الثلاثاء، 4 يوليو 2023

بورتريه.. عباس كيارستمي Abbas Kiarostami

 


 محمد عبيدو

 المخرج والشاعر وكاتب السيناريو ومنتج الأفلام والمصور الايراني عباس كيارستامي، الذي توفي في 4يوليو 2016 عن عمر ناهز 76 عاما بعد صراع مع سرطان في الأمعاء.

قال عنه صديقه المخرج أصغر فرهادي  : "إنه لم يكن مجرد مخرج، وإنما كان صوفيا معاصرا، سواء في إبداعه أو في حياته الشخصية"، مضيفا أن نجاح أفلام كياروستامي ألهم أجيالا جديدة من المخرجين الإيرانيين.

مضيفا: "ومهد السبيل أمام الآخرين وأثر في كثيرين. إن وفاته خسارة لا لعالم السينماء فحسب، بل العالم كله"

يُذكر أن المخرج الإيراني عباس كياروستامي، سبق أن فاز بالسعفة الذهبية من مهرجان "كان" السينمائي، بفيلمه الشهير "طعم الكرز" عام 1997. حيث تحولت السينما الإيرانية بعد هذا التاريخ إلى ظاهرة لافتة وحضور قوي في المهرجانات الدولية، كالموجتين الإيطالية في الخمسينيات والألمانية في الستينيات. عن أسلوبه السينمائي، سبق لعباس كياروستامي أن تحدث عام 1988: "لم أمتلك أبداً سيناريوهات كاملة لأفلامي، فقط أمتلك خَطّا عاما وشخصية رئيسية في رأسي، ولا أبدأ في تصوير أي شيء إلا حين أجد هذه الشخصية في الواقع، حينها أجعلها تبدأ في الحركة ومُعايشة الحياة عبر بضعة تفاصيل وملاحظات فقط أقوم بوضعها، لذلك فأنا أقترب من شخصيات أفلامي وأسافر عبرها.. ولا أجعلها تتحرّك من خلالي"..

ولد عباس كياروستامي في طهران 22 جوان 1940، هو أحد رواد السينما الإيرانية الجديدة، درس الفنون الجميلة في جامعة طهران، وبدأ مهنته كمصمم للإعلانات التجارية. لاحقا، ولكونه جاء مع معهد التطوير الثقافي للشباب، فقد كانت أفلامه الوثائقية المبكرة مكرسة حول تلاميذ المدارس. في مجال صناعة الأفلام، منذ عام 1970، ساهم في أكثر من 40 فيلما عالميا بما فيها أفلام قصيرة ووثائقية.



بدأت سينما كياروستامي بشريطه القصير "الخبر والممر" 1970، حيث أسس فيه حساسيته البصرية الأولى، تلاه فيلم "انسحاب" 1972 و«المسافر" 1972 و«التجربة" 1973 و«بدلة العرس" 1976 و«طريق مسدود" 1977 وثلاثية "رستم آباد" و«لقطة مقربة" و«حياة ثم لا شيء" 1992 الذي حدد فيه فلسفته تجاه الحياة والسياسة والنظام والخوف والوجع راصدا الحياة البسيطة للأطفال والمحبين والعجائز بعيدا عما يحصل حولهم كمقدمة لرسمه الطبيعة في "طعم الكرز" كمعادل للانتحار وفوضى الحياة بغنائية شاعر، ويدور الفيلم حول رجل أزمته في من يدفنه بعد انتحاره، لذلك يلجأ من خلال صورة عميقة ومعبرة عن مأساته وحوار مليء بالشجون إلى مجند كردي، وشاب أفغاني، ورجل تركي عجوز له محاولة سابقة في الانتحار.

ثم "ستحملنا الريح (The Wind Will Carry Us)"الصادر سنة (1999) والفائز بجائزة الأسد الفضي في مهرجان البندقية السينمائي،عنوان فيلمه   ، استمده عن كلمات من قصيدة للشاعرة الإيرانية “فروغ فرخزاد” تقول فيها “ضع يديك كذكرى حارقة في يدي العاشقتين، وشفتاك كأنهما دفء الوجود، الريح سوف تحملنا معا”. ويدور حول رجل وزميله يعيشان في المدينة، ويذهبان لقرية بعيدة بين الجبال لانتظار موت عجوز، بينما يساعدها أهل القرية جميعاً لتبقى على قيد الحياة. لقد استخدم فيه مقاطع من الشعر الفارسي ضمن الحوار.

 


وقدم فيلمه "نسخة طبق الأصل" عام 2010 مع النجمة جوليت بينوش، وتدور أحداثه في "توسكانة" وتسجل تفاصيل يوم واحد في حياة مالكة معرض تحف قديمة فرنسية الأصل وكاتب إنكليزي، يزور إيطاليا بهدف الترويج لكتابه حول الأصل والتقليد في الفن. بعد أن يلقي محاضرة قصيرة، يزورها في معرضها ويذهبان معاً إلى قرية مجاورة حيث يتناقشان في أشياء كثيرة: الفن، العمل، الأولاد، النساء، الرجال، الحب، السعادة وغيرها. تعتقد صاحبة المقهى أن الكاتب الإنكليزي زوجها. فإلى أي حد سيكون اعتقادها صائباً؟ . وفي فيلمه "آي بي سي إفريقيا" يستعرض فيه محبي الحياة الذي يعيشون وسط كارثة الإيدز التي تحصد الأرواح بينهم. آخر نتاجاته "مثل عاشق"، قصته تتعلق بأكيكو الشابة العاهرة التي تقوم بمهمة زيارة رجل أكاديمي متقاعد هو"تاكاشي". في الصباح التالي يؤدي تاكاشي دور الأب وهو يجول بالمرأة في البلدة ويساعدها في تحاشي خطيبها متقلب المزاج ويناقش معها فلسفة الحياة. إن الفيلم هو لغز ساحر منتج بوعي عميق لحركة الكاميرا وتصميم الصوت والأداء ومن تصريحاته عقب ندوة عرض الفيلم في مهرجان "كان" عند حدوث الاصطدام على الزجاج، خطرت ببالي فكرة إنهاء الفيلم وعرض عبارة "النهاية". ثم قلت لنفسي "لا يمكن أن تكون نهايةً". أدركت أيضا أن فيلمي ليست له بداية. فيلمي لا يبدأ ولا يتنهي. هذا ما يحدث في الحياة. نصل دائما بعد البداية تبدأ الأحداث قبلنا."

تنطلق أفلامه في العادة من أبسط التفاصيل وأصغرها، ليصل من خلالها إلى كبرى الأسئلة الوجودية، ضمن أسلوب واقعي ذي نَفَس صوفي، تأثيره على السينما الإيرانية كان كبيرًا، فالكثير من كبار المخرجين الإيرانيين تأثروا بأسلوبه وفلسفته.  كياروستامي، لم يكتف بأن يكون سينمائياً ومصوراً، بل آثر أن يكون رساماً أيضاً، وشاعراً، إذ ترجمت له إلى العربية ثلاث مجموعات شعرية هي: "مع الريح" الصادرة عن منشورات "دار الكتاب"، "ذئب متربص" عن وزارة الثقافة السورية، و«غزليات حافظ الشيرازي برواية عباس كياروستامي" عن دار "المدى". اعتبر من أهم صانعي الأفلام في التسعينيات في اثنين من الاستطلاعات التي أجراها نقاد السينما المستقلين وصفه أكيرا كوراساوا عام 1991 بعبارته: "أعتقد أن المخرج الإيراني عباس كياروستامي مخرج استثنائي، الكلمات وحدها لا تستطيع أن تصف مشاعري نحوه، أقترح فقط أن تشاهد أفلامه، وقتها ستدرك ما أعنيه".. وعنه قال جان لوك جودار "السينما تبدأ عند جريفيث، وتنتهي عند عباس كياروستامي"..

 من ديوانه  (ذئب متربص):

(1)

خط أحمر على بياض الثلج

طريدة جريحة

تعرج


(2)

مهر أبيض

ولد من فرس سوداء

في مطلع الفجر


(3)

طائر 

يغني منتصف الليل

حتى الطيور 

لا تعرفه


(4)

فزاعة حقل بلا معطف

في ليل الشتاء البارد


(5)

أحلم

أني مدفون تحت أوراق الخريف، 

جسدي 

يتفتح بالبراعم


(6)

ساقية جارية

في صحراء قاحلة

باحثة

عن عطشان


(7)

على لساني

طعم الصبر المر، 

أي حلو سوف يزيله؟


(8)

شجرة السفرجل

مزهرة

في بيت مهجور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق