يرى أغلب المتتبعين والمهتمين بالمجال السينمائي في موريتانيا أن سنوات
الخمسينات شهدت أولى إرهاصات وتطورات المشهد السينمائي الموريتاني من خلال
“البعثات الرحالة” التي قامت بها فرق فرنسية ومصرية على شاشات سينمائية
محمولة جابت العديد من البوادي الموريتانية محاولة تجسيد ونقل صورة لمجتمع
صحراوي حتى سنة 1960، التي ظهر فيها المخرج السينمائي “همام افال” محاولا
خلق قاعدة بشرية تستوعب أو تقترب في تلك الرحلة من التعمق في فهم الصورة
السينمائية وقراءتها، ليتوقف الانتاج السينمائي بموريتانيا في السيعينيات
مما جعل الحالمين بالفن السينمائي ينطلقون للهجرة والدراسة والعمل في
الخارج.. وإن بقيت موضوعاتهم موريتانية وظهر مخرجون من أمثال سيدين سوخاني
ومحمد ولد السالك ومحمد ميد هندو وعبد الرحمن سيساكو، ليقدموا الصورة
الموريتانية بعدسات مخرجين يعيشون في الوطن، يأكلون خبزه ويتنفسون هواءه
الذي يبشر بميلاد عصر جديد لسينما مقبولة بين المجتمع. وتلاهم أسماء
سينمائية شابة تألقت في أفلام مثل: أحياء الصفيح.. القلب النابض للمخرج
سالم دندو والتامركيت لمحمد ولد ادوموا، ومشاة لأحمدوا ولد محفوظ، وهنا
تجدر الإشارة إلى أن هذه الأفلام أنتجت بطريقة الديجيتال من قبل فريق إنتاج
مبتدئ إلا أنها تتميز بنكهة سينمائية مميزة.
المخرج سالـــم دندو: “لا نملك معاهد للفنون والدعم الرسمي معدوم في موريتانيا”
المخرجــــــة “لالة كابر”: “أحـــــــب مقاربـــــــــة المشاكـــل الاجتماعيــة المحظـــورة”
المخرجة “مي مصطفى”: “أعمل على الريتم النفسي للناس وتفاصيلهم الصغيرة”
«الجزائر نيوز” التقت مع رئيس دار السينمائيين في موريتانيا ومدير المهرجان
الوطني للفيلم الموريتاني، المخرج سالم دندو والمخرجتين “لالة كابر” و«مي
مصطفى” خلال ندوة حوارية تطل على واقع السينما في موريتانيا والاشتغالات
الإبداعية الخاصة بالمخرجين الجدد، حيث تحدث سالم دندو قائلا: “في
موريتانيا بالإضافة إلى المصاعب التقليدية للواقع السينمائي العربي لدينا
معاناة خاصة، فموريتانيا البلد العربي الوحيد الذي لا يملك معاهد للفنون
عموما بما فيها السمعية البصرية كما يعاني بشكل أو بآخر من مشكلة الدعم
للعمل الفني. وكانت هناك دور عرض سينمائية واختفت مع عزوف المشاهد بعد أن
تم سحب الدعم الموجه للانتاج السينمائي منذ سنة 1978 مع بداية الانقلابات
العسكرية، حيث تم العزوف عن الانتاج السينمائي والعرض السينمائي”. وعن واقع
صالات العرض قال دندو: “صالات العرض كانت موجودة في نواكشوط في الستينيات
وحتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، حيث بلغ عددها 9 صالات عرض وأيامها
كان سكان المدينة لا يتجاوز 450 ألف، والآن وصل سكان نواكشوط مليون ونصف
ولا يوجد ولا صالة عرض إلا الصالة التابعة للمركز الثقافي الفرنسي والحكومة
الموريتانية لا تدعم الإنتاج السينمائي ونحن إلى هذه اللحظة، لا نستفيد من
أي دعم رسمي لإنتاج أفلامنا”. وعن النجاح الذي حققه المخرج عبد الرحمن
سيساكو مع أفلامه المتتالية وآخرها “تمبكتو” الذي عرض بمسابقة مهرجان كان
السينمائي الأخير وتأثيره على الانتاج السينمائي بموريتانيا قال دندو:
“السينما الموريتانية بدأت بداية طبيعية ثم حدث التوقف والقطيعة ليأتي عبد
الرحمن سيساكو وانتاجه لفيلم “بانتظار السعادة والنجاح العالمي الذي حققه
ليكون بداية فعلية جديدة للعمل السينمائي في البلد. وأنا أتوقع أنه بعد
انتاج تمبكتو سيكون هناك انعكاس إيجابي حيث بدأت صحوة نقدية من خلال وجهات
نظر متعددة تناقش الفيلم وتفتح على هموم واشتغالات الإبداع السينمائي
بالبلد. باختصار، فيلم تمبكتو ومشاركته في كان سيشكل نقلة نوعية في السينما
لأن الوزارة في موريتانيا بدأت أخيرا تفكر في دعم السينما الموريتانية،
ونحن ننتظر أن تشهد السينما الموريتانية انتاجات جديدة مميزة”، ويرى سالم
دندو أن الضجة التي رافقت فيلم تمبكتو لسيساكو لا تعبر كلها عن واقع صحي:
“فالناس الذين هاجموا الفيلم لأفكاره السياسية والدينية لم يشاهدوه وأيضا
الذين دافعوا عنه لم يشاهدوه، وأنا لا أؤمن بشخص يطلق حكما على عمل إبداعي
بدون الاطلاع عليه”.
ودخل عدد من المخرجات ميدان الإخراج السينمائي في أفلام تسجيلية وروائية
قصيرة أولى في موريتانيا، البلد الذي يفتقر إلى الإنتاج السينمائي، وذلك في
ظل الانشغال الرسمي عن رعاية الفن، إلى نظرة المجتمع بشكل عام إلى الفنون،
وبخاصة ما له علاقة بالتصوير، متحركا كان أو ثابتا، إنطلاقا من رؤية
أصولية، ومن التجارب النسوية الجديدة، المخرجة والممثلة الموريتانية “لالة
كابر” التي قدمت فيلم “مشاعر أخرى”، الذي أثار جدلا واسعا في الوسط
الموريتاني وحضر في مهرجانات سينمائية عربية وعالمية عديدة، عن توجهها
للإخراج السينمائي، تقول لالة كابر: “أنا في البداية اشتغلت ككاتبة صحفية
بقسم المجتمع في جريدة اسمها الوطن وبعد فترة حدثني الأصدقاء عن دار
السينمائيين الموريتانيين والتحضير لأول مهرجان وطني للسينما، فالتحقت
بورشات تكوينية بدار السينمائيين سنة 2010 وكانت أول مشاركة نسوية
موريتانية لي في عالم الإخراج مع فيلم مشاعر أخرى وهو أول فيلم لمخرجة شابة
وأول فيلم يتحدث عن الكبت وغياب التواصل ثقافة الحوار والانفتاح داخل
المنزل، وفيه شابة موريتانية تواجه الإقصاء العائلي، وتعاني من غياب يرفض
أخوها المتعصب أن تشاركهم نقاشاتهم المنزلية فتجد ضالتها في علاقة عاطفية
مع شاب موريتاني تنقاد معه للمنزل، فتقيم معه علاقة جنسية تفقدها بكارتها،
لتواجه بعدها مصيرها في المجتمع بعد أن تنكر لها الشاب ورفض الزواج منها…
ورسالة الفيلم هي الدعوة إلى المزيد من التواصل بين الأهل والمراهقات بعيدا
عن منطق الكبت، وأنا كمخرجة أرى أن لدي نمط خاص يقارب المشاكل الاجتماعية
المحظورة والتي لم يتناولها أحد قبل”. وحول الضجة التي أثارها الفيلم قالت
لالة كابر: “قبل ليلة عرض الفيلم بنواكشوط كتب عدد من الناس عبارات تهديدية
من نوع “لو كانت هناك مشاهد مخلة بالآداب فلا تلومي إلا نفسك”، أخذ هذه
العبارات صحفي مصري ونشرها في جريدته بصيغة مبالغة تحت عنوان “مخرجة
موريتانية تتلقى تهديدا بالموت” لينتقل الخبر عبر الإعلام ووسائل التواصل
الاجتماعي”، وعن مشاريعها الجديدة تقول لالة كابر: “أعمل على مشروعين
سينمائيين الأول فيلم كان مفترضا أن يتم تصويره مع مهرجان الأقصر بمصر،
ونتيجة تأخرهم بتقديم الدعم قررنا أن نقوم بإنتاجه نحن بمشاركة جزائرية
ويتكلم عن حفاري القبور في موريتانية. أما الثاني فهو عن فتيات الليل ولكن
ليس كما العادة من وجهة نظر المجتمع لهن ولكن من وجهة نظرهن للمجتمع الذي
يقصيهن ويشتمهن ويرغب بوجودهن في آن واحد”.
كما كانت حاضرة بالحوار المخرجة مي مصطفى، بعد أن عاشت حياتها في ليبيا
عادت مي بعد اندلاع الثورة هناك وتصاعد نفوذ الجماعات المتشددة إلى بلدها
الأم موريتانيا، حيث بدأت حربها الخاصة هذه المرة بالصورة ضد تقاليد
مجتمعية ترى فيها تمييزا بحق المرأة. “مصطفى” سبقت وأن قدمت أفلاما قصيرة،
مثل “رائحة الماضي”، و«موعد انتظار” و«النهاية”، وشاركت بهم في العديد من
المهرجانات الدولية، بالإضافة إلى كونها تعشق أيضا التصوير الفوتوغرافي
والرسم، ولذلك قامت بإعداد ورشة خاصة لتعليم الهواة. تقول مي مصطفى لـ
“الجزائر نيوز”: “دفعني للإخراج السينمائي حب وشغف بالسينما والصورة فأنا
قبل الإخراج كنت أشتغل بالتصوير الفوتوغرافي وأحاول أن أمزج بين جماليات
الفنين، وأنا أرى أن السينما بإمكاناتها التعبيرية يمكن أن توصل أي رسالة
نعجز عن إيصالها بالطرق الأخرى. أنا أعمل على الريتم النفسي للناس
والتفاصيل الصغيرة بحياة الإنسان. كما أحب أن أطرح الأشياء المسكوت عنها في
المجتمع وخاصة مجتمعنا الموريتاني المغلق وخاصة ما يتعلق بقضايا النساء،
وبالوقت نفسه أحب أن أصنع شكلا آخر جديد بالسينما ومن هنا كان فيلم الذي
قدمته “النهاية”.
محمد عبيدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق