السبت، 10 فبراير 2024

قصيدة إلى ثيرنودا . جان سيناك . ترجمة رشيد بوجدرة

 


نُشِرت «قصيدة إلى ثيرنودا*» في مجلة «مواقف» (بيروت. 1 نوفمبر 1972، ع. 24-25، ص. 46-47)، بترجمة الروائي رشيد بوجدرة (1941-).

وُلِد الشاعر جان سيناك Jean Sénac في مدينة بني صاف بمنطقة وهران الجزائرية، عام 1926، لأب مجهول وأم إسبانية. وقُتِل في 30 أغسطس 1973، بالجزائر العاصمة، في ظروف غامضة تشبه مقتل المخرج والشاعر الإيطالي باولو بازوليني بعده بعامين.


على عكس جزائري آخر من أصول أوروبية، هو صديقه وراعيه في بداياته ألبير كامو (1913 – 1960)، اختار سيناك جانب



الثورة، واعتبر نفسه جزائريًّا. ورغم أنه لم يحصل على الجنسية الجزائرية بعد الاستقلال (1962)، يُمكن اعتباره أهم شعراء الجزائر. يكتب عنه مالك حداد: «عندما يقول شاعر مثل سيناك: ’إنني أحس نفسي جزائريًّا مثل بن بلّة تمامًا‘ … أسمع فيه صرخة صادرة من الأحشاء، وأرى فيه اختيارًا لرجل غير ممزق الولاء، هو جزائري من أصل أوربي قد اجتاز، في رحلته، رأس التردد والحيرة.»


قصيدة إلى ثيرنودا

Ode à Cernuda


ملعونةٌ هي اللغة التي أتكلمّها


ملعونةٌ بلادي ملعونٌ شعبي


ملعونةٌ هي تلك اللحظة التي انبجستُ فيها، مطبوعًا بطابع الهامشيّة. 


                           آه، وليكن ملعونًا كلّ ما يصنع قوّتي ومجدي.


نحو ذلك الصدرِ – مُعتِمًا، رشيقًا


             منبهرًا بلا شَطْبٍ، فضاءً للشهوة، 


نحو هذين الفخذين –مرهفين، احتفاليّين (إن نُصب لي


                      قوسٌ، فليكن هذا قوسي!)


نحو هاتين الشفتين – تفسدهما الكلمة وتنقذهما القبلةُ


                    فضاءً للشهوة


مرة ثانية، يا «دون لويس»، تجرؤ القصيدة وتخاطر.


سخرياتهم وفضلاتُ الضّحك تتساقطُ على الرّخامِ المشتعلِ –


                               لا شيء يُحرقهم


لأنّ فسوقهم لا يعرف الاشتعالِ (فالحماقة هي أيضًا


              فينيقُ، ولم نكن نعرف هذا)


لكننا نتقدّم نحو الشكل الأولي («…عندما كان البحرُ البديهيُّ


                                      تحت شمس الظهيرة الدَّامغة،


                                          يعلّق جسدي


                                   في استسلامِ الإنسان أمامَ إلههِ.»)


دائمًا في العاصفة المسنونة، فيما هو خطرٌ داخل الكلمة، 


تدوم الصّورةُ ممحوّة، وتشكل لنا الكون للتنفس،


تتحوّل رئاتنا إلى كتبٍ، ويكتبُ النفس المراِهقُ


ليس، إلا في هذه الحدقات، يعلن وجهنا الثائرُ مملكته وضوضاءه،


حدقاتٌ – كوكبٌ، منفاي، صحني الطائر، جزيرتي وأقصى تغيّراتي


يكون الأمرُ يسيرًا . . نجتازُ السور، فتطاردنا البلاغمُ ومن جديدٍ تعودُ 


            الأيام القذرةُ، جملة العَسْفِ، العائلات، الديانات، القوانين،


ومن جديد، يحوّلون الشمس إلى قنفذٍ بحريّ معدنيّ، ويحكوّنه على 


شفاهنا – حتى البول.


ملعونةٌ هي لغتي التي تغذّي الانشقاق؛ ملعونةٌ هي بلادي التي لا تعاني إلا


لكي ترمي قيئها،


أما الشعر، فلا! وليبقَ إلى الأبد، على البحر،


ذلك المراهِقَ العاري!


نهربُ نحن، شأن من فَرّ إلى المدينة، لكن كلّ خطوةٍ تُرجعنا إلى شعبنا


ليكن ملعونًا أيضًا مَن يرفض حلمه!


مع ذلك، تنبجس منه رغم الأسواط – هذه الحقيقة التي توفّق بيني وبين العالم، 


                  وهذه الأجساد الجديدة النقيّة الجميلة،


                  وهذه الاندفاعات التي هي ضوءٌ ومصالحة،


                      وتنبجس علامة التكلسّ،


                      والباهرة* العارية في رمله، التي أفضلها على جميع الأشجار.


ومع هذا، لا وطن لي ولا قصيدة،


خارج تلك الصخرة حيث يلتجئ العقرب.


أتقدم، قريبًا إليك مختلفًا عنك


أيها الأخ الكبير المعتم، أيها الزئبق، يا ندى الشّوك


ما من مرآةٍ جعلت تعب العينين أكثر عمقًا والقصيدة أكثر انتصارًا.


لكن، يا ثرنودا،


كم من نجمةٍ ضائعةٍ في هذه الجيوب، في هذه العراقيل …


جان سيناك


(الجزائر)


* الإشارة إلى الشاعر الإسباني لويس ثيرنودا Luis Cernuda (1902 – 1963)، وهو أحد أفراد جيل 27، الذي يضم شعراء بارزين مثل لوركا ورافاييل ألبرتي. عاش ثيرنودا في المنفى بدءًا من عام 1938 حتى وفاته.


** الباهرة Agave نبات من فصيلة النرجسيات ذو أوراق كبيرة شائكة يلتف بعضها على بعض فتؤلف ظلًا. يُزرع للزينة، ولا يزهر إلا مرة واحدة في العمر. [المترجم]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق