محمد عبيدو
الكاتب مولود معمري (1917-1989) المفكر والكاتب والأنثروبولوجي الذي غاص بعيدا في أعماق الهوية الجزائرية، وجعل من الثقافة محكا للانتماء والأصالة، والذي أثرى الساحة الأدبية والثقافية عبر ما يزيد عن السبعة عقود. ويعتبر مولود معمري صاحب العديد من الروايات منها “الأفيون والعصا” التي تم اقتباسها للسينما و الربوة المنسية التي اقتبست أيضا للسينما و كتب بالامازيغية “نوم العادل”. إضافة إلى مسرحيات و قصائد شعرية و قصص. كما ترك إرثا ثقافيا ساهم في إثراء اللغة الأمازيغية بصفة خاصة وكذا للرصيد الثقافي الجزائري بصفة عامة
مولود معمري الذي كرمه مهرجان وهران بدورته لعام 2017 ، وشهدت عدة مناطق من الجزائر تنظيم عدة تظاهرات علمية وثقافية ومحاضرات إحياء لمئوية ميلاده، روائي جزائري وباحث في اللسانيات الأمازيغية، ولد في 28 ديسمبر 1917 بتاويرت ن ميمون في أيت يني (القبائل الكبرى)، انتقل في الثانية عشرة من عمره إلى مدينة الرباط للدراسة الٍتي واصلها بالجزائر ثم باريس. مارس مِهنة التعليم ابتداء من سنة 1947 في المدية وفي جامعة الجزائر 1962. توفي في26 فيفري1989 في حادث مرور بِعين الدفلى بعد عودته من ملتقى بوجدة (المغرب).
أسس عام 1982 مركز الدراسات والبحوث الأمازيغية بباريس ومجلة “أوال” (الكلمة) التي تعنى بالقضايا الثقافية الأمازيغية، ويعتبر مؤسس قواعد اللغة الأمازيغية
اعتمد مولود معمري نظرية الجمع بين الأنثروبولوجيا والأدب في كتاباته التي تجمع بين التقاليد الشفوية للمجتمع الجزائري والأسلوب الأدبي الذي ميز رواياته وقصائده
كتب مولود معمري العديد من الروايات المشهورة منها “الهضبة المنسية” و”غفوة العادل” و”الأفيون والعصا”.كما جمع ونشر قصائد الشاعر القبائلي محند أو محند
أن الكتابة لدى مولود معمري تشكل في التحامها بقضايا الوطن – تلك الجغرافيا المستلبة التي تقاوم من أجل استرجاعها مختلف الشرائح الاجتماعية و الفضاء الحامل للقيم الثابتة التي رسخها الأسلاف و المحدد للهوية و الانتماء والمبين للمخيال و الوجدان لدى الأفراد و الجماعات – البعد الأكثر التصاقا بالسياق التاريخي و بالتحولات الأيدولوجية التي طبعت الحركة الوطنية في مسارها التحرري الباحث عن الانعتاق و الكرامة
و إذا كانت الكتابة عند معمري تتيح فرصة الممارسة في الحقل الاجتماعي المتكلس و تطمح إلى إيجاد سبل تغييره نحو الأفضل بواسطة الخطاب الأدبي ، فإنها تجعل الذات تندمج في الخطاب الوطني ، متفاعلة معه ، ومتبلورة نسبيا ضمنه في علاقة جدلية ترفع من مستوى التشابك الضروري بين الوعي و التاريخ ، و هو الأمر الذي جعل الخطاب الروائي عند معمري يعرف تصعيدا ثورياً في موقفه من الآخر، فينتقل من البحث عن الاعتراف بالوجود عن طريق الحوار إلى السؤال و المواجهة ، ثم العنف المسلح ، ولكن ضمن رؤية إنسانية
تم انجاز فيلما وثائقيا حول حياة وأعمال مولود معمري الأدبية و الفنية للمخرج علي موزاويو أوردت فقرات الفيلم الناطق باللغة الفرنسية والتي دامت 52 دقيقة مقتطفات من المقابلات الصحفية التي أجراها الكاتب مولود معمري حول أعماله إلى جانب شهادات حية أدلى بها كل من الكاتبين الراحلين طاهر جاووت ورشيد ميموني بشأن رواياته ودواوينه الشعرية والقصصية القبائلية العريقة التي أنقذها من خطر الشفوية والضياع ببذله في شانها جهدا علميا في جمعها وتدوينها وتمحيصها.
كما أظهر الفيلم جهود معمري في دفاعه المستميت على الامازيغية كمكون أساسي لهوية الشعب الجزائري إلى جانب العروبة والإسلام من خلال روايته”الربوة المنسية” وتنديده بمظالم الاستعمار الفرنسي في عمله الرائع “الأفيون والعصا” التي حولت إلى فيلم ناجح وطنيا و دوليا إلى جانب إسهامه في إبراز أهمية تراث “أهليل” الموسيقي التقليدية لمنطقة قورارة بالولاية المنتدبة تميمون الذي أسرعت منظمة اليونيسكو بعد انبهارها به بتصنيفه كتراث عالمي.
و قد قام المخرج عبد الرحمن بو قرموح عام 1998 بتحقيق فيلمه ” الربوة المنسية ” عن رواية.” الربوة المنسية ” اول روايات معمري ، نشرها عام 1952 ، و التي تبتدئ وقائعها في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية لتصور الوضع في الجزائر في ظلال احتلال الفرنسي و ،الرواية عن مآسي الشعب، و أحزانه يعبر الكاتب في و بؤسه . إنها تعبر عن فترة اليأس و القنوط من دون أية إمكانية العثور على حل لأن الاستعمار لا يقدم الحلول في نظره أيا و كان الأمر فإن بوادر الأمل بدأت تلوح في أعقاب الحرب العالمية الثانية كنتيجة للتغيرات التي طرأت على الوضع السياسي في الجزائر
تقع الأحداث في إحدى المناطق الجبلية ببلاد القبائل ، حول شابين تحابا ، وأرادا الزواج ، لكن رفضت أسرتيهما ذلك ، و أصبحا محل من مجتمعهما ، لأنهما لم يحترما تقاليد المجتمع ، ويصور في هذه الرواية ذلك الصراع بين تقاليد المجتمع العتيقة في بعض الأحيان و ، رغبة البعض في التحرر منها . ركز الكاتب “مولود معمري ” على إبراز صراع الرجال والنساء، في علاقاتهم العاطفية، بشكليها المشروع والمحرم على السواء، مع التقاليد المتشددة، التي لم تكن لتسمح بقيام تلك العلاقات إلا في حدود ضيقة، وضمن الشرعية الزوجية لا غير. وحتى في هذه الحالة الأخيرة، لم يكن للعواطف مكان إلا بما يحققه الزواج من الغرض النفعي المباشر منه، أي إنجاب الأطفال من أجل الحفاظ على النسب العائلي، وللمساعدة في الوقت نفسه في توفير رغيف العيش للأسرة، فإذا لم يحقق هذا الغرض فإن التقاليد، ممثلة “هنا في الأهل والأقارب، تتدخل لإنهاء هذه العلاقة، وهذه هي الإشكالية التي يطرحها المؤلف في روايته، ويجعل منها الأساس التي تقوم عليه، حيث أن معمري يروي لنا في رواية “الهضبة المنسية ” مأساة “مقران “و” عزي” بطلي الرواية، الذين كانا يعيشان حياة زوجية سعيدة، ثم تدخل التقاليد ممثلة” في الأهل والأقارب، لتدوس بقسوة على عواطفهما، وتفرق بينهما . اما ” غفـــــوة العادل ” : رواية “مولود معمري ” الثانية، فلم تحول لفيلم بعد وتجري أحداثها كذلك خلال الحرب العالمية الثانية بقرية قبائلية، والتي يتكشف فيها ذلك التحول الذي يحدث من خلال الأزمة الحاسمة التي تواجه جيلين متعاصرين من الجزائريين، كنتيجة للصراع بين مجتمع تقليدي ومجتمع أكثر تطورا وتقدما
حين اتجه راشدي إلى افلمة رواية الكاتب المشاكس مولود معمري التي كانت معروفة من قبل ومقروءة على نطاق واسع، ومحطّ سجالات متشعبة، كان يعرف انه إنما يمشي وسط رمال متحركة. فكان ان بالغ في سلوك درب الحذر في تحقيق فيلمه، مسقطا الكثير مما كان في الرواية من نظرات ناقدة مريرة. وهكذا تحوّل العمل على يديه إلى فيلم ثوري بطولي مناهض للاحتلال الفرنسي، لكنه تحوّل كذلك إلى نوع من المساءلة “الخجولة” للتاريخ بصدد ما يفعله الجمع بالفرد ودور الفرد حين يجد نفسه منساقا خلف الجمع. لفرد هنا هو الطبيب المثقف الدكتور بشير الذي أمام جرائم قوات الاحتلال إبان الثورة يتخلى عن حياته المهنية الهادئة والناجحة في المدينة، ليلتحق بالمقاومة المسلحة في الجبال انطلاقا من قرية تالة مسقط رأسه. لقد أدرك أن الثورة والوطن الموعود في حاجة إليه. وينضمّ إليه في هذه التلبية شقيقه لينخرط الاثنان في العمل الثوري إلى جانب السكان البسطاء الطيبين
أن الفيلم، انطلاقا من أحداث الرواية يحاول أن يلقي نظرة لا تخلو من عمق في ملاحظة التفاصيل، على الأداء الثوري كما على سياسة المحتلّ وأساليب قمعه وكيفية التصدي.. ولا سيما حين يقدم جيش العدو على تدمير القرية وقتل أبنائها مجبرا الباقين على الالتحاق بالجبال الثائرة، بعد ان فشل في خطة كانت ترمي إلى ترويض السكان مستعينا على ذلك بالخونة والمهادنين
محمد عبيدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق