المخرجة الأفغانية “صحرا كريمي” التي حصلت على شهادة الدكتوراه في السينما من كلية السينما و التلفزيون في جامعة براتيسلاوا الاسلواكية. و حصل فيلمها “المرأة الأفغانية خلف مقود السيارة” على أكثر من 25 جائزة في المهرجانات العالمية، و حصل فيلمها القصير “النسيم العليل” على جائزة أفضل فلم قصير من الاكاديمية الاسلواكية. و فيلمها الجديد ” عازف بيانو من كابول”. دعت المخرجة الأفغانية، صحراء كريمي، إلى دعمها من قبل مجتمعات السينما في جميع أنحاء العالم عقب سقوط بلادها تحت سيطرة “طالبان”. وسيطرت “طالبان” فعلياً على أفغانستان، بعد أن استولت على العاصمة كابول وأطاحت الحكومة الحالية، مع فرار الرئيس أشرف غني من البلاد.
ونشرت كريمي بياناً لها على “تويتر” خاطبت فيه “جميع مجتمعات السينما في العالم”، قائلةً: “أكتب إليكم بقلب مكسور وأمل عميق أن تتمكنوا من حماية أهلي وخاصة صانعي الأفلام، من طالبان. لقد ذبحوا شعبنا، وخطفوا العديد من الأطفال، وباعوا الفتيات عرائس للرجال”. وتابعت: “إنها أزمة إنسانية، ومع ذلك العالم صامت، سيحظرون كل الفنون”. وحذرت كريمي من أنها قد تكون هي وصانعو الأفلام الآخرون “التالين في القائمة”.
أفغانستان التي رسخت سنوات الحرب لها صورة ذهنية عمودها الفقري الجهل وقاعدتها دماء فاضت بأرواح البشر، تغيير هذه الصورة جاء على يد رواد السينما الأفغانية التي كانت قد بدأت قبل سنوات الحرب، فيما جاء تكثيف المشهد السينمائي عبر مجموعة أفلام حملتها على الأكتاف الأفغانية مجموعة من المخرجين. رغم المحاذير التي تلف الإنتاج في بلد خارج من رحم المعاناة على مستويات عديدة، إلا أن الشاشة الفضية حضرت عبر أسماء نسجت لنفسها مكانا في خارطة العالم السينمائية. هم مخرجون وفنانون يكرسون حياتهم لمهنة يحلم بها الكثيرون، لكن صناعة الأفلام في أفغانستان تواجه صعوبات جمة بسبب العنف والقواعد الاجتماعية الصارمة.
البدايات:
قدم الأمير حبيب الله خان (حكم 1901-1919) الفيلم إلى أفغانستان ، ولكن في البلاط الملكي فقط. في 1923-1924 ، عرض أول جهاز عرض – (الفانوس السحري) – أول فيلم صامت في باغمان للجمهور. تم إنتاج أول فيلم أفغاني ، “الحب والصداقة” ، في عام 1946.
عندما تم افتتاح مؤسسة”الفيلم الأفغاني الناشئ ” في عام 1968 ، أنتجت أفلامًا وثائقية وأفلامًا إخبارية تسلط الضوء على الاجتماعات والمؤتمرات الرسمية للحكومة. تم عرض كل هذه الأفلام في دور السينما قبل الأفلام الروائية وبحسب التقديرات، كان قطاع السينما الأفغانية يضم 45 قاعة تعرض 60 فيلماً يومياً.. أول فيلم روائي من إنتاج أفغاني في كابول باستخدام فنانين أفغان كان “مثل النسور” من بطولة زاهر عايدة وفتاة صغيرة تدعى نجية. بعد فترة وجيزة من إنتاج هذا الفيلم الأفغاني فيلم من ثلاثة أجزاء بعنوان “العصور” الجماعية ، والتي تضم “المهربين” ، “الخاطفين” و “ليلة الجمعة”. فيلمان آخران من نفس الحقبة هما “Village Tunes” و “أيام صعبة”. تم تصوير جميع هذه الأفلام بالأبيض والأسود. ومن بين الفنانين السينمائيين في هذه الحقبة خان آقا سرور ورفيق صادق وعزيز الله هداف وماشال هوناريار وبرفين ساناتجار.
أول أفلام ملونة أنتجتها “الفيلم الأفغاني الناشئ ” في أواخر الستينيات كانت )”Ash” (خاكستار) ، “Wish Wishes” “(أخارين أريزو) و” الطيور المهاجرة “(باراندا موهير). هذه الأفلام ، على الرغم من أنها ليست كفؤة تقنياً مثل تلك الموجودة في الخارج، إلا أنها ضربت وترا مع الأفغان لأنها تعكس حياتهم. ومع ذلك ، كان السينما لا تزال تشاهد الا في المراكز الكبيرة فقط ، وأخرج عبد الخالق عليل فيلمه “الدعوة” في العام 1969، وفيلم “نصيحة الأم” في العام 1972. في العام 1974 أخرج “صدق براماك” فيلم “رابعة بلخي”، وهو أول فيلم أفغاني في أستوديوهات أفغانية خاصة، ويروي قصة شاعرة أفغانية اسمها رابعة بنت كعب من منطقة بلخ عاشت في القرن العاشر الميلادي، و كانت بارعة في نظم الشعر الصوفي، ويروي الفيلم قصة هيامها بعبدها التي تسبب في قتلها على يد أخيها.
خلال أواخر الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ، شملت المساعدات السوفيتية تدريبات ثقافية وتم تقديم منح دراسية للطلاب المهتمين بدراسة الأفلام. ومع ذلك ، نظرًا لعدم وجود أكاديمية أفلام في أفغانستان ، كان على صانعي الأفلام في المستقبل أن يتدربوا على الشغل. لم تكن الحروب الأهلية في التسعينيات مؤاتية للعمل الإبداعي ، وهرب الكثير من الأشخاص الذين يعملون في صناعة السينما الأفغانية إلى إيران أو باكستان ، حيث تمكنوا من إنتاج مقاطع فيديو للمنظمات غير الحكومية .
عندما استولت طالبان على السلطة في عام 1996 ، تعرضت دور السينما للهجوم وحرق العديد من الأفلام. نهى الطالبان عن مشاهدة التلفزيون والأفلام ودور السينما كانت مغلقة ، إما أن تصبح مقاهي أو مطاعم أو تقع في حالة سيئة. في هذا اليوم كان هناك مجموعة من الرجال العاملين في مؤسسة صناعة السينما الافغانية والبلغ عددهم حوالي ١٢٠ موظفا قد وصلتهم تهديدات جماعة طالبان بضرورة تسليم جميع بوبينات العرض والنيجاتيف الخاص بالسينما الأفغانية وتوعدت الجماعة بقتل كل من تسول له نفسه إخفاء ولو فيلما واحدا. وكان وزير المعلومات لحركة طالبان وقتئذ قد توعد بشنق وحرق جثمان من يثبت لديه أنه يخفي أية بوبينات سينمائية ،ذلك الوزير الذي أقدم بمساعدة رجاله المسلحين بحرق آلاف الوسائط والوثائق السينمائية الآفغانية في خطوة أولى نحو تحويل هذه البناية العملاقة إلى متحف للحرب يخلد تاريخ وإنجازات حركة طالبان. قام حبيب الله علي من مؤسسة “فيلم أفغاني ” بإخفاء حوالي سبعة آلاف بوبينة سينما قبل وصول قوات طالبان للبناية وبالفعل قاموا بوضع معظمها في داخل علب فضية، وحفظ هذه العلب داخل براميل وأقاموا بدفنها في سقف البناية داخل بلاط الأسقف والأكثر إبداعا وإحكاما في هذه الخطة هو نقل الأكثر أهمية في هذا التراث العظيم إلى غرف خفية للتخزين ، لمنع تدميرها من قبل طالبان. يتذكر حبيب الله علي ؛ الذي عمل في مجال صناعة السينما الأفغانية لمدة تقارب ستة وثلاثين عاما يتذكر هذا اليوم جيدا ويحكي قائلا:” لم نكن نتوقع أن نعود إلى منازلنا، ولا أن نظل على قيد الحياة ، كنا خائفين جدا ولكن بفضل الله وعونه تمكنا من حماية ثقافتنا والحفاظ عليها حاضرة “.
منذ عام 2001 ، بدأت السينما في أفغانستان في الظهور ببطء من فترة طويلة من الصمت. عدد دور السينما التي استأنفت العمل لا يتخطى عدد أصابع اليد، ومع ذلك تسعى مؤسسة الأفلام إلى إنتاج عدد كبير من الأفلام الأفغانية القصيرة لتحل محل الأفلام الأجنبية، خاصة الهندية التي باتت تغزو السوق الأفغانية. بوسائل بدائية وقصص تلامس في كثير من الأحيان الواقع الأفغاني، تسعى مؤسسة السينما في أفغانستان إلى تغيير نمط الحياة، من خلال الشاشة الكبيرة، إلا أنها تواجه صعوبات وعراقيل، تعود إلى تبعات الحرب المستمرة منذ أربعين عاماً. كان فيلم Teardrops هو أول فيلم لما بعد طالبان في عام 2002 ، وأول فيلم منذ Oruj في عام 1995. في 19 نوفمبر 2001 ، كانت Bakhtar أول سينما تعيد فتح أبوابها ، حيث دخل الآلاف من الناس في ذلك يوم.
قبل هجمات 11 سبتمبر ، جذب المخرج الأفغاني محسن مخملباف انتباه العالم إلى أفغانستان بفيلمه الشهير قندهار . كانت محاولة لإخبار العالم عن بلد منسي. فيلم “قندهار”، 2001،.يتناول قصة فتاة كندية من أصل أفغاني تعود إلى وطنها لتشهد عن كثب حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب الأفغاني. هو تراجيديا إنسانية تحكي قصة معاناة النساء الأفغانيات في أرض يجتاحها الدمار والفقر, أحضر الفيلم سينما أفغانستان إلى مهرجان كان السينمائي لأول مرة في التاريخ. في وقت لاحق ، ساهمت سميرة مخملباف وصديق برمك ورازي محبي وهوراس شنساب وياسمين مالكنسر وأبو الفضل جليلي مساهمة كبيرة في السينما في أفغانستان وترسخ ثبات الشجرة السينمائية الأفغانية عبر مجموعة من الأفلام التي حازت جوائز عديدة.
السينما التي جاءت بعد سنوات الحرب، حملت في مشاهدها كثيرا من الهم الأفغاني الذي تمخضت عنه سنوات الشقاء، فيما جاء تكثيف الأمل عبر بوابتي الأمل “المرأة والطفل” اللتين سلطت كثير من الأفلام الأفغانية الضوء عليهما، وهو ما يتضح في أفلام سميرة مخملباف كفيلمي “التفاحة”، و”الخامسة بعد الظهر”، فيما يسلط فيلم “أسامة” اول فيلم افغاني يتم تصويره بعد سقوط نظام طالبان ، الضوء على واقع مرير زمن حكم طالبان يتحدث عن امرأة خسرت عملها بعد ان اغلق نظام طالبان المستشفى الذي تعمل به , وبسبب القانون الذي يحرم ظهور المرأة من دون محرم , اضطرت هذه المرأة للبقاء في المنزل بسبب وفاة زوجها واخوها !
فاز فيلم صديق بارماك (أسامة) (2003) بعدة جوائز في مهرجانات الأفلام في كان ولندن. هو أيضًا مدير حركة تعليم الأطفال الأفغان (ACEM) ، وهي جمعية تروج لمحو الأمية والثقافة والفنون ، التي أسسها المخرج الإيراني محسن مخملباف. تقوم المدرسة بتدريب الممثلين والمخرجين للسينما الناشئة في أفغانستان. في عام 2006 ، انضمت أفغانستان إلى اتحاد مهرجانات آسيا الوسطى وجنوب القوقاز .
في السبعينيات والثمانينيات ، لم يكن من الصعب حث النساء على التمثيل في الأفلام. غيرت الحرب وحكم طالبان الوضع. في السنوات السابقة تم تمثيل النساء بشكل متزايد في السينما في أفغانستان. ظهرت ممثلات موهوبات مثل لينا علام ، أمينة جعفري ، ومارينا جولبهاري على مدار العقد الماضي. وتعتبر المنتجة والممثلة الأفغانية الكبيرة (صبا سحر) (من مواليد 28 أغسطس 1975 في كابول) صاحبة الشركة التي تحمل ذات الاسم هي المرأة الآفغانية صاحبة الشركة الوحيدة للإنتاج السينمائي، وهي واحدة من الممثلات القديرات والتي كانت قد تركت عملها في الشرطة النسائية قبل سقوط العاصمة كابول في أيدي طالبان في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وكانت قد تعرضت للاعتقال بسبب تصويرها فيلما وثائقيا، حقق فيلمها الأول ، القانون ،2004 نجاحًا كبيرًا. ولدت. عادت إلى أفغانستان من المنفى إلى العمل. تم تقديم فيلمها ” اجتياز قوس قزح” في تركيب فني في كلية تشيلسي للفنون والتصميم في عام 2010.
المخرجة الأفغانية رؤيا سادات نجحت بتصوير وإنتاج الأفلام في أفغانستان منذ سقوط طالبان، وفيلمها “رسالة إلى الرئيس” هو الفيلم الأول الذي صور بالكامل في كابول على الرغم من الظروف الشاقة في البلد، وهو الفيلم الذي اعتبر أنه يفتح الطريق لسينما مستقلة في أفغانستان تخطو بكل شجاعة خطواتها الأولى.ويدين، عبر حكاية مستوحاة من الواقع الصعب، مناخ الإفلات من العقاب المستمر في البلد ويطرح قضايا المرأة ومشاكلها في المجتمع الأفغاني اليوم.
يرى المخرج الكندي-الأفغاني يوسف باراكي أن هناك عددا قليلا جدا من السينمائيين الأفغان الذين تركوا البلد استمروا في صناعة أفلام تعكس حياة ومعاناة وطنهم الأصلي لكن جيلا جديدا أكثر تفتحا يعيش بالداخل يرغب في النهوض بصناعة السينما الأفغانية. وصنع باراكي -الذي ولد في كابول ثم تركها مع أسرته عندما كان في الثالثة من عمره إلى أوروبا ومنها إلى كندا- أربعة أفلام قصيرة قبل تقديم فيلمه الروائي الأول (مينا تسير) الذي نافس ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي. ويتتبع الفيلم قصة الفتاة (مينا) ذات الاثني عشرة عاما التي توفيت والدتها إبان حكم طالبان وتعيش مع والدها مدمن المخدرات وجدها العجوز. وتصر الفتاة على نيل قسط من التعليم برغم اضطرارها للعمل يوميا بائعة متجولة بالأسواق لإعالة الأسرة. واستغرق تصوير (مينا تسير) نحو 19 يوما واختار المخرج جميع أعضائه من الهواة والأشخاص العاديين. وعرض الفيلم لأول مرة في مهرجان برلين السينمائي ليتوالى عرضه بعد ذلك في عدة مهرجانات أوروبية واسيوية. وأيا كانت مرحلة التعافي التي مرت بها – وربما لا تزال تحت ظلالها – السينما الأفغانية، إلا أنها تظل واحدة من عوالم سينمائية تحكي قصصا وحكايات، وتحمل بصمة إنسانية يخرج ضوؤها عبر نفق ظلمات النفس البشرية.
في فيلمها “مهمة لم تكتمل” تناقش المخرجة مريم غاني (والدها الرئيس الأفغاني الذي غادر البلاد بعد سيطرة طالبان على العاصمة كابول ووالدتها لبنانية مسيحية) حقبة الشيوعية الأفغانية المنسية وصلاتها بالفنون والثقافة والدعاية السياسية، متحدثةً عن سينما أفغانية في ثمانينيات القرن العشرين تقول المخرجة إن هذه الأفلام قد تكون مِرآة لحياة مجموعة ضيقة يُشيرون إلى أنفسهم بوصفهم “أشخاصاً مستنيرين”، كل النخب المثقّفة، المنخرطة في الفنون والثقافة. لقد أرادوا أن يصمّموا حياة لأناس آخرين، ولهذا وضعوها في فيلم. أستمتع بشكل خاص في عرض هذا المحتوى في بلدان أخرى.}
لقد صوّرت تلك الأفلام الخمسة غير المكتملة نمط حياة الأفغان خارج البرقع والعمامة فترة ثمانينيات القرن الماضي، وهي في الواقع صورة تثير انبهار الجمهور الأجنبي، فرغم أن أفغانستان كانت على صفيح ساخن في آخر فترة الحرب الباردة وكانت تثير رعب سكانها وزائريها على حد سواء، فإن صورة الأفغان في فترة الحكم الشيوعي كانت تُعد مادة دسمة ومغرية للمخرجين الأفغان رغم خطورتها، فهي صورة غير كاملة، كما تصفها المخرجة الأفغانية مريم غاني.
محمد عبيدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق