تييري ميشال مخرج بلجيكي (1952) يعاين، في أفلامٍ وثائقية عدّة له، أوضاع فقراء وأولاد شوارع وإقفال مصانع، وما ينتج عن هذا كلّه من بطالة وتمزّقات اجتماعية واقتصادية وعائلية. منذ عام 1970، يُنجز أفلاماً، وثائقية وروائية، في مدنٍ مختلفة، وهذا يعني أنّه باحثٌ في ثقافات وحضارات خارج بلده والقارة العجوز (أوروبا)، منقّباً في أحوالها، ومفكّكاً شيئاً من تفاصيل العيش فيها.
في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2023، نشر، في "لو سوار" (صحيفة يومية بلجيكية، باللغة الفرنسية)، رسالة مفتوحة إلى بلده والاتحاد الأوروبي، عن "المأساة الإنسانية في غزّة"، بعنوان "نداء عاجل إلى المُنتخَبين من أجل وقف فوري لإطلاق النار"، تتخلّله "إدانة" مباشرة وصريحة لـ"حماس"، التي يُذكِّر بأنّ الاتحاد الأوروبي يعتبرها منظّمة "إرهابية" (المزدوجان موضوعان في مقالته ـ النداء)، وإشارة إلى أنّ "إدانة الجرائم ضد الإنسانية، المرتكبة حالياً ليس فقط في قطاع غزّة بل أيضاً في الضفة الغربية"، و"اغتيالات الفلسطينيين"، التي لا عقاب لاحقاً لمرتكبيها، "على أيدي مستوطنين يهود متطرّفين"، هذه الإشارة لا تعني "معاداة السامية"، مؤكّداً، في الوقت نفسه، الحاجة إلى مكافحتها، وإلى "مكافحة أشكال العنصرية كلّها".
يستهلّ تييري ميشال مقالته ـ النداء باستعادة الحاصل في قطاع غزّة منذ "طوفان الأقصى" (7 أكتوبر/تشرين الأول 2023)، كاتباً التالي: "في مواجهة القصف الممنهج للسكّان المدنيين في غزّة، الذي يؤدّي إلى موت آلاف الأطفال والنساء والمُسنّين؛ وفي مواجهة الوضع الصحي الكارثيّ للسكّان المدنيين؛ وفي مواجهة منع دولة إسرائيل الدخول الكافي للمساعدات الإنسانية". ثم يتوقّف عند رفض مجلس الأمن الدولي، التابع للأمم المتحدّة، مشروع قرار يُطالب بوقف فوري لإطلاق النار، والإفراج الفوري وغير المشروط لجميع الرهائن، وضمان وصول تلك المساعدات الإنسانية؛ قبل إدانته، بشكل لا لبس فيه، ما وصفه بـ"فظائع" حركة "حماس" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وأيضاً إدانته "جرائم الحرب" و"الجرائم ضد الإنسانية" التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزّة.
هذا التقديم كلّه يسبق هدف المقالة ـ النداء، المتمثّل بدعوة المسؤولين السياسيين البلجيكيين والأوروبيين، كزملائهم البرلمانيين في جمهورية أفريقيا الجنوبية، "الذين يُدافعون عن سياسة تستند إلى القانون الإنساني الدولي"، إلى "وضع حدّ للتناقض (الحاصل في) السياسات الأوروبية، التي تُدين الاعتداءات الروسية في انتهاكاتها المنهجية لحقوق الإنسان، وتقديم المساعدة إلى أوكرانيا، لكنّها ترفض الإدانة الحازمة لقصف السكّان المدنيين في غزّة". يُضيف ميشال أنّ "حالة الطوارئ المطلقة"، التي يعيشها مئات آلاف الفلسطينيين منذ شهرين، "تتطلّب بشكل طارئ اتّخاذ موقفٍ واضح، لأنّه يُمكن تفسير الصمت تواطؤاً موضوعياً". لكنّه يُعلن "ابتهاجاً فعلياً" إزاء تأييد الحكومة البلجيكية "وقفاً دائماً لإطلاق النار"، و"قرارها إرسال مساعدات طارئة إلى غزّة، عبر B-Fast" (مجموعة بلجيكية للتدخّل الإنساني السريع، مؤسَّسة عام 1999، قبل أنْ يُصبح إنشاؤها "رسمياً" بفضل مرسوم ملكي صادر في 28 فبراير/ شباط 2003).
في ختام مقالته ـ النداء، يُحدِّد تييري ميشال نقاطاً أساسية، يحرِّض على ضرورة الإسراع في تنفيذها، فيبدأ بأولوية "استدعاء السفير البلجيكي في إسرائيل، وقطع العلاقات الديبلوماسية إلى أنْ يُنفَّذ وقف إطلاق النار"، مُذكّراً بما فعلته أفريقيا الجنوبية في هذا الإطار؛ ثم يُطالب بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، كالحاصل مع المنتوجات الروسية، وبإنزال عقوبات ضد المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، بسبب ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية، مُرفقاً هذه الدعوة بأخرى تتعلّق بمعاقبة كبار مسؤولي "حماس" أيضاً.
يُنهي ميشال مطالبه بمسألتين: "طلب رسمي" من بلجيكا إلى "المحكمة الجنائية الدولية" للتدخّل في غزّة، ودائماً كحال جمهورية أفريقيا الجنوبية، يُلحّ على ضرورة "اتّخاذ خطوات مع المحكمة نفسها في تحقيقاتها المتعلّقة بانتهاكات القانون الجنائي الدولي، والجرائم ضد الإنسانية"، مضيفاً أنّ على بلجيكا "حظر" كلّ تصدير ممكن منها لأسلحةٍ إلى إسرائيل، ومنع كلّ عبور للأسلحة إليها عبر المملكة البلجيكية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق