الخميس، 7 ديسمبر 2023

يانيس ريتسوس – إيماءات – ترجمة: سعدي يوسف




*بعدَ المطرْ‏


ظلّت تمطر أياماً. وكل ما أراد أحدهم أن يخبرَ به الآخر،

بعد أن جرى تمحيصهُ بعناية-‏

تأجلَ.‏

وانطوى.‏

وحُمل بعيداً في حقائبهم.‏

لقد غادروا.‏

الآن، تتمشى حلازينُ كبيرةٌ على رخام الباحة،‏

حاملةً على ظهورها أبراجاً صغيرةً ونواقيسَ،

إنها تتسلّق الأقحوانَ،

إنها تدخل برودةً متأنيةً.‏

توقفت هيلين لتنظر، وغمغمتْ،

‏((ترى، هل الحلازينُ سعيدةٌ؟.))‏

كان الآخرون صامتين.‏

جرجرَ السؤالُ نفسَهُ بوثوقِ هاديء.‏

تاركاً خلفهُ خيطَ فضةِ رطباً.‏


* * **



*شَيء لمْ يُنجز

غيوم على الجبل.‏

من الملوم؟ما الملوم؟

صامتاً، متعباً، ينظر أمامه

يستدير، ينحني

الصخور في الأسفل،

والطيور في الأعلى

جرّة في النافذة

ونباتاتٌ شوكيةٌ في الوادي.‏

يداه في الجيب.‏

ذرائع، ذرائع.القصيدة تتأخر.فارغ.‏

الكلمة يدل عليها ما تخفي


* * * *


*يَأس بِينلوب

لم يكن السبب أنها لم تعرفه

في ضوء النهار الكابي،

وهو متنكرٌ بأسمالِ الشحاذِ.‏

لا…‏

كانت ثمة علائمٌ جليّهٌ:‏

الندبةُ على صابونة الركبة‏

الجسدُ المفتولُ‏

النظرةُ الماكرةُ‏

كانت خائفةً

تميل، لائذةً بالجدار.‏

لقد حاولتْ أن تجد لها عذراً ما

أن تجدَ تأخيراً تتفادى به الإجابةَ‏

كي لا تفضحَ أفكارها.‏

أمن أجله أضاعت عشرين عاماً

منتظرةً

حالمةً؟

أمن أجل هذا الغريبِ الرثِّ‏

الملطخِ دماً‏

المبيضّ اللحية؟‏

سقطتْ. فاقدةً الكلامَ على كرسي.‏

حدقتْ في العشاق المذبوحين على أرضية القاعة‏

كما لو كانت تحدّق في رغباتها الميتةِ.‏

وقالت:أهلاً…‏

كانت تحسّ بصوتها قادماً من البعيد

وكأنه صوتُ سواها.‏

النَّولُ في الزاوية‏

يُسقط ظلالاً على السقف، كالقفص.‏

والطيورُ التي نسجها بخيوطٍ حمرٍ برّاقةٍ

بين أوراقٍ خضرٍ،

استحالت، بغتةً، رماديةًو سوداءَ‏

تطيُر منخفضةً على السماءِ المسطحةِ لمحنتها النهائية.‏


* * * *


*إِهمَال


يقول:هكذا تألفُ كلَّ شيء.‏

حتى الشيُء الذي أدهشنا، يوماً‏

هو الآنَ مبتذلٌ بائخٌ.‏

ليست الأشياء، وحدها، التي تبهتُ‏

وإنما عيوننا تبهت أيضا-‏

إنها الآن تُشيحُ عن الزجاج الملون‏

عن الأضواءِ الاصطناعية الحادة-‏

إنها الآن تفضّلُ الممرّاتِ المعتّمَة

أو الأنفاقَ التي لا تتمايز-‏

إن تماثُلَها هو كالزمن.‏

وأنت لن تفاجأ إذا هطلَ المطرُ فجراً،

أو دقّت ساعة المدينةِ الثانيةَ عشرةَ ظهراً،

أو أن الساعاتِ التي تنتصبُ خارجةً، لا مباليةً،

وحيدةً، كشيفة في العراءِ- لا تبتلّ.‏

امرأةٌ مجهولةٌ تتجوّلُ حول المنزل،

شعثاءَ الشعرِ‏

ترتدي جواربَ نايلون مهملةً‏

تنحدر على سَاقيها.‏


* * * *

*منَ الذَّاكِرة


أشعةُ إكس قديمة لرجال مسلولين.‏

في مظاريف صفرٍ كبيرةٍ بأعلى خزانةِ الملابسِ،

‏ مليئة بالغبار_‏

ليلة بعد ليلة حين يصفر القطارُ في الضواحي،

ليال بحوامل شموع طوال،

على الأرض تنتثر مربعاتُ ورقٍ صغيرة‏

كانت تضمُّ مسحوقَ مداواة ِالسعالِ-‏

حين انسكبَ القدحُ على الملاءاتِ، مدَّ ساقيه خارجاً-‏

كانت ركبتاه هزيلتين ،وكان الشعرُ جافاً-‏

‏ كان لديه انتصابٌ-‏

طرقٌ على الباب‏

طرقٌ شديدٌ.‏

غطيناه بسرعة، وركضنا نحو الممر،

وقفنا خلف الباب ،وأنصتنا:‏

لم يطرقوا ثانيةً.‏


* * * *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق