الأحد، 12 نوفمبر 2023

محمد الماغوط » في رثاء السياب

 


يا زميل الحرمان والتسكع

حزني طويلٌ كشجر الحور

لأنني لست ممدَّداً إلى جوارك

ولكنني قد أحلُّ ضيفًا عليك

في أية لحظة

موشحًا بكفني الأبيضِ كالنساءِ المغربيات

لا تضعْ سراجًا على قبرك

سأهتدي إليه

كما يهتدي السكير إلى زجاجته

والرضيع إلى ثديه

فعندما ترفعُ قبضتَكَ في الليل

وتقرع هذا الباب أو ذاك

وأنت تحمل دفترًا عتيقًا

نُزع غلافه كجناح الطائر

وأنت تسترجع في ذاكرتك المتعبه

هذه الجملة أو تلك

لتقصها على أحبابك حول المصطلى

ثم يسمع صوتًا يصرخ من أعماق الليل

لا أحدَ في البيت

لا أحدَ في الطريق

لا أحدَ في العالم

ثم تلوي عنقك وتمضي

بين وُحولٍ آسنةٍ

وأبواب أغلقت بقوةٍ

حتى تساقط الكلس عن جدرانها

وأنت واثقٌ أن المستقبل

يغصُّ بآلاف الليالي الموحشةِ

والأصوات التي تصرخ

لا أحدَ في البيت

لا أحد في الطريق

لا أحد في العالم

هل تضع ملاءةً سوداء

على شارات المرور وتناديها يا أمي

هل ترسم على علب التبغ الفارغه

أشجارًا وأنهارًا وأطفالاً سعداء

وتناديها يا وطني

ولكن أي وطنٍ هذا الذي

يجرفه الكناسون مع القماماتِ في

آخر الليل؟

تشبَّثْ بموتِكَ أيها المغفَّل

دافعْ عنه بالحجارة والأسنان والمخالب

فما الذي تريد أن تراه؟

كتبكَ تباع على الأرصفةِ

وعكازك أصبح بيد الوطن

أيها التعس في حياته وفي موته

قبرك البطيءُ كالسلحفاة

لن يبلغ الجنةَ أبدًا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق