محمد عبيدو
،يستعرض فيلم “إخواننا” للمخرج الجزائري رشيد بوشارب قضية مالك أوسكين، وهو طالب يبلغ من العمر 22 عامًا تعرض للضرب حتى الموت على أيدي الشرطة في ليلة 5 إلى 6 ديسمبر 1986، وأصبح مالك رمزا للكفاح ضد العنصرية وعنف الشرطة في فرنسا. خرج مئات الآلاف من طلبة وصحافيين وغيرهم للشارع محتجّين في مظاهرة سلمية، على جريمة الشرطة، في 36 مدينة بفرنسا .
و يعتبر المخرج رشيد بو شارب، تجربة متميزة ومتنوعة المواضيع والاقتراحات الجمالية، أثبتت وجودها في الفضاء السينمائي العالمي، حضور في المهرجانات وجوائز ومتابعات نقدية وترحيب جماهيري.. قدم فيلم (شاب) 1991 ثم (السنوات الممزقة) 1992 و(غبار الحياة) 1995 و(شرف عائلتي) 1996 الذي تدور أحداثه في مجتمع العرب المهاجرين في فرنسا.حيث نرى الفتاة الجزائرية (نورا) التي تكذب على والديها للتمتع بقدر أكبر من الحرية فتوهمهما أنها تعمل كممرضة بينما هي تعمل في بار مع صديقتها الفرنسية التي تشاركها رغبتها بالتحرر والتمرد على المجتمع، ولكن كل شيء يتغير عندما تكتشف أنها حامل.. فتسارع والدتها بعد معرفتها بالأمر إلى العمل على تزويجها من (حميد) صاحب أكبر متجر للألبسة الجاهزة في البلدة، وهو على الرغم من أنه شاب طيب، لكنه يعيش مع والدته ويبدو عاجزاً عن تحقيق طموحات (نورا) لكن خبر حملها يذاع في الحي والبلدة كلها، وتهرب نورا مع صديقتها الفرنسية. وانتقل بوشارب إلى مكان آخر وموضوع جديد حين قدم سنة 2001 فيلم “سنغال الصغيرة”.
ليأتي بعده فيلم “سكان أصليون” 2006، فكرته الأساسية تتمحور حول الأجانب ولاسيما المغاربيين (بلغ عددهم نيفا ومئة ألف جندي من بينهم نحو 20 ألفاً من سود إفريقيا)، الذين استقدمهم فرنسا من مستعمراتها للمساهمة في تحريرها من الاحتلال النازي. وإذا كانت أغلب الأفلام المنتجة حول مرحلة المقاومة الفرنسية الاحتلال النازي، قد ركزت إلى حد بعيد على دور القوات الأمريكية التي كانت السباقة إلى دخول باريس سنة 1944 بعد تحريرها، فإن فيلم رشيد بوشارب حاول أن يعكس الآية ويبرز دور المغاربيين والسنغاليين في عملية تحرير فرنسا من النازية.. وشكل الفيلم مفاجأة فنية ومفاجأة سياسية أيضاً.. فشريط بوشارب يكسر صمتا طال أمده حول هؤلاء الجنود المنسيين. الفيلم يعيد كتابة التاريخ من جديد بالسينما، وينتشل ذاكرة هؤلاء الجنود من الإهمال والضياع والنسيان. ويقول لفرنسا بعض الحقائق التي تميل إلى نسيانها. وتشير بالأصابع إلى جدود هؤلاء الشبان الذين ينتفضون اليوم في شوارع فرنسا مطالبين بحقوقهم، متحدثين عن خديعة كبرى تعرضوا لها. بوشارب: حقق فيلماً مميزاً فنياً، عالي التقنية، عنيفا، ساخرا وصادقا. وصل فيه أداء ممثليه إلى ذروة لا يمكن أن يكون وراءها إلا مخرج كبير متمكن.. يبدأ الفيلم في الجزائر حيث يستنهض أحدهم الشباب لمؤازرة فرنسا “الأرض الأم “في حربها. فتتشكل كتيبة تضم جزائريين ومغاربة: “عبد القادر” (سامي بوعجيلة) قائد الكتيبة، “مسعود” (رشدي زم)، “ياسر” (سامي ناصري) و«سعيد” (جميل ديبوز). إنها تجربتهم الأولى في الحرب ولعلها المرة الأولى التي يغادرون فيها أرضهم. في المعسكر، تتصاعد حدة الصراع بين الملازم الفرنسي وبين “عبد القادر” حيث يقف الأخير في وجه التفرقة العنصرية ويطالب بمعاملتهم بالمثل “لأن الرصاصة الألمانية لا تفرق عندما تقتل”. يتوقف الفيلم عند تفاصيل كفكرة التفاني في خدمة الجيش الفرنسي والولاء لها من دون أن نفهم بالفعل من أين ينبع ذلك. ولكن مع مرور الوقت تتحول الحرب معركة خاصة لكل من الأربعة. بالنسبة إلى “عبر القادر”، الحرب هي طريقه ليصبح ملازماً وفي وقت لاحق عندما يدرك في قرارة نفسه أن الترقية للفرنسيين فقط تتحول الحرب الوسيلة الوحيدة للاعتراف به. يحارب “مسعود” من أجل حبيبته الفرنسية ويستبسل “ياسر” يعيد استشهاد شقيقه كي يعطي لموته معنى.. يدخل الفيلم في حكايات تلك الشخصيات راصداً تحولاتها وعلاقاتها ولكن الجزء الأخير هو الذي يشكل الذروة الدرامية عندما تكمل الكتيبة بأربعة فقط بعد موت الآخرين للدفاع عن ألزاس، تلك القرية الغريبة وعن أهلها. هنا يكتسب الفيلم الحرفة الداخلية لأفلام الحروب وفكرة القتال والاستشهاد في سبيل غرباء. يستشهد الكل ما عدا “عبد القادر” بما هو بقاؤه على قيد الحياة رمزياً كشهيد وشاهد حي. وإذ تصل الجيوش الفرنسية بعد انتهاء المعركة بين الكتيبة والنازيين، تمر بعبد القادر المذهول كما لو أنه نكرة ويطلب منه القائد اللحاق به لتعيين كتيبة جديدة له. وسيسمع عبد القادر مسؤول الإعلام التابع للجيش وهو يصور الفلاحين، ابتسموا فقد حرركم الجيش الفرنسي. في قفزة إلى العام 2005، يزور رجل مسن نفهم أنه “عبد القادر” قبور زملائه في ألزاس. ولكن تلك ليست سوى مقدمة للمشهد الأخير حيث يدخل “عبد القادر” بيته الفرنسي المكون من غرفة حقيرة ويقفل الباب على وحدته. هكذا إذا انتهى الأمر به وحيداً يصارع من أجل معاش التقاعد. تناقض قاس بين مشهد البداية الذي وعد المتطوعين في الجيش الفرنسي بمبادىء الحرية والأخوة والمساواة وبين مشهد النهاية الموحش لعبد القادر في عزلة كأنما هي ثمن تلك الحرب التي خاضها. يحفل الفيلم بالكثير من السخرية والآلام مع موسيقى تصويرية متميزة للمغني الجزائري الشهير الشاب خالد. وفي 2009 قدم بوشارب فيلمه “وادي لندن”، الذي حاز على جائزة أحسن ممثل تحصل عليها الفنان الراحل “سوتيقي كوياتي”.
وفيلم “طريق العدو”، وصور رشيد بوشارب أحداثه بضواحي نيو “مكسيكو” الأمريكية، مقدما من خلاله رؤية عن نظرة الغرب إلى الإسلام وقضية التمييز العنصري، ونظرة الولايات المتحدة للعالم الإسلامي. العمل السينمائي مستوحى من فيلم فرنسي قديم بعنوان “رجلان في المدينة” للمخرج جوزي جيوفاني سنة 1973، ساهم في كتابته إلى جانب الروائي ياسمينة خضرة “أولييفه لوريل”، ويروي حياة السجين الأسود “غارنيت” (فوريست وايتكر) الذي اعتنق الإسلام، وبعد مرور 18 عاما في سجن بنيو مكسيكو يتحصل على الإفراج المشروط ليعود إلى مدينته متأملا في حياة جديدة، بعيدا عن الإجرام، محاولا الاندماج مع مجتمعه.. بمساعدة “ايميلي سميث” ضابطة الشرطة المكلفة به، لكنه يصطدم بقائد الشرطة “بيل أجاتيط الذي يفتح ملفاته القديمة، فيعيش كابوسا حقيقا بسبب ملاحقات وضغوطات عرقية عنصرية مليئة بالضغينة من طرف العمدة “هارفي كيتيل” بنيو مكسيكو.
و في فيلمه شرطي بيلفيل 2018 حين يتعرض صديقه من الطفولة من مدينة ميامي للقتل بعد تعامله مع عدد من تجار المخدرات، يقرر بابا أن ينتقل إلى مدينة ميامي ويتحد مع شرطي محلي من أجل إخضاع المجرمين للعدالة.
محمد عبيدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق