" يبدأ بمشهد الأرض و المحراث و الزيتون تعبيراً عن أصالة شعبٍ و جذوره الراسخة ثم يتابع الحياة الداخلية اليومية للمخيم ، تشكّل الانتفاضة و المواجهات جزءاً استطرادياً خلفياً للفيلم . فقد أراد مخرج الفيلم أن يرينا أولاً كيف تتصادم الحياة اليومية ، العمل ، لعب الأطفال ، التبضع مع وجود الاحتلال في تلك الصورة الثابتة للحواجز و مفارز القمع ، مشهد لقوات الاحتلال و مشهد للحياة اليومية في تقاطع سريع .
و في الفيلم مشهد لجنود الاحتلال فوق أحد السطوح برشاشاتهم و خوذهم ، يحاولون اعتقال شابٍ لمجرد الاشتباه بأنه ألقى حجراً ، و يرينا المخرج كيف أن الحجر سقط تلقائياً من عمارة قيد البناء ، لا شيء في منطق الاحتلال يفسّر بالصدفة نفسها قابلة لأن تكون سبباً في الاعتقال .. يتابع الفيلم بالتركيز على البنية التحتية للانتفاضة ، فيرينا كيف يعمل الشعب الفلسطيني على استمرارية الانتفاضة و يحسب لأسوأ الاحتمالات في المواجهة الشاملة مع الاحتلال .. قيمة الفيلم تكمن في طابعه الريبورتاجي و المعلوماتي الذي قدّمه فريق عمل عاش داخل المخيم ، و رأى الأمور من جانبها غير المرئي العمق الداخلي للانتفاضة .
أما فيلم «الانتفاضة طريق الحرية» فإن مخرجته البريطانية (جيني مورغان) لها موقف واضح من قضية الصراع العربي - الصهيوني ، فهي تقول عن الاحتلال الصهيوني : "إنه نقطة مؤلمة في التاريخ الإنساني ، و أردت في هذا الفيلم أن أبرز كيف يواجه الفلسطينيون الاحتلال الصهيوني في مواجهة غير متكافئة ، و لكن هناك إصراراً من قبل أهل أرض فلسطين على استعادة حقوقهم و وطنهم . و لذلك أردت من الفيلم أن أنفي صفة الإرهاب التي تلحقها الصهيونية بالعمل الفلسطيني" .
مدة الفيلم (22) دقيقة .. و هي كما تقول المخرجة : «كافية لتوضيح الحالة التي لا تطاق للوضع الفلسطيني تحت الاحتلال» و يصوّر الفيلم دور النساء الذي تبدّل في الانتفاضة و أصبحت أهميته مهمة بالنسبة للمجتمع و الانتفاضة ، و في الجانب الآخر الوحشية و الهمجية الصهيونية و التعصب الأعمى الذي يسيطر على عقلية العسكري و السياسي الصهيوني على حد سواء .. و قد لاقى الفيلم قبولاً و استحساناً واسعاً و حاز على جائزة الحمامة الفضية في مهرجان لا يبزغ .
و من الأفلام التي لاقت اهتماماً واسعاً عند عرضها في الولايات المتحدة الأمريكية الفيلم التسجيلي «أيام الغضب - الشبيبة الفلسطينية» من إعداد و إنتاج الصحافية الأمريكية "جوفر انكلين تروست" و الذي عرض على شاشة القناة العامة (pbs) في نيويورك ، و في بقية المدن و الولايات الأمريكية ، و قد أثار الفيلم على الرغم من كلّ التحفظات التي يمكن قولها حوله ضجة كبيرة ، كما واجه حملة من قبل أنصار الكيان الصهيوني و المنظمات اليهودية التي حاولت أن تبذل كلّ جهدها دون عرضه .
ينفتح الزمن السينمائي على توهج عصر الانتفاضة عارضاً مجموعة من الصور المعبرة عن إصرار الفلسطيني على الدفاع عن قدسية حقّه في الوجود برشق الجنود الصهاينة بالحجارة و المظاهرات و الأغاني .
فيلم "قطاع غزة" للمخرج الاميركي جيمس لونغلي. يحكي عن معاناة المواطن الفلسطيني تحت سيف الاحتلال الاسرائيلي من خلال عرض يوميات مجموعة صبية فلسطينيين يبيعون الصحف في ازقة غزة المحتلة. ويدخل الفيلم في تفاصيل يوميات الاطفال الذين ينامون على صوت هدير الدبابات ويستيقظون على دوي الصواريخ ودخان القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي القاتل، فلا يبقى امام الطفل الفلسطيني الا ان يكتشف معاناته اكثر كي يتلاءم معها ويرسم خطط استراتيجية ليعيش حياته حاضراً وماضياً ولكنها خالية من اي مستقبل. كل تلك المعاناة تنقلها كاميرا المخرج لونغلي الى المشاهد الاوروبي الذي لا يمر يوم الا وتكتب صحفه عن قطاع غزة. وعلى رغم ان الفيلم لم يحصل على جوائز سينمائية الا انه تمكن من استنهاض مشاعر متضامنة وأخرى معادية.
اثار الفيلم غضب اللوبي اليهودي في مدينة غتنبورغ المعروفة بكرم اهلها وطيبتهم، ولكن المميزة ايضاً بأنها مركز للوبي يهودي فاعل. وانهمرت على بريد مديرة المهرجان جانيكي اولوند الالكتروني رسائل كثيرة معترضة على عرض فيلم "قطاع غزة" واصفة اياه بأنه احادي الرؤية ولا ينقل الا صورة المعاناة. كما ارتفعت اصوات متهمة اولوند بأنها اعطت الفرصة لعدد من الافلام الفلسطينية ولم تسمح، بحسب تعبيرهم، الا لفيلم اسرائيلي واحد يحكي عن العنصرية الداخلية في المجتمع الاسرائيلي. ولكن اولوند لم تتأثر بالأصوات المعارضة التي خرجت من بعض الصحف المساندة لاسرائيل وردت على الانتقادات شارحة انه "عندما يتعلق الامر بعدد الافلام المشاركة التي تعرض في المهرجان، فالقضية محصورة بنوعية الافلام التي تقدمها كل دولة. بكل صراحة انا لم اشاهد افلاماً اسرائيلية نوعية اكثر من الفيلم الذي سمح له بالمشاركة".
المخرج الإيطالي الشاب 'بيبو ديليونو' الذي قدم لنا ملحمة رائعة في فيلمه "حرب" فأثار مواجعنا وشجوننا بما قدمه بصورة جمالية معبرة وصادقة في كل لقطة من اللقطات التي عرضها علينا علي مدي الواحد والستين دقيقة التي استغرقها عرض الفيلم..
إن 'بيبو' الذي قدم فيلمه بكلمات بسيطة بأنه ليست له وجهة نظر مسبقة وليس له موقف سياسي محدد يجعلنا لا نصدقه ونحن نصفق معه، لأن الصورة التي قدمها لنا لا تعرف الحياد.. بل هي صورة منحازة توضح معاناة الشعب الفلسطيني وتظهر بصدق مدي جبروت وعنف المواطن الإسرائيلي المحتل.. اختار 'بيبو' أن يقدم رؤيته من خلال رحلة لفرقته المسرحية التي عرضت تجاربها في فلسطين وإسرائيل والأرض المحتلة وهي فرقة تضم من بين أعضائها بعض الممثلين ذوي الاحتياجات الخاصة وقد أخذ بيبو علي عاتقه أن يقدمهم بعفوية وتلقائية مدروسة.. فكان الأداء متناغما في الصورة التي تتعرض للدمار والخراب من جراء العنف الإسرائيلي..
إن صور 'ديليونو' ومدير تصويره 'رود ريجو بييتو' هي معزوفة متفردة بجمالها حتي لو كانت صورا سبق وأن شاهدنا البعض منها.. إن 'حرب' رغم مشاهده التي تبدو منفصلة عن بعضها إلا أنها تحكمها رؤية لواقع ظالم في سراييفو.. وفلسطين وكل مناطق النزاع في العالم حيث سقط شهداء.. وسيسقط غيرهم كثيرون.. لكن حياتهم لا تضيع هباء لأنهم جميعا باستشهادهم يجعلون النهار يأتي مبكرا.. وهو ما تحمله كلمات 'فيروز' في قصيدتها الرائعة 'لا أحد يعلم من الآتي من الأصيلة'.. بينما أننا كلنا نعلم أن الدور آت علي كل من يحاول الصمود والمقاومة ويسعي للشهادة التي من خلالها يمنح الحياة للآخرين..
إن شوارع المدن الفلسطينية الغارقة في الظلام.. وميزان العدالة الذي اختل حتي جعل القط لا يهرع لاصطياد الفأر الذي يسير أمامه الهويني.. ويترك مساحة لممثل 'منغولي' رغم ما يعانيه من 'تخلف' عقلي.. إلا أن إدراكه وإحساسه العميق وهو ربما أصدق من العقل جعله يدرك بحركاته العفوية التي تعبر عن اليأس من عنف بعض البشر.. لكن هذا لا يمنع أبدا أننا سنظل دائما وأبدا نسعي 'للحرية' وسنظل نقاومه لأن في المقاومة 'حياة'..
فيلم PRIVAT للمخرج الايطالي سافريو كوستانزو. يستعرض حياة عائلة فلسطينية مثقفة يحتل الجنود الاسرائيليون الطابق الاعلى من بيتها ويمارس كل الوسائل الوحشية لارغام افرادها على ترك البيت لكن محاولاتهم لجر العائلة لاستخدام القوة كمبرر لترحيلهم تبوء في نهاية المطاف بالفشل اذ يصر رب العائلة «محمد» على ممارسة الطرق السلمية وفي مقدمها الحوار مع الجنود المحتلين.
وفي مشهد من فيلم PRIVAT يتجه رب العائلة الفلسطينية محمد وبسبب السهاد والارق الى طاولة الطعام في مطبخ بيته المحتل من قبل الجنود الاسرائيليين حيث يصادف آمر الجنود مستيقظاً هو الآخر وقد كان التعب بادياً على ملامحه ويبدأ الحوار بسؤال يشترك في الاجابة عنه كل من صاحب الدار والجندي المحتل: ماذا تفعل هنا؟ يصوّب صاحب الدار محمد نظراته الى عيني المحتل الذي بدا غارقاً في هلوسة تدل على ضياعه وعدم قدرته على مواجهة محمد ونظراته المتسائلة. من هذين المشهدين يمكن الدخول الى الاضافة التي قدمها لفيناس عن دور الوجه في تقديم وفضح المشاعر الداخلية للكائن البشري. يقول لفيناس في حوار أجري معه: «ثمة علاقة وطيدة بين الوجه والحوار. الوجه هو الناطق والمتحدث هو الذي يتيح امكانية التحاور ويبتدئ الحوار... ان القول الاول الذي يطلقه الوجه هو: «لا تقتل!» وهو فعل آمر. في تجلي الوجه ثمة حكم وفعل أمر كأنه يصدر من السيد (المتعالي) وفي الوقت نفسه يمكن وصف نداء الوجه برجاء مستنجد انه ذلك الضعيف الذي يتعين على ان اخدمه بكل ما استطيع وأظل مداناً له في الوقت نفسه».
المخرج التشيلي العالمي، ذي الأصول الفلسطينية، ميغيل ليتين عاد إلى فلسطين ليصور فيلمه الذي يحمل رقم 21 بين أفلامه، ليس كسائح، ولكن كفنان يصور حياة الشعب الفلسطيني، خلال النصف الأول من القرن العشرين. واعتبر ليتين "القمر الأخير" فيلمه الفلسطيني الأول، مؤكدا انه لو لم يكن مقتنعا بعدالة القضية الفلسطينية لما صنع هذا الفيلم.
وحول موضوع الفيلم الذي شارك فيه العشرات من الفنيين والممثلين والكومبارس الفلسطينيين، قال إنه يجمع بين الوثائقية والروائية، ويحمل رسالة إلى العالم بأن الحياة في فلسطين ليست فقط عنفاً وحربا.. يقول: أشعر بأن هذا الفيلم جزء من تاريخ أجدادي الذين لم يستطيعوا العودة إلى هنا.. صنعت الفيلم لهم ولذكرى جدي ميخائيل اليتيم.
واسم الفيلم مأخوذ من أغنية قديمة لطفل فلسطيني يخاطب جده قائلا: "لا تدع التنين يأكل قمرنا"، وحسب ميغيل ليتين فان هذه الاغنية الشعبية الفلسطينية كان الأطفال يغنونها في بداية القرن الماضي .
كان المصور البريطاني جيمس ميلر يعتزم تصوير فيلم عن الاطفال عندما قتل بالرصاص في قطاع غزة. وبدلا من فيلمه افتتح في مهرجان برلين الماضي العرض الاول لفيلم وثائقي عن استشهاده. ويبدأ فيلم «الموت في غزة» بقتل ميلر في مايو عام 2003 والذي يقول معدو الفيلم وشهود ان جنديا اسرائيليا أصابه بطلق ناري في الرقبة عندما كان يحاول مع اثنين اخرين مغادرة منزل أثناء الليل.
وينتهي الفيلم بتمجيد ميلر (34 عاما) كشهيد في مخيم رفح للاجئين بقطاع غزة حيث تضاف صورته الى صور شهداء ومهاجمين معروفين الصقت على الجدران. والى جانب تسجيل مقتل ميلر يمثل الفيلم تسجيلا مزعجا وان كان جذابا لفكرة الثأر والشهادة التي تجتذب بقوة جيل الشبان في الاراضي الفلسطينية.
وموقع التصوير مخيم مضطرب على الطرف الجنوبي من قطاع غزة حيث تظهر الجرافات الاسرائيلية تحت وابل من حجارة يلقيها الشبان الفلسطينيون وهي تمهد الارض التي يخشى الاسرائيليون أن تكون تستخدم في تهريب السلاح من مصر المجاورة. والشخصيات التي يصورها الفيلم التسجيلي هي للاطفال الفلسطينيين الذين يظهرون في لقطات تصور حصارهم وسط العنف والكراهية المحيطة بهم يحملون بنادق من خشب يقلدون بها أبطال المقاومة.
ويروي الفيلم قصة صبيين يبلغان من العمل 12 عاما مولعان بكرة القدم يحاصران وسط الصراع وفتاة تبلغ من العمر 16 عاما تخشى ان تهدم الجرافات الاسرائيلية منزلها وصبي (13 عاما) يستشهد برصاص الاسرائيليين. ويحب نشطاء المقاومة المحليون الملثمون أحمد (12 عاما) ويعلمونه كيفية استخدام قاذفة صواريخ ويستخدمونه كمراقب اثناء دورياتهم الليلة غير عابئين باحتمال أن يقتل. ويقول أحد النشطاء «هناك الف طفل مثله».
ويقول محمد صديق احمد امام أمه التي لا ترضى عما يقول انه مستعد لتضحية بحياته من أجل القضية الفلسطينية. ويحضر سالم (13 عاما) وهو ينزف ويتشنج الى مستشفى محلي بعد أن أصابه جندي اسرائيلي ثم يموت بالفعل وتقام له جنازة شهيد. وتقول ابنة عمه نجلاء (16 عاما) التي فقدت بالفعل ثمانية من أقاربها انها تريد أن تعمل محامية للدفاع عن حقوق شعبها.
وتقول منتجة الفيلم سايرا شاه التي تظهر في لقطات من الفيلم انها وميلر كانا يعتزمان اعداد فيلم اخر يصور الاطفال الاسرائيليين في المستوطنات القريبة عندما توقف التصوير بمقتل ميلر. لكن اللقطات القوية التي كان ميلر قد صورها بالفعل دفعتها بمساعدة أسرة ميلر للمضي قدما في اعداد الفيلم التسجيلي الذي يظهر جانبا واحدا من الصراع.
بعد هذه الهمجية اللامتناهية التي أبدتها اسرائيل وما زالت تبديها في اعتداءاتها على غزة المحاصرة، وبعد الاعتداءات الوحشية الاجرامية التي ترتكبها اسرائيل ليس الآن وحسب، وانما منذ عشرات السنين، ضد الشعب الفلسطيني في البقية الصغيرة الباقية حتى الآن من وطنه التاريخي فلسطين.
كان للانتفاضة في فلسطين وقع الزلزال الذي اخترق كلّ بيت ، و هزّ كلّ إنسان معادٍ للاستعمار و القمع و الإرهاب في العالم .
و هنا برز الدور الفعال و المهم للأفلام الوثائقية و التسجيلية التي صوّرت أحداث الانتفاضة و تفاصيلها كما صورت معارك المقاومة ضد الاحتلال، و التي عرضت على شاشات التلفزيون العالمية و في المهرجانات السينمائية ، و بدت في هذه الأفلام المعالجة النضالية الخلاقة و المبدعة للواقع و الحوادث الجارية و تصوير المنظر الحي و الحدث الحقيقي.
و الجميع يذكر ما أثاره في الرأي العام العالمي الفيلم الوثائقي الذي صوّر سياسة تكسير العظام التي اتبعها المحتلون الصهاينة لقمع مظاهرات الانتفاضة الأولى ، وصور مجازر صبرا وشاتيلا , و ما أثاره الفيلم الذي صوّر مجزرة الحرم القدسي الشريف أثناء عرضه في اجتماعات هيئة الأمم المتحدة ، و التأثير العالمي الذي تركه الفيلم الذي صوّر استشهاد الطفل محمد الدرة . والصورة التي التقطتها الكاميرا في مجزرة قانا عام 1996 للأب الحامل طفلتيه، صارخاً، متوجعاً من الألم، متضرعاً إلى الله. والتي صارت عنواناً لتلك المجزرة .
تحت عنوان " إرهاب إسرائيل " كتب المخرج السينمائي اليوناني " يانيس سكاريدس " : ( التاريخ يعيد نفسه. القصف الراهن هذه المرة، هو عمل إرهابي من الدولة الاسرائيلية. تفتعل الولايات المتحدة وحلفاؤها حروباً اختبارية ضد أهداف سهلة. ومع أنهم يزعمون أنهم ضد حزب الله، سوريا أو إيران، فإنهم يقصفون مناطق مدنية للطبقات العاملة في بيروت. وهكذا، علينا أن لا ننسى أن هناك الكثير من الاستثمارات العربية التي قد ذهبت أو سوف تذهب إلى لندن أو إلى نيويورك بسبب القصف.
لم يكن جورج بوش وتوني بلير واعيين أن كاميرات التلفزيونات والميكروفونات تراقبهما، أثناء مؤتمر قمة الدول الثماني. كنت أشعر بخوف شديد. إن مضمون لغتهما وحوارهما يذكرني بفيلم <العرّاب>، الجالس إلى جانب مساعده الأيمن. الفرق الوحيد هو أن عائلة كورليوني عندها شرف أكثر وتفهم أكثر للطبيعة الانسانية. في أحاديثهما الخاصة يسمي المستر بوش المستر بلير بعبارة <يو توني>.
نحن نفهم أن القصف سوف يتوقف فقط عندما تدعو الى تنفيذه الولايات المتحدة الاميركية يوماً ما.
أصلي مع ملايين المتفرجين أن يأتي ذلك اليوم حالا وبدون تسويف. )
الصهيوني لم يعد يحتكر الصورة السينمائية :
إن الانتفاضة الفلسطينية والعدوان الاسرائيلي الهمجي على لبنان والمقاومة البطولية اللبنانية في وجه هذا العدوان على لبنان الذي قامت وما زالت إسرائيل تقوم به، والذي استهدف مئات وآلاف المدنيين الأبرياء من أبنائه، وتدميره الوحشي للمدن والقرى وتحطيم بنيته التحتية الأساسية اللازمة لتحقيق المدنية الحديثة فجّرت مضامين الصور و أشكالها التي كانت ترسل من الشرق الأوسط إلى عيون العالم منذ أكثر من أربعين عاماً . فالمشروع الصهيوني الذي كان قد فرض صورة بقوة الإعلام و إعلام القوة ، وجد نفسه مهدّداً بنجاعة أهم العناصر التي كان يتوهم أنها من احتكاره الخاص ، لقد أصبحت «الكاميرا هي الشاهد المحايد» حيث حرّرت والعربي من التزييف المتراكم على صورته ، و أصبح الصهيوني يخوض صراعاً مع صورته الحقيقية في الصورة المتخيّلة التي أنتجها بأداة لم يعد يحتكرها ، و في شرطٍ لم يعد قادراً على تحديد هويته السابقة ، و لا قادراً على تبرير كلّ ما يفعل .. إن ما كان سلاحه الخاص صار سلاحاً عليه ، و ما كان يصوّره «جماله و كماله» صار يصوّر بشاعته .
و من الأفلام العالمية التي قدمت صورة مختلفة وعادلة عن الصراع مع الهمجية الاسرائيلية واطلقت سهاما نارية تضيء سماء الظلم و صرخة للعالم ربما يفيق ضميره.. الفيلم التسجيلي «فلسطين تشتعل» للمخرجة الألمانية مونيكا مور ، و هو سادس فيلم لها عن القضية الفلسطينية استطاع أن يشدّ الانتباه و هو عبارة عن نشيدٍ حي للغناء اليومي و البطولة و للعذاب الذي يلقاه المواطن الفلسطيني و القمع الذي تلاقيه الانتفاضة الفلسطينية في فلسطين المحتلة .
كما استطاع المخرج الهنغاري "لا يوش كروديناك" في فيلمه التسجيلي «الانتفاضة» أن ينقل صورة حقيقية عن النضال اليومي الفلسطيني و عن يوميات الانتفاضة الشعبية . بل استطاع من خلال الفيلم أن يستهدف الفكر الصهيوني من خلال قادة العمل و الليكود و تعريته للصهيونية كامتداد لعصابات الشترين و الكاخ .
«المجرم يرتعب من شهادة الشهيد و شهادة السينمائي» :
و قد روى المخرج «لايوش كروديناك» أنه أثناء القيام بتصويره الفيلم كان مواجهة دائمة مع الجنود الصهاينة الذين أصبحوا يحاربون أصحاب آلات التصوير كما يحاربون أطفال الحجارة . روى هذا المخرج أنه في إحدى المرات أراد أحد الضباط منعه من التصوير لكنّه تحت إلحاح المخرج صرخ الضابط بغضب هستيري قائلاً : «إذهب من هنا إنك تزعج حربنا» ، فأجابه الكورديناك : « أنتم إذاً في حرب ضد العزل و تقتلون أيضاً .. هذا أنتم و لكننا نحن لا نقتل فلماذا أنتم خائفون ؟» لاحظوا كيف يرتعب المجرم من شهادة السينمائي .. و كيف يخاف من تحالف العدالة الفلسطينية مع الرصد المحايد.. بل يخاف من ذلك لأنه لا يعرف أن الصورة العادلة حتى و لو كان صاحبها محايداً فإنها تتضامن حتماً مع العدل .
«العمق الداخلي للانتفاضة سينمائياً» :
الفيلم الألماني «الانتفاضة الطريق إلى فلسطين» للمخرج "روبرت كريغ" يبدأ بمشهد الأرض و المحراث و الزيتون تعبيراً عن أصالة شعبٍ و جذوره الراسخة ثم يتابع الحياة الداخلية اليومية للمخيم ، تشكّل الانتفاضة و المواجهات جزءاً استطرادياً خلفياً للفيلم . فقد أراد مخرج الفيلم أن يرينا أولاً كيف تتصادم الحياة اليومية ، العمل ، لعب الأطفال ، التبضع مع وجود الاحتلال في تلك الصورة الثابتة للحواجز و مفارز القمع ، مشهد لقوات الاحتلال و مشهد للحياة اليومية في تقاطع سريع .
و في الفيلم مشهد لجنود الاحتلال فوق أحد السطوح برشاشاتهم و خوذهم ، يحاولون اعتقال شابٍ لمجرد الاشتباه بأنه ألقى حجراً ، و يرينا المخرج كيف أن الحجر سقط تلقائياً من عمارة قيد البناء ، لا شيء في منطق الاحتلال يفسّر بالصدفة نفسها قابلة لأن تكون سبباً في الاعتقال .. يتابع الفيلم بالتركيز على البنية التحتية للانتفاضة ، فيرينا كيف يعمل الشعب الفلسطيني على استمرارية الانتفاضة و يحسب لأسوأ الاحتمالات في المواجهة الشاملة مع الاحتلال .. قيمة الفيلم تكمن في طابعه الريبورتاجي و المعلوماتي الذي قدّمه فريق عمل عاش داخل المخيم ، و رأى الأمور من جانبها غير المرئي العمق الداخلي للانتفاضة .
أما فيلم «الانتفاضة طريق الحرية» فإن مخرجته البريطانية (جيني مورغان) لها موقف واضح من قضية الصراع العربي - الصهيوني ، فهي تقول عن الاحتلال الصهيوني : "إنه نقطة مؤلمة في التاريخ الإنساني ، و أردت في هذا الفيلم أن أبرز كيف يواجه الفلسطينيون الاحتلال الصهيوني في مواجهة غير متكافئة ، و لكن هناك إصراراً من قبل أهل أرض فلسطين على استعادة حقوقهم و وطنهم . و لذلك أردت من الفيلم أن أنفي صفة الإرهاب التي تلحقها الصهيونية بالعمل الفلسطيني" .
مدة الفيلم (22) دقيقة .. و هي كما تقول المخرجة : «كافية لتوضيح الحالة التي لا تطاق للوضع الفلسطيني تحت الاحتلال» و يصوّر الفيلم دور النساء الذي تبدّل في الانتفاضة و أصبحت أهميته مهمة بالنسبة للمجتمع و الانتفاضة ، و في الجانب الآخر الوحشية و الهمجية الصهيونية و التعصب الأعمى الذي يسيطر على عقلية العسكري و السياسي الصهيوني على حد سواء .. و قد لاقى الفيلم قبولاً و استحساناً واسعاً و حاز على جائزة الحمامة الفضية في مهرجان لا يبزغ .
و من الأفلام التي لاقت اهتماماً واسعاً عند عرضها في الولايات المتحدة الأمريكية الفيلم التسجيلي «أيام الغضب - الشبيبة الفلسطينية» من إعداد و إنتاج الصحافية الأمريكية "جوفر انكلين تروست" و الذي عرض على شاشة القناة العامة (pbs) في نيويورك ، و في بقية المدن و الولايات الأمريكية ، و قد أثار الفيلم على الرغم من كلّ التحفظات التي يمكن قولها حوله ضجة كبيرة ، كما واجه حملة من قبل أنصار الكيان الصهيوني و المنظمات اليهودية التي حاولت أن تبذل كلّ جهدها دون عرضه .
ينفتح الزمن السينمائي على توهج عصر الانتفاضة عارضاً مجموعة من الصور المعبرة عن إصرار الفلسطيني على الدفاع عن قدسية حقّه في الوجود برشق الجنود الصهاينة بالحجارة و المظاهرات و الأغاني .
فيلم "قطاع غزة" للمخرج الاميركي جيمس لونغلي. يحكي عن معاناة المواطن الفلسطيني تحت سيف الاحتلال الاسرائيلي من خلال عرض يوميات مجموعة صبية فلسطينيين يبيعون الصحف في ازقة غزة المحتلة. ويدخل الفيلم في تفاصيل يوميات الاطفال الذين ينامون على صوت هدير الدبابات ويستيقظون على دوي الصواريخ ودخان القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي القاتل، فلا يبقى امام الطفل الفلسطيني الا ان يكتشف معاناته اكثر كي يتلاءم معها ويرسم خطط استراتيجية ليعيش حياته حاضراً وماضياً ولكنها خالية من اي مستقبل. كل تلك المعاناة تنقلها كاميرا المخرج لونغلي الى المشاهد الاوروبي الذي لا يمر يوم الا وتكتب صحفه عن قطاع غزة. وعلى رغم ان الفيلم لم يحصل على جوائز سينمائية الا انه تمكن من استنهاض مشاعر متضامنة وأخرى معادية.
اثار الفيلم غضب اللوبي اليهودي في مدينة غتنبورغ المعروفة بكرم اهلها وطيبتهم، ولكن المميزة ايضاً بأنها مركز للوبي يهودي فاعل. وانهمرت على بريد مديرة المهرجان جانيكي اولوند الالكتروني رسائل كثيرة معترضة على عرض فيلم "قطاع غزة" واصفة اياه بأنه احادي الرؤية ولا ينقل الا صورة المعاناة. كما ارتفعت اصوات متهمة اولوند بأنها اعطت الفرصة لعدد من الافلام الفلسطينية ولم تسمح، بحسب تعبيرهم، الا لفيلم اسرائيلي واحد يحكي عن العنصرية الداخلية في المجتمع الاسرائيلي. ولكن اولوند لم تتأثر بالأصوات المعارضة التي خرجت من بعض الصحف المساندة لاسرائيل وردت على الانتقادات شارحة انه "عندما يتعلق الامر بعدد الافلام المشاركة التي تعرض في المهرجان، فالقضية محصورة بنوعية الافلام التي تقدمها كل دولة. بكل صراحة انا لم اشاهد افلاماً اسرائيلية نوعية اكثر من الفيلم الذي سمح له بالمشاركة".
المخرج الإيطالي الشاب 'بيبو ديليونو' الذي قدم لنا ملحمة رائعة في فيلمه "حرب" فأثار مواجعنا وشجوننا بما قدمه بصورة جمالية معبرة وصادقة في كل لقطة من اللقطات التي عرضها علينا علي مدي الواحد والستين دقيقة التي استغرقها عرض الفيلم..
إن 'بيبو' الذي قدم فيلمه بكلمات بسيطة بأنه ليست له وجهة نظر مسبقة وليس له موقف سياسي محدد يجعلنا لا نصدقه ونحن نصفق معه، لأن الصورة التي قدمها لنا لا تعرف الحياد.. بل هي صورة منحازة توضح معاناة الشعب الفلسطيني وتظهر بصدق مدي جبروت وعنف المواطن الإسرائيلي المحتل.. اختار 'بيبو' أن يقدم رؤيته من خلال رحلة لفرقته المسرحية التي عرضت تجاربها في فلسطين وإسرائيل والأرض المحتلة وهي فرقة تضم من بين أعضائها بعض الممثلين ذوي الاحتياجات الخاصة وقد أخذ بيبو علي عاتقه أن يقدمهم بعفوية وتلقائية مدروسة.. فكان الأداء متناغما في الصورة التي تتعرض للدمار والخراب من جراء العنف الإسرائيلي..
إن صور 'ديليونو' ومدير تصويره 'رود ريجو بييتو' هي معزوفة متفردة بجمالها حتي لو كانت صورا سبق وأن شاهدنا البعض منها.. إن 'حرب' رغم مشاهده التي تبدو منفصلة عن بعضها إلا أنها تحكمها رؤية لواقع ظالم في سراييفو.. وفلسطين وكل مناطق النزاع في العالم حيث سقط شهداء.. وسيسقط غيرهم كثيرون.. لكن حياتهم لا تضيع هباء لأنهم جميعا باستشهادهم يجعلون النهار يأتي مبكرا.. وهو ما تحمله كلمات 'فيروز' في قصيدتها الرائعة 'لا أحد يعلم من الآتي من الأصيلة'.. بينما أننا كلنا نعلم أن الدور آت علي كل من يحاول الصمود والمقاومة ويسعي للشهادة التي من خلالها يمنح الحياة للآخرين..
إن شوارع المدن الفلسطينية الغارقة في الظلام.. وميزان العدالة الذي اختل حتي جعل القط لا يهرع لاصطياد الفأر الذي يسير أمامه الهويني.. ويترك مساحة لممثل 'منغولي' رغم ما يعانيه من 'تخلف' عقلي.. إلا أن إدراكه وإحساسه العميق وهو ربما أصدق من العقل جعله يدرك بحركاته العفوية التي تعبر عن اليأس من عنف بعض البشر.. لكن هذا لا يمنع أبدا أننا سنظل دائما وأبدا نسعي 'للحرية' وسنظل نقاومه لأن في المقاومة 'حياة'..
فيلم PRIVAT للمخرج الايطالي سافريو كوستانزو. يستعرض حياة عائلة فلسطينية مثقفة يحتل الجنود الاسرائيليون الطابق الاعلى من بيتها ويمارس كل الوسائل الوحشية لارغام افرادها على ترك البيت لكن محاولاتهم لجر العائلة لاستخدام القوة كمبرر لترحيلهم تبوء في نهاية المطاف بالفشل اذ يصر رب العائلة «محمد» على ممارسة الطرق السلمية وفي مقدمها الحوار مع الجنود المحتلين.
وفي مشهد من فيلم PRIVAT يتجه رب العائلة الفلسطينية محمد وبسبب السهاد والارق الى طاولة الطعام في مطبخ بيته المحتل من قبل الجنود الاسرائيليين حيث يصادف آمر الجنود مستيقظاً هو الآخر وقد كان التعب بادياً على ملامحه ويبدأ الحوار بسؤال يشترك في الاجابة عنه كل من صاحب الدار والجندي المحتل: ماذا تفعل هنا؟ يصوّب صاحب الدار محمد نظراته الى عيني المحتل الذي بدا غارقاً في هلوسة تدل على ضياعه وعدم قدرته على مواجهة محمد ونظراته المتسائلة. من هذين المشهدين يمكن الدخول الى الاضافة التي قدمها لفيناس عن دور الوجه في تقديم وفضح المشاعر الداخلية للكائن البشري. يقول لفيناس في حوار أجري معه: «ثمة علاقة وطيدة بين الوجه والحوار. الوجه هو الناطق والمتحدث هو الذي يتيح امكانية التحاور ويبتدئ الحوار... ان القول الاول الذي يطلقه الوجه هو: «لا تقتل!» وهو فعل آمر. في تجلي الوجه ثمة حكم وفعل أمر كأنه يصدر من السيد (المتعالي) وفي الوقت نفسه يمكن وصف نداء الوجه برجاء مستنجد انه ذلك الضعيف الذي يتعين على ان اخدمه بكل ما استطيع وأظل مداناً له في الوقت نفسه».
المخرج التشيلي العالمي، ذي الأصول الفلسطينية، ميغيل ليتين عاد إلى فلسطين ليصور فيلمه الذي يحمل رقم 21 بين أفلامه، ليس كسائح، ولكن كفنان يصور حياة الشعب الفلسطيني، خلال النصف الأول من القرن العشرين. واعتبر ليتين "القمر الأخير" فيلمه الفلسطيني الأول، مؤكدا انه لو لم يكن مقتنعا بعدالة القضية الفلسطينية لما صنع هذا الفيلم.
وحول موضوع الفيلم الذي شارك فيه العشرات من الفنيين والممثلين والكومبارس الفلسطينيين، قال إنه يجمع بين الوثائقية والروائية، ويحمل رسالة إلى العالم بأن الحياة في فلسطين ليست فقط عنفاً وحربا.. يقول: أشعر بأن هذا الفيلم جزء من تاريخ أجدادي الذين لم يستطيعوا العودة إلى هنا.. صنعت الفيلم لهم ولذكرى جدي ميخائيل اليتيم.
واسم الفيلم مأخوذ من أغنية قديمة لطفل فلسطيني يخاطب جده قائلا: "لا تدع التنين يأكل قمرنا"، وحسب ميغيل ليتين فان هذه الاغنية الشعبية الفلسطينية كان الأطفال يغنونها في بداية القرن الماضي .
كان المصور البريطاني جيمس ميلر يعتزم تصوير فيلم عن الاطفال عندما قتل بالرصاص في قطاع غزة. وبدلا من فيلمه افتتح في مهرجان برلين الماضي العرض الاول لفيلم وثائقي عن استشهاده. ويبدأ فيلم «الموت في غزة» بقتل ميلر في مايو عام 2003 والذي يقول معدو الفيلم وشهود ان جنديا اسرائيليا أصابه بطلق ناري في الرقبة عندما كان يحاول مع اثنين اخرين مغادرة منزل أثناء الليل.
وينتهي الفيلم بتمجيد ميلر (34 عاما) كشهيد في مخيم رفح للاجئين بقطاع غزة حيث تضاف صورته الى صور شهداء ومهاجمين معروفين الصقت على الجدران. والى جانب تسجيل مقتل ميلر يمثل الفيلم تسجيلا مزعجا وان كان جذابا لفكرة الثأر والشهادة التي تجتذب بقوة جيل الشبان في الاراضي الفلسطينية.
وموقع التصوير مخيم مضطرب على الطرف الجنوبي من قطاع غزة حيث تظهر الجرافات الاسرائيلية تحت وابل من حجارة يلقيها الشبان الفلسطينيون وهي تمهد الارض التي يخشى الاسرائيليون أن تكون تستخدم في تهريب السلاح من مصر المجاورة. والشخصيات التي يصورها الفيلم التسجيلي هي للاطفال الفلسطينيين الذين يظهرون في لقطات تصور حصارهم وسط العنف والكراهية المحيطة بهم يحملون بنادق من خشب يقلدون بها أبطال المقاومة.
ويروي الفيلم قصة صبيين يبلغان من العمل 12 عاما مولعان بكرة القدم يحاصران وسط الصراع وفتاة تبلغ من العمر 16 عاما تخشى ان تهدم الجرافات الاسرائيلية منزلها وصبي (13 عاما) يستشهد برصاص الاسرائيليين. ويحب نشطاء المقاومة المحليون الملثمون أحمد (12 عاما) ويعلمونه كيفية استخدام قاذفة صواريخ ويستخدمونه كمراقب اثناء دورياتهم الليلة غير عابئين باحتمال أن يقتل. ويقول أحد النشطاء «هناك الف طفل مثله».
ويقول محمد صديق احمد امام أمه التي لا ترضى عما يقول انه مستعد لتضحية بحياته من أجل القضية الفلسطينية. ويحضر سالم (13 عاما) وهو ينزف ويتشنج الى مستشفى محلي بعد أن أصابه جندي اسرائيلي ثم يموت بالفعل وتقام له جنازة شهيد. وتقول ابنة عمه نجلاء (16 عاما) التي فقدت بالفعل ثمانية من أقاربها انها تريد أن تعمل محامية للدفاع عن حقوق شعبها.
وتقول منتجة الفيلم سايرا شاه التي تظهر في لقطات من الفيلم انها وميلر كانا يعتزمان اعداد فيلم اخر يصور الاطفال الاسرائيليين في المستوطنات القريبة عندما توقف التصوير بمقتل ميلر. لكن اللقطات القوية التي كان ميلر قد صورها بالفعل دفعتها بمساعدة أسرة ميلر للمضي قدما في اعداد الفيلم التسجيلي الذي يظهر جانبا واحدا من الصراع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق