محمد عبيدو
نهض الفيلم التسجيلي على يد البريطاني(غريرسون) والهولندي(يورنس ايفنز) والروسي (فيرتوف)، وسرعان ما انتشر هذا النوع من الافلام، الذي له نكهة خاصة هي غير نكهة الفيلم الروائي. -يقول جون غريرسون الأب الروحي للسينما التسجيلية في العالم: "إن الفيلم التسجيلي هو معالجة الاحداث الواقعية الجارية باسلوب الخلق الفني… وإذا كانت السينما كالمرآة تعكس حياة المجتمع في حركة وديناميكية، فان هذا ليس كافياً, لأنني اريد ان استخدمها كمطرقة لتشكيل المجتمع. من كلام غريرسون ننطلق للقول :إن الافلام التسجيلية اكبر من طرف محايد، يبتغي الغوص بجرح أو افراح المجتمع، بل هي ايضاً فن رفيع.. واهميتها تنبع من الحاجة الى اكتشاف الواقع والتعرف اليه. وعلى الرغم من ان التعرف الى الواقع هوبشكل اوبآخر هدف لكل الفنون، الا انه يكون اكثر وضوحاً في السينما التسجيلية سواء من الناحية الموضوعية او الشكلية، فالفيلم التسجيلي قادر-في الاساس- على خلق علاقة مباشرة وغنية بالواقع بكل ايقاعه وطاقاته الشعرية الاصيلة، دون ان يستعين الفنان بصور مماثلة ومصطنعة عن الواقع ذاته. اما عملية اعادة بناء الواقع وفق تصور ذاتي تحدده معرفة معينة، فهي عملية غير مطلوبة اصلاً، انما تنوب عنها عملية مونتاج الحياة كما هي . وتقوم بتنظيم الواقع المرئي نفسه، او تقوم بتوليف العالم الفعلي وفق ادراك يتجانس مع الاسلوب الفني الفعّال، الذي يتوصل الى كشف الواقع اليومي بوسائل فنيةحسية، وعن طريق تثبيت وقائع جديدة تبقى في الحالات العادية خفيةً امام عيون الناس ولا يمكن الوصول اليها. ان السينمائي التسجيلي يرصد مواده من الواقع ليظهر وجهة نظره ويروج لموقفه الفكري تجاه العالم، اذ إن الكيفية التي ننسق فيها موادنا هي بمثابة تقديم فني يعكس الحقيقة الذاتية التي يكتشفها الفنان وتعبر عن قناعته، لكن موادنا ذاتها هي صور الواقع الموضوعي..من هنا يضاف الى وجهة نظر الفنان ذاته صوت الواقع. - هذه الخاصية الاساسيةللفيلم التسجيلي تُغني صلة السينما وصلة الفنان بالواقع…كما انها من جهة اخرى تضع امام الجماهير الواسعة تجربة الواقع المتحرك ذاته، والذي يمكن نقله على الشاشة.. ويمكن ان يتحول الى عملية معرفة للواقع ومتعة في ممارسة هذه المعرفة. عندما قرأ بازيل رايت الفيلم التسجيلي على انه الحياة في تجددها وسطوعها، كان يبحث عن دهشة مخبأة في واقع مجهول… وعندما قدم ايزنشتاين تجربته عبر" ايفان الرهيب" و"اكتوبر"كان يقدم مزيجاً خلاقاً لحياة الانسان الروسي في مطلع القرن الماضي، واما ابو الفيلم التسجيلي روبرت فلاهرتي فقدم عبر"نانوك من الشمال" قراءة خلاقة للانسان والطبيعة… وكان ذلك قبل 80 عاماً.. ولكن مازال هذا الفيلم يُدّرس في معاهد السينما، ولا يكاد يوجد سينمائي في العالم لم يشاهده، او على الاقل يقرأ تغطيات موسعة عنه . عند الحديث عن الميدان الحقيقي للسينما التسجيلية، فإننا نقارن بين نوعين من العمل السينمائي التسجيلي، الاول الذي يهتم بنقل الحدث مباشرةً، اي يهتم باللحظة تماماً.. كما تم مع احداث الانتفاضة الشعبية ضدالاحتلال الصهيوني لفلسطين، والافلام التي التقطت يومياتها وتفاصيلها… مثل هذا العمل له اهميته البالغة وهو يتعلق تماماً بالحاضر ثم بعد ذلك يتحول هذا الفيلم الى الارشيف. اما الفيلم التسجيلي الثاني فهو الذي يتخلص من تصوير اللحظة… الى عمل يقوم بالدرجة الاولى على دراسة، وعلى بحث ميداني او مسح اجتماعي شامل كامل… اي الفيلم الذي يستطيع ان يحمل وبجدارة مكان البحث في مئات الصفحات، وينفتح بشكل اساسي على عدة انواع: السياسي- الاجتماعي- الشاعري… اي الرؤية الشاعرية لشيء ما. واذا أعدنا الى الأذهان التجارب في نطاق السينما بالعالم لوجدنا ان الفن السينمائي الاصيل والعظيم والمعبر عن روح العصر ومشاكله الملحّة تطور ببدايات تسجيلية مهمة وجادة سبقت السينما الروائية وصاحبتها على طول الخط، كما ان تاريخ السينما يدلنا على ان التجربة التسجيلية الغنية مارست تأثيراً عظيماً على تطور مجموع السينما والفيلم الروائي بشكل خاص، اضافةً الى ان النقد المفعم بالحماس والمبدئي من قبل اتباع الفيلم التسجيلي تحول الى ينابيع لا نهائية لاتجاهات خلاقة في مجال الفيلم الروائي . مما جعله يستعين ويوظف وسائل وعناصر شكلية مدهشة، هي بالاساس مستعارة من الانجازات الفنية للفيلم التسجيلي . يقول المخرج ميخائيل روم: إن الحدود بين السينما التسجيلية والروائية في الوقت الحاضر تسير نحو الانمحاء، واننا نرى اكثر فاكثر عناصر الوثائقية في الافلام الروائية التمثيلية… الكاميرا المخفية.. الحياة الحقيقية بدلاً من الجموع المستأجرة، التصوير في الاماكن الطبيعية وليس في البلاتوهات، الاستغناء عن المجازية بالنسبة للضوءالسينمائي للميزانسين، نظام الارتجال عند الممثلين ، وكل ذلك من دلائل البحث عن التسجيلية والاقتراب من الحياة الحقيقية في الفيلم الروائي، الذي يحتاج بدوره الى تجديد جذري… ان عملية التداخل والتقابل الجدلية بين السينما الروائية والتسجيلية في التغيير الفني، ستغني عملية الخلق الفني ذاتها وتغني صلة الفن بالواقع. والافلام التسجيلية لا تبتغي الربح في الغالب، فهي ممولة من قبل اصحابها او عبر رعاية مؤسسات ثقافية، واكثرها يكون ممولاً من دول او منظمات، وعليه لا يلهث صنّاع هذه الافلام لارضاء الجماهير واذواقهم، كما يقتضي منطق السوق، مع ذلك تواجه الافلام التسجيلية العديد من المشاكل، منها ما هو مادي، حيث صعوبة ايجاد الجهات الممولة، ومنها ما هو اعلامي، حيث انكفاء وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة، عن تغطية ومتابعة ونقد هذا النوع من الافلام بحجة انها مادة غير جماهيرية. ومن مشاكل الافلام التسجيلية: المقدرة على ايجاد الموضوع المناسب وحسن تلخيصه في دقائق معدودة، في توليفة يغلب عليها الخطاب البصري، وفي وصف بليغ للناقد السينمائي المصري مصطفى عبد الوهاب، يشير الى ان الفيلم الطويل والرواية كالنهر الذي يبحر فيه المبدع طولاً وعرضاً وعمقاً… بينما الفيلم التسجيلي والقصة القصيرة يكونان اشبه بالبئر التي يحفرها المبدع رأسياً وفي العمق . لقد حققت الافلام التسجيلية طفرةً كبيرةً في السنوات الاخيرة باشتراكها الدائم في مسابقات المهرجانات الدولية المعترف بها دولياً…هذاغير اشتراك هذه النوعية من الافلام في كثيرمن المهرجانات المحلية لكثير من الدول… وحصلت على جوائز من هذه المهرجانات…الى جانب اثبات وجودها في المهرجانات الدولية المعترف بها خارج المسابقات الرسمية… ولكن بالمشاركة في اقسام هذه المهرجانات المختلفة…لتعلن صراحةً عن وجود هذه النوعية من الافلام …وان الافلام التسجيلية قادرة على منافسة الافلام الروائية الطويلة التي ظلت تحتل الصدارة في جميع المهرجانات الدولية…وفي المسابقة الرسمية لهذه المهرجانات، واحتكار جوائز هذه المهرجانات. وجاءت المفاجأة الاخيرة لتفجر قنبلة سينمائية تحقق للفيلم التسجيلي مكاناً كبيراًفي المسابقات الرسمية للمهرجانات العالمية. والمفاجأة ليست الاولى …ولكنها حدثت منذ اعوام بعيدة بحصول فيلم تسجيلي على جائزة السعفة الذهنية في مهرجان كان عام ،1956وهو الفيلم الفرنسي (عالم الصمت)، ومرّت السنوات منذ ذلك العام…حتى عامنا الحالي2004 اي بعد 48 عاماً… لتعود الافلام التسجيلية لتسجل اكبر اهدافها في مهرجان كان هذا العام..بفيلم (الضجة الكبيرة) بسبب موضوعه الشائك، الذي تناول حياة الرئيس الامريكي بوش.. واسرته والعلاقات المالية، واحداث 11 ايلول الذي استمد منها اسم الفيلم فهرنهايت 9/11 …وفيه يقدم مايكل مور ادانةً أخرى للسياسة الامريكية، وعلاقة رموزها بتجارة النفط والاسلحة.. وكونها السبب الرئيسي بافتعال الحرب تحت مسميات خادعة للشعب الامريكي، الذي يدفع ضرائب هذه السياسة البراغماتية،وحقق مخرجه المشاكس مايكل مور هذه المفاجأة بحصول فيلمه على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان هذا العام. وبقدر ما حققت المفاجأة نصراً كبيراً في منافسة الافلام التسجيلية لافلام احتكار الجوائز العالمية في"المهرجانات الدولية ونجومها".. وحجزت مكاناً لهذه النوعية من الافلام، فانها شجعت نجمها مور للسير قدماً بتقديم تسجيلية تحقق هذا النجاح الكبير في المسابقات الدولية وبدأ بالفعل بتصوير فيلم تسجيلي جديد… وحمل الكاميرا الخاصة به ليجول بها بين البشر… والاماكن المساعدة لأحداث فيلمه التسجيلي الجديد…ليحقق به مفاجأة اخرى… تضيف جديداً للسينما التسجيلية والتي بدأت معالمها بالظهور.. فقد بدأ المخرج الامريكي مايك وييلسون بتصوير فيلم تسجيلي جديد يرد به على فيلم مور، واطلق عليه اسم مايكل مور يكره امريكا دفاعاً عن بوش والانتقادات التي قدمها مور في فيلمه مهرنهايت 9/11…وايقظت مفاجأة مور اهمية الافلام التسجيلية واثرها القوي في ايصال أخطر الموضوعات، وكشف المساوىء التي تملأ العالم الآن من خلال نجوم من البشر الحقيقيين واحداث حقيقية في اماكن حقيقية لتصل الرسالة مباشرةً وصادقةً الى الجماهير، وهي من اهم عناصر الافلام التسجيلية. وعن بداية الفيلم التسجيلي العربي نعود الى ما لما كتبه المخرج المصري فؤاد التهامي : في يوم الجمعة 21 ايار1907 نشرت جريدة الاهرام الخبر التالي: أخذ محل عزيز ودوريس المصورين المشهورين في الثغر(الاسكندرية) وصاحبي محل الصور المتحركة في محطة الرمل مناظر زيارة الجناب العالي للمعهد العلمي في مسجد سيدي ابي العباس، ولا شك ان الاقبال على هذا المنظر الجميل سيكون عظيماً جداً. وقد قاما في شهر حزيران من العام نفسه بتصوير الاحتفالات الرياضية في مدرسة سانت كاترين، وعزيز ودوريس، هما الخواجة عزيز بندرلي والخواجة امبرتو ملافاسي دوريس… وقد قاما بالطبع والتحميض في معاملهما وسط البلد، وفي 29 تموز 1909عرضت سينما توجراف مونديال بالفجالة فيلماً تم تصويره في القاهرة هو "ملعب قصر النيل بالجزيرة"، وفي 13 آب 1909 عرضت سينما توجراف برنتانيا في القاهرة الاحتفال بجنازة مصطفى باشا كامل، وفي 4شباط 1910 عرضت السينمانفسها صوراًً متحركةً جديدة تمثل "رجوع الخديوي من مكة المكرمة والاستقبال الذي جرى له، ولم يستدل حتى الآن على من قام بتصوير هذه الافلام. وفي عام 1919 شاهد جمهور القاهرة فيلم (606) وهو الاكتشاف العبقري لعلاج مرض الزهري في ذلك الحين، كما عُرض فيلم آخر عن تكبير الميكروب10000 مرة في قرنية عين ارنب، وفي عام 1912 بدأ ديلاجارن الفرنسي بمحاولة لاستثمار اهتمام المتفرج المصري بالموضوعات التي تمس حياته اليومية وترتبط بواقعه بانتاج شريط سينمائي تحت عنوان "في شوارع الاسكندرية"، وفي عام 1915 اضاف الى فقرات شريطه السينمائي بعض اللقطات الدعائية والفقرات الاعلانية عن بعض المرافق والاشخاص.. مما اعانه على تحمل تكاليف الانتاج. ان الصور المتحركة" والتي عُرضت خلال الاثني عشر عاماً1907- 1919 هي ما نعتبره (سينما توثيقية) فقد عرضت ما يوثقه المصور على شريط السيلولويد من مظاهر الحياة الرسمية والشعبية، وكان الشعب المصري يناضل ضد الاستعمار البريطاني، وكان للحركة الوطنية المصرية زعماء محبوبون يناضلون دفاعاً عن آمال التحرر والتقدم… ومن هؤلاء مصطفى كامل وسعد زغلول ولذا لم يكن عرض الاحتفال بجنازة مصطفى كامل "في عام 1909 وكذلك ، رحلة سعد زغلول لفرنسا عام 1919 للدفاع عن القضية المصرية مجرد عرض لصور متحركة… وانما كان هذان العرضان يحملان وجهة نظر تخاطب المشاعر الوطنية المصرية التي احاطت بحبها هذين الزعيمين. ولهذا فاننا نعتبر ان هذين الفيلمين هما البداية الحقيقية للسينما التسجيلية المصريةرغم السنوات العشر، التي تفرق بينهما… يقول ارنست لندجرن في كتابة"فن المقارنة بين الجريدة السينمائية والمجلة السينمائيةوالفيلم التعليمي والفيلم التسجيلي:"اما الفيلم التسجيلي فان وحدته تكون اعمق من ذلك، لانه لا يعالج موضوعاً واحداً فحسب، بل انه يعرض ايضاً وجهة نظر معينة او يدافع عن فكرة ما"، وينطبق هذا التعريف للفيلم الوثائقي والفيلم التسجيلي عما قدمه (رشيد جلال) في سورية"زيارة الجنرال الفرنسي لدار الحكومة في دمشق" في عام 1928، وما قدمه نور الدين الرفاعي الذي حرص على تسجيل الاحداث الوطنية ،والمناسبات القومية مثل المظاهرات الشعبية ضد سلطات الانتداب الفرنسي والاحتفالات الشعبية بعودة المبعدين السياسيين عن رجال الكتلة الوطنية، وغير ذلك من الاحداث الوطنية التي مرّت بالبلاد في الثلاثينيات من هذا القرن، فكانت الرقابة الفرنسية في بيروت تقص وتحذف اكثر من نصف الفيلم احياناً، أو ليست هذه الافلام التي بدأ انتاجها وتصويرها نور الدين الرفاعي هي البداية الحقيقية للفيلم التسجيلي السوري، الذي يحمل وجهة نظر تقف في صف حركة الشعب السوري الى الامام؟ كتب بول روثا: يجب ان يعكس الفيلم التسجيلي قبل كل شيء مشاكل ووقائع الحاضر، انه لا يستطيع ان يبكي على الماضي ، ومن الخطر عليه ان يتنبأ بالمستقبل . وان كان صحيحاً ان الفيلم التسجيلي لا يستطيع ان يتنبأ بالمستقبل …الا انه يستطيع ان يشارك في صنع المستقبل بالوقوف الى جانب قضايا الشعوب المناضلة من اجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فقد واكبت السينما التسجيلية في الجزائر حرب التحرير الوطني التي بدأت عام 1954 وقدمت السينما الجزائرية اول شهداء السينما العربية، (فاضل عمر زيتوني وعثمان مرابط ومراد بن رايس وصلاح الدين السنوسي وقرذلي الغوني مختار وعبد القادر حسنية وسليمان بن سمعان وعلي جنادي). كما قدمت السينما الفلسطينية الشهيد المصور هاني جوهرية. وعندما نهض الفيلم التسجيلي في الخمسينيات والستينيات بدأت بعض المؤسسات الثقافية تنشىء صالات عرض صغيرة محدودة المشاهدين للفيلم التسجيلي والفيلم القصير، وعندما كثر كتّاب ومنتجو ونقاد الفيلم التسجيلي… واعتبر سلاحاً خطيراً يمكن ان يكشف الحقائق الموضوعية بصيغة اكثر اقناعاً من الفيلم الروائي، كون الفيلم التسجيلي هو الاداة التي تكشف الواقع عكس الفيلم الروائي الذي يعيد صياغة الواقع، فهل تستطيع هذه المفاجأة التي حققها الفيلم التسجيلي الحائز على جائزة"كان" هذا العام… ان تحرك الاهتمام بالافلام التسجيلية التي تقدمها السينما العربية، وتسعى للمشاركة بها في المسابقات الرسميةللمهرجانات الدولية بدلاً من البحث عن افلام روائية تشارك في المهرجانات الدولية حتى خارج مسابقاتها الرسمية، وتحقق هي الاخرى المفاجأة الكبرى وتكسر احتكار الافلام السينمائية الطويلة لجوائز المهرجانات العالمية المعترف بها …ترى كيف يُنظر الى الفيلم التسجيلي عربياً؟ سؤال قديم يتجدد بتجدد وسائل الاتصال السمع بصرية(وثورة) الاتصالات التي تشهد فصولها منذ اكثر من عقد من السنين . لقدعقدت ندوات عدة وحلقات دراسية لمناقشة موقع السينما التسجيلية في مجمل المنجز السينمائي العربي مشرقاً ومغربا،ً آخرها الندوة الرئيسية لمهرجان السينما العربية في باريس قبل ايام، كما يُعقد كل عام واحد من اهم مهرجانات السينما التسجيلية في الاسماعيلية في مصر.. ولكن لم يخرج حتى الآن الفيلم العربي التسجيلي الذي يسجل حضوراً عالمياً… ربما كان هذا التغييب القسري للسينما التسجيلية سبباً بغياب اثر جمهور سينمائي مهتم بهذا النوع ، فضلاً عن غياب الصحافة السينمائية التي تسلط الضوء عليه، ولهذا تعددت الاسباب التي تطوق السينما التسجيلية وتترك بينها وبين مستحدثات التجارب العالمية فاصلةً واسعة.. وفي واقع الامر ان التراكم الابداعي الذي خلقه سينمائيون عرب كثيرون مثل (يوسف شاهين وشادي عبد السلام وصلاح ابو سيف ومحمد ملص وعمر امير الاي وخيري بشارة ونبيهة لطفي وهاشم النحاس وعطيات الابنودي ميشيل خليفي ورشيد مشهراوي ومحمد شكري جميل ومحمد توفيق وقاسم حول ومفيدة التلاتلي وجان شمعون ومي المصري) وحشد آخر من مخرجي السينما العربية، كل هذا يملك قوة تأثير وفعل في القراءة الموضوعية لهذه التجربة المتنوعة. ان اهمية افلام هؤلاء المخرجين التسجيليين انها صُنعت في بيئتها الحقيقية، ومع ناسها الطبيعيين.ولقد تم التصوير بالمعايشة وبالعين السينمائية التي تلتقط الحقيقة والواقعية.. انطلاقاً من بحث دائم في الواقع اذ تقدم السينما التسجيلية العربية خلاصات مهمة لواقع حافل بالتفاصيل ،واقع اجتماعي وثقافي وحياتي، صورة اخرى لحياة يومية تتغلغل فيها آلة التصوير في المجهول الذي يجب ان يعرفه الآخر بموضوعية ويتوازن برؤية ابداعية. فالمدينة العربية ويوميات الانسان العامل، ويوميات المرأة وصولاً الى المصنع والحقل وحتىالآثاروالتراث وسرّ المبدعين وغيرها موضوعات حفل بها المنجز التسجيلي العربي.. وقدم حياةً فاعلة نابضة بالقوة والتجدد…
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق