محمد عبيدو
" ستانلي كوبريك : سيرة حياته وأعماله
تــــــــرك كوبريــــــك فِيَّ أثــــــــرا خرافيـــــــا في ضخـــــامتــــــــه من بين أقــــرانـــــــــه في جيـــــــل الشبـــــــاب"
اورسون ويلز
سينما المخرج "ستانلي كوبريك" الذي رحل في اذار 1999 لا يمكنها ان تقوم إلا على أساس سوء التفاهم شأن كل فن كبير وحقيقي، فقد اتسم هذا المبدع بانتقائية مدهشة، و خاض خلال ما يقرب من نصف قرن - هو عمر تجربته السينمائية- وعبر ثلاثة عشر فيلما، العديد من الأنواع التي عرفت بها السينما الهوليوودية، من سينما الحرب، إلى أفلام العصابات إلى سينما الاستعراض التاريخي، فحكايات الغرام والخيال العلمي، إلى سينما الرعب.. واكتشف وأسس الكثير من عناصر السينما التي بدأ العديد من المخرجين بأخذها كمحطة أولى لبدء أفلامهم منها، فمثلاً في أحد أوائل أفلامه (القتل) عام 1956 ابتكر طريقة التقطيع والربط السريع في أحداث الجرائم، وفي عام 1969 (2001: ملحمة فضائية) صور حياة الفضاء بمؤثرات صارت قدوة لكل صانعي أفلام الخيال العلمي، وفي معظم أفلامه هناك حالة نفسية غريبة في أحد أشخاصه، كما ان سينماه، باستثناء فيلميه(خوف ورغبة)و(قبلة القاتل)، اتكأت على أعمال أدبية بارزة مثل«لوليتا» لفلاديمير نابوكوف، و«سبارتاكوس» لهوارد فاست، و«أوديسا الفضاء» لآرثر سي كلارك، و«البرتقالة الآلية» لأنطوني بارغس وغيرها، ،والأمر الآخر في مسيرة هذا المبدع هو انه، ومنذ رحيله عن الولايات المتحدة مطلع الستينيات واختياره العيش في بريطانيا، عرف باعتزاله العالم بشكل يكاد يكون نسكيا، فهو نادرا ما قابل أحدا، ولم يسافر على الإطلاق، ولم يقبل التكريم.
ان هذا الكتاب، الذي قام بتأليفه " فنسنت لوبرتو " وترجمه الى العربية "علام خضر " وصدر في 695 صفحة ضمن سلسلة الفن السابع عن المؤسسة العامة للسينما بدمشق ، هو السيرة الاولى الشاملة عن حياة ستانلي كوبريك احد عمالقة الاخراج السينمائي في القرن العشرين وقد انصب هدف المؤلف على تفنيد هذا الغموض والاساطير المحاكة حول العبقرية السينمائية كوبريك من خلال سرد حياته بدءا من ولادته في مقاطعة (بروكنس) بنيويورك عبر عقود من انجازاته السينمائية الى المفهوم الحالي المبالغ به حول اعتباره مخرجا مبدعا معتكفا يعيش في حالة من النسيان، وبعد اربع سنوات من البحث المكثف والمقابلات التي اجراها المؤلف مع كل معارف ستانلي كوبريك وكل من شارك في اعماله"، وجد أن هذا الغموض والاساطير تخبو في مجرد انسان حقيقي ".
شهد ستانلي كوبريك كرحالة سينمائي ثلاث حروب وتمرد العبيد قديما بالاضافة الى مواجهة نووية لاعقلانية بين القوى العظمى، وقد عبر في رحلته العالم السفلي في المناطق الحضرية، واستكشف خفايا الرغبة الجامحة التي تستحوذ على بروفسور تجاه محظيته الصغيرة، وسافر عبر الكون وما وراء حدوده، كما زار المستقبل القريب حيث ساد العنف المفرط وسافر عبر الزمن الى القرن الثامن عشر ، وتناوب بين الماضي والحاضر في فندق تسكنه الاشباح في كولورادو ، قام كوبريك بكل هذه الرحلات السينمائية مع أنه قضى نصف حياته الشخصية والعملية تقريبا في ريف لندن بانكلترا .
لم يدرس كوبريك السينما وانما علاقته بها ابتدأت من حضوره المتواصل لدور السينما عندما كان طالبا في الثانوية " فستانلي كوبريك الشاب كانت لديه بالفعل جرأة التفكير على مقدرته صناعة افلام موازية ان لم تكن افضل من تلك التي تنتجها مصانع هوليوود ، فكوبريك الشاب كان يعتقد انه قادر على الافلام السينمائية ، وقد دفعه خيار من اللاوعي أن يشاهد كل ما يتعلق بالسينما ، كما علمه تفكيره المنطقي وفضوله المتنامي بأن لا يسترسل بعواطفه في انتقاء الافلام بناء على النجم السينمائي أو نوع الفيلم ، وبدأ بمشاهدة كل الافلام لان فيها شيئاً ما يجب أن يتعلمه " .
ابتدأ الشاب كوبريك مهنته كمصور صحفي عام 1946 ، وسرعان ما اصبح صانع افلام ولد من روح فوتوغرافية ، ان طبيعة التصوير الفوتوغرافي بحد ذاتها من ضوء وعمق وفراغ وتكوين وقياس الواقع الذي تدركه عين المصور تنبض في كل فيلم اخرجه كوبريك ، فهو يعتبر " عاشقا للسينما ونصب نفسه مؤرخا سينمائيا يتمتع بمعرفة واسعة وشغف كبير بماضي السينما وحاضرها ومستقبلها ، هذا وتظهر دراية كوبريك ومعرفته التقنية والجمالية للفن ومهنة التصوير الفوتوغرافي كوسيط في كل لقطة ومشهد من تاريخ أفلامه السينمائية "
بلغ كوبريك سن النضج عام 1950 وكان مستعدا لتوديع دور العبقري الصغير كصحفي مصور وقرر ان الوقت قد حان ليصنع أول افلامه السينمائية ، وكان لديه العزم والتصميم على ان يطور ثقافته ذاتيا ، لقد علم نفسه بنفسه ليصبح مخرجا سينمائيا وصانع أفلام .
فيلمه الاول تسجيلي " يوم النزال " مثير من الناحية البصرية ، وخال من الزلات الشائعة بين صانعي الافلام الناشئين، وقد منح لنفسه فيه الحرية المطلقة في التجريب بأسلوب مونتاجي مفعم بالحيوية والاشراق ، وتلاه فيلمه التسجيلي "القديس الطائر " ثم الروائي الطويل " الخوف والرغبة " الذي انجزه كله بنفسه، ثم فيلمه " قبلة القاتل " الاحترافي المتميز، وتلاه فيلم " القتل " الذي يعتبر من الافلام الكلاسيكية للجرأة السينمائية التي صبغت اسلوب سرد القصة واتباعها تركيبة غير مترابطة في الاحداث، من اجل اظهار تفاصيل الحالة الدرامية ، ولجأ في فيلمه " دروب المجد للتصوير بالكاميرا المحمولة ، فكان العمل بواسطة الكاميرا السينمائية امتداداً لخلفيته في التصوير الصحفي مما اضفى عنصر الواقع التسجيلي على افلامه القصصية .
وعام 1960 قدم فيلمه الملحمي " سبارتاكوس " ، والذي يوجز قصة تمرد العبيد في روما، في العام 73 ق. م، سبارتاكوس الذي لعب دوره (كيرك دوجلاس) يبدأ رحلته من منجم في ليبيا، حيت كان ضمن من اشتراهم صاحب المنجم (بيتر أوستينوف)، ويرصد الفيلم قصة حبه، وتمرده وعودته للأسر مرة أخرى، وقد حصد اربع جوائز اوسكارية ، وتلاه فيلمه الجريء الذي عانى مشاكل مع الرقابة " لوليتا " عن الرواية الشهيرة لنابوكوف وقد دخل فيه عالم الكوميديا السوداء ... ان الكآبة التي تكتنف كوبريك وفكاهته الخبيثة قد زخرفت الفيلم بقشرة مخادعة من السخرية والتهكم، وقد عام 1964 فيلمه " الدكتور سترينجلاف " عن الحرب النووية .
وقدم نص فيلم " 2001 : اوديسة الفضاء " الذي اخرجه كوبريك عام 1968 كفنان بحت بين صفوف أسياد السينما ، الفيلم يعد ملحمة خيال علمي، يقدمها كوبريك بأناة ودقة ينتجهـا ويخرجها ويكتب السيناريو لها ليضمن مفاتيح اللعب كلها لكن ما يقوله في النهاية – بوضوح- هو أن الانسان سيشب يوما عن طوق الآلة أو ربما ينسحب فيما وراءها بواسطة وعي- قوي- كوني- ليعود سيرته الأولى طفلا، لكنه في هذه الطفولة أكثر تقدما من طفولته الأولى التي عبر عنها بأجيال القردة ، ويتبعه بفيلمه الشهير " البرتقالة الالية " الذي قال عنه بونويل : " هو فيلمي المفضل ،كنت من المعارضين لهذا الفيلم ولكن بعد ان شاهدته أدركت بأنه الوحيد الذي يعبر عن العالم الحقيقي المعاصر الذي نعيش فيه " .
واذا كان الحاسب الآلي في أوديسا الفضاء 2001 هو أكثر شخوصه إنسانية، وأن فيلم البرتقالة الآلية يظل مفجعا في تقديمه موضوعة العنف، فهو في فيلمه باري ليندون (1975) يريدنا أن نفك موضوعاته وشخوصه كما لو كانت أجزاء آلية، ومع باري ليندون، المأخوذ عن رواية- كالعادة- للكاتب ثاكري، يقدم كوبريك لنا بطريقة مثالية بحثا حول تلك الثيمة ، بطله شاب تعصف به الحوارث، ولا يتحكم قي حياته إلا قليلا، ليقع بطريقة حمقاء في حب مراهقته ! لكنه يغادر الحي فجأة بعد مبارزة ، وبعد انخراطه في الجيش البريطاني يحارب في أوروبا، حيث الصحراء من كل جانب، لا يجد الرفقة الطيبة ، يتزوج من امرأة ذات ثراء وحسن ثم يحطم عالمه لأنه يفتقر الى الشخصية التي تجعله ينجو بنفسه، هذا كله يحدث بمحض المصادفة، لا توجد أدنى عقلانية منطقية توجب حدوثها، لا نظرية في الحياة ولا شخصية ما تقود البطل نحو حتفه.
اورسون ويلز
سينما المخرج "ستانلي كوبريك" الذي رحل في اذار 1999 لا يمكنها ان تقوم إلا على أساس سوء التفاهم شأن كل فن كبير وحقيقي، فقد اتسم هذا المبدع بانتقائية مدهشة، و خاض خلال ما يقرب من نصف قرن - هو عمر تجربته السينمائية- وعبر ثلاثة عشر فيلما، العديد من الأنواع التي عرفت بها السينما الهوليوودية، من سينما الحرب، إلى أفلام العصابات إلى سينما الاستعراض التاريخي، فحكايات الغرام والخيال العلمي، إلى سينما الرعب.. واكتشف وأسس الكثير من عناصر السينما التي بدأ العديد من المخرجين بأخذها كمحطة أولى لبدء أفلامهم منها، فمثلاً في أحد أوائل أفلامه (القتل) عام 1956 ابتكر طريقة التقطيع والربط السريع في أحداث الجرائم، وفي عام 1969 (2001: ملحمة فضائية) صور حياة الفضاء بمؤثرات صارت قدوة لكل صانعي أفلام الخيال العلمي، وفي معظم أفلامه هناك حالة نفسية غريبة في أحد أشخاصه، كما ان سينماه، باستثناء فيلميه(خوف ورغبة)و(قبلة القاتل)، اتكأت على أعمال أدبية بارزة مثل«لوليتا» لفلاديمير نابوكوف، و«سبارتاكوس» لهوارد فاست، و«أوديسا الفضاء» لآرثر سي كلارك، و«البرتقالة الآلية» لأنطوني بارغس وغيرها، ،والأمر الآخر في مسيرة هذا المبدع هو انه، ومنذ رحيله عن الولايات المتحدة مطلع الستينيات واختياره العيش في بريطانيا، عرف باعتزاله العالم بشكل يكاد يكون نسكيا، فهو نادرا ما قابل أحدا، ولم يسافر على الإطلاق، ولم يقبل التكريم.
ان هذا الكتاب، الذي قام بتأليفه " فنسنت لوبرتو " وترجمه الى العربية "علام خضر " وصدر في 695 صفحة ضمن سلسلة الفن السابع عن المؤسسة العامة للسينما بدمشق ، هو السيرة الاولى الشاملة عن حياة ستانلي كوبريك احد عمالقة الاخراج السينمائي في القرن العشرين وقد انصب هدف المؤلف على تفنيد هذا الغموض والاساطير المحاكة حول العبقرية السينمائية كوبريك من خلال سرد حياته بدءا من ولادته في مقاطعة (بروكنس) بنيويورك عبر عقود من انجازاته السينمائية الى المفهوم الحالي المبالغ به حول اعتباره مخرجا مبدعا معتكفا يعيش في حالة من النسيان، وبعد اربع سنوات من البحث المكثف والمقابلات التي اجراها المؤلف مع كل معارف ستانلي كوبريك وكل من شارك في اعماله"، وجد أن هذا الغموض والاساطير تخبو في مجرد انسان حقيقي ".
شهد ستانلي كوبريك كرحالة سينمائي ثلاث حروب وتمرد العبيد قديما بالاضافة الى مواجهة نووية لاعقلانية بين القوى العظمى، وقد عبر في رحلته العالم السفلي في المناطق الحضرية، واستكشف خفايا الرغبة الجامحة التي تستحوذ على بروفسور تجاه محظيته الصغيرة، وسافر عبر الكون وما وراء حدوده، كما زار المستقبل القريب حيث ساد العنف المفرط وسافر عبر الزمن الى القرن الثامن عشر ، وتناوب بين الماضي والحاضر في فندق تسكنه الاشباح في كولورادو ، قام كوبريك بكل هذه الرحلات السينمائية مع أنه قضى نصف حياته الشخصية والعملية تقريبا في ريف لندن بانكلترا .
لم يدرس كوبريك السينما وانما علاقته بها ابتدأت من حضوره المتواصل لدور السينما عندما كان طالبا في الثانوية " فستانلي كوبريك الشاب كانت لديه بالفعل جرأة التفكير على مقدرته صناعة افلام موازية ان لم تكن افضل من تلك التي تنتجها مصانع هوليوود ، فكوبريك الشاب كان يعتقد انه قادر على الافلام السينمائية ، وقد دفعه خيار من اللاوعي أن يشاهد كل ما يتعلق بالسينما ، كما علمه تفكيره المنطقي وفضوله المتنامي بأن لا يسترسل بعواطفه في انتقاء الافلام بناء على النجم السينمائي أو نوع الفيلم ، وبدأ بمشاهدة كل الافلام لان فيها شيئاً ما يجب أن يتعلمه " .
ابتدأ الشاب كوبريك مهنته كمصور صحفي عام 1946 ، وسرعان ما اصبح صانع افلام ولد من روح فوتوغرافية ، ان طبيعة التصوير الفوتوغرافي بحد ذاتها من ضوء وعمق وفراغ وتكوين وقياس الواقع الذي تدركه عين المصور تنبض في كل فيلم اخرجه كوبريك ، فهو يعتبر " عاشقا للسينما ونصب نفسه مؤرخا سينمائيا يتمتع بمعرفة واسعة وشغف كبير بماضي السينما وحاضرها ومستقبلها ، هذا وتظهر دراية كوبريك ومعرفته التقنية والجمالية للفن ومهنة التصوير الفوتوغرافي كوسيط في كل لقطة ومشهد من تاريخ أفلامه السينمائية "
بلغ كوبريك سن النضج عام 1950 وكان مستعدا لتوديع دور العبقري الصغير كصحفي مصور وقرر ان الوقت قد حان ليصنع أول افلامه السينمائية ، وكان لديه العزم والتصميم على ان يطور ثقافته ذاتيا ، لقد علم نفسه بنفسه ليصبح مخرجا سينمائيا وصانع أفلام .
فيلمه الاول تسجيلي " يوم النزال " مثير من الناحية البصرية ، وخال من الزلات الشائعة بين صانعي الافلام الناشئين، وقد منح لنفسه فيه الحرية المطلقة في التجريب بأسلوب مونتاجي مفعم بالحيوية والاشراق ، وتلاه فيلمه التسجيلي "القديس الطائر " ثم الروائي الطويل " الخوف والرغبة " الذي انجزه كله بنفسه، ثم فيلمه " قبلة القاتل " الاحترافي المتميز، وتلاه فيلم " القتل " الذي يعتبر من الافلام الكلاسيكية للجرأة السينمائية التي صبغت اسلوب سرد القصة واتباعها تركيبة غير مترابطة في الاحداث، من اجل اظهار تفاصيل الحالة الدرامية ، ولجأ في فيلمه " دروب المجد للتصوير بالكاميرا المحمولة ، فكان العمل بواسطة الكاميرا السينمائية امتداداً لخلفيته في التصوير الصحفي مما اضفى عنصر الواقع التسجيلي على افلامه القصصية .
وعام 1960 قدم فيلمه الملحمي " سبارتاكوس " ، والذي يوجز قصة تمرد العبيد في روما، في العام 73 ق. م، سبارتاكوس الذي لعب دوره (كيرك دوجلاس) يبدأ رحلته من منجم في ليبيا، حيت كان ضمن من اشتراهم صاحب المنجم (بيتر أوستينوف)، ويرصد الفيلم قصة حبه، وتمرده وعودته للأسر مرة أخرى، وقد حصد اربع جوائز اوسكارية ، وتلاه فيلمه الجريء الذي عانى مشاكل مع الرقابة " لوليتا " عن الرواية الشهيرة لنابوكوف وقد دخل فيه عالم الكوميديا السوداء ... ان الكآبة التي تكتنف كوبريك وفكاهته الخبيثة قد زخرفت الفيلم بقشرة مخادعة من السخرية والتهكم، وقد عام 1964 فيلمه " الدكتور سترينجلاف " عن الحرب النووية .
وقدم نص فيلم " 2001 : اوديسة الفضاء " الذي اخرجه كوبريك عام 1968 كفنان بحت بين صفوف أسياد السينما ، الفيلم يعد ملحمة خيال علمي، يقدمها كوبريك بأناة ودقة ينتجهـا ويخرجها ويكتب السيناريو لها ليضمن مفاتيح اللعب كلها لكن ما يقوله في النهاية – بوضوح- هو أن الانسان سيشب يوما عن طوق الآلة أو ربما ينسحب فيما وراءها بواسطة وعي- قوي- كوني- ليعود سيرته الأولى طفلا، لكنه في هذه الطفولة أكثر تقدما من طفولته الأولى التي عبر عنها بأجيال القردة ، ويتبعه بفيلمه الشهير " البرتقالة الالية " الذي قال عنه بونويل : " هو فيلمي المفضل ،كنت من المعارضين لهذا الفيلم ولكن بعد ان شاهدته أدركت بأنه الوحيد الذي يعبر عن العالم الحقيقي المعاصر الذي نعيش فيه " .
واذا كان الحاسب الآلي في أوديسا الفضاء 2001 هو أكثر شخوصه إنسانية، وأن فيلم البرتقالة الآلية يظل مفجعا في تقديمه موضوعة العنف، فهو في فيلمه باري ليندون (1975) يريدنا أن نفك موضوعاته وشخوصه كما لو كانت أجزاء آلية، ومع باري ليندون، المأخوذ عن رواية- كالعادة- للكاتب ثاكري، يقدم كوبريك لنا بطريقة مثالية بحثا حول تلك الثيمة ، بطله شاب تعصف به الحوارث، ولا يتحكم قي حياته إلا قليلا، ليقع بطريقة حمقاء في حب مراهقته ! لكنه يغادر الحي فجأة بعد مبارزة ، وبعد انخراطه في الجيش البريطاني يحارب في أوروبا، حيث الصحراء من كل جانب، لا يجد الرفقة الطيبة ، يتزوج من امرأة ذات ثراء وحسن ثم يحطم عالمه لأنه يفتقر الى الشخصية التي تجعله ينجو بنفسه، هذا كله يحدث بمحض المصادفة، لا توجد أدنى عقلانية منطقية توجب حدوثها، لا نظرية في الحياة ولا شخصية ما تقود البطل نحو حتفه.