الأحد، 6 أغسطس 2023

المخرج والمنتج العراقي - قاسم عبد -: المنفى تجربة اشكالية امام المبدع


محمد عبيدو

المخرج والمنتج العراقي " قاسم عبد " خرّيج "معهد الفنون الجميلة" في بغداد، حصل على شهادة ماجيستر من "معهد التصوير السينمائي" في موسكو. عام 1982، انتقل إلى لندن حيث يعيش ويعمل كمخرج. شارك في تأسيس "الكلية المستقلّة للسينما والتلفزيون" غير الربحية في بغداد. عضو لجان تحكيم في مهرجانات سينمائية عديدة، وحائز على جوائز مختلفة عن اخرجه العديد من الافلام الوثائقية المهمة منها "همس المدن" وفيه قدم صور عن رام الله وبغداد وأربيل، وتحوّلاتها، بما يمكّن المشاهد من تكوين صورة عن المدينة العربية، في مناطق مختلف , و"حياة ما بعد السقوط" الذي نال عنه جائزة أفضل فيلم في "مهرجان ميونيخ الدولي للأفلام الوثائقية" وفي الفيلم نشهد أفراد عائلته، التي حمل أفراحها وأحزانها عبر عدسة كاميرته، وحوّلها إلى تاريخ بلد بكامله. و" وسط حقول الذرة الغريبة" و"حاجز سوردا" و"ناجي العلي، فنان ذو رؤية". يعود قاسم عبد في فيلمه "مرايا الشتات" بحميمية و وإحساس عميق بالصورة واشتغال على اللغة السينمائية، الى فنانين تشكيليين عراقيين سبعة في المنفى كانوا قد غادروا العراق في السبعينيات لمتابعة رحلة الفن والإبداع وكان قد صورهم عام 1990 في فيلم وثائقي بعنوان "وسط حقول الذرة الغريبة" لحساب قناة تلفزيونية بريطانية. وهؤلاء الفنانين هم جبر علوان وعفيفة لعيبي وكاظم الداخل ورسمي كاظم وبالدين أحمد وفؤاد علي وعلي عساف.

التقينا المخرج قاسم عبد في حوار عن فيلمه الوثائقي الأخير "مرايا الشتات" الذي حصل على عدة جوائز عبر مشاركته في العديد من المهرجانات منها جائزة لحنة التحكيم في مهرجان عمان العام الماضي وعلى تنويه من مهرجان وهران السينمائي.

+ على اي اساس تم اختيارك للفنانين السبعة هل لقربهم منك , وما هي الهموم المشتركة التي يجمعوها ؟

++ على الصعيد الشخصي انا اعرف الفنانين بشكل جيد والذين هم ( عفيفه العيبي، علي عساف، جبر علوان،رسمي الخفاجي، فواد علي عزيز، كاظم الداخل، بالدين احمد )

كنا قد درسنا سوية في معهد الفنون الجميلة في بغداد وتركنا العراق للاستمرار بالدراسة في منتصف سبعنيات القرن الماضي.دراسة السينما كانت هدفي وحلمي ، اما اصدقائي فان الفنون التشكلية والرسم كان هدفهم، وقد نجحوا في ذلك وانتجوا الكثير من الاعمال الفنية في مجال الرسم والنحت والفيديو ارت والفوتوغرافك والجرافك والخط العربي والملصقات الجدارية الخ. كنا طوال هذة السنيين على تواصل ونعرف تفاصيل حياة احدنا الاخر. بالنسبة لنا جميعا فان عملنا الفني يعكس بوضوح من نحن ومن اين اتينا وكما يعكس ملامح هويتنا الثقافية والانسانية.نحن من جيل واحد، جيل عاصر التحولات السياسية والاجتماعية في العراق والعالم اجمع على مدى نصف قرن، جيل متأثر بالثقافة الاوربية والحداثة، وكل حياتة يبحث عن التجديد والجمال في الفن والحياة، ولكن في نفس الوقت انه جيل عانى من العزل والمطاردة والتهميش المستمر في زمن الدكتاتورية سابقا والان في زمن الاحزاب الطائفية.

+ بين فيلم الأول، "وسط حقول الذرة الغريبة" الذي حقّقته للتلفزيون البريطاني عام 1990، وتناولت به نفس الفنانين وفيلمك الحالي ..

كيف اختلفت وتغيرت الاحلام لديهم وكيف تغير علاقتهم بالمنفى وبالوطن الاصلي ؟

++ هناك عناصر مشتركة بين الفلميين كالإحساس بالاغتراب، الحنين للوطن، الهوية، التاريخ، السياسة، الديكتاتورية والحرب ولكن في نفس الوقت هناك عناصر مختلفة، في فلمي " وسط حقول الذرة الغريبة" 1990 حاولت توثيق حياة وعمل هذه المجموعة من الفنانين السبعة،وقد تحدثوا في الفلم عن الظروف التي دفعتهم لمغادرة العراق، عن نضالهم اليومي من اجل البقاء ماديا وروحيا في المنفى،عن الحرب واثارها المدمره على الشعب العراقي.

اما فلم "مرايا الشتات" 2018 فهو اشبة برحلة ذاتية في بعض جوانب حياة هؤلاء الفنانيتن السبعة خلال اربعة عقود من التحديات والفشل والنجاحات، على مستوى عملهم الابداعي أو في حياتهم الخاصة؛ منذ أن كانوا خريجين جدد من مدارسهم الفنية في إيطاليا، والعمل كرساميين في ساحات روما وفلورنسا حتى اصبحوا اصبحوا فنانين معروفين في الغرب.

اسلوب الفلم الاول تقريري اقرب الى الصحافة التلفزيونية وهو اشبة بصرخة احتجاج وادانة للنظام الدكتاتوري بكل مفاصله والحلم بالعودة بعد زوال هذا النظام

أسلوب الفلم الثاني سردي، يروي قصص ما بين الحاضر والماضي، الخاص والعام، الخارج والداخل،الذاكرة والنسيان،الوطن والمنفى، الهوية والانتماء، الغياب والحضور .. الخ. ولكن السوال الاهم الذي يتمحور حوله الفلم : ماذا يعني أن تكون معظم حياتك في المنفى؟ وهذا يفتح باب للحوار مع الذين اضطروا إلى الابتعاد عن جذورهم الأصلية لأسباب خارجة عن إرادتهم في حكايات وتجارب تمس روح ووجدان المشاهد.

وبختصار شديد في الفلم الاول كان عندنا حلم بالعوده للعراق ..في الفلم الثاني اختفى هذا الحلم نهائيا وتحول العراق الى عراق الذاكرة وعراق الواقع المر.

+ اللقطات القديمة بالفيلم ماهي دلالات استخدامها , وكم عبرت عن متغيرات الزمن التي مرت على الاشخاص ؟

++ فيما يخص استخدام بعض اللقطات من فلمي القديم في فلمي الجديد، اولا كان عليه ان احافظ على هوية واستقلالية فلمي القديم وان اخذ بعض اللقطات ذات الطابع البصري لدعم البناء الفلمي في الانتقال ما بين الحاضر والماضي على مدى العقود الثلاث الماضية من حياتنا، ونقل التغيرات الكبيرة في ملامح الحياة والشخصيات والامكنة

+ بعد سنوات غربتهم الطويلة 40 عاما ايهما كان حاضرا اكثر لدى الفنانين في فيلمك الهم العراقي ام هم بلدان الشتات ؟

++ الهم العراقي وهم البلدان البعيدة التي نعيش فيها هو هم متداخل، والترحال المستمر هو قدر العراقي خلال النصف قرن الاخير كون العراق لم يعد بلد للعيش بل ساحة حروب وقتل وهجرة وكما يقال "العراقي الجيد هو المهاجر الجيد".

هموم الوطن والمنفي هي هموم ذات طبيعة معقدة سياسيا ونفسيا وثقافيا، فانت تعيش بين عالميين .. عالم يجلب لك يومياالذكرى والحنين والكوابيس ..وعالم يمنحك الحرية والعمل والامان، ومع تقدم السنيين تتعقد قضية الانتماء والى اي وطن ننتمي..الوطن القديم الذي اسمه العراق ام الوطن الجديد ( ايطاليا،هولندا، السويد، بريطانيا ..الخ) ما معنى الوطن واي ارض نشعر بها كوطن ؟؟.. المكان الذي نولد به او المكان الذي نعيش به بكرامه.

تجربة المنفى تجربة اشكالية امام المبدع ولكنها وسيلة لاكتشاف الذات واكتشاف العالم والتحرر من قيود الشرق كما انها نقلة نوعية في حياة المبدع.

حاولت في فلمي ان اجد توازن بين التارجح العاطفي والنفسي ما بين الاماكن الجديدة الذي نعيش بها الان واماكن الذكريات والاهل والاصدقاء في اوطاننا القديمة، وتسلط الضوء على اهمية دور الفن في تعويض ما تم فقدانه في ارض الغربة.

وبصراحة لقد اخذت اعوام البعد الكثير من طاقتنا، وسلبتنا سنوات الحرب والحصار والإرهاب والفوضى أجمل أحلامنا..ولا ادري هل هذا قدرنا المشؤوم ام هي خيارتنا الناقصه !!

+ هل ترى ان الفيلم احاط او اجاب على اسئلة الشتات او المنفى بالنسبة لشخصياته ؟

++ المنفى وثقافة المنفى وذاكرة المنفى ومكان وزمان المنفى هي مفاهيم انسانية واسعة وملتبسة في فهمنا الشخصي لها. وفلم مرايا الشتات هو شهادة شخصية لحياة وتجارب وابداع سبعة فنانين عراقيين خلال الاربعة عقود من الزمن، يعشون في وطن اللاوطن او كما سماها الفنان رسمي كاظم " الاوطان البديلة".

وعلى الرغم من تركيز الفلم على مجموعة من الفنانين العراقين الذين يعشون في الشتات، الا انه يعكس التحديات التي يواجهها ملايين العراقيين الذين يعانون من صراعات مادية ونفسية وروحية في اماكن مختلفة من العالم.انها قصة وطن بلا احلام وامان تحول الى شتات ومنافي ومحطات مؤقتة

+هل تلاقي صعوبة بتأمين تمويل لأفلامك ؟

++ السينما اليوم وخاصة السينما المستقلة التي تتعارض مع تقاليد السينما المعلبة توصف ضمن قائمة المهن الأقل احتمالا للنجاح لأنها سينما تهتم بالتعبير عن الرؤى الخاصة لصانع الفلم والتي تقترب من مفهوم سينما المؤلف.

اليوم هناك كم هائل من الشباب يحلم بان يصور اللقطة الاولى في فلمه وينتظر سنيين ولكنه غير قادر بسبب شحة مصادر التمويل.

انا كسينمائي مستقل اعاني من مشكلة ايجاد مصادر لتمويل افلامي ولكني عودت نفسي على انجاز افلامي في اصعب الظروف والقاعدة هي ببساطة ان اعمل بحدود الممكن ولا احلم بالمستحيل اي اعمل فلمي بما هو متوفر لي لصناعة هذا الفلم، ولاجل تقليل تكاليف الانتاج غالبًا ما أكون المنتج والمخرج والمصوّر في آن واحد. في "همس المدن" و"مرايا الشتات"، كنت المونتير أيضًا. لهذا، تحمل أفلامي بصمةً خاصة بي، وتُشبهني في تفرّدي كفنانٍ سينمائي.

تأقلمت مع هذا الوضع، فبدل انتظار أعوامٍ عديدة للحصول على تمويل، أبدأ مغامرة فيلمية بالاعتماد على نفسي، وبثقتي بإنجاز الفيلم الذي أريد، بيدي اليمنى كاميرتي وباليد اليسرى حقيبة السفر، أتنقل بين المدن، وأنام عند الاصدقاء وآكل معهم بدلاً من الفنادق والمطاعم. في النهاية، يولد الفيلم بشكل غامض وواضح في آن واحد، ويجد طريقه إلى المُشاهدين.

واعتقد الصبر والشجاعة وروح المغامرة هما المطلب الاساسي لانجاز هذا النوع من الافلام المستقلة التي تحمل صفة التمرد والرغبة بالتفرد وتأكيد ذات الفنان السينمائي .

نقلا عن ملحق سينما جريدة الحياة الجزائرية 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق