-1- اسمعي يا إسرائيل
حين كنّا ملاحقين
كنت واحداً منكم.
لكن كيف يمكنني الآن أن أبقى كذلك
وقد غدوتم أنتم أنفسكم تلاحِقون؟
كنتم تتطلعون إلى
أن تصبحوا كباقي الشعوب
التي أعملت فيكم تقتيلا.
والآن ها أنتم أولاء قد غدوتم مثلها.
نجوتم بجلودكم
من بطش القساة
وها أنتم أولاء الآن
يعيش فيكم جشعكم...
لقد أجبرتم المغلوبين:
«أن اخلعوا أحذيتكم»
وكأنهم جداء الخطيئة.
سُقتموهم إلى الصحراء
لكن آثار الأقدام العارية
باقية أقوى من آثار قنابلكم ودباباتكم.
2 - مشكلة لياقة
في بيت المشنوق
لا يجوز الحديث عن الحبل
لأن جلاده الآن
يعيش هناك
وقد أحيل على التقاعد.
3 - المراقب
الموت الحقيقي
يصغي للأسماء الخاطئة
التي ننادي بها بعضنا البعض -
ويسعد حماسنا.
عندما نقول نحن نحمي السلام
يقترب منا.
وعندما نقول نريد أن نبقى على حذر
يرفع رأسه.
عندما نتحدث عن الحق
يقرأ من شفاهنا.
وعندما نتحدث عن الواجب
يعد أسناننا.
4 - صلابة
أرتعش كلما قيل
بأن طفلاً ما قد قتل
إنني لستُ ناضجاً بعد
كي أدافع عن وطني
لذا فليُقتل اليوم مئة طفل
وليُقتل غداً ألف طفل
وليُقتل بعد غدٍ عشرة آلاف طفل
سأدافع في الأسبوع القادم
عن وطني الميت.
-5-سؤال إلى المنتصر
وبعد أن نهبت الأرض وصرخ الدم من
عمق أعماق الأرض
وعندما سئلت:
أين أخوك صاحب الأرض؟
أجبت: لا أدري.
ثم تساءلت: أوأحبُّ عليّ
أن أكون حارس أخي؟
وقلت: يجب أن يحرسوك
من نار أخيك
الذي لا تعرف شيئاً عنه
أنت الذي يحمل العلامة
ومن ثمَّ تقول سبع مرات
وجب الثأر من قاتلك
إذاً فمن ذا تكون أنت؟
-6-بعض الأشياء
حوادث
أسماء أماكن
وتواريخ سنين:
(دير ياسين وحتى عام 1948)
قرية فلسطينية
ثمَّ 350 قتيلاً
وإسرائيل تعترف
بـ 254 قتيلاً
القرية كلها نساءٌ وأطفالٌ ورجالٌ
ثأراً لقتل امرأة يهودية وطفلين-
قتلوا في ياهود.
اشترك في البحث عن القتلة
جلوب باشا والدوائر الأردنية.
طلبوا من إسرائيل المساعدة في البحث
فكانت مساعدة إسرائيل: ما حصل بقبيَّة!
(كفر قاسم 1956)
حظر التجول
يعلَنُ في منتصف النهار
كان الفلاحون في حقولهم
وما عرفوا شيئاً عن منع التجول
عادوا من الحقول
أوقفوا عند الجدار
ستة وخمسين كانوا،
وهو ما تطلَّب طلقات كثيرة!
(بحر البقر 1970)
كانت مدرسة كبيرة
لا مدرسة غيرها في المنطقة طولاً
وعرضاً،
مزدحمة بالأطفال.
وكانت هدفاً لقنبلة.
لا أحد منكم كان يعرف عدد الأطفال
آنئذٍ
وبعد ذلك لم يبق في منطقة بحر البقر
أطفال!
(نهر البارد 1972)
ومرَّة أخرى
أطفال قتلى
في مخيم اللاجئين
الذي دمَّروه.
(في جنوب لبنان 1972)
في جنوب لبنان
سيارة تكسي تحطمت
دهستها دبابة إسرائيلية
سبعة ركاب بينهم طفل في الثامنة من العمر
- حوادث جانبية
كلها حوادث جانبية
لكن يقال:
إرهابٌ ذاك الذي يقوم به الفلسطينيون!
-7-هي
إنّها تأكل أطفالها
تشرب دم موتاها
تعظ الحمائم
ولا تعرف قيماً عليا
تنسى دربها
تتأرجح بين وقيعةٍ ووقيعة
ومن خطأ إلى خطأ
وتنام في النكبات
يتعلم كل طفل في المدرسة
أنّها ليست ضروريَّة
وأخيراً أدرك الشعب
أنَّه لا يريدها
ثبت بالبرهان عشر مرات
أنها لا تستطيع أن تنتصر
والذين أثبتوا ذلك
لا يستطيعون النوم قريري العين
وأولئك الذين يؤمنون بها
متعبون من الشك
وبعض الذين يكرهونها
يعلمون أنها قادمة
-8-شكوى
أيها العالم الجميل...
ها نحن نقترب من النهاية
وهذا الوحش
ينطلق من الدرك الأسفل.
قبَّة الأسفل الثقيلة
ثقل الشمس
تندلق في حلقومه
استيقظ (اللوباثان)!
ولسوف يفترس النجوم
فمن ذا يسعفني
في الليلة الليلاء
كي أنسى الحياة تماماً؟
-9-إشعاع
ظلالي
تمتدح الضوء الذي ترميه
وتسأل:
إلى أين؟
فما دام الضوء في العلاء
فإن الظلّ يهوي إلى الأرض
عندما يهبط الضوء
يرتفع الظلّ إلى العلاء
إلى أين؟
يطلع الضوء
يرمي ظلالاً كثيرة
ولا يسأل إلى أين!
-10-في باحة الأمل
في باحة الأمل
نستوقف الأطفال:
هيّا انظروا
ما أجمل أن يجلخ أبونا «الحقد»
سكّينه
التفاحة الناضجة على الشجرة تلك إلى
جانب كوم الخشب
سيفصمها شرائح طيّبة
وفي باحة الأمل
لا يعرفون الكدر
هيا انظروا
ما أجمل أن تحفر أمنا «الأرض»
هذه الحفرة
سنلعب فيها غداً
لعبة الدلو والقطائف
إلى أن يدبق الرمل أيدينا وثيابنا
-11-الصيف على وشك النهاية
ها قد أزف الصيف
وهنا في نهاية الدرب
ينتصب الصليب الخشبي
ويقعي الموت شاكياً
أنَّنا لن نأتي
إنَّنا -أنت وأنا-
قادمان بالتأكيد
تمشّينا في الطريق الزراعي.
أزهار الحقول
تحرس هذا الكون إنساناً وحيواناً
إذا ما سُئلتُم
فطأطئوا الرؤوس وقولوا:
إننا لم نرضَ عن حياتنا.
-12-إرشادات أريحيَّة
جلادي... رجل يحسن معاملتي
وهو يشغل باله
بالّذي أفكّر به
رغم أنَّ لا متَّسع من الوقت
لديه، لشغله الشاغل في القتل...
لكنَّه يجد قليلاً من وقت
فيبني المدارس
ويصرف المال على تعليمي
يهمه أن أتعلم
ما زال الوقت سانحاً لذلك
إذ إنني أعيش في عالم يغصُّ بالجريمة
عالم نظامه كهذا
ليس السعي لزلزلته
إلا محاولة انتحار.
وإن الذي ينصحني
أن أغيره هو جلادي!
-13-السامعون
عندما يبدأ الناس بالنباح
تبكي الكلاب
وعندما يبدأ الناس بالقباع
تضحك الخنازير
وعندما ينقطع عويل الكلاب
وتنقطع قهقهة الخنازير
ترتجف الحجرة
من نباح الناس وقُباعهم.
-14-وعدٌ حافل
في أوَّل يومٍ
من حرب الأيَّام الستَّة
أعلن رئيس وزراء إسرائيل
ليفي أشكول:
لا نريد أن نمتلك
ولو متراً واحداً من الأرض.
نادراً ما استغرقت
حربٌ هذه المدَّة القصيرة
أمَّا وعدُ أشكول
فقد عاش مدَّةً أقصر.
-15- وجبة
اللسان مدهون بالكلمات.
من الفم ترشح
الكلمات اليسارية الساقطة.
هنا تسمع خشخشة الأنفاس
وحفيف اللعاب
الكلمات تبدِّل ألوانها
وتذبل ملونة!
ترجمة عيسى علاونة، مجلة «الآداب»، عدد 4 ص 63 - 1969)
-15- مطالبة بالنسيان
لا تكن أحمق
تقول الريح
فالحياة تسير
وكلُّ شيءٍ يتغيَّر
ولا بدَّ من نسيان... ما كان
إن كنتَ تستطيعُ نسيان حقلك
تقول عيدان مسمَّمة
إن كنتَ تستطيعُ نسيان دارك البيضاء
يقول الحطام
إن كنتَ تستطيعُ نسيان شجرة الزيتون
يقول الجذع المثلوم
وأشجار البرتقال
يقول البستان المحروق
وإن كنتَ تستطيعُ نسيان سماع الصراخ
تقول الآذان
فإنَّك تستطيعُ تفادي مجابهة الأخطار
تستطيع الارتحال بعيداً
مثل تمرٍ في بطن السفينة
قُطِف وصار حرّاً من نخيله
وتستطيعُ أن تكون حرّاً كحبَّة رملٍ في الريح
حرّاً أخيراً من وطنك
الذي فقدته
فالحياة تسير
ولا بدَّ من نسيان ما كان
فلا تكن أحمقَ
تقول الريح
التي يحرِّكها الغاصبون.
-16- بكاء الرجال
لمَ تبكون الأطفال فقط؟
والنساء؟
ولمَ لا تسألون: أين
ذهب رجالنا؟
فتيةٌ... مفعمون بالحياة
رجالٌ... ذوو تجربة
دون الرجال لا تستطيع
النساء والأطفال الحياة
فلِم تبكون الأطفال فقط
والنساء؟
غالباً ما أخذوا رجالنا فقط
فلم يرهم بعدها أحد
ولم يسمع بهم أحد
وأحياناً... ما كفاهم هذا
فقتلوا نساءً وأطفالاً أيضاً
ولكنَّهم في الغالب
كانوا يكتفون برجالنا
لِم تبكون الأطفال فقط
والنساء؟
أتظنُّون... من يتعاطف معنا
لا يشفق سوى على الأطفال
والنساء؟
أتظنُّون... العدو يشفق
على النساء والأطفال
أم أنَّه يمطُّ شفتيه
قبل أن يواصل إطلاق النيران
فلِم تبكون الأطفال فقط
والنساء؟
-17-سوق
هناك يصطفُّون
أمام موائد
يُباع عليها إحساسهم بالذنب
وهم يدفعون... بالدم
دمهم
ودمك أيضاً
أدرتُ ظهري
فلمحتُ
بطرف عينيّ
في أوَّل الصف
نفسي
هناك... واقفاً
بيديّ
سكِّينٌ وإبريق.
-18-اليد
هذه يد
هذه يد شوَّهت
هذه يدٌ شُوِّهت في انفجارٍ ببغداد
انفجار دمَّر معبداً يهوديّاً
هذه يدٌ مشوَّهةٌ لرجل
هذا رجُل
هذا رجُل يهودي
هذا رجُل يهودي في إسرائيل
شُوِّهت يده في معبدٍ ببغداد
هذا رجلٌ يهوديٌّ في محكمةٍ بإسرائيل
يطلبُ بسبب يده معاش مشوَّهي الحرب
هذه يد
هذه هي يده التي شُوِّهت
شُوِّهت لأنَّ رجلاً يهوديّاً آخر
عميلاً لمخابرات إسرائيل نفَّذ مهمَّته
بخطَّةٍ وضعتها يدٌ طويلة
لتدمِّر المعبد ببغداد
فيخاف اليهود هناك
يخاف يهود بغداد من العرب
فيُساقون إلى وطن آبائهم
فإليه قادهم ربُّهم ذات يوم
-كما قيل-
بيدٍ قويَّة
-19- موتاكم (من الفلسطينيين إلى الصهاينة)
موتاكم
آباؤكم وأجدادكم الموتى
أخوتكم وأخواتكم الموتى
من تستشهدون بهم دوماً
موتاكم ورقتكم الرابحة
موتاكم من تقبضون عنهم
تعويضاً
لم يعودوا موتاكم
قد فقدتم موتاكم
فموتاكم
كانوا ضحايا قتَلة
أصحاب حقٍّ مضطهدين
ضعفاء مطاردين
مناضلين مقتولين
وأطفالهم
كانوا موتاكم
فالآن صرتم عباداً للسلطة وقتلة
تُلقون قنابل على ضحايا دافعوا عن أنفسهم
تطردون ضعفاء من أكواخهم البائسة
تأتون مسرعين بدبَّابات هادرة
وطائراتكم تمطر
رذاذ سمّ
على حقولنا
ونابالم قنابلكم
على نسائنا وأطفالنا
تظنُّون أنَّ موتاكم سيعرفونكم
مختبئين داخل دبَّاباتكم وطائراتكم
ها قد انضمَّ موتاكم إلينا
ضحايا إلى ضحايا
مطاردين إلى مطاردين
فالقتلى أخوة وأخوات المقتولين
وليس القاتلين
وصار موتاكم لا يريدون أن يعرفوكم
فلا تستشهدوا بموتاكم
لتسكتوا العالم كلَّما تقتُلون
فمن الخير ألَّا تتشدّقوا
بأنَّهم منكم
وكأنَّكم أبناء لهم وأحفادهم
فقد خنتم حياتهم وموتهم
لما خدمتم النظام ذاته
الذي نكَّل بموتاكم وقتلهم
موتاكم صاروا ضيوف موتانا
فيهدؤون روعهم بأنَّ ما تفعلون
هو عن جهلٍ أو غباء
فيردُّ موتاكم بأنَّكم كنتم دوماً أذكياء
أذكى أبناء العالم
فصاروا لا يستطيعون فهمكم
ويريد موتانا مواساتهم فيقولون
إنَّما سلطان القوَّة أغواكم وأضلَّكم
وقد ترونه فتعودون
قبل أن تموتوا فلا يعرفكم... موتاكم.
-20-إلى صهيونيَّة
رسائلكِ تحزنني
تفقدني صبري
فالعناد المفهوم
يبقى دائماً عناداً
تقولين إنَّ هذا العناد
كان مهمّاً للحفاظ على الحياة
خُلِقَ على يد شحَّاذين وكُتَّاب
فلاحين مناضلين
فتقولين لي:
فلاحون في حقول مَن؟
بيادقُ في رقعة شطرنج مَن؟
أُلقي بهم... وضُحِّي بهم
إنّني أفهم
لماذا لا تريدين الفهم
ولكن هذا لن يفيدك كثيراً
فالحقيقة... عشبٌ مرّ
وكلَّما شرحتُ أنا أكثر
صارت معرفتكِ أنتِ أقل
بسبب اهتمامي بفهمكِ
وفهم فهمك الخاطئ
ولذا لا بدَّ أن أتوقَّف ثانيةً حيناً
عن النقاش
لا كرهاً
فإنَّني لا أكرهك
وإنَّما لأنَّ الظلم
الذي تدافعين عنه
ما زال قائماً
وهو ما يجعلُ رؤيتك
ورؤية كثيرين غيرك
معكوسة.
لذا أفضِّل أن أستمرَّ في العمل
ضد الظلم
دون أحاديث طوال
لكن ليس طوال الوقت
من قلبي
فالقلب يكلُّ أحياناً من شجارٍ بلا نهاية
والذي قد ينهيه
الثورة
وليس موتُ هذا أو ذاك.
-21-قبل الطوفان
ضربات إسرائيل الانتقاميَّة
مثالها الأوَّل
في العهد القديم
حيث يقول:
«اسمعا قولي يا امرأتَي «لامك»
وأصغيا لكلامي
فإنَّني قتلتُ رجلاً لجرحي
وفتى لشدخي
إنَّه ينتقمُ لقايين سبعة أضعاف
أمَّا للامك فسبعة وسبعون»
هكذا تستطيعُ حكومة إسرائيل
تبرير انتقامها الجماعيِّ المضاعف
بما جاء في سفر التكوين الإصحاح الرابع
ولكن في هذا الإصحاح أيضاً يذكر أنَّ «لامك»
مؤسس الانتقام هو من نسل قايين
وفي الإصحاح بعد التالي:
يأتي الطوفان.
-22-الحاضرون الغائبون
من ليسوا هنا... وهم هنا
في كلِّ مكان... هم هنا
من ليسوا عندكم
سيكونون دوماً عندكم
بنفس عددهم... إن كانوا عندكم
أو بعيدين عنكم
وأنتم من.. ابتدع تلك الكلمة
الحاضرون الغائبون
ليسوا أشباحاً
وإنَّما هؤلاء
من تريدون لهم أن يكونوا أشباحاً
من تعاملتم معهم
كأنَّهم لم يعودوا موجودين
وإن كانوا موجودين
من سلبتُم
دورهم وبلادهم
من خلفِ ظهورهم
أو أمام عيونهم
أو أمام عيون أطفالهم
واعتقدتم أنَّهم غائبون
وإن كانوا حاضرين
من أخرجتموهم
بفقرةٍ في القانون
إلى المنفى
إلى بلدٍ بين الحياة والموت
فيكون الأمرُ على ما يرام
طبقًا لقانونكم هذا
الذي لم يسمع به العالم
فالعالم لم يعرف حتَّى بوجوده
ولا يوجدُ في أيِّ مكانٍ آخر
هذا الذي اخترعتموه أنتم فقط
لتلبسوا الباطل حقّاً
وتلبسوا الحقَّ باطلاً
لتأخذوا دور
ومساكن وبساتين
هؤلاء الحاضرين الغائبين
هؤلاء الذين تُدار أملاكهم
بموظَّفين من أجل هذا وظَّفتموهم
مثل المندوبين
الذين أداروا
أملاك اليهود
في الرايخ الثالث
هؤلاء الذين ليسوا هنا
وهم هنا
سيظلُّون لذلك
بينكم هنا
بوجودهم الثنائي
فهم غائبون مثل قانونكم
حاضرون مثل ظلمكم
غائبون مثل ضميركم
حاضرون مثل ضحاياكم
غائبون مثل قتلى طُمِروا
حاضرون مثل تذكارٍ بالقتل.
(ترجمة محمد أبو رحمة، اسمعي يا إسرائيل، حابى للنشر، القاهرة 2005)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق