محمد عبيدو
ظلت السينما الأمريكية صامتة قرابة ثلاثة أعوام قبل ان تستفيق لهذه الكارثة التي سببتها تلك «الحرب» التي تشنها الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، ليس على العراق وافغانستان فحسب، بل على المجتمع الامريكي نفسه، و بدأت موجة الأفلام الناقدة والرافضة لهذه الحروب في الظهور بشكل مكثف حتى تجاوز عددها عشرات الافلام، خُصص جزء كبير منها للمعارك داخل افغانستان والعراق، وخصص جزء آخر لآثار هذه الحروب على المجتمع الأمريكي نفسه، من أهمها فيلم«غريس قد رحلت»، وفيلم «في وادي ايلاه» الذي اعتبر علامة بارزه في تاريخ السينما المناهضة للحروب.
وقد اثار وثائقيان حول «الحرب الامريكية» ضجة كبيرة، هما (لا مخرج في الافق) للمخرج تشارلز فيرغسون الذي ينتقد بشدة ادارة الحرب في العراق في الاشهر التي اعقبت غزو البلاد، و (العبور الى الجهة المظلمة) لاليكس غيبني.
ويسرد هذا الفيلم قصة وفاة سائق سيارة اجرة في الـ 22 من عمره يدعى ديلاوار اثناء الاعتقال في قاعدة باغرام الجوية (شمال كابول) في 2002، وكشف تحقيق ان ديلاوار تعرض للضرب وعلق لأيام في الزنزانة التي كان محتجزا فيها.
وتأثر غيبني كثيراً بقضية ديلاوار لان والده الراحل كان محققاً في البحرية الاميركية، يستجوب سجناء يابانيين خلال الحرب العالمية الثانية.
واصبح فيرغسون، الذي جمع ثروة من خلال شبكة الانترنت، اخصائياً في العلوم السياسية.. وفي فيلمه (لا مخرج في الافق)، يقوم بجمع آراء اكثر من 70 مسؤولاً شاركوا في ادارة الحرب على العراق بعد غزو القوات الاميركية والبريطانية لهذا البلد، واكد ان فيلمه الذي انتجه بالكامل باموال شخصية، جاء كرد فعل على تغطية بعض وسائل الاعلام المغلوطة للحرب على العراق.. وقال فيرغسون: انه «صدم» للنكات التي سمعها خلال التحقيق الذي اجراه، وصرح: «كنت على علم بمعظم الوقائع، لكنني عندما علمت الى اية درجة كان تصرف الادارة اخرق وعبثياً اصبت بصدمة».
كما ان مأساة الحرب تبرز جلياً في فيلم «غريس قد رحلت» الذي لاقى شعبية كبيرة عند عرضه في مهرجان صاندانس.. ويروي هذا الفيلم قصة اميركي يؤدي الممثل جون كيوزاك دور البطولة فيه، قتلت زوجته اثناء الخدمة في العراق.
وقال كيوزاك: « هذا الفيلم يثير اهتمام الجمهور لأنه يكشف ثمن هذه الحرب من الناحية الانسانية»، واراد كيوزاك ان يؤدي هذا الدور رداً على قرار البنتاغون عدم بث صور لوصول نعوش جنود قتلوا في العراق.
ومن الأفلام الأخرى المعارضة لحروب الولايات المتحدة، فيلم المخرج والممثل روبرت ريدفورد «أسود مقابل الحملان»، من بطولة توم كروز وميريل ستريب الذي يتناول خلفية سيناريو سياسي وعسكري بعد هجمات أيلول.. وفيلم «تحدي السحرة» «للمخرج نيل بيرجر»، من بطولة تيم روبنز وراشيل ماك أدامز ومايكل بينا، وتدور أحداثه حول ثلاثة جنود يعودون إلى الولايات المتحدة من العراق ليجدوا بلادهم منقسمة في الآراء حول جدوى الاستمرار في الحرب هناك.. وفيلم «حرب تشارلي ويلسون»، الذي قام ببطولته النجم الحائز على جائزة الأوسكار توم هانكس، ويكشف عن حقيقة الدعم الذي قدمته الاستخبارات الأمريكية للمتشددين الأفغان خلال حربهم مع الاتحاد السوفييتي في الثمانينيات.. وفيلم «الاستسلام» الذي أنتج عام 2007، وتناول موضوع نقل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية للمشتبه بعلاقتهم بالإرهاب بين سجون سرية في أماكن متفرقة من العالم.
الفيلم يحكي قصة شاب مصري يدعى أنور الإبراهيمي، قام بدوره الممثل الدنمركي المصري عمر متولي، تشتبه الـ CIA في علاقته بالإرهاب، فتقرر خطفه ونقله إلى أحد السجون العربية، حيث يعذب هناك تحت إشراف ضباط الوكالة من أجل انتزاع اعترافات منه حول علاقته المفترضة بالإرهاب.
تسافر زوجته الأمريكية إيزابيلا «ريز ويذرسبون» إلى واشنطن من أجل معرفة الحقيقة وراء اختفاء زوجها، وهناك تكتشف أن من دبرت عملية اختطافه ونقله إلى خارج الأراضي الأمريكية هي رئيسة الـ CIA كورين وايتمان، والتي تقوم بدورها الممثلة القديرة ميريل ستريب.
في هذه الأثناء يكون ضابط الـ CIA دوجلاس فريمان والذي يشرف على جلسات استجواب أنور الإبراهيمي، وقام بدوره الممثل جاك جلينجهال، قد بدأ ضميره في التحرك بعد جلسات التعذيب المؤلمة التي تعرض لها أنور.
وتطول لائحة هذه الافلام مع فيلمي «ذي كينغدوم» مع الممثل جيمي فوكس، و«منقح » لبراين دي بالما الذي يلقي الضوء على ما لا يتناوله الإعلام الأميركي من يوميات الحرب على العراق، وليفضح بالتالي العديد من الممارسات التي حاولت الإدارة الأميركية أن تبقيها بعيدة عن متناول مواطنيها.
ومن خلال حادثة حقيقية، يحاول دي بالما جرَّ وعي الشارع الأميركي إلى حقيقة ما يجري في العراق، إذ أن الفيلم عبارة عن دراما سينمائية تعتمد على قصة حقيقية حول اغتصاب فتاة عراقية تبلغ من العمر 14 عاماً، وقتْلها هي وثلاثة أفراد من عائلتها على يد أربعة جنود أميركيين في منطقة المحمودية ببغداد.
وفضلاً عن مواقع التصوير في الأردن وتورينتو، يشتمل الفيلم كذلك على مشاهد حقيقية من الحرب على العراق، أُخذت من التغطيات التلفزيونية التي تابعت الحرب، إضافة إلى تغطية حقيقية لمحاكمة الجنود.
ومن خلال هذه الحادثة الحقيقية، يتدبر براين دي بالما أمره من أجل إدانة الحرب، وإلقاء الضوء على المآسي التي حلت بالشعب العراقي، وأيضاً المآسي التي تحل بالجنود الأميركيين الذين انقادوا بأوامر البيت الأبيض.. ويعتمد فيلم ( في وادي ايلاه ) لبول هاغيس ، وهو واحد من أكثر المعارضين لقيام أمريكا بشن الحرب على العراق، على قصة حقيقية حدثت في عام 2003 كتبها الصحافي مارك بوال في إحدى المجلات، عن اختفاء واغتيال الجندي ريتشارد ديفيز بعد عودته مباشرة إلى أمريكا من العراق، وقيام أبيه ضابط الشرطة السابق بالبحث بنفسه عن سر هذه الجريمة، بعد أن حاولت السلطات الرسمية طمس معالمها، تلقف بول هاجيس هذه القصة الحقيقية، وهو الذي كتب من قبل سيناريو فيلم «فتاة بمليون دولار»، كما كتب وأخرج فيلم «كراش»، وها هو هنا يستمر في استخدام الحبكات الدرامية السينمائية ليقدم «رحلة» داخل المجتمع الأمريكي الراهن، كاشفاً عن الوجه القبيح المختفي تحت أطنان من «الماكياج» السياسي، وكأنه يقول في كل أفلامه: إن الدودة تعيش في لب التفاحة، التي تراها من الخارج لامعة شهية، بينما بداخلها يكمن الفساد والخواء، وعلى رغم اشتراكه مع دي بالما في جزئية استـخدام الصورة الرقمية لمشاهد الحرب في العراق، تمكّن هاغيس في فيلمه المؤثّر من الاقتراب من النتائج التي خلّفتها الحرب الراهنة على جيل الشباب الأميركي، فمنح الشاشة عملاً مهماً يدين الحرب وصانعيها أينما كانوا أو أية بزة ارتدوا.
وبقدر ما يبدو على السطح في أفلام بول هاجيس من تعقيد، فإنها في الحقيقة تعتمد على خيوط «إنسانية» بالغة البساطة، قصة الأب العجوز هانك ديرفيلد (تومي لي جونز)، المحارب القديم في فيتنام، والشرطي السابق الذي تصدمه حقيقة اختفاء ابنه مايك «جوناثان تاكر»، على إثر عودته من حرب العراق، ليترك الأب هانك وراءه الأم المكلومة جوان (سوزان ساراندون، وهي بدورها من الممثلات المناهضات لحرب العراق)، ليخوض الرجل العجوز رحلة طويلة ليعرف مصير الابن، وعندما يدرك أنه قد قتل بطريقة بشعة ومزقت جثته ونثرت، والتهمت الضواري الجزء الأكبر منها في أحد أكثر مشاهد الفيلم رعباً، يقرر أن يستمر وحده للبحث عن السر وراء هذه الجريمة، لا يقف معه إلا محققة الشرطة الشابة ايميلي (تشارليز ثيرون)، لتواجه سلسلة طويلة من التقاعس الحكومي تارة، بل التواطؤ المتعمد تارة أخرى لإخفاء الحقيقة المفزعة التي لا تفسر فقط أسرار الجريمة، لكنها تلقي الضوء القوي الى ما أحدثته الإدارة الأمريكية الحالية على المجتمع كله.. وفيما يحاول الأب أن يتعرف على ظروف مقتل ابنه، يحاول أيضاً أن يعرف المزيد عن ابنه وعما حدث له في العراق، مع أنه لا يملك سوى بعض الصور التي أرسلها الابن عبر الإنترنت من العراق والمكالمة الهاتفية التي تلقاها منه من منطقة القتال.
تبدأ رحلة البحث عن القتلة التي تكشف للأب عن التشوهات التي أحدثتها الحرب في شخصية الابن، الذي تحول الى وحش يتلذذ بتعذيب العراقيين وإيلامهم حتى حصل على لقب الدكتور، وما اصاب المجموعة التي كانت ترافقه ككل، حيث يكتشف الأب في النهاية أنهم قد قتلوه لخلاف بسيط، ثم تشاركوا في تمزيق جثته قبل أن يذهبوا لتناول الطعام!!.. وينتهي الفيلم بالأب وهو يساعد عامل على رفع علم أمريكا ممزق الأطراف والمقلوب رأسا على عقب .
ويرصد فيلم «المبعوث» أورين موفرمان واقع الجنود الأميركيين الذين يقومون بإبلاغ ذوي الجنود القتلى بخبر وفاة من يخصهم في حروب العراق وأفغانستان.
ويمر الفيلم أيضا على العديد من الظروف الاجتماعية للجنود الأميركيين الذين اشتركوا في الحرب، كالفقر والرغبة بالانضمام إلى المجتمع الأميركي والتي كان يجب أن تمر عن طريق (بوابة العراق). ونتابع في الفيلم ضابط في الجيش الأمريكي يدعى ويل مونتغومري (بن فوستر) يتم تعيينه لإبلاغ العائلات عن الجنود القتلى، وثم يقع في حب أوليفيا بيترسون (سامانثا مورتن) التي أبلغها بنبأ وفاة زوجها.
محمد عبيدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق