محمد عبيدو
مع احتفالات الجزائريين بذكرى استقلال الجزائر وثورة التحرير العظيمة، وما رافقها من اعمال إبداعية شعرية وروائية وتشكيلية ومسرحية وسينمائية، نستعرض هنا بعض الأعمال السينمائية التي قاربت مسيرة مناضلي وقادة ثورة التحرير الجزائرية .
تناول المخرج احمد راشدي حياة أحد رموز الحركة الوطنية، مصطفى بن بولعيد، أحد القادة الستة في عمليات أول نوفمبر 1954. . وكان البطل “بولعيد” قائد حقيقي للثورة الجزائرية منطلقاً بثورته من السجن إلا أن “بولعيد” لم يعتبر نفسه يوماً القائد فقد كان يشجّع على الديمقراطية ويرفض صفة الزعيم.
بدأ تصوير مشاهد الفيلم أوائل مايو 2007، في أماكن متعددة من الجزائر وفرنسا وصولا إلى الحدود التونسية الليبية، هذه الأخيرة شهدت اعتقال السلطات الفرنسية لمصطفى بن بولعيد وحكمها عليه بالمؤبد، قبل أن تحاكمه ثانية وتصدر في حقه حكما بالإعدام، لكنه نجح في الفرار من السجن حيث تمكن من حفر خندق رفقة بعض من رفقائه تحت حيطان أشد معتقلات الاحتلال تحصيناً و فر منه بطريقة معجزة، وواصل مسيرة المقاومة إلى غاية رحيله الدرامي غداة انفجار مذياع مفخخ أودى بحياته يوم 22 مارس 1956. دارت أحداث الفيلم حول انخراط البطل في المقاومة، ولجوئه إلى التنكر في عدد من البلاد العربية، من أجل تدعيم ثورة التحرير بالسلاح، إلى أن ألقت القوات الفرنسية القبض عليه، وصدر الحكم بإعدامه، إلا أنه يتمكن -وعدد من رفاقه- من حفر خندق في المعتقل، ومن ثم يهرب، ويعود قائدًا للثورة من جديد. ولم يقتصر الفيلم على تدوين مآثر بطل كبير من أبطال ثورة الجزائر المظفرة، وإنما امتدّ أيضا لتأريخ مختلف أشواط الحركة التحررية في الجزائر، والأهمّ بمنظار نقاد إقدام الفيلم على تسليط الضوء بشكل غير مسبوق على بدايات صراع القيم بين عرّابي الثورة الجزائرية، ويذهب إلى حد إسقاط الكثير من “الطابوهات”، من حيث تناول العمل أحداثا ظلت غير معروفة سيما لدى الجيل الجديد . بتلك الأسطورة الشعبية، وبتاريخه الفني الحافل.. كما واصل أحمد راشدي عمله على أفلام قادة الثورة من خلال الفيلم الملحمي “كريم بلقاسم” (ساعتين ونصف) الذي يتناول الثورة التحريرية من خلال أبرز صناعها. وقد جال راشدي في هذا العمل عبر مختلف مراحل ثورة نوفمبر المجيدة من خلال ترصد نشاط وكفاح البطل كريم بلقاسم الذي بدأ العمل المسلح ضد المستعمر في 1947. و يبدأ الفيلم، بمشهد بانورامي لإحدى قرى آيت يحيى موسى في ذراع الميزان (ولاية تيزي وزو)، يجسّد عودة كريم بلقاسم (الممثّل سامي علّام) من الخدمة العسكرية الإجبارية والاستقبال الذي حظي به في أسرته، ورفضه الرضوخ لسلطة الاحتلال التي ستحكم عليه بالإعدام بتهمة القتل والتحريض على التمرّد. واستطاع راشدي قدم صورة للمجاهد الإنسان بمبادئه وطموحاته وأيضا بأخطائه. ورصدت كاميرا المخرج المسار النضالي لكريم المتمرد على المستعمر والرافض لطغيانه ، بدءاً من التحاقه بصفوف حزب “الشعب” بقيادة الزعيم التاريخي مصالي الحاج، ثم بـ “جبهة التحرير الوطني” ومشاركته في ما يُعرف بـ “اجتماع الستة” الذي سبق تفجير الثورة،, حيث حمل السلاح قبل اندلاع الثورة ودافع عن حق الجزائريين بعد البطش الذي تعرضوا له في أحداث ماي 1945 وواصل الكفاح بعد قرار انطلاق الثورة. واستعرض الفيلم عبر البطل كريم بلقاسم الذي عايش عن قرب أهم المراحل التي مرت بها الثورة بدءا من مؤتمر الصومام إلى غاية مفاوضات “ايفيان” التي وقع بيده على وثيقتها الختامية عن الجانب الجزائري والتي انتهت الوجود الفرنسي بالجزائر.. وسعى راشدي, لإثارة بعض المسائل التي كانت إلى وقت غير بعيد تعد من الطابوهات مثل اغتيال عبان رمضان أحد قادة ومنظري الثورة التحريرية إلى جانب إشارته إلى بعض الاختلافات التي كانت بين القادة. وركز الفيلم في جنب منه على العمل السياسي والتفكير في بناء المستقبل وبعض الخلافات بين القادة حول تفضيل السياسي عن العسكري أو العكس وأيضا مسألة الخلافات التي طرحت بين العمل في “الداخل والخارج”. الفيلم نجح في إعطاء صورة ممجدة لشخصية كريم بلقاسم وهي شخصية “صعبة” وليس من السهل الإحاطة بكل جوانبها الإنسانية والنضالية وكانت بعض المشاهد جد مؤثر.
وعام 2003 انتج الفيلم التسجيلي “المرأة شَجاعة”، سيناريو احمد راشدي واخراج امين راشدي، وهو سيرة ذاتية تتتبع الحياة العاصفة للويزا اغيل احريز، وهي مناضلة ورمز من رموز استقلال الجزائر انقذها من الموت شخص لا تعرفه، فبحثت عنه 40 عاماً لتُعبر له عن شكرها، وعندما وصلت الى مكانه عام 2000 علمت انه توفي عام 1997. وظهر الفيلم في عدد من المشاهد التي تعبر عن المقاومة الجزائرية والتعذيب الذي لاقاه آلاف المسجونين وشهادات عدد من السجناء والمناضلين توضح ان هذه السيدة سجنت في 14 سجناً بين الجزائر وفرنسا خلال خمسة اعوام وقبل استقلال الجزائر عام 1962. ويقول المخرج راشدي: “الفيلم كتب بعد محاولات كثيرة مع ” لويزا ” لتتكلم بعدما كتمت سر تعذيبها طوال 40 عاماً، وكانت تؤكد أنها أدت واجبها ولا داعي للحديث عما عانته على يد المستعمر الفرنسي، لكننا أقنعناها بحق الجيل الحالي في التعرف على بطولاتها، وبدأ تصوير الفيلم بإرادتها في أن تشكر الفرنسي الذي انقذها وانتهى بشبه محاكمة للجنرال الفرنسي اوساريس الذي أقرّ أخيرا بممارسة التعذيب”.
مناضلات ثورة التحرير
وفي فيلم “شعرك المنسدل يخفي حرباً من سبع سنوات” اخراج الجزائرية فاطمة سيساني يقدم شهادات لمناضلات من مكونات سياسية واجتماعية ودينية مختلفة للجزائر : إيفلين، زليخة وأليس، ثلاث نساء انخرطن في جبهة التحرير الوطني إبان الثورة، يسردن التزامهن بالقضية الجزائرية، يستحضرن همجية الاستعمار، الإقصاء، العنصرية، الحياة في الخفاء، السجن، التعذيب… ولكنهن يتذكرن كذلك التضامن والحرية …
الفيلم الروائي الطويل “صليحة”، حول المسار النضالي للشهيدة زبيدة ولد قابلية، لمخرجه محمد صحراوي، يتناول أحداثا تاريخية واقعية تتعلق بالمسار النضالي للشهيدة زبيدة ولد قابلية واسمها الثوري صليحة.
وكانت هذه الطبيبة الشابة قد غادرت مقاعد كلية الجراحة والتحقت بصفوف المجاهدين بمدينة معسكر، وجعلت حياتها وخبرتها في العلاج في خدمة المجاهدين وفداء لوطنها الذي قدمت حياتها في سبيل حريته وسيادته.
سردت أحداث الفيلم بواقعية من خلال نقل الوقائع التي جرت في قرابة شهرين من الزمن وسايرت مهمة الشهيدة في معالجة المجروحين من المجاهدين والسكان، وأيضا عملية نقلها مادة طبية هامة خاصة بالتخدير إلى أحد المستشفيات التابع للمجاهدين في الجبل.
وبعد سفر شاق ومتعب في مسالك وعرة وتحت خطر مداهمة جنود المستعمر لمكان تواجدها والفريق المرافق لها، تقع صليحة، الطالبة التي تركت مقاعد كلية الجراحة في سنتها الثالثة للالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني، في كمين لجنود المستعمر وتقاوم إلى جانب رفاقها، ولكنها تصاب بوابل من الرصاص وتسقط شهيدة، لتلتحق بأخيها نور الدين الذي استشهد قبل أشهر.
ويعيد المخرج الجزائري، عكاشة تويتة، ضمن فيلمه التاريخي“عملية مايو”، إلى الذاكرة بطولة المناضل الفرنسي الشيوعي “هنري مايو”، أحد مناضلي الثورة الجزائرية . يقدّم عكاشة تويتة، على مدار ساعة وخمس وأربعين دقيقة، قصة التحاق الجندي الفرنسي هنري مايو(جسّد دوره الممثل الفرنسي مارتان بوتار)، بصفوف المجاهدين الجزائريين سنة 1956، بعد تمرده عن الجيش الفرنسي، بقيامه بتهريب شاحنة عسكرية فرنسية محملة بالأسلحة والذخائر من الثكنة الفرنسية إلى جبال البليدة، حيث أنشأ الحزب الشيوعي الجزائري، فصيلا مسلحا لمقاومة الاستعمار الفرنسي. يضيء الفيلم مشاركة الحزب الشيوعي الجزائري في دعم الثورة الجزائرية عسكريا وسياسيا، من خلال تعبئة الأهالي في المدن والقرى ليثوروا ضد استغلال الاستعمار الفرنسي لأراضهم و نهبه لخيراتها واستعباده لشعبها، كما يعرّج الفيلم على معاناة والدة هنري مايو بعدما أصبح ابنها الذي لم يتجاوز الـ27 عاما ملاحقا من قبل الجيش الفرنسي، والعميل الجزائري الباشاغا بوعلام، الذي يوقع هنري ورفاقه بين أيدي العسكر الفرنسي، الذي يصدر أمرا بإعدامهم شهر جوان من عام 1956
.
يمنح المخرج ضمن سيناريو الفيلم الذي اشترك في كتابته عكاشة تويته ونادية شار، مجموعة المناضلين الشيوعيين التي انضم إليها مايو مساحة زمنية كبيرة، من عمر الفيلم، تأكيدا على ضرورة الاعتراف تاريخيا بدور مختلف الحركات والفصائل السياسية والحزبية في تحرير الجزائر، حيث يقدّم عكاشة تويته نموذج الأفلاني موريس لابون، والشيوعي هنري مايو، حرصا على عدم إسقاط أي من الأطياف السياسية من أوراق ثورة التحرير الوطني التي وحدّت كل الجزائريين على قضية الحرية.
وفيلم “زبانة” (2012) لـ سعيد ولد خليفة و يتمحور الفيلم حول شخصية و مسار و محاكمة المناضل حيث يعرج على الهجوم الذي شنه مناضلون جزائريون و من بينهم زبانة على مركز بريد وهران في أفريل 1949 مع التطرق إلى دور الشهيد في التحضير لاندلاع الثورة التحريرية بمنطقة وهران. و أوقف زبانة يوم 8 نوفمبر 1954 بعد معركة “غار بوجليدة” و حكم عليه بالإعدام بتهمة قتل أحد حراس الغابات. و تمت محاكمة احمد زبانة من قبل محكمة عسكرية وفق إرادة الإدارة الاستعمارية بالرغم من الجهود التي بذلها محاموه من أجل تحويل القضية إلى محكمة مدنية. و باستثناء بعض المقاطع القصيرة حول نشاط المجاهد في الجبل يدور الفيلم حول المحاكمة و النظرة التي كانت توجهها الإدارة الاستعمارية تجاه المطالبين بالاستقلال واصفة اياهم ب”الإرهابيين” بينما كانوا يقومون بنفس النضال الذي قام به الفرنسيون ضد ألمانيا النازية. و شكل سجن بربروس قاعدة للأرشيف لأغراض التصوير و ديكور أغلب اللقطات خاصة اللقطة التي تجسد اللقاء الذي جمع بين احمد زبانة و علي زعموم أحد أكبر أبطال الثورة التحريرية. و كان احمد زبانة و عبد القادر فراج من الأوائل ضمن قائمة الجزائريين الذين أعدموا بالمقصلة قبل أن تقوم الحكومة الفرنسية في فيفري 1956 بإلغاء استعمالها ضد الوطنيين الجزائريين المحكوم عليهم بالإعدام. و خلال جلسة استئناف احمد زبانة أمام مجلس قضاء الجزائر حاول محاميه زرطال بكل الوسائل تبرئته لكنه لم يستطع بل حضر عملية إعدامه. و كان الإعدام أكثر اللقطات تأثيرا في الفيلم امتزج خلالها ايمان الشهيد بفخره و ثورة و فقدان الأمل بالنسبة لرفقائه في الزنزانة و كذا زغاريد نساء حي القصبة المجاور. و بالرغم من عدم نزول قاطعة المقصلة مرتين على التوالي حيث كان من المفروض إلغاء قرار الإعدام إلى أن هذه القاطعة اشتغلت في المحاولة الثالثة في فجر يوم 19 جوان 1956 أمام أنظار عبد القادر فراج الذي كان الضحية الثانية. و كانت هذه اللقطة كإعلان عن نهاية الفيلم و بداية معركة الجزائر و تحضير عبان رمضان بعد لقاء مع المحامي زرطال لعملية للثأر زبانة و فراج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق