الجمعة، 20 مارس 2015

الطيب الوحيشي: جماليات مختلفة لأفلامه في السينما التونسية


محمد عبيدو


ظهر خلال الثمانينيات في السينما التونسية مخرج موهوب ووجد مشاهدة دولية مشجعة لأفلامه، هو المخرج الطيب الوحيشي (من مواليد 1948)، خريج معهد السينما في باريس، وهو إلى ذلك متحصّل على شهادة الدكتوراه في الأدب وعلم الاجتماع
غالبا ما تقترن تجربته الإبداعية بالمغامرة والتحدي والرهان على الذائقة النوعية المغايرة. اختار الطيب الوحيشي الانتصار على آلامه بالسينما... بعد أن أقعده حادث مرور أليم منذ سنوات عن الحركة... لكن هذا الحادث الذي تسبب له في شبه إعاقة لم يحرمه من مواصلة مشواره والوقوف خلف الكاميرا لتوجيه السينمائيين ونصحهم وتكوينهم. عرفناه من خلال عدة أعمال سينمائية متميزة حازت على إعجاب الجمهور والنقاد على حد سواءو انطلق الطيب الوحيشي في تأثيث مسيرته السينمائية بإخراج أفلام قصيرة وثائقية من بينها الطريق المتقاطع 1970 والتماثيل 1971 وتبعها فيلمه “قريتي قرية بين القرى” الحائز على التانيت الذهبي في مسابقة الأفلام القصيرة لدورة أيام قرطاج السينمائية 1972. وفيلمه “ظل الأرض” 1982 عمل اختير وتوج في أسبوع النقاد بمهرجان “كان” الدولي ويعد هذا الفيلم من الأفلام العربية القليلة المنجزة انطلاقا من الدراسات الاجتماعية الأنتربولوجية. ويدور حول آخــر مجموعة تعيش منعزلة في معسكر “بدوي” يقع فوق أراضي بالغة الجـدب، رئيس القبيلة يسكن في واحدة من الخيام الأربع التي تمثل القبيلة، وهو يعيش مع أبنائه وأبناء أخيه وأسراهم “صالح” الإبن الأكبر، الذين يقطنون في المخيمات الأخرى.. ومن خلال واقع الحياة البالغ القسوة، تمر الأحداث، وعليهم الخروج من المنطقة وعلى الأبناء الاغتراب، “صالح” الابن الأكبر يسافر ويودعونه يعود الابن الثاني “حميد” ومعه الهدايا... لكن “حميد” يسافر مرة أخرى لأداء الخدمة العسكرية، ويشــتد الجــذب، يقرر أحدهم السفر وتصل أخبار عن موت صالح، يصل جثمانه ويبقى العجوز مع زوجة ابنه وحيدين..وتعزّزت تجربته بأعمال أخرى منها" قوريا، جزيرة الجدّ"(1987) الحائز على الجائزة الخاصّة للجنة التحكيم بالجزائر،  الذي صوره في السنغال عام 1987 وفيلم “مجنون ليلى” عام 1989 المتوج في واغادوغو وميلانو. وفي شريطه الطويل الخامس “رقصة الريح” يمحور الطيب الوحيشي الأحداث حول شخصية يوسف، وهو مخرج في الخمسين من عمره، يقصد الجنوب التونسي بحثا عن أماكن لتصوير مشاهد شريطه الجديد. فيلتقي في قرية غريبة راعية غنم جميلة تطلب منه ألا يلتقط لها صورا. بعد ذلك يتيه في ليل الصحراء (أ هي صحراء العمر؟) وتتعطل سيارته ذات الدفع الرباعي في قلب الصحراء. وهكذا يختلي بنفسه ليستعيد شريط أعوامه الماضية. ولا تبقى له من علامات موثوقة إلا سيارته التي تشكل ركيزة بقائه وصموده أيضا بما في صندوقها من زجاجات ماء وعلب بسكويت مبعثرة إلى جانب الصور والسيناريوات والأوراق. يستسلم يوسف للأمر الواقع ويبدأ حلمه بفيلمه الجديد رغم كل الظروف المحيطة، وفي هذه الأثناء ينطلق مساعده ترافقه “السكريبت” في رحلة البحث عنه، وتجعلنا تلك الرحلة نكتشف المنطقة ونعايش بعض المشاهد التي يراها المخرج أيضا أو يتخيلها. كما يعمد إلى رسم شخصيات سرعان ما تتحرك أمامه في سراب الصحراء. وهكذا يتوغل يوسف في هلوساته السرابية إلى أن يكتشف فجأة - وبحركة انتقالية من الكاميرا - أنه كان يؤدي دور الشخصية الرئيسية في فيلمه. يركّز الفيلم على ثنائيات كثيرة مثل الإخراج والمعاناة، الحلم والواقع... السيرة الذاتية والسيرة الإبداعية. مع أن الطيب الوحيشي - وهو كاتب الفيلم - لا يقرّ بأنه ينضوي ضمن أفلام السيرة الذاتية، ويفضل على ذلك وصفه بـ “السيرة الإبداعية”. وأشار في إحدى مقابلاته إلى أنه اختار المخرج والممثل الجزائري محمد شويخ ليلعب دور المخرج في هذا الفيلم “لئلا يقال إن سيرة هذا الفيلم هي سيرة الطيب الوحيشي”. أما بخصوص المعاناة التي يخوض فيها الفيلم، فقد أشار الوحيشي إلى أن فيلمه يطرح أسئلة عدة: كيف نواصل عملنا وإبداعنا؟ ولماذا الصورة؟ وما أهميتها؟ مؤكدا أن “كل واحد من السينمائيين العرب هو سيزيف، ولكن من دون بكاء، بل هو سيزيف عربي يقف بوجه المصاعب ويتحداها”. وكان فيلم “طفل الشمس” العمل الأخير في رحلة الطيب الوحيشي مع السينما.


فيلموغرافيا: ظل الأرض (فيلم روائي) - رقصة الريح (فيلم روائي) - ليلة إفريقية (فيلم روائي) - قريتي... واحدة مثل كل القرى - غوري... جزيرة الجد - الخمّاس (فيلم روائي) - قرطاج (فيلم روائي) - أوبرا ابن سينا (فيلم روائي) - مجنون ليلى (فيلم روائي) - عرس القمر (فيلم روائي) - طفل الشمس (فيلم روائي).



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق