الاثنين، 19 ديسمبر 2022

السينما والحروب 2 : مآسي الحرب العالمية الثانية بالصوت والصورة



 محمد عبيدو :

صناعة أفلام عن الحرب العالمية الثانية ما زالت حتى يومنا هذا تعد تجارة رابحة وتشير الاحصاءات الى هنالك أكثر من 1300 فيلم عن هذه الحرب العالمية الثانية بالتحديد، ناهيك عن الأفلام القصيرة أو المسلسلات أو الوثائقيات، وتسمح إعادة تجسيد هذه الحرب على الشاشات بإعادة النظر إلى التاريخ ومحاكمته أو مساءلته، وحتى ربما إعادة خلقه وتصنيعه كل حسب ما يشتهي.

ومن المثير فعلاً أنه إذا ما نظرنا إلى الحرب العالمية الثانية في الأفلام والمسلسلات، فإننا سنرى أنها ليست حرباً واحدة تلك التي تظهر في الأفلام هنا وهناك، بل هي قطع وتفاصيل يأخذ كلٌّ منها ما يحب. الأفلام التي تتناول أي جانب من الحرب العالمية الثانية، على تعدد خطط وأساليب وزوايا النظر إليها، تعيد تجسيد التاريخ وكتابته.

وحتى على صعيد الإنتاج، فإن أهم ما في الأفلام المنتجة عن الحرب العالمية الثانية هو أنها مدرة للأرباح، كما تؤكد الباحثة إستر مارجريت أونيل: “العامل الحاسم بشكل لا لبس فيه في أي تقييم هو أن صناعة الأفلام تحفزها الأرباح بشكل أساسي. فقد كانت أفلام الحرب البريطانية مربحة”.

فيلم الجسر عام 1959 . هذا الفيلم من ألمانيا هو أحد الأفلام القليلة التي تصور فترة الحرب في ذلك البلد دون أي نوع من الدعاية أو الأيديولوجيات أو الفروقات السياسية، وهو من إخراج الممثل (برنارد ويكي) الذي يصور كيف أن الأولاد الألمان في سن المراهقة تُركوا وحدهم للقتال حتى الموت، فيوضح الفيلم جنون الحرب وهو تأملٌ للدور الذي يلعبه المراهقون في السياسة والمجتمع أثناءها. على عكس غالبية أفلام الحرب لا يُمجد الفيلم الانتصار بل يستعرض المذاق المرير للهزيمة، وهو عبارة عن دراسة متعمقة لموضوع المراهقين النازيين الذين غُسل دماغهم وهم بالكاد يبلغون من العمر 15 عاماً وكيف تم تكييفهم للحرب، رُشح الفيلم لأوسكار أفضل فيلم أجنبي في عام 1960.

” السقوط ” في إنسانية الحرب

” السقوط ” لأوليفر هيرشبيغل  تجرأ على تناول الجانب الانساني من حياة هتلر من خلال تسليط الضوء على الايام العشرة الأخيرة في حياة أدولف هتلر بعد ان كان يعتبر التطرق الى تاريخ اشهر دكتاتور في التاريخ من الامور المحرمة في المانيا.

ولا تعود أهمية فيلم “السقوط” إلى روعة الإخراج والتمثيل والتكلفة المالية العالية، بقدر ما تعود إلى أهمية القصة الدقيقة والحقيقية التي تروى لأول مرة لتكشف حقيقة ما جرى في الساعات الأخيرة للعاصمة الألمانية وللجسم القيادي الحاكم. ونهاية الزعيم وحكمه النازي، وتعتمد وجهتي نظر غير نازيتين تماماً لنقل وقائع الايام الأخيرة.

الأولى هي سكرتيرته “ترودل” هذه المرأة الشابة، الموثوقة والمخلصة جدا للزعيم، رافقته في ساعاته الأخيرة كما رافقت وزير الدعاية النازية جوزف غوبلز وعائلته، فسجّلت بصدق وإخلاص للتاريخ، كامل التفاصيل في لحظات الضعف والقوة قبل السقوط والانهيار والتي تعترف في المشهد الاول انها لم تكن “مولعة بالنازية” ولكن الحشرية قادتها الى العمل مع ذلك الرجل. والثاني هو طبيب متمرن. تنقل الاولى أحداث الملجأ بينما ينقل الثاني الاحداث فوق على وجه الأرض. بين هذين العالمين، تتشكل صورة عالم آيل للسقوط باستثناء ايمان افراده بتأثير هتلر.

أياً يكن، فإن “السقوط” أسقط جدار الخوف من المقاربة المختلفة والمعاينة السوية والموضوعية لهتلر ولنظامه النازي، حين قدّم أدولف هتلر (الممثل السويسري برونو غانز) إنساناً له حسناته والسيئات.

هيرشبيغل يبني أكثر من ثلثي فيلمه حول أحداث واقعية، خالية من الاكتشافات. كل ما في الأمر انه يبني الايام العشرة الأخيرة كما لو كانت فترة حكم هتلر بكاملها، مقتنصاً اللحظات الأخيرة التي لا تتكرر، مقارباً بذلك لعبة المسرح ليس بأسلوبه وانما بمضمون عمله. الشخصيات لاعبون للمرة الأخيرة على مسرحهم. لذلك يقول أحد قادة هتلر له “يجب ان تكون على المسرح عندما يُسدَل الستار” في اشارة الى ضرورة بقائه في برلين. هكذا يحيي المخرج لحظات النهاية لتعكس مرحلة كاملة او الأحرى لتكثف الأسئلة حولها.

كان فيلم أعلام آبائنا من إخراج (كلينت إيستوود) عام 2006تمثيلاً للمنظور الأمريكي لمعركة إيوو جيما وقد روى أحداثها بطريقة تقليدية، على عكس فيلم رسائل من ايو جيما ، وهو من إخراج (ايستوود) أيضاً، الذي حكى القصة من وجهة نظر القوات اليابانية، حيث انتقل المخرج بالمشاهد إلى مكان صعب واسترعى الانتباه عن كثب لتفاصيل مهمة واستخدم اللغة اليابانية كلغة رئيسية للفيلم، فكانت النتيجة فيلماً يشبه الوثائقيات المذهلة.

إنقاذ الجندي رايان  (1998) ملحمة ستيفن سبيلبيرغ الطموحة خُلدت في تاريخ السينما؛ لما صورته من اتساع الجبهة الغربية في الحرب العالمية الثانية بواقعية قاتمة ومرعبة. يتابع الجمهور كابتن جون ميلر “توم هانكس” وهو يشق طريقه في المناطق التي دمرتها الحرب من فرنسا، ليبحث عن الجندي رايان “مات دامون”، الجندي الشاب الذي من المُفترض أن يعاد إلى أمريكا بعد مقتل إخوته جميعًا في الحرب.

أشاد النقّاد بالنصف ساعة الأولى من الفيلم، التي تصور الهبوط الوحشي على شاطئ أوماها الأمريكي في 6 جوان 1944، بتفصيل منقطع النظير للرعب والفوضى التي تخلفها الحرب. وصّرح المخرج بأنه لم يرد أن يكون الفيلم لوحة ملونة رائعة، وإنما أراده أن يكون أشبه بلقطات إخبارية حقيقية من الأربعينيات بتقنية منخفضة وتركيز قليل.

 (العدو على الأبواب)‏. صدر في 2001 من إخراج جون جاك أنو وبطولة جود لو واد هاريس. في ذروة الحرب العالمية الثانية، قامت ألمانيا بغزو الاتحاد السوفيتي ووصلت إلى مدينة ستالينغراد حيث كان يقاتل فاسيلي زايتسيف (جود لو) وبرزت بطولاته في القنص مما دفع بالمسؤول العسكري دانيلوف (جوزيف فيانس) إلى الترويج لها لرفع معنويات شعب الاتحاد السوفياتي المحطمة وهو ما جعل من زايتسيف بطلا قوميا، الأمر الذي أشعر الألمان بالإهانة ودفعهم إلى إرسال أحد أفضل قناصتهم إرفين كونيج (إد هاريس) لتصفيته. يصور الفيلم مشاهد من طفولة زايتسيف في جبال الأورال حيث علمه جده القنص، كما يتطرق إلى قصة الفتى الروسي الجاسوس ساشا فيليبوف وقصة تانيا (رايتشل ويسز) وهي شابة روسية قتل الألمان والديها مما دفعها إلى الانضمام إلى الجيوش السوفيتية وقد وقع كل من دانيلوف وزايتسيف في حبها، وقد أقنعها هذا الأخير بالانضمام إلى صفوف القناصة لأن فرص نجاتهم من الحرب أكبر. تشهد نهاية الفيلم انتصار زايتسيف على غريمه الألماني وذلك بفضل صديقه دانيلوف الذي ضحى بحياته لمساعدته.

والفيلم الأمريكي “الهروب الكبير” أنتاج عام 1963 من إخراج وكتابة جون ستورجس عن كتاب لبول بريكهيل، الفيلم مبني على قصة حقيقية وقعت خلال الحرب العالمية الثانية ويحكي قصة مجموعة من الجنود من ضباط دول التحالف والمعتقلون كسجناء حرب في إحدى المعتقلات النازية المخصص للطيارين وهو معتقل شتالاج لوفت 3‏، حيث تبتكر هذه المجموعة خطة للهروب من هذه المعتقل الحصين وتهريب 250 معتقلا آخرين .

نالت الأحداث الحقيقية خلف الفيلم ، كل الدراما والجذب والتراجيديا التي قد يصبو إليها أي منتج في هوليوود. نُظم الهروب بواسطة قائد السرب في سلاح الجو الملكي البريطاني روجر باشيل، وصُمم ليمزق الآسرين الألمان بقدر الإمكان، وقد أظهر الهروب سجناء الحلفاء وهم يحفرون ثلاثة أنفاق للهرب.

الفيلم السوفيتي الساحر “طفولة إيفان”  للمخرج اندريه تاركوفسكي  تحفة درامية حربية سوفييتية إنتاج عام 1962 .. يحكي قصة الطفل الروسي اليتيم إيفان (12 عاما) الذي قتل الجنود الألمان والديه في أثناء الحرب العالمية الثانية، وفي أحداث الفيلم يختار الطفل الذي قتل الألمان والدته وصديقته، أن يعمل مستطلعا للجيش الأحمر السوفياتي في الأراضي التي احتلها الألمان، ويتعامل الطفل مع أحد الضباط بسرّية. خلال الفيلم يطلب إيفان بأن يتم إرساله في مهمات أخرى، يرفض الضابط طالباً منه العودة إلى مكانه الطبيعي كطفل، يصرّ إيفان، وذلك إلى أن يرسلوه أخيراً في مهمة على الضّفة الأخرى دون أن يعود.. حصل فيلم طفولة إيفان على جائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي وكان واحدا من عدة أفلام سوفيتية في تلك الفترة ، مثل “البجع يطير” للمخرج القدير ميخائيل كلاتوزوف و”قصة جندي “للمخرج غريغوري تشوخراي و “تعال وشاهد” للمخرج إليم كليموف ،  التي نظرت إلى التكلفة البشرية للحرب ولم تمجد تجربة الحرب كما فعلت الأفلام التي تم إنتاجها من قبل . في مقابلة عام 1962 ، صرح تاركوفسكي أنه أراد في صنع الفيلم “نقل كل كراهيته للحرب”، وأنه اختار الطفولة “لأنها أكثر ما يتناقض مع الحرب”.

أحيانا يمكن للكتب إنقاذ حياة الناس، تلك هي رسالة رواية “سارقة الكتب” للكاتب الأسترالي ماركوس زوساك والتي تم تصويرها في فيلم سينمائي. الفيلم يروي إحدى أساليب النجاة من البطش النازي في ألمانيا.

فيلم “دونكيرك ” إخراج كريستوفر نولان يصور عملية “انسحاب دونكيرك” أو إجلاء بقايا الحلفاء المنهزمين حتى لا يتم أسرهم من قبل النازيين، بعد هيمنة القوات الألمانية على فرنسا، ومحاصرتهم لتلك الفلول في منطقة ميناء دونكيرك بفرنسا. في ذلك الوضع شديد الصعوبة أمام السيادة الألمانية للجو والبحر، تسعى بريطانيا في محاولة يائسة، وترسل قوارب مدنية وتستعين بالبحرية الملكية في سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من جنود الحلفاء البالغ عددهم أكثر من ثلاثين ألفًا.

اعتمد كاتب ومخرج الفيلم كريستفور نولان على التفاصيل المرئية بعيدًا عن الحوار لجذب المُشاهدين، عن طريق استخدامه للعديد من المؤثرات وآلاف الكومبارسات والقوارب والطائرات الحقيقية، وعرضه من خلال ثلاث منظورات هم الأرض والبحر والجو.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق