الأربعاء، 4 مارس 2015

للمخرج التونسي نجيب بلقاضي .. “باستاردو”.. سلطة عفنة في عالم قـــاسٍ ومهمــــش


 الفيلم التونسي “باستاردو” للمخرج نجيب بلقاضي، الذي يدور في عالم مهمش مغلق على ناسه بالمجتمع التونسي وتصدّعاتهم الاجتماعية والعاطفية والإنسانية،
في ظل الموت والخراب. يجسد مقاربة مثقلة بعلاقات متشابكة ومتداخلة، وازعها الحب والعشق الخفي والصراع حول النفوذ داخل المجتمع، من خلال رصده لمعاناة شخصية اللقيط في المجتمع والعوالم الخفية لحي هامشي في تونس العاصمة. يطرح فيلم “باستاردو” من خلال حكاية “محسن” (عبد المنعم شويات)، وهو الشخصية المحورية التي تدور حولها الأحداث، يعاني التهميش والفقر واحتقار سكان حيه، يطرد من الشركة التركية التي كان يعمل بها بعد إقدام إحدى العاملات على سرقة كمية من الأحذية.. ونرى في الفيلم قضية مفعول تقنيات الاتصال الحديثة ومدى تأثيرها على الفرد والمجموعة. إذ تتغير حياة ويتحول وضع “باستاردو” الاجتماعي من رجل نكرة لا يحمل هوية معروفة ولا أصول اجتماعية معلومة إلى رجل يقصده الناس ليتزودوا بلوازم الهاتف المحمول وكيفية تشغيله.. بعد أن يقوم بتركيب محطة إرسال للهواتف النقالة فوق سطح بيته.. فتتحسن وضعيته المادية والاجتماعية تدريجيا. كما تتغير حياة الحي بأكمله بعد تمكنه من الاستفادة من هذه التكنولوجيا. لكن باستاردو في رحلته هذه للثراء والسلطة تتدهور صحته بفعل ذبذبات الهوائي مقابل تحسن وضعيته الاجتماعية الجديدة، إلا أن صديق طفولته “لرنوبة” (الشاذلي العرفاوي) زعيم الحي، لم يستسغ وضعية باستاردو الجديدة والتغيير الإيجابي في حياته مما أثار غيضه. فبعد أن كان يتحكم في كل الحي ويدّعي زعامة واهية فكان الصراع بينهما، حيث سيبذل كل ما بوسعه من أجل أن يعود الشاب إلى وضعه السابق.

«كثيرا ما شغلني التفكير في السلطة خاصة تحت حكم بن علي”، يقول نجيب بالقاضي، وهو أيضا مؤلف الفيلم قبل أن يضيف: “في 2007، عندما شرعت في كتابة هذا السيناريو، لم يكن لي سوى هاجس وحيد: يجب ألا تختار الشخصية الرئيسية السلطة، وإنما السلطة هي التي تختار باستاردو”.
طرح المشاكل الاجتماعية في علاقتها بالنفوذ خصوصا سلطة المال وعنف السلطة العفن في مكان منفي ويبدو دائرة مغلقة منعزلة عن العالم. البشر فيه مرتعبين أمام وجودهم البشري، خائبي المسعى إزاء وعود لم تتحقق وعالم يزداد عنفا وشراسة، بينهم الطيبون والأشرار وأيضا العاهرات واللصوص.. وأيضا تلك الفتاة التي يرشح جلدها حشرات غريبة. مكان سحري غريب الأطوار، ينتظر الخلاص والانعتاق، صادق أبناؤه الحشرات وجرى أطفالها حفاة الأقدم.. في حالة انتظار.. قبل الوصول إلى نهاية تجعل الضحكة المريرة والقاسية نظرة أيام مقبلة مخيفة منطلقة من راهن مسحوق ومدمّر. لا يوجد في تفسير درامي سهل واضح معتاد، بل تساؤلات مقلقة ومضنية تنطلق من منطلقات أخلاقية لتصل إلى آفاق تتعلق بالوجود الإنساني نفسه ومغزاه، في علاقته بالآخر. مصنوع بمفردات سينمائية تجعل أحد تشكيلات السرد في بناء العمل، وتتلاعب جماليا بالإضاءة لتأتي طريقة التصوير لتلائم موضوع الحكاية ولتكون مكملة لما لم تقله الكلمات، وهدفت إلى وضع المشاهد في أغلال الحكاية والصورة.
ويقوم بأدوار البطولة في “باستاردو” (تعني اللقيط باللغة الإيطالية) كل من عبد المنعم شويات وتوفيق البحري ولبنى نعمان والأسعد بن عبد الله والشاذلي العرفاوي وعيسى حراث، وتدور مدة أحداثه في ساعة و46 دقيقة.
نجيب بلقاضي (تونس العاصمة 13 ماي 1972) هو واحد من السينمائيين التونسيين المختلفين عن السائد، والساعين لتشكيل ملامح سينمائية خاصة نابعة من خصوصيات بلدانهم. ممثل ومخرج. تابع دراسته في الإدارة والتسويق بمعهد الدراسات التجارية العليا بقرطاج قبل أن يتحول إلى التمثيل ويشارك في أعمال سينمائية. أول خطواته في الإخراج خطاها في برنامج شمس عليك على قناة الأفق سنة 1998، ثم أصبح معدّا ومخرجا ومشاركا في تقديم البرنامج بين سنتي 1999 و2001. أسس شركة بروبقندا للإنتاج سنة 2002 بالاشتراك مع صديقه عماد مرزوق. أخرج لفائدة قناة 21 برنامجا ساخرا “ديما لاباس”. وفي سنة 2005 أخرج الشريط القصير “تصاور” عن سيناريو لسعاد بن سليمان وتلاه بشريطه الطويل “VHSكحلوشة” سنة 2006. وكانت تجربة ناجحة قربته من الجمهور وقد حصد هذا العمل النجاح تلو الآخر وكان من الأفلام الوثائقية التي عرّفت بنجيب بلقاضي المخرج المتمكن من ضوابط الصورة السينمائية المعاصرة والقادرة على التوغل في مناطق جريئة من الحياة. حاز فيلمه “باستاردو” بالجائزة الكبرى الخاصة بالفيلم الروائي الطويل لمهرجان تطوان لسينما بلدان المتوسط.
محمد عبيدو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق