المونتيرة والمخرجة الراحلة يمينة بشير شويخ، وضعت أولى خطواتها في السينما في 1973، عندما انضمت للمركز الوطني للسينما الجزائرية،.
شاركت في مونتاج أفلام سينمائية مغاربية هامة منها: عمر قتلتو الرجلة (1976) لمخرجه مرزاق علواش والرياح الرملية لمحمد الأخضر حمينة (1982).
وفي وقت لاحق قامت بمونتاج معظم إنجازات محمد شويخ الذي ستصبح زوجته ومن بين هذه الأفلام: القلعة (1989)، يوسف، أسطورة النائم السابع (1993)، سفينة الصحراء (1997)، دوار النساء (2005)، وكذلك أعمال عكاشة تويتة كفيلم صرخة من الرجال (1994).
أول فيلم قد أخرجته هو رشيدة (2002) بعد أن استغرقت حوالي 5 سنوات لإنجازه منذ 1996 لضعف التمويل، وأحرز ست عشرة جائزة عبر مهرجانات السينما العالمية ، وتم انتقاؤه رسمياً لمهرجان (( كان )) فضلاً عن إمكانية ترشيحه لنيل جائزة الأوسكار عن سنة 2002 .
لم تكن / يمينة شويخ / بشك وهي تترك منضدتها جانباً كخبيرة بمونتاج الأفلام ، في أن المغامرة ستفضي إلى مثل هذا النجاح ، ولكن الأمور لم تجرِ على ما يرام ، عندما أنجزت سيناريو فيلمها ، فأخذت تدق كل الأبواب بحثاً عن التمويلات اللازمة لإخراج فيلمها الأول .
وإزاء رفض الهيئات الجزائرية، لم تجد بداً من الالتفات إلى مصادر التمويل الأوربية، عقب إنشائها مؤسساتها الإنتاجية ، وكانت النتيجة باهرةً .. إذ ما إن تم إخراج الفيلم حتى راح يحصد ويجني جائزة تلو الأخرى . اتخذت يمينة شويخ من عنف الإرهاب في بلادها موضوعاً، يتناوله فيلم / رشيدة / حيث تقدم شهادة متميزة على طريقتها الخاصة عن المأساة التي عرفتها الجزائر لأكثر من عشرية من الزمن .
يستمد الفيلم قوته من تناوله صراع المرأة الجزائرية ومقاومتها الإرهاب خلال العشرية السوداء التي شهدت انتشار العنف والعمليات الإرهابية بشكل مخيف في الجزائر .. يتطرق الفيلم إلى ما يجري لمدرسة شابة تُدعى / رشيدة / تمثيل ( ابتسام جوادي ) ورفضها الرضوخ لمطالب جماعة إرهابية ، أرادتها مجندة في صفوفها بوضع قنبلة في مدرستها وهو ما كاد يكلفها حياتها ، حيث نجت بأعجوبة من محاولة اغتيال بشعة من الجماعة الإرهابية وبعد نجاتها وخروجها من المشفى ، تقرر مغادرة الجزائر العاصمة للاستقرار بمدينة داخلية بعيدة ، وهناك تتسلل كاميرا المخرجة إلى أعماق المجتمع الجزائري وظروف عيش السكان في تلك الفترة العصيبة .. لتختتم الدراما بمجزرة دموية أخرى تحصد رجالاً ونساءً وأطفالاً غداة عرس في تلك البلدة النائية . وفي الصباح تخرج / رشيدة / ومحفظتها بيدها لاستقبال من نجا من تلاميذها ، أما درس الحصة فيحمل عنوان (( النهاية )) . وعن الذي دفعها إلى إخراج فيلمها تقول يمينة شويخ في حوار اجريته معها:
“إن ما دفعني إلى ذلك هو مشاعر الألم والغضب التي عشتها طوال تلك السنوات ، لقد أردت أن أعطي وجوهاً واضحة لألئك الآلاف من المجهولين ، الذين ماتوا خلال تلك العشرية الأليمة ، وقد كرهت أن أستمع إلى الناس وهم يتحدثون عنا كما لو كنّا كماً مهملاً من الأرقام المستخلصة من إحصائيات … وكل واحد منهم يروي مأساة الجزائر حسب هواه … وكنت أشعر بالحاجة إلى الحديث عن وطني الجزائر ، وأن أذكر على الخصوص تلك الحياة اليومية الشاقة التي يحياها أولئك الجزائريون والجزائريات الذين تحدوا الوحشية والظلامية” .
ولا ترغب يمينة أن تعتبر فيلمها يتحدث عن النساء بل “أنا أحكي عن مجتمع بكل شرائحه .. الفتى العاشق الذي يريد أن يبوح بعشقه والرجال أيضاً .. لم أتطرق ، ولكنها في المقدمة لأن المجتمع لدينا يدور حول المرأة .. حاولت أن أضيء في فيلمي / رشيدة / جزءاً من واقع الجزائر .. المواطنة الجزائرية التي شملتها زوبعة العنف ، ولا تنشد سوى العيش كأي امرأة عادية وهذا الذي يجعل منها امرأة خارقة للعادة ، وهي تحاول البقاء وصون حياتها وسط دوامة العنف .
يحكي فيلمي عن المجتمع والعلاقات بين الأشخاص والعنف ، وأثره بنقص الاتصال بين الناس في المجتمع الذي يلحق بعنفه الخاص ويغلبه على الحب .. وطبعاً الأطفال كيف تربوا حتى يصبحوا عنيفين؟ .. الفيلم يحكي عن الإرهاب وعن الإشكاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أدت بالبلاد إلى ما وصلت إليه من خلال حكاية بسيطة”
وأخرجت الفيلم القصير “الويزة سيدي عمي” في عام 2003 و قدمت فيه بورتري عن المصورة الصحفية اللويزة سيدي عمي التي قادها عملها الى تخليد بعين الكاميرا احداث كثيرة منها مآسي السنوات السوداء التي عرفتها الجزائر.
فيلمها الوثائقي “أمس، اليوم وغدا” اختار زاوية خاصة من الثورة الجزائرية، سرد من خلالها قصصا وحكايات لنساء شاركن في الثورة وعشن في الكواليس بعد الاستقلال. وقدم شهادات أربع من المجاهدات عشن في كواليس الاستقلال وهن جزء من ال11 ألف امرأة جزائرية شاركن في جيش التحرير الوطني خلال الثورة لمجابهة الاستعمار.
محمد عبيدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق