الثلاثاء، 10 مارس 2015

"آسيا جبار" إلى الجزائر لتدفن في وطنها

وفاة الأديبة والسينمائية الجزائرية الكبيرة آسيا جبار الجمعة، في العاصمة الفرنسية باريس عن عمر ناهز 79 سنة. تفقد الجزائر والعالم الأدبي وجهاً إبداعياً عالمياً مميزاً.رشحت عدة مرات لجائزة نوبل؛ وهي عضو في الأكاديمية الفرنسية منذ 2005.
وقالت رئيسة جمعية "أصدقاء آسيا جبار" أمال شغواطي إن أعضاء عائلة آسيا جبار لمحزونون لإعلان وفاة الروائية آسيا جبار، داعية إلى ضرورة إحياء ذكراها بالاهتمام بإنتاجها الأدبي.
وولدت آسيا جبار، واسمها الحقيقي فاطمة الزهراء املحاين- بشرشال يوم 30 يناير/كانون الثاني 1936، وقضت طفولتها والسنوات الأولى من الدراسة في مدينة موزاية بالبليدة، لتنتقل رفقة عائلتها إلى فرنسا، حيث شرعت في دراستها الثانوية بباريس سنة 1954 وعادت بعد الاستقلال ودرست في جامعة الجزائر، وأصبحت من أكبر الروائيين الجزائريين الكاتبين باللغة الفرنسية، رشحت عدة مرات لنيل نوبل للآداب. انتقلت رفقة عائلتها إلى فرنسا سنة 1954، وقد مارست الراحلة الكتابة لأكثر من 50 سنة، كما أخرجت عدّة أعمال سينمائية واهتمت كذلك بالتاريخ، كما نشرت أوّل أعمالها الروائية وكانت بعنوان «العطش» (1953) ولم تتجاوز العشرين من العمر، ثمّ رواية "نافذة الصبر" (1957).
وفي عام 1958 تزوجت الكاتب أحمد ولد رويس (وليد قرن) أحد نشطاء المقاومة الوطنية الجزائرية الذي ألف معها رواية "أحمر لون الفجر"، وانتقلت للعيش في سويسرا ثمّ عملت مراسلة صحافية في تونس. ولأنها لا يمكنها الإنجاب، تبنت في عام 1965 طفلاً في الخامسة من عمره وجدته في دار الأيتام بالجزائر، لكن زواجها واجهته مصاعب عديدة فتخلت عن ابنها بالتبني وانتهى زواجها بالطلاق عام 1975.
انقطعت آسيا جبار عن الكتابة بعد أربعة إصدارات سردية، لكنها ما لبثت أن عادت بنفس جديد تشعبت معه مجالات كتابتها بين المجالات الروائية والشعر، فبالإضافة إلى إبداعاتها الروائية التي سجلت تحولاً ملحوظاً سواء في طبيعة الموضوعات المطروقة أو طرق التناول أو الرؤية الجمالية المتبناة مثل ''الحب والفانتازيا'' (1985) و''الظل السلطاني'' (1987) و''بعيدا عن المدينة المنوّرة'' (1991) و''السجن ما أوسعه!'' (1995)، أصدرت آسيا جبار كتاب ''بياض الجزائر'' (1998)؛ حيث تروي ذكرياتها مع أصدقائها (الطاهر جعوط، عز الدين مجوبي، وعلولة) المغتالين ثلاثتهم خلال الأحداث التي عرفتها الجزائر خلال العقد الأخير من القرن الماضي، إلى جانب كتاب حول العنف بعنوان ''وهران اللّسان الميت'' و''هذه الأصوات التي تحاصرني (1999)، و''اندثار اللغة الفرنسية''، و''ليالي ستراسبورغ''··· وكان لما أنتجته آسيا جبار أهميته في صياغة وتوجيه التمثيلات الاجتماعية والثقافية عن الذات الجزائرية وعن الآخر، وبهذا النتاج الغزير عبرت عن تجارب الشعب وتصدّعات الذاكرة وأزمات الهوية بلغة الآخر.
بعد الاستقلال توزعت جبار بين تدريس مادة التاريخ في جامعة الجزائر العاصمة والعمل في جريدة "المجاهد"، مع اهتمامها السينمائي والمسرحي. وبجانب الكتابة عملت آسيا جبار في الإخراج السينمائي، حيث أخرجت فيلم "نوبة نساء جبل شنوة" الذي نالت به تقدير لجنة تحكيم مهرجان البندقية عام 1979. 

كان فيلم "نوبة نساء جبل شنوة" 1977 الوثائقي للروائية والمخرجة آسيا جبار، الذي يشكل انفراداً متميزاً في العلاقة بين الروائي والسينمائي في الجزائر، كون أن آسيا جبار هي في الأساس كاتبة وجامعية خاضت هذه التجربة الوثائقية والتسجيلية انطلاقاً من المعايشة الشخصية للكاتبة – المخرجة والرصيد الشعري الكامن لدى نساء الجزائر، وبالخصوص في جبل شنوة (قرب ولاية تيبازة مسقط رأس المخرجة) وهنا نشأت علاقة حميمة بين نساء جبل شنوة، ورؤية مخرجة تحمل في داخلها حسا نسائياً متقدماً أرادت أن تكثفه في عمل قريب وواقعي. الوثائقية والتسجيلية وسيلة لسرد البعد الشاعري لهؤلاء النسوة في محيطهن الطبيعي.
وأنجزت آسيا جبار عام 1982 "زردة أو أغاني النسيان". ويتمحور الفيلم حول موضوع المرأة. والمرأة هنا تكشف عن قدرتها على التعبير عن نفسها بجرأة وعلى اجتراح ولادة جديدة.
عندما تريد آسيا جبار أن تختصر تجربتها الإبداعية تقول: "أحاول ككاتبة أن أصلح الاقتلاع الذي كنت ضحيته في طفولتي. ومجيئي إلى السينما جاء من باب الذهاب إلى العربية المحكية. تجربتي السينمائية جعلتني أعي كوني كاتبة بالفرنسية من دون عقد نقص، ولِم العقد طالما أني أكتب عن بلدي".


تبدو التجربة الثقافية لآسيا جبار تأسيسية على أكثر من مستوى. فهي استكملت طريق الكتابة النسوية وجعلت منها محفلاً ثقافياً قائماً بذاته. وتكفي اليوم قراءة كتابات جزائريات، سواء في الداخل أو في المهجر، من قبيل: صفية قطو، ومريم بين وأحلام مستغانمي وفاطمة غالير ومالكة المقدم وسواهن للوقوف على المسار المنفتح الذي اختطته كتابات آسيار جبار، وعلى ذلك الوعي اليقظ بقضايا التاريخ وقوة الهوامش النسوية، واستمرار الأسئلة القلقة التي تطرحها على عوالم المجتمع والثقافة. كما أنها فتحت أمام النساء الجزائريات باب السينما وطرقته في وقت كانت لا تزال الكلمة، أو بالأحرى الصورة، تستعصي على التناول النسائي. واليوم يمكن للسينمائيات الجزائريات، من أمثال يمينة شويخ ويمينة بنغيغي ورشيدة كريم ومليكة طنفيش وفجرية دليبة أن يفتخرن بكون رائدتهن في هذا المجال كانت امرأة مثقفة وكاتبة وأديبة من طراز آسيا جبار، يتماشى لديها التعبير بالصورة والتعبير بالكلمة عن الهواجس التاريخية والشخصية الدفينة للمرأة العربية المعاصرة.
لئن تأجل حضور اسم ''آسيا جبار'' في سجل الفائزين بنوبل للآداب، بالرغم من ترشيحها للجائزة مرات عدة، فإن تتويجها بجائزة المكتبيين الألمان العالمية للسلام عام 2000، يبقى علامة فارقة لها ألقها الخاص ضمن الأحداث الثقافية العالمية. شغلت الفقيدة قبل رحيلها منصب بروفيسور الأدب الفرنكفوني في جامعة نيويورك.. .وستوارى التراب بمسقط رأسها ( شرشال) وفقاً لرغبتها حسب عائلتها.
لجزائر - محمد عبيدو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق